“ترانزيت” مع نجاة شرف الدين – اتفاق الدوحة المشؤوم

مقابلات تلفزيونية 09 فبراير 2009 0

س- هل تفاجأت بمشهد 14 شباط وهل فاجأك الحضور ؟
ج- على عكس كل المناقشات التي سبقت 14 شباط ، كنت متأكدا ان الناس ستكون حاضرة بهذا الحجم وربما أكثر لثلاثة اسباب :
الأول – هو انني مقتنع بأن جمهور رفيق الحريري، لايزال على صلته المباشرة السياسية بمسألة إغتياله وبمسألة دعم سعد الحريري بعده.

الثاني: هو ان هذا الجمهور ايضا، والذي أحرص على تسميته دائما جمهور رفيق الحريري، هو اوسع من أي إطار حزبي أو أي طائفة هو عابر للطوائف وللأحزاب، ربما هناك من يضع هذا الجمهور في إطار 14 آذار ، ولكنني لم أسمّه ولا مرة جمهور 14 آذار، لأن إطار 14 آذار فيه عناوين كثيرة ،ولكن ما يجمع كل هؤلاء هو عنوان واحد، هو انهم الجمهور الذي نشأ بعد إغتيال الرئيس الحريري، وبالتالي أنا أسميه جمهور رفيق الحريري .

هذا الجمهور نزل أولا: لالتزامه بموضوع الصلة السياسية، والقناعة بالرئيس الحريري وبمتابعة هذا الأمر مع النائب سعد الحريري، والأمر الثاني، ان نزولهم هو إعتراض على الإغتيال وإحساسهم بأنهم يستطيعون الإعتراض على الإغتيال، ويستطيعون التعبير عن رأيهم بحرية ، لأن مسألة الإغتيال ليست خاضعة للنقاش، هذه مسألة جامعة لكل الناس .

بالتأكيد هناك الكثيرون ممن نزلوا معارضون للإغتيال، ومطالبون بحريتهم بأن يقولوا رأيهم ويعبّروا عنه بشكل واضح.

العنصر الثالث: برأيي الذي حقق الحضور، هو الرد على 7 أيار ، ماحدث في 14 شباط هو احسن وسيلة تعبير سلمية، للإجابة على ما حدث في 7 أيار وأكرر القول سلمية هي أحسن وسيلة رد سلمية مدنية على ما حدث في 7 أيار .

س- هذا يعني ان 7 أيار، مازال محطة أساسية يثير ردود الفعل عليه ؟
ج- رد الفعل على 7 أيار بالمعنى السلمي، ودعينا نوضح مامعنى رد فعل لأن هناك نقاشا حول كلمة رد الفعل .

ما شاهدناه في 14 شباط هو تعبير صحي وسليم ، عن حق الناس بالتعبير عن رأيها وحريتها بالإعتراض السياسي العلني عن الذي حصل في 7 أيار، لا نستطيع ان ننكر انه لو سألنا كل الناس لماذا نزلوا؟ فلا شك ان الكثير منهم سيكون جوابهم ان هذا رد على 7 أيار .

س- في مقالك الذي كتبته في صحيفة ” السفير” بعد سبعة أشهر من التوقف تحت عنوان “عودة من الجرح واليه ” . وانت تتناول دائما في مقالاتك موضوع 7 أيار وموضوع اتفاق الدوحة ، سأقرأ مقطعا صغيرا من هذا المقال:” لم تتحقق الموازين الدستورية بل حصرت السنوات الأربع الأخيرة بجرائم دستورية، ليس آخرها الثلث المعطّل في إتفاق الدوحة، الثمرة المحرمة للسابع من أيار ولا هنئ المواطنون بانتظام حياتهم، بين جنازة وأخرى لرموز منهم يتطّلعون إليهم على انهم المدافعون عن حقوقهم، من سياسيين وكتّاب ومعنيين بالشأن العام . كل هذا بعد 15 سنة من 1990 الى 2005 من الترجمة السورية للدستور اللبناني وتثبيت قاعدة الترويكا الرئاسية التي شجعت كل رئيس من الثلاثة جمهورية، حكومة ونواب على أن يكون حاجزا طياراً لمسعى الرئيس الآخر ؟
ج – أريد أن أسألك بعد الذي حصل بعد تظاهرة 14 شباط – آذار مباشرة وسقوط قتيل و23 جريح، أليس هذا تأكيداً على ما كتبته في المقال؟

عمليا ماذا حصل بعد تظاهرة 14 شباط أثناء عودة الناس الى بيوتها ، وقع 30 جريحا ربما وقتيل، وهذا الأمر يؤكد ان مسألة القدرة عند المعارضة على التصرّف عسكرياً حتى ولو بالسكاكين والعصي تجاه جمهور رفيق الحريري، لاتزال واردة ومنفذّه .

س- ماذا فعل إتفاق الدوحة ؟
ج – إتفاق الدوحة أسس لخطأين كبيرين .
الخطأ الأول : هو قانون الإنتخاب الذي وضع الناس جميعا في كانتون الطوائف، فعندما نقول قضاء، أصبح كل واحد يترشح في ما دون طائفته، بمعنى إذا كان لطائفته امتداد في قضاء آخر هو لا يمكن أن يمثله، وبالتالي أصبح حجم تمثيله أقل بكثير . وهذا القانون هو قانون 1960 ، وهذا يعني إننا نرجع 50 سنة الى الوراء ، وهذا أمر مناقض لأي منطق وأي عقل وأي تقدّم وأي تطور .

