بين حوارات بيروت والحرب المعلنة في دمشق

مقالات 02 يناير 2006 0

كان رئيس وزراء لبنان السابق نجيب ميقاتي يلملم أوراقه من السرايا الكبيرة حيث استقر لأشهر محدودة اشرفت فيها حكومته على انتخابات نيابية ناجحة في اطارها اللبناني وفي مفهومها الدولي. لكن نتائجها جاءت خارج اطار الاستقرار السياسي. فظهرت كأنها انتقال من حالة وصاية سورية عبر المجلس القديم الى حالة فوضى سياسية تشترك فيها كل الاطراف الرابحة بنسبة مختلفة.
لم يتصرف الرئيس ميقاتي على انه معني بالنتائج. فهو لم يترشح في مدينته طرابلس معطيا نفسه شكل الحكم المحايد.
جرت الانتخابات تحت ثلاثة عناوين. الاول اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري. الثاني خروج الجيش السوري من لبنان بموجب قرار مجلس الأمن الدولي 1559. الثالث الذي استبق العنوانين التمديد للرئيس اميل لحود لمدة ثلاث سنوات من المجلس النيابي السابق.
اختلطت هذه العناوين بعضها ببعض الى حد الاشتباك. تظاهر الرابحون بأن انتصارهم مجال للائتلاف وأن السياسة في لبنان جمعية خيرية تفرح بعطاءات الرابحين والاثرياء سياسيا.
كان واضحا منذ البداية ان هذه التصورات ليست لبنانية. ليس لأن الانتخابات جرت في موعد دولي محدد ووفق قانون مفتعل وشاذ سياسيا الى درجة تسميته بقانون “غازي كنعان”، وهو نفسه الذي اعتمد في العام 2000، بل لأن نتائج الانتخابات بحد ذاتها وضعت الاشتباك في اولويات العمل السياسي للكتل الرابحة المتناحرة منذ اليوم الاول لعمل المجلس النيابي الجديد.
لم يكن هذا معلنا ولا مفترضا من قبل الكثيرين من الرابحين. لكنه كان منتظرا من الذين يعرفون المعادلة الكيميائية للبنان التي أبقته على قيد الحياة ستين سنة برغم كل الحروب التي عاشها او التي دارت على ارضه.
الحذر الثلاثي
ثلاثة انتبهوا الى سلبية الوقائع الجديدة الموضوعة تحت عنوان 14 آذار. الاول نجيب ميقاتي الذي رفض إلحاحاً دولياً على أعلى المستويات ودبلوماسياً عربياً من دول فاعلة بالتعاون لإعادة تكليفه برئاسة حكومة ما بعد الانتخابات.
رفض ميقاتي ليس ترفعاً فهو يعمل في السياسة، وطموح من مثله من أهل السنة هو رئاسة الحكومة. بل لقناعته بأن رئيس حكومة نتائج الانتخابات سيجلس وسط صراع لا قواعد له ولا أعراف ولا طبيعة لبنانية تأسيسية لمضمونه.
جاءه سفراء عرب يعرضون ضمان تفهم سعد الحريري للتكليف. اصر ميقاتي على اعتذاره. لم يكن يريد لسعد الحريري اي احراج. هو المرجع النيابي الاول لأهل السنة والمكون لكتلة متنوعة هي الاولى من حيث العدد في مجلس النواب. فكيف يطلب منه التخلي عن حق التكليف لمن يريد من مجموعته السياسية.
الثاني وليد بك. هو يعرف بحسّه التاريخي ان ما يراه امامه على طاولة السياسة ليس طبقا لبنانيا طبيعيا. بل هو مرحلة عابرة للاعراف لا بد من الاستفادة منها الى حدها الاقصى سياسيا.
