“بهدوء” مع عماد الدين أديب – تحديات الربيع العربي: الوقت ليس وقت اليأس

س- في هذا الشهر وهو شهر يناير تمر فترة عامين على ظاهرة ما يعرف بإسم الربيع العربي وبدء تحرّك حركات شعبية سلمية في العالم العربي، هناك من يرى فيها شر مطلق، وهناك من يرى فيها خير مطلق، وهناك من يرى ان هناك إيجابيات وهناك سلبيات، ما هو تقييمك لهذه الظاهرة بعد مرور عامين؟
ج- أعتقد أولاً انه لا بد من التعامل مع مرحلة السنتين اللتان مرّتا، وربما سنتين قادمتين أو أكثر على أنها مرحلة انتقالية، ما نراه الآن في الصورة في العالم العربي سواء في مصر أو تونس أو ليبيا، أي في الدول التي أنجزت ثوراتها أو في اليمن، ليست الصورة النهائية، هذه مرحلة انتقالية تأتي بعد عاصفة كبيرة سببها ان الحكم الذي تمّ الإنقلاب عليه بواسطة الشعب استمر أربعين أو خمسين سنة في أي واحدة من هذه الدول.
الأمر الثاني انه جديد علينا كمراقبين أو حتى كمواطنين أن نرى ثورات شعبية تقلب الحكم، نحن تعوّدنا في كل قراءتنا الحديثة في المئة سنة الأخيرة، وهناك رأي يقول حتى منذ الثورة الفرنسية، على ان ما يحدث في العالم العربي هو انقلاب، يذهب شخص ويأتي شخص غيره بواسطة الإنقلاب، نستيقظ صباحاً لنجد أمامنا حاكماً جديداً يُعلن انه سيحكم بهذه الطريقة أو بتلك الطريقة، دون الإهتمام لرأي الشعب أو لخياراته أو لمستقبله. دائماً هناك جمهور جاهز لأي خطوة منه أن يدعمه ويؤيده سواء بسبب مصالح أو بسبب “هوى” أو بسبب عقيدة، وبالتالي لم نتعوّد ان نرى أمامنا ثورة شعبية ، والثورة الشعبية التي حدثت في تونس وفي مصر وفي ليبيا وفي اليمن تحتاج الى وقت لكي تُظهر صورتها النهائية، لذلك أنا أرى ان هناك إيجابيات كثيرة لأن التجربة جديدة، والأهم ان هذه الجموع أو هذه الشعوب عرفت معنى الحرية ومعنى التعبير عن رأيها بحرية، وعرفت معنى المطالبة بحقوقها بحرية، عرفت عدم الخوف من السجن أو الإعتقال أو التعذيب أو التهديد، هذه كلها أمور جديدة علينا، لذلك تحتاج لوقت كي نعتاد عليها، حتى الحكام الذين انتخبوا في هذه الدول هم بحاجة لبلورة تجربتهم، والتي لم تتبلور بعد. كُلُ يتخبط يميناً ويساراً يتخذ قراراً ثم يتراجع عنه، يُقدم على أمر ما ثم يتراجع عنه، يُقدم في أمكنة أكثر من اللازم ثم يفتح حواراً متأخراً لإصلاح مايراه الآخرون بأنه خطأ، فكل شيء يتركب من جديد، هناك تركيبة جديدة عنصرها الرئيسي والأساسي هو ان هذه الشعوب استحقت حريتها، وهي ستتعامل مع أي حاكم بأي شكل أتى أو إلى أي جهة انتمى بواسطة هذه الحرية. حرية التعبير أو الديموقراطية لا يمكن القول بأنها تجربة استقرت الآن، ولكن حرية التعبير والديموقراطية بطبيعتها قادرة على الإصلاح من خلال ذاتها وليس من خلال الإنقلابات، لانه هناك حساب بالنقاش وهناك حرية دائمة بإبداء الرأي، هناك وسائل إعلام وقضاء حر وهناك إمكانية النزول الى الشارع.

س- أين أصابت هذه الثورات وأين أخفقت؟
ج- هذا سؤال شامل فكل دولة لها خصوصيتها، لا يمكن وصف الوضع في تونس مثل الوضع في ليبيا أو في مصر أو في اليمن.

س- لكن هل هناك مشتركات؟
ج- هي ثورة شعوب ولا يوجد مشتركات، هناك مشترك بين تونس ومصر.