الرأي الشائع اليوم، ان هذا يخدم الاقلية المسيحية في البلد، أنا أعتبر ان هذا خطأ شائعا وليس حقيقة شائعة .
الخطأ الثاني: هو إفتعال سابقة دستورية بتشكيل مجلس الوزراء، أعني الثلث المعطّل أو الثلث الضامن، والذي إعتبره من جديد الأمين العام لـ “حزب الله” انه حقيقة واقعة يجب ان تنفذ مهما كانت نتيجة الانتخابات القادمة ، يعني سواء فازت المعارضة فهي ستصر على إعطاء الأكثرية الثلث الضامن، وهو يعرف ان هذا لن يحدث ، وإذا فازت الأكثرية فهو مصر على أن يكون للمعارضة الثلث الضامن، وهذا الأمر برأيي لن يحصل، ولكن لست متأكداً. ولكنني من الواضح انه سابقة مخالفة للدستور، يصرّون عليها تحت عنوان وهمي اسمه التوافق.
التوافق السياسي في لبنان، والتمثيل السياسي في لبنان، يتم في مجلس النواب، لا يوجد تمثيل وتوافق في مجلس الوزراء، ومجلس النواب هو الجهة التي تمثل اللبنانيين جميعا سياسيا، لذلك يسمّى النائب نائبا عن الأمة ، هؤلاء النواب هم التقسيم السياسي للبلد، ولكن عندما ننقل هذا التقسيم السياسي إلى الحكومة، فمعنى ذلك تعطيل مجلس النواب بصفته جهة رقابية على أعمال الحكومة وهو مخطط لسياستها ، والحكومة تنفذ هذه السياسة، وفي نفس الوقت تع’ل للحكومة لأن اصبحت ملعباً للصراع السياسي . هذان الخطأان الكبيران إرتكبا في إتفاق الدوحة .

س- تقول ان اتفاق الدوحة كرس خطأين ، ما الذي أرغم قوى الأكثرية على القبول بهذين الخطأين
ج- كان واضحا ان إستباحة بيروت عسكرياً في ذلك الحين، والمعارك الجزئية أو الفرعية التي وقعت في الجبل مع الحزب التقدمي الإشتراكي، أو في بعض القرى الدرزية هو الذي اجبر الأكثرية على القبول بهذا الإتفاق، تحت شعار أننا نحصل خلال هذا الوقت على إنتخاب لرئيس الجمهورية. ولا أعتقد ان هذا كان كسبا للأكثرية، وإذا كان مكسبا فهو لكل اللبنانيين في المعارضة والأكثرية.

س- خلال وجود الأطراف اللبنانية في الدوحة ، أجريت إتصالا بالنائب سعد الحريري ماذا قلت له
ج – سألته ماذا يحصل في الدوحة؟ وإستغربت أن تجري الأمور بهذه السرعة بالإتجاه الذي حصل، ولكن لم يكن واضحاً عندي ولا هو أوضح لي حجم الضغوط أو طبيعة المفاوضات الجارية في ذلك الوقت. وبالتالي حصل كلام جدي في البداية ، قبل ان يمازحني، بالتالي، لا أستطيع أن أقول انه دار نقاش جدي خلال هذا الاتصال، وكان واضحاً انه في جو آخر وفي ضغوط أخرى وبنتائج أخرى، وبالتالي لا أستطيع ان أضع نفسي مكانه، لانني كنت جالسا أفكر بعقل بارد وباستنتاجات سياسية مختلفة .

س- هل تعتقد اليوم ان قوى 8 آذار أو قوى المعارضة، تحاول أيضاً تكريس واقع آخر من خلال إتفاق الدوحة ؟
ج – أعتقد انه بعد إعلان السيد نصرالله اول أمس، بات واضحا ان المعارضة قررت، وهي متأكدة ومصممة، على إستمرار تطبيق إتفاق الدوحة ببنده المتعلق بالثلث المعطّل أو الضامن في مجلس الوزراء.

أيضاً يقول سماحة السيد حسن “الأفضل أن نختلف في مجلس الوزراء، على أن يكون الخلاف في الشارع” ، ولكن ما يحصل هو الأمران ، فمن جهة يحصل خلاف في مجلس الوزراء وتمضي ساعات في الجلسة دون إتخاذ أي قرار حاسم بأي موضوع ، ومن جهة تحصل إشتباكات في الشارع التي أدت الى الإعتداء على جمهور رفيق الحريري يوم 14 شباط.

س – هل تحاول القول ان إتفاق الدوحة نسف إتفاق الطائف ؟
ج – هذا استنتاج مبكّر أو متسرّع. إتفاق الدوحة وضع اللبنة الأولى، بامكانية طرح تعديل إتفاق الطائف، رغم كل مايقال ورغم الرفض ورغم كل شجاعة الرئيس بري بالدفاع عن الطائف، ورغم إنكار السيد نصرالله لرغبة الحزب بتعديل الطائف، ولكنني مقتنع سواء عن خطأ أو عن صواب، بإن اتفاق الدوحة وضع اللبنة الأولى لعُرف سيقرر لاحقاً، بشأن إمكانية تعديل الطائف، وهي مسألة لا يقررها إتفاق الدوحة فقط، وإنما ايضا موازين القوى نتيجة الانتخابات، وموازين القوى في المنطقة، فاتفاق الدوحة ليس إتفاقا داخليا فقط هو إتفاق عربي ودولي كبير .