عنوانه الاول والاخير في السياسة هو الجبل. بدأ بالقصف على ميشال عون العائد من منفاه الباريسي. جرّه الى اشتباك بلغة الانتخابات الجارحة القادرة على التعبئة فلحق به عون رداً وإجابة دون ان يلاحظ ان هذه الاجوبة تزيل عنه الكثير من صفات المرشح التوافقي لرئاسة الجمهورية. حقق وليد بك هدفه وارتاح. العنوان الثاني لزعيم الجبل الزاحف الى الساحل والمدن هو سياسة سوريا ما بعد خروج جيشها من لبنان. حيّد نفسه ولبنان معه عن المشاركة في إسقاط النظام السوري بأي صورة من الصور. ووضع كل العناوين الاخرى تحت بند الاشتباك.
خدام: صورة الاشتباك
لم يتحقق الكثير في هذا المجال إلا اذا اعتبرنا ان لجنة التحقيق الفرنسية السعودية اظهرت الشاهد الملك كما يفترض وضمته الى ملفات لجنة التحقيق الدولية. من المبكر الحكم على نتائج ظهور نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام من العاصمة الفرنسية على تلفزيون سعودي الملكية، برغم الاهمية القصوى للشاهد وللموقع الذي يتحدث منه ولهوية وسيلة الاعلام التي اذاعت حديثه. اذ ان شخصية السيد خدام الظاهرة في الحديث تحمل اشتباكا في اذهان اللبنانيين لا يمكن إزالته من صورة السياسة السورية في لبنان حتى لو قال انه لم يتدخل في الملف اللبناني منذ العام 1998. أهم ما يرى اللبنانيون في صورته انه الصديق الشخصي والحميم للرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ اكثر من عشرين عاما.
لاحظ وليد بك ايضا ان كلمة الاكثرية لا تليق بزعامته فتوقف عن استعمالها. ما دام هو يعلم هذه الحقيقة وغيره يعرفها حتما فلماذا الحديث عنها.
الشخص الثالث الذي قرأ حقيقة نتائج الانتخابات النيابية مبكرا هو تيري رود لارسن مبعوث الامين العام للأمم المتحدة المكلف بمتابعة تنفيذ القرار 1559. اتصل لارسن بالرئيس ميقاتي وهو يلملم اوراقه لمغادرة السراي الكبير طالبا منه الاسراع بإعداد قانون جديد للانتخابات تمهيداً لإجراء انتخابات نيابية مبكرة وانتخابات رئاسية تنهي مفعول التمديد قبل أوانه.
وداعاً 14 آذار
أجابه الرئيس ميقاتي ان كل يستطيع القيام به هو حث القوى السياسية علانية وفي المحادثات الشخصية معهم على الاسراع في إصدار هذا القانون قبل فوات الأوان.
في الشهر السابع من السنة المنصرمة بمآسيها الكثيرة على لبنان وأفراحها النادرة نشرت لي “النهار” مقالاً بعنوان “وداعاً 14 آذار”. جاء فيه “عود الى بدء. 14 آذار ليست اول التاريخ اللبناني السياسي، وليست آخره. هي حالة من الفرح الصادق للشعب اللبناني بحريته في التعبير عن رأيه. حققت هذه الحرية الكثير. المهم خروج الجيش السوري من لبنان. صدور قانون العفو عن الدكتور سمير جعجع ليس هامشيا في الحياة السياسية. عودة العماد ميشال عون بعد 16 عاما في المنفى ليست خبراً عادياً. الا ان هذا ترجم بواسطة قانون انتخابات هجين خرج منه مجلس عجائب غرائب. حكومة تقليدية ثلثها السياسي المعطل موجود بعد تدخل دبلوماسي عربي ودولي. ألغامها منها وفيها. لا تحتاج الى كثير من الوقت حتى تكتشف انها معطلة. هذا ليس ذنب فؤاد السنيورة. قدر اهل السنّة في هذه المرحلة ان يقودوا التضحيات. حين جرى تشريح خريطة لبنان السياسية على طاولة مجلس الأمن اتخذوا قراراً بتسليم السنة مسؤولية هذه المرحلة من تاريخ الوطن.
