تعذيب المساجين: طريق سريع للنيل من المشنوق؟

قالـوا عنه 22 يونيو 2015 0

لا تختلف مشاهد التعذيب بين بلد وآخر وبين معذِّب (بكسر الذال) وآخر، كما لا تختلف المشاعر الانسانية المتعاطفة مع انسان معذَّب (بفتح الذال) حتى ولو كان سجيناً لان السجين يبقى انساناً، وتعذيبه ليس الطريق الى اصلاحه.
هذا ما شعر به كل من شاهد شريط الفيديو الذي انتشر ويظهر عنصراً من قوى الامن الداخلي يمارس وسائل التعذيب على سجناء في سجن رومية، فيما كان زميله على ما يبدو يصوّر المشهد على طريقة الاميركيين في سجن “ابو غريب”… وقفت المشاعر الانسانية صارخة منددة ومستنكرة بطبيعة الحال، فالتعذيب مؤلم لمن مورس بحقه وايضاً لمن يشاهده، والمطالبة بمحاسبة المسؤول او المسؤولين عن هذه المشاهد الفظيعة واجب وفرض اخلاقي وقانوني.
ولكن “الحشريّة” الاعلامية طالبتنا ايضاً بأخذ حقها، خصوصاً وانها استشعرت وجود “قطبة مخفية” وراء كل هذه المسألة، ساهمت في تغذيتها ما توقف عنده عدد من المراقبين الذين اعتبروا ان الضحية من وراء هذا الفيديو ليس فقط السجناء، انما وزير الداخلية نهاد المشنوق، ودعم هذا البعض فكرته بالمعطيات التالية:

1- التوقيت المريب لتسريب الفيديو الذي لم يتم تصويره حديثاً (ولو ان مضمونه غير الانساني يبقى نفسه في كل زمان)، في وقت يشهد فيه الخط السياسي للمشنوق تصاعداً سريعاً على عكس غيره من سياسيي قوى “14 آذار” او حتى من داخل كتلة “المستقبل”، فهو بات منفتحاً على كل القوى السياسية في لبنان، كما تردد اخيراً انه بات القناة المعتمدة من “تيار المستقبل” مع رئيس تكتل “التغيير والإصلاح” العماد ميشال عون بدلاً من النائب السابق غطاس خوري. فلماذا تمّ تسريب الفيديو في هذا التوقيت بالذات، خصوصاً وان شيئاً لم يحصل في الآونة الاخيرة على خط سجن رومية او خط السجناء؟

2- ما ان تم نشر الفيديو حتى بدأت الانباء تنتشر عن دعوات للتجمع في طرابلس من اجل المطالبة باقالة وزير الداخلية، في وقت لم يعرف ما اذا كان المعذّبون من طرابلس  فقط او سواها من المناطق ايضاً. كما انه اذا كان الوزير يتحمل مسؤولية سياسية، لماذا لم تتم المطالبة باقالة المسؤولين العسكريين المباشرين او وفق السلسلة العسكرية وصولاً الى وزير الداخلية؟
3- ان تحمل الوزير المشنوق المسؤولية هو فعل طبيعي كونه وزير للداخلية، ولكنه ارفق هذا الموقف بعبارة خلال كلامه عن الموضوع مفادها ان استغلال هذه القضية سياسياً هو “قلة اخلاق”، ما يعني انه كان يعلم بأنه “ضحية” مشروع سياسي وان القضية لم تشتعل على خلفية انسانية.

4- مسارعة بعض السياسيين للدفاع عن السجناء المسلمين حيث اخذوا القضية الى منحى طائفي ومذهبي لشد العصب السني (لان وزير الداخلية مسلم سنّي والهدف هو تقليص شعبيته داخل المذهب السنّي لابراز غيره من السياسيين). واللافت ان العديد من السياسيين الذين كانوا في موقع المسؤولية سابقاً ومنهم من كان في الموقع السنّي الاول، لم يحركوا ساكناً حين كانت احداث سجن رومية تتواصل كمسلسل مكسيكي طويل، وحين كان السجناء يحتجزون عناصر من قوى الامن كل فترة، وحين كان يتم اقتحام مباني السجون وتليها وعود بتحسين ظروف السجناء، او حين تردد اكثر من مرة ان تسهيلات كثيرة كانت تحصل عبر عناصر الامن داخل السجن لتمرير مواد واجهزة وغيرها من الامور للسجناء، وحين كان سجن رومية “امارة”، فلماذا لم يتحرك هؤلاء عندها ويعملوا بما يطالبون به حالياً؟

5- ان ما سهّل جعل الوزير المشنوق هدفاً في هذه المسألة ايضاً، هو التحرك الذي قام به في سجن رومية وتوليه مسؤولية تأهيل السجن وانشاء مبان فيه. هذا الامر وضعه في خانة الاستهداف المباشر، كما ان المناقلات التي اجراها الضباط والعناصر قبل نشر الفيديو، تركت تساؤلات حول ما اذا كان اتخذ هذا التدبير لعلمه بما حصل اثناء المداهمة للمبنى “د” ام لا.
ليس مشهد التعذيب صك براءة لاحد، بل هو صك ادانة لمرتكبيه والمحرضين عليه، ولكن هل يمكن لمرة واحدة ان تمر الامور في لبنان وفق القنوات الطبيعية لها؟ بمعنى الا يتم تسيييس الامور فتفقد معناها واهدافها وتتجرد من المشاعر العفوية وتصبح سلاحاً بأيدي اناس لتغليب مصلحتهم السياسية وغير السياسية على المصلحة العامة