س- ألا ترى انه لم يكن هناك مشروعاً بل كان هناك تفكير في كل الحالات، التفكير بإسقاط شيء ولكن لم يكن هناك مشروعاً لبناء شيء؟
ج- لا يمكن أن يكون هناك مشروع جاهز لبناء شيء من خلال الشعب، المشروع الجاهز يكون أما بالإنقلاب وأما بالمناقشات الطويلة والمشاورات الأطول وبالحراك الأطول وبالإجتماعات الأكثر لبلورة هذه الأفكار.
يعني الناس التي نزلت الى الشارع في هذه الدول لم تكن تنتمي الى حزب له عقيدة مُحدّدة، وبالتالي هم يطالبون بتنفيذ هذه العقيدة أو هذه الأفكار، هم نزلوا الى الشارع اعتراضاً على منعهم من ممارستهم لحريتهم، وبالتالي الحرية كانت العنوان الرئيسي لكل الناس على مختلف اتجاهاتهم في كل الدول التي نزلوا فيها الى الشارع، لذلك التفكير بأن هناك إيجابيات وسلبيات تفكير من المبكر الحسم فيه، بالتأكيد هناك حسنة أكيدة هي ان الشعوب أصبحت هي صاحبة القرار، ليس القرار النهائي بعد، ولكن أصبح بإمكانها ان تنزل الى صندوق الإقتراع أيا كان رأيها بالشخص وتُعبّر بواسطة هذا الصندوق.
س- يمكن من باب الدقة القول ان مشاركة النخبة لم تكن تنزل للإنتخابات، ولكن مازالت نسبة المشاركة في الإنتخابات أو الإستفتاءات أو المشاركة السياسية رغم أنها زادت لكن لم تصل الى المصاف الصحي الذي يُعبّر عن إرادة مجموع الشعب؟
ج- صحيح وهنا الفرق بين الإنتقال للحرية والى نظام ديموقراطي. أنا قرأت في إحدى الصحف المصرية ان الشعب المصري ينتخب رئيسه لأول مرة منذة ستة آلاف سنة، ولو بالمعنى المُبالغ به، والشعب الليبي لم ينتخب في حياته أبداً فهو انتقل من الملكية الى الدكتاتورية، والشعب التونسي انتقل الى الإستعمار للبطل المنقذ ثم للضابط الذي استلم الحكم، وبالتالي هناك منطقة فراغ عمرها عشرات السنوات في دول ومئات السنين في دول أخرى. لذلك لا تنتظر من هذا الشعب أياً كانت هويته أن يُمارس كل حقوق الديموقراطية دفعة واحدة، حتى الآن لم يتعوّد، وحتى الآن مازالت الناس تاركة الأمور بكثير من الإتكالية، أما اتكال على آخر غير متوفر وأما عدم تعوّد وأما مبالغة في الإهمال وأما ترك الأمور على غاربها. وطبعاً الواضح ان نسبة المشاركة حتى في الإنتخابات المصرية، وحيث تبيّن ان الشعب المصري من خلال ثورته انه مُسيّس بدرجة عالية جداً لم تتجاوز نسبة الإنتخابات 38 بالمئة من لوائح الشطب المقررة، مع الحديث عن الكثير من التجاوزات وغيرها التي يمكن انها حدثت كما في دول أخرى. ولكن نحن نتحدث عن تجربة جديدة كلياً سواء بالمعنى المدني أو بالمعني الديني، فبالمعنى الديني نحن تعوّدنا لمئات السنين على ما يمكن تسميته بولاية المُتغلّب، أي القادر على التغلُّب على الناس بالحكم، ومن ثم على ملكيات أو إمارات، ومن ثم الى مراحل الإستعمار. الآن انتقلنا الى مرحلة تأسيس نظام جديد يقوم على حق المواطن بالإقتراع، والحيوية التي ظهرت في تونس أو في ليبيا أو مصر أو في اليمن الى حد كبير، لا تزال حيوية قادرة على الفعل، ولا تزال حاضرة في أذهان كل الناس، بمعنى ان الحركة السياسية لن تهدأ وهذ أمر مهم جداً.