عددهم مناسب. مشاكلهم قليلة. منفتحون على الجميع. انتشارهم مثالي. رصيدهم رصيد رفيق الحريري الغائب.
القرار 1559 يسلب الشيعة هذا الدور موقتا. المسيحيون متخصصون بالتحالف.
غير ان لكل هذه المفاهيم أثمانا. من يدفعها؟ السنّة طبعا. يرفعون باب دارهم فتدخل الجمال تخرّب ما تصل إليه. هل نمضي يومنا كله نناشد السعودية ومصر وسوريا أيضا؟ طمأننا رئيس الوزراء السوري محمد ناجي العطري الى ان نزع سلاح “حزب الله” يعرض الأمن القومي لسوريا للخطر.
اولا: مواجهة “الموساد” الاسرائيلي على حد قوله لا تحتاج الى سلاح “حزب الله”. ثانيا: من اخبره ان الدعم السوري لسلاح الحزب يزيده ذخيرة عند اللبنانيين. ثالثا: سلاح “حزب الله” حرر الجنوب اللبناني والإجماع عليه كاف لحمايته. حتى الاجماع يريد ان يأخذه منا العطري؟
الصورة السابقة واللاحقة ليست مستقبل لبنان. لا مجلس نوابه هو المجلس، ولا حكومته هي الحكومة. ولا رئيس جمهوريتنا هو الرئيس المنتظر.
لا نزال في طور النقاهة. خرجنا من غرفة العمليات الى غرفة العناية المركزة. نحتاج الى سنتين من هذه العناية. و14 آذار سيختلط بوقائع جديدة ينتج عنها تاريخ جديد.
مؤسسات سياسية جديدة؟
بعدها سيتغير الجميع. قانون انتخابات جديد. مجلس جديد. حكومة جديدة. رئيس جمهورية جديد طبعا. البعض يقول قبل ذلك، والعلم عند الله، علينا بالصبر. نكرر 14 آذار حين نيأس. لن يرتاح لبنان الا بتحرير الارض السورية. هذا حق واقعي لسوريا علينا مهما عظمت المشاحنات. من هنا حفل التكريم الذي شهدته ساحة رياض الصلح للجيش السوري. صحيح انه حفل وداعي ولكن لا بد من اخذه في الاعتبار. هكذا فعل وليد جنبلاط. وهكذا تحالفات العماد اميل لحود. الرئيس نجيب ميقاتي يقول في احدى مقابلاته: خرج الجيش السوري ودخل النفوذ السوري. هو على حق. او على بينة؟؟ لكل حال طبيعة ولكل طبيعة علاج. “الدكتور” ميقاتي يملك عصا سحرية يسميها الوسطية والله اعلم. مرة اخرى اخرجوا من العدد الى لبنان الذي نعرفه جميعا.
حسن الادارة السياسية هي الحل، لا تعداد ممثليها. لن يحظى احد بأكثرية الثلثين، ما دام العماد لحود في قصر بعبدا. وهكذا حصل عند التأليف. ودع لحود والسنيورة 14 آذار. ولا مرة كانت مصلحة الوطن مستبعدة عن مفهوم الحكومة العتيدة مفاوضة وتشكيلا.
دماثة خلق الرئيس السنيورة تحرج العماد لحود لكنها لن تخرجه عن المقرر كما تلاميذ الجامعات. اصدقاء دمشق يقولون ان لدى القيادة السورية روزنامة مختلفة لا تدخل عملية تشكيل الحكومة اللبنانية في بنودها. استمرار التمديد لرئيس الجمهورية هو سيد الساحة الآن ومصدر المعلومات وقاعدة القرار.
صدّق او لا تصدق”.
انتهى كلام مقال “وداعاً 14 آذار”. الجديد الذي اردت ايضاحه اليوم ان هذا كان جزءاً من تقدير المبعوث لارسن للوضع اللبناني بعد الانتخابات.