س- أميركي ايضاً؟
ج – طبعاً أميركي في ذلك الحين، ولكن اليوم هناك إدارة أميركية جديدة لا أعرف رأيها بالموضوع، ولكنني أعتقد ان هناك رغبات جدية عند أطراف داخلية، وعند أطراف إقليمية لتعديل إتفاق الطائف، حين حدوث أي خلل في موازين القوى، وهذا حدث قبل إتفاق الدوحة، فعندما وقع الخلل في موازين القوى تحقق إتفاق الدوحة، وأي خلل آخر لاسمح الله بشكل او بآخر كبيرا كان ام صغيرا، قد يحدث تعديلا استراتيجيا في الطائف .

الظاهر هو عكس ما أقول، ولكنني مقتنع بأنه اذا طرأ أي خلل على موازين القوى لصالح المعارضة أو لصالح القوى المتحالفة مع سوريا، سنصل الى نتيجة من هذا النوع.

س- من بعد 7 ايار كتبت:” من يعتذر لبيروت” هذا المقال الذي أثار جدلاً ومن بعده توقفت سبعة أشهر عن الكتابة ، وجاء في هذا المقال:” غادر منطق الزمالة بين الدولة والمقاومة ساحات الحوار الجدي، رغم كل أشكال الذي يقال هذه الأيام، فمنطق المقاومة تجاوز التحرير، وفك أسر الأسرى في السجون الإسرائيلية، لتصبح المقاومة واجباً دفاعياً لاحدود زمنية ولا قواعد جغرافية محدّدة لإرادته .

من هنا يأتي إتفاق الدوحة بنتيجته الفعلية تجميدا للحياة السياسية، أو شراءاً للوقت الى حين استكمال الخطوة الثانية من الإنتخابات النيابية المقبلة، التي تنتظر منها المعارضة بقيادة “حزب الله” نتائج تجعلها تدخل الى المرحلة المقبلة، من تغيير النظام بالوسائل الديمقراطية” .. هل مازلت على رأيك ؟
ج- طبعاً من خلال الوسائل الديموقراطية أنا لا أعترض على أي نتيجة ستحصل، لأن صندوق الإقتراع بالنسبة لي مقدّس، وأي نتيجة تصدر عن صندوق الإقتراع سألتزم بها اياً كانت النتيجة، في فلسطين وفي لبنان وفي أي مكان يوجد صندوق إقتراع حر الى حد كبير ، ويعبّر عن رأي الناس، وبالتالي لازلت عند هذه القناعة ومصرّ عليها، ولكنني أريد ان أقول الآن اني غير مقتنع بأن المعارضة ستحقق أكثرية في الإنتخابات، وهذه هي المسألة متغيرة وليست ثابتة . لذلك كان واضحاً من كلام السيد ان هناك إصرارا على الثلث الضامن اياً كانت نتائج الإنتخابات، وهذا يعبّر أكثرعن ان هناك رغبة في الإمساك بالقرار السياسي عند المعارضة اياً كانت نتائج الانتخابات .

س- من المحطات والتحولات الأساسية كانت محطة 2006 في حرب تموز، التي كرّست إنقساماً كبيراً بين اللبنانيين، ولكن ما مدى علاقة محطة حرب تموز بمحطة 7 أيار وإتفاق الدوحة ؟
ج- 7 أيار نتيجة صغيرة جداً لحرب تموز، التي وضعت قواعد جديدة لمسائل كثيرة:
أولا : وضعت قاعدة جديدة لقواعد الحرب في المنطقة، إذ تمكنت فئة مسلحة ومدربة تدريباً عالياً من أن تقاتل الجيش الإسرائيلي الذي يعتبر من الجيوش المتقدمة بالعالم لمدة 33 يوما، دون ان تتراجع بشكل جدي، ودون ان تسلّم سياسيا ، بمعنى انه في كل هذا القتال لم يستطيعوا أن يأخذوا منهم أكثر من القرار 1701 الذي كان خلاصة تفاهم عربي ودولي كبير.

هذه مسألة خلقت واقعاً جديداً بأن هناك جهة تستطيع مقاومة الجيش الإسرائيلي، بدون أن تكون جيشاً منظماً ،وهذه مسألة لم تكن متوفرة في الصورة العربية سابقاً .

س- لماذا كانت اذاً مسألة خلافية ؟
ج- مسألة خلافية لأنه بنتيجتها أصبح هناك مدرستان :
مدرسة تقول بانه لايجوز إلا مقاومة إسرائيل عسكرياً .
ومدرسة أخرى كانت سائدة خلال الثلاثين سنة الماضية، تقول ان تحصيل الحقوق من الحكومة الإسرائيلية يكون بواسطة المفاوضات الدبلوماسية، والضغط عليها عبر إتصالات دولية وعبر الإدارة الأميركية والإتحاد الأوروبي، أو عبر أي قوة قد تشاركنا في الضغط على إسرائيل.

جاءت حرب تموز لتقول، ان هذه المدرسة الجديدة تستطيع أن تقاتل إذا أعلنت إسرائيل انها تريد ان تعتدي على لبنان، بمعنى انه اذا دخلت إسرائيل لتعتدي على لبنان فهناك فئة عسكرية أهلية، وليست تابعة للدولة ولا هي جيش منظّم تستطيع أن تصمد وتقاتل الجيش الإسرائيلي لمدة 33 يوماً وهذا خلق سابقة جديدة في المنطقة يمكن الاحتذاء بها في أكثر من مكان .