س- يعني انت لا تراها انتكاسات؟
ج- أبداً ليس فيها أي انتكاسات رغم كل ما نراه، فهذا طبيعي لأنه ليس الشكل النهائي، بمعنى ان الحاكم مُرتبك والشعب مُرتبك في نفس الوقت، الحاكم لأنه مُنتخب ويحاول أن يذهب باتجاهات مختلفة لا يرضي فيها مجموع الناس الذين قاموا بالثورة، والشعب بثواره أيضاً مرتبك لأنه مُنقسم بين مجموعة مؤيدة للرئيس المُنتخب أياً كان هذا الرئيس وبين مجموعة تراه انه لا يفعل إلا الخطأ، وهذا أمر طبيعي.
هناك مُبالغة كبيرة في أذهاننا لإظهار اننا نريد أن يحدث التغيير غداً ويكتمل بعد غد لا يمكن هذا أن يحدث، هذا الأمر يحتاج الى سنوات لأنها تجربة جديدة كلياً على كل الناس، ليس لها أي صلة بالماضي.

س- يعني ترى ان حالات الإحباط الموجودة عند بعض الجماهير هي نوع من استعجال النتائج أو عدم فهم طبيعة المرحلة؟
ج- لأنهم يستعجلون النتائج لأن كل ذاكرتهم وكل معرفتهم قائمة على الإنقلاب بأن الحاكم يذهب بانقلاب من حاكم آخر وتستلم البلاد جهة ما وتُمسك بها.
دعنا نتطرق الى كل دولة على حدة:
في تونس هناك حيوية سياسية حقيقية ليبيرالية بمواجهة أفكار يُعبّر عنها الحزب المُفترض انه حزب الأغلبية، وهو حزب ديني يرأسه السيد راشد الغنوشي ونائب رئيس الحزب السيد عبدالفتاح المور، دعنا نرجع للسلطة السياسية هل هي نفسها منذ سنتين حتى اليوم؟ هل هي نفسها منذ عشرين سنة حتى الآن؟.

س- ترى إنها تتطور؟
ج- نعم تتطوّر لأنها مضطرة لملاقاة الناس والتفاهم مع الناس، لا يستطيع الحزب الحاكم المُنتخب أن يُخاطب الناس بمنطقه الحزبي، عليه مخاطبة الناس بمنطق الجموع.