الآن اتضحت الصورة. لبنان يتربع على ارض قاعة لها اربع زوايا. كل مجموعة من انتصارات الانتخابات تقف على زاوية. وليد بك ولقاؤه الديموقراطي. الشيخ سعد وكتلة المستقبل. العماد عون وإصلاحه. الكتلة الشيعية الممثلة بحركة أمل وحزب الله. والدكتور سمير جعجع ينسق بصعوبة ودقة وجدية ورصانة بين المختارة وقريطم.
كلما اقتربت مجموعة من المنتصرين من الوطن قفزت مجموعة اخرى لتمنعها من الاقتراب. حين يقصّر أحدهم في الاشتباك تتولاه القيادة السياسية السورية مباشرة. فيبقى لبنان مشلوحاً على ارض القاعة.
المجموعات تستعمل ما تريد من الشعارات. ما المانع ما دام الحساب مفقودا والمحاسبة غائبة عن السمع.
قلب الجسم الواحد
لم يشهد لبنان اشتباكا سياسيا بحدة ما شهده منذ اسابيع حتى اليوم منذ سنوات طويلة. واين؟ في قلب ما يفترض انه الجسم الواحد. مع العلم بأنه ليس في لبنان خيارات سياسية كافية لتعويض زعماء المجموعات المنتصرة في الانتخابات.
وليد بك استعاد صورة والده الشهيد. بدأ بالقول اسامح لكن لا انسى. وضع يده على ملف التحقيق في اغتيال والده وقال لن افتح هذا الملف. اصبح من الماضي. استنفد كل وسائل التواصل مع سوريا الشخصية والعامة. سقطت كل محاولاته امام استمرار الهجوم السوري عليه. كلمة السر في دمشق نسامح الجميع ما عدا وليد جنبلاط.
سعد الحريري لا ينزع صورة والده الشهيد عن بذلته. يتحرك كما المكوك في طائرته بين باريس والرياض والقاهرة. يرفع الصوت على النظام السوري. يريد الحقيقة ولا شيء غير الحقيقة.
العماد عون يريد تعويضا عن المنفى. يتنقل على حبال الحوار بين الجهات المتخاصمة. رغم معرفته ان التزامه بالقرارات الدولية لا يسهل له هذه الانواع من الحوارات. لكن ما المانع ما دامت الانتخابات الرئاسية ليست على الابواب.
الدكتور سمير جعجع يراكم ضوء الشمس ومنظر الثلج في الأرز بعد عتمة السجن. ويراكم في السياسة بشكل يومي ودقيق ومنظم. دون ان يدخل في متاهات الشتائم المتداولة على الساحة السياسية. هو ايضا يريد تعويضا عن السجن لمدة 11 عاماً.
حزب الله ومعه حلفاؤه يريد تعويضا عن الدور التاريخي الذي قامت به المقاومة الاسلامية في تحرير الأراضي اللبنانية من العدو الاسرائيلي.
من أين يأتي اللبنانيون بجوائز تعوّض ملاحم وشهداء وانتصارات وعذابات هؤلاء جميعا؟
بدأت القصة على طاولة مجلس الوزراء، دخل وزراء حزب الله وحركة أمل على اساس ان حق الفيتو لديهم لا يدخل في دائرة العدد وبالتالي لا تصويت على القضايا المختلف عليها. فوجئوا في المرة الأولى ان هناك مشروعا للرد على خطاب الرئيس بشار الأسد الذي وصف رئيس مجلس الوزراء بأنه عبد مأمور لعبد مأمور. انسحب الوزراء الخمسة من الجلسة تاركين لزملائهم الرد اللائق المسؤول الذي حرص عليه وزير الاعلام غازي العريضي باشراف الرئيس السنيورة.
لم ينتبه الوزراء وهم يخرجون من الجلسة انهم بهذا يعلنون موقفا سوريا لا يوافق عليه جمهور واسع من القوى السياسية المتحالفة معهم.