س – لكن كانت إيجابية وسلبية للبنان ؟
ج- انا أتحدث عن الجانب الاستراتيجي من الموضوع .
اللبنانيون أيضاً إنقسموا بمعنى الإنقسام الإقليمي نفسه ، اناس يقولون بأننا نريد إتباع المدرسة الدبلوماسية والمفاوضات للوصول الى حقوقنا، وانه باستطاعتنا حماية أنفسنا بواسطة هذه الدبلوماسية ، ومجموعة أخرى كبيرة أيضا تقول، بأن نموذج “حزب الله” هو النموذج الذي يجب ان يحُتذى.

المشكلة في المدرسة الأولى التي تقول بالمفاوضات الدبلوماسية، والتي مضى عليها 30 سنة وهي تفاوض لم تستطع تحقيق نتيجة .
أما المشكلة في المدرسة الاخرى التي تقول، بأن القتال هو الوسيلة الوحيدة لمخاطبة الإسرائيلي والذي هو المحور السوري – الايراني، فتكمن في ان هذا القتال لايتم على الجبهة السورية يتم فقط على الجبهة اللبنانية .

س- لكن في نفس الوقت تزامناً مع حرب تموز، كان هناك مفاوضات على الجبهة السورية مع اسرائيل ؟
ج- اذا رجعنا الى المفاوضات، فأول مفاوضات غير مباشرة بين سوريا وإسرائيل بدأت في بداية العام 2004، لكنها اُعلنت مؤخراً، وهذا ليس سراً، وقد أعلنه رئيس الجانب الإسرائيلي في المفاوضات، وهذه واحدة من النتائج التي تمت ومن العناوين الكبرى التي تمت، بين إغتيال الرئيس الحريري رحمه الله، عام 2005 وبين آخر مهرجان في 14 شباط .

لنرجع الى حرب تموز، هذه الحرب خلقت مدرستين بالتعامل مع العدو الإسرائيلي، سواء كان محتلاً لأرض عربية أو غير محتل بمعنى أو بآخر .
مدرسة تقول باستمرار التفاوض الدبلوماسي، وهذه مدرسة لم تتوصل الى نتيجة منذ 30 سنة .

ومدرسة أخرى تقول بأن كل التدمير لايهم ولا النتائج مهمة، المهم اننا نملك القدرة على مقاومة إسرائيل، ولكن هذه المقاومة محصورة بالجبهة اللبنانية. لدى المدرستين نقطة ضعف استراتيجية، بمعنى ان من يفاوض دبلوماسياً لايستطيع الإدعاء بأنه توصل الى نتيجة، لأن المبادرات السلمية بدأت في عام 1980 و1983، وبعدها المبادرة العربية للسلام عام 2002 في بيروت وقمة الرياض 2007 وحتى الآن ، الإدارة الأميركية لم تستطع التقدّم أي خطوة الى الأمام خلال 8 سنوات، رغم ان وزيرة الخارجية الأميركية، كما يُقال كسّرت أعتابنا لكثرة زياراتها الى المنطقة.

نقطة الضعف الثانية: ان التحالف السياسي الآخر المعلن منه إيران وسوريا وحماس و”حزب الله” يحصر القتال بالجبهة اللبنانية، ومؤخراً بالجبهة الدائمة التي هي الجبهة الفلسطينية بينما الجبهة السورية المحتلة أرضها، لا تملك نفس المعايير بالتعامل مع الإحتلال الإسرائيلي .

اذاً لكل مدرسة من هاتين المدرستين نقطة ضعف استراتيجية، واستعمل اللبنانيون نقطتي الضعف في المشروعين، اناس دخلوا دفاعاً عن سياسة ودبلوماسية لم تحقق نتيجة فعلية، واناس دخلوا دفاعاً عن القتال بصرف النظر عن التدمير الذي أحدثه، والذي كان محصوراً بالجبهة اللبنانية ، وهذا يقوي الإنقسام بين اللبنانيين.

لنفترض ان هناك لبنانيين قالوا نريد أن نفاوض على الطريقة السورية، وبالتالي لماذا يُسمح لسوريا أن تفاوض دبلوماسيا لاسترداد أرضها المحتلة، وغير مسموح لنا. والمطلوب منا القتال وتحمّل الخسائر والدمار وبالتالي ماذا سنقول لهؤلاء؟ .

س- ما طرحه مؤخراً “حزب الله” وطرحه السيد حسن نصرالله ،هو الإستفادة من ورقة المقاومة في أي تفاوض؟
ج- طبعاً هذا أمر منطقي، ولكن من سيستفيد ومن سيفاوض وبيده هذه الورقة، السوري أم اللبناني؟ فاذا قلنا اللبناني، من هو هذا اللبناني وأي لبناني في ظل الوضع السياسي الحالي، قادر على التفاوض أولا، وثانيا قادر على الإستفادة من ورقة المقاومة ؟ هذه معادلة سليمة ولكنها قديمة، هذه معادلة قامت على تجربة تفاهم نيسان 1996 الذي أداره الرئيس حافظ الاسد والرئيس رفيق الحريري وورن كريستوفر وزير الخارجية الاميركي، كانت طبيعة أخرى واناس آخرون وظروف مختلفة .