س- ومن يعمل ذلك يفشل؟
ج- طبعاً لأنه يُقسم الناس بين شعبه والشعب الآخر، وأنا أعتقد ان التجربة التونسية تتطوّر بسرعة. أنا سمعت الأستاذ عبدالفتاح في حلقة مع حضرتك على قناة “سي.بي.سي” وكان كلامه عن الدولة المدنية أرقى من أي مدني، ولا علاقة له بالفكر الديني الشائع لأنه ينتمي اليه.
ننتقل الى ليبيا ماذا حدث في ليبيا؟ دولة لم تنتخب في حياتها، شعب لا علاقة له بالانتخاب وأصلاً ليس في ليبيا دولة، يعني المطلوب إعادة تأسيس الدولة، كان فيها مجموعات محكومة من خيمة فيها كل الدولة وليس هناك من مكان آخر وحاكم دكتاتوري، ولكن في الإنتخابات تبيّن ان هذا الشعب الليبي خياراته مدنية سلمية متطورة حديثة وان هناك نخبة من الشباب الليبي كانت في الخارج وعادت، ومن مثّل هو من أخذ الأكثرية في الإنتخابات النيابية، وكانت تجربة لا يمكن الحكم عليها غير إنها إيجابية. يأتي من يقول انه مازالت هناك في ليبيا ميليشيات وسلاح وفوضى وقبلية. هذا صحيح ولكن كل تاريخ ليبيا قبلية، وهذا ليس جديداً لم تطرأ قراءته القبلية الآن، لذلك هناك رغبة أكثر من حاكم عاقل معتدل منتخب بأن يحاول معالجة هذه المشاكل وليس حلّها، لا أحد يطلب حل هذه المشاكل غداً.
أما التجربة المصرية فهي أكثر التجارب التي تشهد صعوداً وهبوطاً، ولكن هناك شيء ثابت أكيد بأن الحيوية السياسية المصرية قادرة على تغيير مسار القرارات التي لا توافق عليها، قد تصل الى النهاية أو لا تصل، من المبكر إصدار الأحكام الآن، ولكن هذه الحيوية السياسية استطاعت أن تضع أُسس وليس نهائيات، أُسس لآلية التعامل بين السلطة المُنتخبة وبين الشعب .
ارتكب الحكم المصري الحالي كل الإرتكابات التي يرتكبها حزب حديث العهد بالسلطة، لا علاقة له بفكرة الدولة الجامعة ينتمي الى حزب ديني يفصل بين الناس، ولكن مقابل كل ذلك ماذا حدث؟ حدث ان الحيوية السياسية استطاعت أن تهديء من جموح هذه السلطة، لن أقول انها استطاعت أن تُغيّر القرارات، ولكن واضح بالمتابعة ان هناك جهد كبير للحد من جموح هذه السلطة، والدليل انه حتى بعد التصويت على الدستور الجديد ماذا حدث؟ ما حدث انه تشكّلت لجنة لدراسة اقتراحات تتعلق بتعديلات في مضمون هذا الدستور لأنه عملياً الدستور أقر باستفتاء شعبي بنسبة ضئيلة أو متوسطة من المقترعين، ولكن أُقر ولا أحد يستطيع القول بأن هذا الدستور لم يُقر، وكانت النتيجة انه شُكّلت لجنة لمراجعة هذا الدستور، وذلك بسبب الحيوية وقدرة الشعب على التعبير، وبسبب قدرة النخبة على التعبئة، وهذا شيء جديد في مصر، ولم يكن كذلك من قبل، القدرة، الإعلام، القضاء، حرية الناس، تماسكهم تحت العنوان العريض.
أنا أسمع وأقرأ وأتابع التلفزيونات المصرية والصحف والكتابات وكأنه المطلوب منهم أن يكونوا جبهة متماسكة غداً صباحاً، هذا مستحيل، مثل عملية الولادة نحن لا نزال في المخاض، الولادة لم تكتمل وهناك تشكيل للأشياء.
نأتي الى اليمن الذي يُعاد تشكليه من جديد بأقل خسائر ممكنة، واليمن دولة كلنا نعرف انها دولة متخلفة وصعبة ومعقدة، والسلاح جزء من حياتهم اليومية، والوضع الإقتصادي صعب وعددهم السكاني هائل، ومدخولهم بسيط جداً، وهناك الإنقسام المذهبي وتصرّف الحوثيين وولاءهم لإيران، يعني هناك لائحة من المشاكل تبدأ ولا تنتهي، ومع ذلك تم تداول السلطة الى حد كبير بسلاسة ويتم الآن تشكيل الدولة من جديد، أيضاً الى حد كبير بسلاسة، ولكن القاعدة السلبية الموجودة في ذهن كل واحد منا قائمة على انتظار ان غداً يعود كل شيء الى ما كان عليه.

س- حصل غزو للعراق وحصلت محاولة لتعديل النظام وإعادة بناءه على النسق الأميركي وانتهى به الأمر انه قُدّم على طبق من فضة الى إيران؟
ج- هذا صحيح، ولكن ذلك بسبب السياسة الدولية، ومع ذلك ماذا يحدث في العراق الآن؟ عادت واستيقظت كل المشاعر المذهبية، والحمدلله ان هناك انقسام الى حد ما شكله وطني ولم يعد مذهبيا بالكامل، يعني عندما يقف السيد مقتدى الصدر والسيد اياد علاوي الى جانب المتظاهرين في المناطق السنية ويسعيان أكثر وأكثر الى الحوار مع الأكراد، فهذا دليل ان هناك انقسام وطني لم يأخذ شكلاً مذهبياً نهائياً.
وضع العراق مختلف، ما حصل في العراق نتيجة الغزو الأميركي وفرض نظام له طبيعة دكتاتورية، رئيس الوزراء العراقي يتصرّف على انه حاكم بأمره والفرق ان إسمه ليس صدام حسين، وهوعنده كل المبررات الورقية ان يُمارس سلطة دكتاتورية، لذلك عندما ننظر الى الوضع، أنا أسألك من وجهة نظرك، وضع مصر أحسن أو وضع العراق ووضع تونس أم وضع العراق؟.

س- طبعاً في مصر وتونس واليمن أفضل؟
ج- إذاً التجربة الأميركية كلها فاشلة، اما هناك في تلك الدول فهي تجربة شعوب حقيقية. يجب أن ننتبه انه في تونس ومصر هناك شيء متشابه كثيراُ بمعنى ان فيهما الدولة الأمة، أي لا توجد انقسامات حادة لا طائفية ولا قبلية ولا مذهبية، هناك انسجام مجتمعي كبير بين أطياف الشعب.