الجلسات
جاءت جلسة أخرى، الرئيس السنيورة يريد ان يقول انه شاور الوزراء وسيشاور القوى السياسية في فكرة الطلب الى الأمم المتحدة انشاء محكمة دولية. هدد الوزراء الخمسة بالانسحاب اذا اتى الوزير العريضي على ذكر الموضوع. هذه كانت المرة الأولى في تاريخ لبنان الذي يمنع فيه رئيس الوزراء من التشاور العلني مع وزرائه.
حان يوم القدس. قال السيد حسن نصر الله انه يدعم سوريا قيادة وشعبا. كيف يمكن دعم قيادة متهمة من قبل أعلى المراجع الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري؟ من قال ان جمهور رفيق الحريري وحليف حزب الله سعد الحريري يقبل بدعم القيادة السورية؟ كيف يمكن تفسير هذا الكلام على انه لا ينتج خلافا طائفيا؟
اغتيل جبران تويني. انعقد مجلس الوزراء مساء الاثنين وعلى جدول اعماله محكمة ذات طابع دولي في عملية اغتيال الرئيس الحريري. والطلب الى مجلس الأمن الدولي توسيع التحقيق الدولي ابتداء من محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة. أجّلت الجلسة من السادسة الى السابعة لاستقبال غسان تويني العائد من باريس لتشييع نجله.
قبل ذلك كان الوزير العريضي قد مهّد للموضوع بمشاورات متعددة مع السيد نصر الله والرئيس نبيه بري. وتوصل الى تفاهم معهما على موضوع المحكمة ذات الطابع الدولي ويقال ان تحديد موسكو لمقر المحكمة جاء بناء على اقتراح حزب الله.
كذلك الأمر بالنسبة للتوسع في التحقيق.
كان واضحا ان سعد الحريري يعتبر المحكمة الدولية قرارا استراتيجيا لا عودة عنه. أما التوسع في التحقيق فمتروك للتقدير والتشاور رغم عدم عملانيته. ذهب الرئيس السنيورة الى المطار لاستقبال تويني. دق جرس هاتفه. الرئيس بري على الخط يبلغه انه وحزب الله لا يوافقان على التوسع في التحقيق. استغرب السنيورة على طريقته “خير إن شاء الله” مكررة.
ذهب الى مجلس الوزراء. طرح موضوع المحكمة الدولية. رفض تام من وزراء حزب الله. نحن نجري حوارا مع النائب بهيج طبارة. ننتهي منه قبل اقرار المبدأ. وزير الخارجية يقول لدينا جلسة يوم الخميس أي بعد ثلاثة ايام لنؤجل الموضوع لجلسة الخميس. الوزير طراد حمادة يتحمس للاقتراح. وزراء أمل على صمتهم. الوزير فنيش يرفض الالتزام “بمواقيت” ويقول لحمادة أنت تتحدث باسمك فقط.
الحرب الاعلامية
خرج الوزراء الخمسة الشيعة من الجلسة. وبدأت الحرب. توزع نواب حزب الله على وسائل الاعلام بشكل لا سابقة له. تناولوا الجميع. وليد بك. الرئيس السنيورة. الأكثرية. الأقلية. الخيانة. الطعن في الظهر.
لم يتركوا أحدا من خيرهم. استعادوا فضائل حزبهم على الجميع. تجاهلوا دعم الجميع لهم. تعاملوا بازدراء مع طلب الحماية السياسية من سوريا. من وليد بك الى السيد حسن نصر الله. رفعوا السقف السياسي الى حيث لن يصل اليه أحد. نريد رسالة من مجلس الوزراء الى مجلس الأمن يعتبر فيه لبنان ان القرار 1559 قد نفذ من الجانب اللبناني.
وقف وليد بك في المختارة رافعا الصوت الى أعلاه. حدود سلاح حزب الله تحرير شبعا والافراج عن المعتقلين لدى اسرائيل بعد ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا خاصة في منطقة شبعا المتداخلة.