على كل، اليوم نتائج الإنتخابات الإسرائيلية ألغت الى حد كبير كل هذه المفاعيل، وأصابت كل منطق التفاوض الدبلوماسي بضعف شديد، ولم يعد ممكنا للدبلوماسية أن تدافع عن نفسها رغم كل نيتها الطيبة، ولكن لايزال الضعف في المشروع الآخر موجودا، يعني كلا المشروعين لديهما نقطتي ضعف رئيسيتين واللبنانيون إنقسموا حولهما…

س- على كل الانقسام اللبناني ليس قائماً على هذا الموضوع فقط ؟
ج – أنا أتحدث عن نتيجة الحرب، فالحرب حققت اولاً نموذجاً جديداً بمسألة مواجهة الجيش الإسرائيلي .
ثانيا حققت إنقساما حول مشروعين إقليميين لكل منهما وجهة نظر، بمسألة مواجهة الجيش الإسرائيلي.
ثالثا “حزب الله” بطبيعة النتيجة التي حصلت أصبح مطالبا ، وهو يُطالب أيضاً بتحسين شروط وجوده السياسي داخل الصيغة اللبنانية، وكذلك بعد القرار1701 إرتدوا الى الداخل وبدأوا بالصراع الداخلي الذي عاش لفترة طويلة حول عناوين كثيرة منها المحكمة، خروج وزراء الحزب والحركة من الحكومة، إغتيال جبران تويني والوزير بيار الجميل ، وليد عيدو، انطوان غانم وغيرهم .

يعني كل هذه الأحداث أوصلت الى مكان لم يعد بالإمكان الرجوع عنه، الى أن وصلنا الى القرارين الشهيرين واللذين تراجعت عنهما الحكومة بعد ذلك، مما أدى إلى نتيجة مفادها أن إمكانية التفاهم دون إستعمال الضغط غير ممكنة، فلذلك إستعملوا هذا الضغط من وجهة نظرهم وحققوا إتفاق الدوحة .

أما الناس سلمياً ومدنيا في 14 شباط حاولت الإجابة، أو أن تقول أن 7 أيار ليس له مفعول علينا نحن المدنيين المسالمين، ونستطيع التعبيرعن وجهة نظرنا دون سلاح ودون الإحتكام الى السلاح، ولكنهم ردّوا عليهم، في 14 شباط، بالسكاكين والعصي مما أدى الى وقوع قتيل و30 جريحا .

س- في مقال كتبته في 20/11/2006 تقول فيه: “إلا المحكمة يا دولة الرئيس” وتقول: “العنصر الاساس في رفض الشراكة في المحكمة ذات الطابع الدولي، من الإدارة السياسية للطائفة الشيعية، هو العلاقات التاريخية بين النهضة السياسية لهذه الطائفة، وبين النظام السوري منذ عام 1970 حتى اليوم”، وتقول: “أستطيع القول من موقع المحاور للرئيس بري، انه ملتزم بأمرين :الأول حفظ المقاومة، والثاني هو الوفاء لصداقته مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري، هل هذه تمنياتك؟
ج- هي عناوين صحيحة، ولكن هذا لم يدفعه للوصول الى الإستنتاج الذي ناشدته من أجله، وهي الموافقة المباشرة على المحكمة، بمعنى الآن ان المحكمة ستعُلن رغم كل ما يُقال ستعُلن في الأول من آذار، وبالتالي أصبحت حقيقة وواقعا، ولكن دون أي موافقة فعلية من كل القوى المنضوية في المعارضة ، وهذا واقع .

س- لماذا توجهت الى الشيعة مباشرة ؟
ج- انا لا أستعمل تعبير الشيعة إنما تعبير القوى السياسية ، وأنا أقصد ان القوى السياسية المعارضة أيضاً، ليس فقط الشيعية لم تشارك في لحظة من اللحظات، ولا في مقطع من المقاطع ولا بمرحلة من المراحل بالموافقة الفعلية على المحكمة.

هذه مسألة وان أصبحت عمليا وراءنا، ولكن كل من إعتقد منذ بداية الإغتيال بأنه يستطيع تجاوز هذه الجريمة، وأن يتجاوزها مع أول لجنة تحقيق، ومع ثاني لجنة تحقيق ، ومع ثالث لجنة تحقيق، والآن اللجنة الرابعة باعتبار ان فيتزجيرالد لم يكن لجنة ولكن مرحلة من التحقيق. بعدها جاء ميليس وبرامرتس والآن بلمار، كل هؤلاء كانوا متوهمّين لأن هذا قرار دولي كبير لايمكن المساومة عليه، والتحقيق وإنشاء المحكمة مسألتان هناك إستحالة بالمساومة عليهما .
أولا : لأن التحقيق يقوم به عدد كبير من المحققين، وبالتالي لانستطيع أن نطلب من كل هؤلاء تجاهل الحقائق التي يعرفونها أياً تكن هذه الحقائق .

وثانيا: لأن انشاء المحكمة قرار إتخذ في مجلس الأمن الدولي بموافقة كل الاعضاء ، وبالتالي قيامها أمر حتمي ،أما الى أين يمكن أن توصل هذه المحكمة، أو متى يصدر القرار الظني، ومن ثم من يُحاكم ومن لا يُحاكم وكيف يُحاكم هذه مسألة خاضعة للنقاش.

اما المسألتان السابقتان فكل من يُناقش بهما يضيّع وقته، لأنه من المستحيل أن نستطيع منع التحقيق أو أن تمنع نشوء المحكمة.

هذا الجمهور الذي نزل في 14 شباط ايضاً، كان جزءاً من حركته ان المحكمة حاصلة، بمعنى ان شيئاً من قدرته على التعبير بتحصيل حقه المدني عبر القانون، هو انشاء المحكمة، وهذا تمّ حيث ان المحكمة ستُعقد بعد عشرة أيام أو أقل. أما المرحلة التي تليها فهي مرحلة أخرى وكل مرحلة منفصلة عن الأخرى بشكل أو بآخر ولكنها متصلة ومنفصلة.