س- ولكن في الحالة المصرية بدا ان هناك انقسام في الشهرين الأخيرين يُشبه وكأنه 8 و14 آذار عندكم؟
ج- هذا انقسام سياسي وليس طائفياً، وهذا شيء صحي وليس شيئاً سيئاً، وعلينا انتظار نتائجه، وبالنهاية هناك جهة معارضة تتصرّف وفق نظام يعتمد التصويت والإقتراع لاختيار المسؤولين عنه والإنتخابات النيابية المصرية أصبحت قريبة، والشعب هو من يُقرر، وبالتالي هذا الإنقسام هو انقسام سياسي، ورغم كل ما يُقال، ورغم كل المحاولات خلال الـ30ـسنة التي مضت، فالتوازن العربي لا يمكن أن يتوفر إلا بمصر صحية وسليمة وقادرة على لعب دورها، كل التجارب أثبتت في كل الدول ان لا أحد يمكن أن يأخذ من دور مصر، ولا أحد يستطيع أن يحل محل مصر بقدرتها على إدارة التوازن في المنطقة العربية، والكثير من الفوضى التي وقعت في الثلاثين سنة الماضية سببها غياب الدور المصري والتأثير المصري، وبالتالي مكوّنات الدولة الأمة في مصر متوفرة بنسبة عالية جداً، لذلك وبصراحة، أنا لست قلقاً ولا مرتبكاً ولا خائفاً، أنا مرتاح بالنسبة للحالة في كل الدول التي حدث فيها تغيير، وأنا أعتقد ان المشاكل التي كانت تُعاني منها هذه الشعوب لفترات الحكم السابقة من خمسين سنة حتى اليوم كانت أصعب بكثير من المشاكل التي تعانيها الآن، لأن الإنسان بطبيعته يبحث عن الإستقرار البسيط الخالي من الحريات، الخالي من القدرة أو الحق بالإقتراع والتصويت، هذه تحتاج الى تدريب وتحتاج الى وقت لكي تنضج هذه التجربة في الدول التي ذكرناها.

س- تفسيرك ان الذين قاموا بالثورة ليسوا من حصدوا نتائجها في المقاعد البرلمانية أو السياسية، لأن من قام بالثورة قطاعات مختلفة من الشعب، ولكن من حصد نتائجها التيار الإسلامي السياسي؟
ج- التيار الإسلامي السياسي الذي انضم لاحقاً بعد أيام من بداية الثورة ووجد نفسه مُلزماً باللحاق بالشارع، هذا أيضاُ أمر طبيعي لأن هذه الجهة هي الجهة الوحيد المنظمة، لأن من نزل الى الشارع هم الناس من كل البيوت وكل الإتجاهات، ولكن ليس بالإتفاق في ما بينهم ولا بالتنسيق ولا بتنظيم في ما بينهم، والتنظيم الوحيد الذي نزل الى الشارع هو الإسلام السياسي لأنه منذ 84 سنة مستمر في العمل وله مفاتيحه وله عناوينه في كل شارع وفي كل حي وفي كل قرية وفي كل مدينة. وليس هناك أي حزب آخر الذي يملك هذه الماكينة التي تستطيع تحريك الناس، ولكن مع الوقت سيتضح وهذا ليس خلال أيام أو أشهر، هذا الأمر يلزمه سنوات لكي يتضح ان هناك أحزاب قادرة على العمل وقادرة لأن يكون لها ماكينتها وآلية التواصل، وعندها جمهورها ومفكريها ونخبها، وليس أمامها أي عائق لأن تمارس هذا العمل بشكل أو بآخر الذي هو الإقتراع والتعبير بحرية.
الى أين يؤدي التشاؤم؟ التشاؤم يؤدي الى ان ما خسرناه بالتأكيد هو الإستقرار، وما ربحناه ليس أكيداً هو الحرية، هذا الإستقرار الذي كانت تعيشه الشعوب، هذا استقرار ظلم وقهر وتعذيب وقتل، وأنا لا أتحدث هنا عن مصر، لأني لا أعتقد ان النظام السابق كان دموياً، ولا أعتقد أبداً انه كان قتالاً، لكن هناك أنظمة أخرى في ليبيا وفي تونس وغيرها أنظمة رعب، ولكن الرعب أيضاً يحقق الإستقرار، ونحن بمفاضلة مستحيلة بين استقرار معه رعب والحرمان من حرية التعبير، الحرمان من التصويت والإقتراع وبين حرية يشوبها بالمرحلة الإنتقالية قليل أو كثير من الفوضى. وهذا ما حصل في أوروبا الشرقية وحصل بعد الثورة الفرنسية الشهيرة التي تسببت بكل هذه العناوين المتعلقة بالحرية في العالم، هذا الأمر حدث ونحن جزء من هذا التغيير الذي علينا أن نتعب ونعمل ونشرح ونُفكّر ونُعبيء ونُنظم مدرسة جديدة لها علاقة بالحرية ولها علاقة بأن الناس هي التي تُقرر.