سيّد الحوار وزير الاعلام غازي العريضي نزل الى الساحة بعد غياب سببه حفظ نفسه كمحاور. أسف لمستوى النقاش السياسي. مذكرا من قال عنهم بأنهم أقلية صغيرة بأنهم الكبار في التضامن والعطاء مع المقاومة حين لا تنزل الى ساحة الصغائر. لم يترك منبرا دوليا إلا ودعا فيه الى حماية المقاومة. ورد على السيد نصر الله بدعوته الى عدم استباق التحقيق في اغتيال الرئيس الحريري واتهام اسرائيل او غيرها. وحده الرئيس السنيورة بقي على هدوئه وكلامه المسؤول “..محكومون بالاتفاق”. هذا عنوان حركته اليومية.
لم تحقق الحركة الاعلامية والسياسية لنواب ووزراء حزب الله شيئا ملموسا. بقيت الوقائع على ما هي عليه. بالتأكيد حققت هذه الحملة خسائر شعبية كبيرة. وأخذت أعدادا كبيرة من اللبنانيين الى منطق وليد بك سواء أكان على حق أم على خطأ.
اتفاق الرياض
ذهب موفدا حركة أمل وحزب الله الى السعودية. اتفقا مع سعد الحريري على صيغة لكلام وزاري يصدر عن وزير الاعلام بعد جلسة لمجلس الوزراء. عادا الى بيروت. قال الرئيس السنيورة أنا رئيس وزراء كل لبنان أشاور الجميع.
تبين ان تجاوز وليد جنبلاط خطأ كبير لا يصطلح الا باضافة التحقيق الدولي المستند الى القرارين 1636 و1644 وترسيم الحدود الى الصيغة المقترحة. ظهر ان عدم الأخذ برأي سمير جعجع يجعله يرفض الصيغة كليا وبشكل علمي ومدروس.
هل اتصل الحريري بجنبلاط او جعجع او السنيورة قبل اقرار الاتفاق؟
لا أحد يجيب على هذا السؤال بشكل قاطع. عاد الرئيس بري من القاهرة حيث قابل الرئيس حسني مبارك والأمين العام لجامعة الدول العربية. أمسك بصيغة الحوار محوّلا الموجة الى الايجابية.
فجأة هدأ الجميع. هو في طريقه الى اداء فريضة الحاج وسيقابل العاهل السعودي. دخل الحوار مرحلة لا يتحمل أحد رفضها. بين مصر والسعودية سيخترع الرئيس بري صيغة مقبولة دوليا.
من يعرفه يقول انه لن يترك هذه الفرصة تضيع من يديه. ليس لاسباب شخصية فقط. بل لأنه يعلم ان الحوار السوري السعودي المصري يحتاج الى التقدم في لبنان. وإلا فالخير لن يعرف طريقه الينا.
الرئيس بري يعلم ان عنوان الصراع اللبناني هو في دمشق. وان عنوان الصراع اللبناني مع دمشق هو لجنة التحقيق الدولية وانه من دون احياء الحوار السعودي المصري السوري لا يمكن الوصول الى نتيجة. فما العمل؟
وأعلنت الحرب..
لم تنتظر دمشق شهادة السيد عبد الحليم خدام من باريس وعلى تلفزيوني العربية والمستقبل حتى تعلن الحرب.
وزير الخارجية السوري فاروق الشرع دعا اللجنة الدولية لتوقيع بروتوكول تعاون. لكنه يرفض في مجالسه الخاصة البروتوكول اللبناني الموقع مع اللجنة الدولية. مما يعني انه لن يكون هناك تفاهم مع رئيس اللجنة الجديد حول هذا البروتوكول. النقطة الثانية التي أثارها في لقاء مع قيادات فروع الجبهة الوطنية التقدمية ان دمشق ستتعامل مع التحقيق باعتباره قضية افراد لا دولة. وفي هذا مخالفة للكلام الذي قاله الرئيس الأسد عن هرمية المسؤولية في الدولة السورية وان لا أحد قادر على التصرف من عندياته.