س- هل ترى ان كل ما يحصل من تطورات لن يؤثر على المحكمة؟
ج- أنا أعتبر ان هذا التعبير خاطئ، لأن التحقيق شيء، والمحكمة شيء، والمحاكمة شيء آخر، وبالتالي هناك ثلاث مراحل وليس مرحلة واحدة، أي انها عملية واحدة ولكن بمراحل ثلاث .

لذلك لا أعتقد ان كل ماحصل من تطورات، أثرعلى إنشاء المحكمة، أوعلى إستعمال التحقيق، وبالعكس تبينت من تقرير بلمار الأخير وقائع جديدة مُلفتة للنظر، حيث تحدث ان التحقيق إستطاع الوصول الى علامات واضحة في مسألة التمويل، وهذه المرة الأولى التي يرد في تقرير للجنة التحقيق انه تم معرفة بشكل أو بآخر كيفية تمويل العملية.
والنقطة الثانية التي قالها بلمار في أحاديث صحافية لـ”لنهار” و”الأخبار” قال جملة محدّدة جاء فيها: “ان الأدلّة التي ستأخذ بها المحكمة ستكون فوق أي شك معقول” بمعنى ان التصوّر النهائي للجريمة وكيف حدثت وربما الأشخاص ، وكل المعلومات حول مسألة الجريمة يوحي وكأنها موجودة عنده، وان دوره هو ايجاد ادلة على ما لديه من وقائع لا تخضع للشك ، هذا تقدّم كبير.

تبقى الآن مرحلتان
الأولى: نشوء المحكمة.
الثانية: صدور القرار الظني الذي سيحدد إتهامات من وجهة نظر المدّعي العام، وهو في هذه الفترة الفاصلة، أي بلمار سيرفع قبعة المحقق وسيضع قبعة المدّعي العام، ولكن التحقيق مستمر وهو اعلن ذلك.

س- هل مازلت مقتنعا بما إقتنعت به عام 2005، حول سبب إغتيال الرئيس الحريري؟
ج- طبعا أنا لم اغيّر رأيي ولا لحظة وكل الوقائع التي حدثت بعد ذلك، شجعتني أكثر على إقتناعي الأول بأن الرئيس الحريري لم يقتل ثأرا، هو إغتيل لإزاحته من أمام إعصار سياسي قادم الى المنطقة، وكان ممكنا أن يكون من وجهة نظر الذين إغتالوه، كان ممكنا ان يكون جزءا من سد استراتيجي أمام هذا الإعصار السياسي المقبل، لأن من يعرف الرئيس الحريري عن قرب يعرف مدى إحترافه السياسي، ومدى صبره وقدرته على الحوار والتفاوض والمرونة، فاذا كنت لا توافق معه بالإقتناع توافق معه لأنك تتعب من الحوار. لذلك لا تستطيع أن تقول ان هذا الشخص، وأعني الرئيس الشهيد رفيق الحريري، إغتيل لأن هناك من يريد الثأر منه، بل إغتيل لأنه يجب إزالته من مسرح العمليات السياسية الجارية في المنطقة .

س- ايضا كتبت مقالاً في 18/12/ 2006 “رسالة من الاستاذ الى السيد” تقول فيه: “خرج الجيش الشقيق بشكل لا يليق بتاريخه ولا بتاريخنا، ولا بما نرغبه من حسن جوار وتوازن في العلاقات بين البلدين، تناوب اللبنانيون من أهلنا على الإساءة الى ما أردناه ذكرى حسنة للدور السوري؟
ج- كانت رسالة إفتراضية استعملت فيها شخص الرئيس بري بمعنى، وكأنه هو من يوجه الرسالة .

س- على كل حال لم يعترض الرئيس بري على الرسالة ؟
ج- هو لم يعترض، ولكنني لا أستطيع القول انه وافق، ولكنه حتما لم يعترض، ولكنه لم يبد موافقة .

أنا أردت من هذا المقال مسألتين: المسألة الأولى هي أن أحاول ان أحث أكثر على مسألة إقامة علاقات سورية- لبنانية طبيعية ، لأن كلمة مميزة وعظيمة في العلاقات تعد مبالغة، ليس لها أي ترجمة دبلومسية، وليست موجودة في أي قاموس، فالمطلوب بين لبنان وسوريا علاقات طبيعية ولكن بسبب الجروح الكثيرة المتمثلة :
اولا: الخروج السوري غير اللائق بتاريخ سوريا ولا بتاريخنا
وثانيا: التقرير الأول الذي صدر عن لجنة التحقيق الدولية برئاسة ميليس والذي إتهم به مسؤولين سوريين باغتيال الرئيس الحريري، هذه الجروح أثرت على اقامة مثل هذه العلاقات.

ان العلاقات الدبلوماسية التي اقيمت مؤخرا، هي محطة أولية وأمامنا وقت طويل لتصفية الأمور بيننا وبين سوريا وبين اللبنانيين عموما ليس في النظام، أي وزارة الخارجية ورئيس الحكومة ورئيس الجمهورية بين القوى السياسية اللبنانية وسوريا .

س- ما مدى تاثير عودة العلاقات السعودية – السورية على موضوع العلاقات اللبنانية – السورية ؟
ج- أعتقد ان ما يجري الآن هو حوار حول عودة العلاقات، وليس عودة العلاقات وما تمّ هو كسر الجليد في المرحلة الاولى في قمة الكويت، وفي المرحلة الثانية كانت زيارة رئيس المخابرات السعودية لدمشق ومقابلة الرئيس الاسد .

