حرب ترامب على الصحافة

اخترت لكم 26 يناير 2017 0

كتب هشام ملحم في النهار: خلال زيارته لمقر وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إي) يوم السبت الماضي، قال الرئيس دونالد ترامب لجمهوره انه في حال “حرب مستمرة” على وسائل الاعلام، ووصف الاعلاميين بأنهم من أكثر الناس العديمي الصدق في العالم”.

هذا الاتهام المجحف جاء في سياق قول ترامب لموظفي الوكالة إنه سيدعمهم الى اقصى الحدود، وعليهم ألا يصدقوا “هراء” الاعلاميين بأنه في حال نزاع مع اجهزة الاستخبارات. طبعا، كلام ترامب يتناقض كلياً مع الحقائق، لأن سجله العدائي لأجهزة الاستخبارات وخصوصاً “السي آي إي” واضح وموجود في تصريحاته وتغريداته. وفي الاسابيع التي سبقت تنصيبه سخر ترامب من انجازات الوكالة، واتهمها دونما دليل بتسريب معلومات ملفقة عنه، ووصل به الامر الى حد تشبيه أساليب الوكالة بالاساليب النازية. ومع ذلك يتهم ترامب الاعلاميين بممارسة الكذب والتضليل.

حرب ترامب على الصحافيين صاحبت حملته منذ بدايتها. صحيح ان بعض البرامج الحوارية على بعض شبكات الكابل كانت تستضيف ترامب أكثر من غيره من المرشحين الجمهوريين في بداية الانتخابات الحزبية، وهذا يعود الى أنه معروف كمقدم لبرنامج تلفزيوني، ولانهم رأوا فيه شخصية ظريفة وترفيهية تجذب المشاهدين. وبعد تقدمه في استطلاعات الرأي، وبعد ترحيب قاعدته بأسلوبه الفظ والصدامي ضد منافسيه وعدم استيائهم من مبالغاته وشطحاته وحتى أكاذيبه الواضحة، رحب جمهوره بهجماته واتهاماته للاعلام، وهو الذي يدرك ان صورة الاعلام سلبية أصلاً في الاوساط التي تؤيده.
من الواضح ان لترامب ميولاً ونزعات أوتوقراطية تسلطية، كما ان نرجسيته المفرطة تجعله بالغ الحساسية ليس فقط تجاه النقد، بل أيضاً تجاه الحقائق. وهجماته المتكررة على كبرى الصحف مثل “النيويورك تايمس” و”الواشنطن بوست” وشبكات التلفزيون الرئيسية – باستثناء “فوكس” التي يثني عليها – هي في الواقع هجمات على الدستور الاميركي وتحديداً التعديل الاول للدستور والمتعلق بصون الحريات الفردية: حريات التعبير والمعتقد والتجمع وغيرها، وهي في جوهر الديموقراطية الليبرالية.

حرب ترامب على الاعلاميين وأكاذيبه الواضحة، فرضت على الصحافيين المحترفين مناقشة سبل التعامل مع هذا الخطر الذي يهددهم جميعا. التيار المتنامي يدعو الى مواجهة ترامب مهنياً والتضامن مع الصحافيين الذين يستثنيهم للتجريح والاهانات ورفض السماح لهم بطرح الاسئلة عليه، كما جرى مع مراسل شبكة “سي أن أن” في المؤتمر الصحافي الاول. وبينما كان المحررون يصفون أكاذيب ترامب بأنها “مبالغات” أو القول إنه لا يقول الحقيقة، لوحظ في الايام الاخيرة تغيير ملحوظ حين بدأت صحف كبيرة مثل “النيويورك تايمس” تصف تصريحات ترامب في عناوينها بأنها “كاذبة”. حتى الاوتوقراطي ترامب سوف يجد في الصحافة الاميركية رقيباً لا يستهان به.