النقطة الثالثة هي القول استنادا الى معلومات بأن الرئيس الشهيد رفيق الحريري لم يستطع ان يبرر قبوله للتمديد إلا بالادعاء انه كان مهددا. في إشارة الى اللقاء الموجز الذي جمع الرئيس الحريري مع الرئيس الأسد عشية التمديد للرئيس لحود.
هذه هي المرة الأولى التي يتجرأ فيها انسان على ضريح شهيد. لن أعود الى ما شهدته وما عرفته وما عشته في علاقات الرئيس الحريري بالقيادة السورية. ولكن هل نقترح على الشرع ان ينبش قبر الرئيس الحريري لسؤاله عن معلوماته المهمة.
من الطيران الى الخارجية
كان يقال دائما ان الوزير الشرع هو حالة شاذة في السياسة السورية. وما يصدر عنه لا يعبّر بالضرورة عن رأي القيادة السورية من كثرة الاخطاء التي ارتكبها. لكن تبيّن منذ خمس سنوات وحتى الآن ان هذا الرجل الآتي من الطيران السوري والذي تعرّف الى الرئيس الأسد الأب حين كان الطيران السوري واجهة المخابرات الجوية السورية وكان الرئيس الأسد قائدا للقوات الجوية. وبفضل خدماته ومعرفته باللغة الانكليزية انضم الى حزب البعث في الثمانينيات وعين وزير دولة للشؤون الخارجية حين كان عبد الحليم خدام وزيرا للخارجية.
تبين ان هذا الرجل هو الذي يعبّر فعلا عن السياسة السورية. وان ما كنا نسمعه مخالفا لذلك هو من باب كسب الوقت ما دام ليس بامكانه اكتساب العقل لدينا.
هذا لا يمنع بأن تقديره للوضع السياسي السوري يأتي تحت عنوان النجاح الباهر لسوريا في الصمود منذ خمس سنوات. الصمود في وجه من؟ مواجهة ماذا؟ لقد فتح العالم ابوابه على مصراعيه للرئيس بشار الأسد في صيف العام 2000. لكن يبدو ان الرئيس الأسد فضل تقييم الشرع على ابواب العالم.
حتى الآن تتبارى الدول الكبرى على التأكيد ان ما من أحد منهم يعمل او يريد اسقاط النظام السوري. فما هي عناصر الصمود التي يريد الشرع توزيعها على السياسة السورية علّنا نستفيد منها في لبنان؟
واشنطن تعلم ان الابواب السورية لن تفتح أمام لجنة التحقيق. وترى ان هناك هجوما على لبنان لتغيير سياسته. لذلك حذّر مسؤول أميركي بارز من وقوع قوى سياسية لبنانية في الكمين الذي ينصب لها. مرة عبر إثارة خلافات داخل الأكثرية الحكومية. وثانية تحت عنوان تعديل القرار 1559. وأضاف ان هذا القرار أصبح جزءا من القانون الدولي.
البارز ان ثلاث صحف أميركية رئيسية هي “واشنطن بوست” و”لوس انجليس تايمز” و”نيويورك تايمز” عنونت افتتاحياتها في نفس اليوم عن لبنان.
واشنطن بوست ذكّرت الرئيس الأسد بصدام حسين وقالت انه أي الأسد يتبع التكتيك نفسه في مواجهة القرارات الدولية. المهم انه من الواضح ان هناك قرارا من الإدارة الأميركية بحماية ما تحقق من مكاسب سياسية للبنان المستقل.
بين حفّار القبور والحوار السوري السعودي المصري البارد والهجوم الأميركي السياسي ماذا يفعل اللبنانيون؟
المشروع الرئيسي للمحور المصري السعودي السوري هو ما كان يسعى اليه لارسن منذ اشهر. قانون انتخابات جديد. انتخابات نيابية. انتخاب رئيس جديد للجمهورية. المشروع لا زال في الثلاجة الدولية. جبران تويني شهيد المرحلة التحضيرية. بانتظار شهيد جديد في كل مرحلة. الصراع قدرنا..