س- هناك زيارة للاسد الى الرياض؟
ج- هناك كلام عن دعوة ، ولكن هذا الأمر غير مؤكد، ولا شيئا رسمياً في هذا الإطار. وأنا أقول غير مؤكد، لأن هذا الأمر يجب ان يحصل قبل آخر آذار، موعد القمة العربية حيث يفترض ان تكون الأجواء أصفى مما هي حالياً، وان يكون هناك تفاهم رئيسي حول العنوان الذي سبّب الخلاف في قمة الكويت، وهو المبادرة العربية للسلام، هل هناك استمرار بتعليقها، برفضها بقبولها؟ هذه المسألة لم تحسم بعد، فمن يريد المدافعة عن إستمرارها حجته ضعيفة .

كذلك ماذا ستعطي للإادارة الأميركية القادمة حديثاً ، هل ستفتح معها باب الحوار وعلى أي قواعد؟هل يكون ذلك على قاعدة رفض مبادرة السلام؟ فليس أكيداً ان هذه النظرية سليمة، يعني يجب إيجاد أمر أقرب لإمكانية الحوار مع الإدارة الأميركية، مع الأخذ بعين الإعتبار من الجانب الإسرائيلي، ان الباب الإسرائيلي الآن مغلق امام المفاوضات، وأمام حل الدولتين اذا شكل بنيامين نتنياهو الحكومة. لذلك أقول ان كل مايُحكى بالمعنى الإيراني- الأميركي والسوري- الأميركي والسوري-السعودي، كل هذه العناوين الكبرى للحوارات في المنطقة لا تزال عناوين.

س- لكننا نلاحظ ان هناك الكثير من الوفود الأميركية تزور سوريا؟
ج- هذه كلها وفود من الكونغرس، وقد سبق ان زارت رئيسة الكونغرس دمشق أيام الرئيس بوش، السيء الذكر، فهذه .زيارات لا تقرر في السياسة، هذه أمور في اطار الود والإنفتاح ، ولكن ليس قرارا لأن القرار له طبيعة أخرى.

أعتقد ان كل هذه العناوين لازالت عناوين، وليست قرارات، هناك فرق بين ان تكون تلك، عناوين خاضعة للنقاش أو انها قرارت نهائية.

هذه العناوين ليست قرارات نهائية ولا يوجد قرار نهائي بالحوار الأميركي- الإيراني لأن هذا الأمر لا توجد له قواعد واضحة ومحدّدة حتى الآن ولا يوجد قرار نهائي بالحوار الأميركي – السوري أيضا، لأنه لم يحدّد تماما جدول أعمال هذا الحوار والى أين سيصل.

كذلك لم يتحدّد تماما في مسألة العلاقات السورية- السعودية غير تطبيع العلاقات، وحسب معلوماتي من غير الواضح الى أين وصلوا ؟ هل يمكن ان يزور الرئيس الأسد السعودية ، أو هل هناك دعوة؟ كل هذه الأمور غير معروفة حتى الآن.

س- أريد أن أستشهد هنا بما كتبت في احدى مقالاتك :”لبنان في عين العاصفة الإيرانية” في 22/5/2006 حيث تعود الى هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق عندما تقول: “ان الكرامة والمهانة مفردتان غير معترف بهما في المفاوضات السياسية”، ولكن من أين نأتي بكيسنجر للعلاقات اللبنانية-السورية؟
ج- فعلا وهو حتى الآن غير متوفر ولكن القسوة اللبنانية هي قسوة أفراد، أما القسوة السورية، فهي قسوة دولة، فمسؤولية الأفراد مهما كبرت فهي محدودة ولكن مسؤولية النظام الدولة المركزية تكون أكبر، لأن فيها قرارا جامعا لكل الناس.

على كل حال، أنا وصفت وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر لانه أسس مدرسة بالمفاوضات سمّاها مدرسة البازار الإيراني ، يعني بائع السجاد ، والتي فاوض على أساسها الفيتناميين. اليوم لم يعد سرا ان هناك مشروعا إيرانيا سياسيا في المنطقة ، يستفيد من حرب تموز ويستفيد من العلم الفلسطيني، ويستفيد من تحالفه مع”حماس” ومع “حزب الله” ومع سوريا، هذا أمر مُعلن.

س- أيضا كتبت مقالين في 19/9/2005 عن موضوع “إيران بين صانع السجاد وبائعه إنتهت الثورة، قامت الدولة، عاش المشروع”، والمقال الثاني “بين صانع السجاد وبائعه المشروع يتقدمّ، والآخرون يعدّون قطب السجاد”. هل مازلت اليوم على نفس الموقف؟
ج- اليوم أصبح الأمر واضحا ولم يعد موقفا، ما أصبح واضحا في المنطقة هو التالي :
أولا: أهم الأحداث الكبرى التي حصلت قبل فترة الإغتيال برأيي، كان الإحتلال الأميركي للعراق، الذي أراح النظام الإيراني من نظامين معاديين كليا ، طالبان في أفغانستان، والحكم البعثي في العراق، حيث نشأ نظام أكثري شيعي في العراق، وهذا الأمر الواضح خلّف وقائع جديدة ، وبالتالي لم ينشأ بمفرده في محيط لا علاقة له به، بالعكس هو مرتبط بمحيطه، والنظام العراقي الحالي أظهر المشروع الإيراني بأبهى صورة ، يعني حصل إمتداد من طهران الى بغداد ومن بغداد الى دمشق ، ومن دمشق الى لبنان، ومن لبنان إنضمت حركة “حماس” فهذا إطار واسع جدا في السياسة والعسكر، هذا المشروع الذي بدأ بعنوان العلم الفلسطيني، أصبح الآن معلنا والكلام عنه لم يعد سراً.

س- هل حقق هذا المشروع إنجازات ؟
ج- هو خلق وقائع جديدة لا يمكن تسميتها إنجازات، فما من شك ان المساعدات وتدريب الحزب أعطت نتيجة في حرب تموز ، أيضا حركة “حماس” المنتخبة من الشعب الفلسطيني هي إضافية لهذا المشروع.

ولكن كل هذه الوقائع بماذا ترغب؟ نحن نتحدث دائما عن هذه الوقائع باعتبار ان هناك مجموعة مستسلمة للسياسة الأميركية ومجموعة ترفض ، أعتقد ان هناك مجموعة متفهمة للسياسة الأميركية ولكن المجموعة الأخرى تطالب بالتفاهم ، وليس الإستمرار بالنضال حتى إسقاط النظام في اميركا ، هي تطلب التفاهم مع أميركا بشروطها. الفرق بين المتفاهمين وغير المتفاهمين ، ان غير المتفاهمين يطالبون بنفس الطرف وهو الأميركي ، ولكن لكي يتفاهموا معه بشروطهم، سواء الإيراني أو السوري أو حركة “حماس” بمعنى تمثيلها للسلطة. أما الحزب طبعا فهو ليس من هذا الفريق، بمعنى أنه لا يطالب بالتفاهم مع الأميركيين.

س- المشروع الإيراني كما تقول اليوم مُعلن ما هو المشروع التركي؟
ج- يوجد دائما منطقة عازلة بين تركيا وإيران، وهي العراق، الآن الإنضمام السياسي للنظام العراقي والتأثير الإيراني في العراق، جعل تركيا على حدود تماس مباشر مع إيران، وكأن حدودها تغيّرت ويبدو أن الأتراك صبورون، يعني لم يكن هذا إكتشافا، ما قلته عن القسم التركي من حقائق جغرافية عندما تفرض الجغرافيا نفسها. في وقت كان الدور التركي ممنوع بعد رفض تركيا إنطلاق الطائرات الأميركية من أراضيها لاحتلال العراق، وكانت الإدارة الأميركية غاضبة على تركيا غضبا شديدا لدرجة انهم قالوا، الآن مات أتاتورك.

س- لماذا لم يظهر الدور التركي إلا في حرب غزة؟
ج- في حرب غزة تم تظهير هذا الدور ولكنه كان واضحا للمتابع، والأتراك تدرجوا في دورهم ، بدأوا بأمنهم الإقليمي بمعنى انه كان ممنوعا عليهم التعامل مع العراق ، فتوصلوا رويدا رويدا وكانوا على خلاف مع الإدارة الأميركية ، وتوصلوا رويدا رويدا عندما أصبح لديهم حق التعقب للقوات الكردية المعارضة لهم في شمال العراق.

إذا بدأوا بامتدادهم الإقليمي، هذه هي النقطة الأولى. النقطة الثانية تتعلق بالمفاوضات السورية -الإسرائيلية غير المباشرة التي بدأت في شهر كانون الثاني 2004 ولم تبدأ بالأمس. وفي المرحلة الثالثة دخلوا على الخط الفلسطيني، وفي المرحلة الرابعة استطاعوا تحقيق أمر مهم وكبير وهو الهدنة بين الإخوان المسلمين المعارضين في سوريا وبين النظام السوري خلال حرب غزة.

إذاُ تركيا تتصرف تدريجيا وبدون إستعجال وبهدوء تجاه أمنهم الإقليمي في العراق، اعلنوا رفضهم للقوة النووية في إيران وأعلنوا رغبتهم بالتفاهم مع الدور المصري في “حماس”
ومع الدور السعودي في دول مجلس التعاون.

س- هل هذا الدور المواجهة المشروع الإيراني؟
ج- رأيي ان تركيا ليست دولة مواجهة ، تركيا قوة كبرى عسكريا وإقتصاديا وشعبيا، ونظامها له علاقة بالغالبية العظمى في منطقة الشرق الأوسط، وأعني المسلمين المتدينين، بينما رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ينتميان الى حزب إسلامي ، بالتالي تركيا بسبب حجمها وقوتها تستطيع وضع إطار طبيعي للتفاوض وليس للمواجهة. مثلا عندما يجلس الأتراك على الطاولة سواء مع العرب أو مع العرب والإيرانيين أو مع العرب والإيرانيين والروس والأميركيين يتضح ان هناك ثلاث قوى في المنطقة قادرة هي تركيا، إيران وإسرائيل.

لكن من الواضح ان القوة التركية بالذات قوة توازن وليست قوة مواجهة، وقوة ضبط المفاوضات بحيث لايكون هناك أطماع لأنه مهما تحدثنا عن المشروع الإيراني، بمعنى مسؤوليته الفلسطينية أو علمه الفلسطيني ، يبقى مشروعا يسبب إنقسامات في المجتمعات العربية، لأنه دولة رعاية لمجموعة محدّدة من الناس، موجودة في عدد من الدول العربية، أما التركي فقد يحدث توازنا في هذا المعنى بحيث تصبح شروط التفاوض، أو أين نستطيع ان نتحرك وأين لا نستطيع التحرك بحيث يخفّ الضرر بدلا من زيادته.

=======