س- هل تعتقد ان الربيع العربي إذا كان تاريخه فهو قد بدأ قبل ذلك في لبنان بثورة الأرز؟
ج- أنا لست من النوع الذي يُبالغ ويقول ان التجربة اللبنانية هي الرائدة، ولكن الفكرة بحد ذاتها ونزول الناس الى الشارع هي التي أعطت الإنطباع بأن كل الناس يمكن أن ينزلوا الى الشارع.

س- يعني بالنسبة لعدد سكان لبنان عدّة ملايين عندما ينزل 25 أو 30 بالمئة منه الى الشارع أليست تجربة رائدة؟
ج- نعم كانت تجربة عظيمة ولا زالت مستمرة، ونحن الآن بعد سبع سنوات مازالت هذه الحركة السياسية أو هذه الحيوية السياسية أو هذا الصدام الذي يُعبّر عن الإقليم في لبنان لا يزال متوفراً حتى الآن، وحيويته لازالت قائمة، ولكن هذا في بلد اعتاد الإنتخابات وليس الإنقلابات والفرق بينه وبين الدول الأخرى انه بلد انتخابات وليس انقلابات، ومن يحسم فيه هو الصندوق، لذلك الحدّة أقل وربما الإرتباك أيضاً أقل لأننا كلنا نتصرف على أساس ان الإنتخابات مُقبلة وسوف نرى من سيربح في الإنتخابات، والدول التي نتحدث عنها ليس لديها تجربة مماثلة، لذلك عموم الناس وأكيد الأكثرية العظمى من الناس يقيم عنوان واحد في عقلها هو الإستقرار، ولكن هذا الإستقرار لا يمكن أن يأتي مجاناً بل له ثمن مثل الحرية، مثل آلاف الشهداء الذين سقطوا في كل الدول التي حصلت فيها الثورات العربية. هي مدرسة جديدة وفكر جديد لا علاقة له بعموم الناس في هذه الدول، لا في مصر ولا في اليمن ولا في تونس ولا ليبيا، لذلك علينا الإنتظار، هناك إعادة تشكيل عقلي وذهني وسياسي لأفكار الناس، وهذا الأمر سيستغرق سنوات، ولكن بنسب مختلفة في تونس أو في ليبيا أو مصر أو اليمن، ومع ذلك الحالة في هذه الدول الأربع أفضل من الحالة في العراق.

س- ألا تعتقد ان الحالة اللبنانية ليست مُرتهنة باللاعب المحلي الآن، وبقدر ما هي أكثر وقت من الأوقات مُرتهنة بمستقبل ماذا سيحدث في سوريا نتيجة الحرب الدائرة هناك؟
ج- نحن عشنا سنوات طويلة جداً مع هذا النظام في سوريا وعانينا سنوات طويلة من الظلم والقهر والتدخل، والأهم من كل هذا منع تأسيس دولة بعد اتفاق الطائف الشهير الذي أوقف الحرب في لبنان، لذلك الجغرافيا أقوى من التاريخ، يعني بطبيعة الحال لا يمكن أن يستقر الأمر في لبنان قبل جلاء الصورة في سوريا بشكل نهائي، ونحن لنا مصلحة في نظام ديموقراطي في سوريا لأنه كان لنا تجربة 30 أو 40 سنة من التعامل مع نظام أمني بوليسي لا يقبل حتى بالحد الأدنى من تداول السلطات أو حرية التعبير أو الإعلام المفتوح ولو بحدّه الادنى، أنا لا أدّعي ان لبنان جنة بهذه العناوين، ولكن هذا النظام السوري الأمني البوليسي الدكتاتوري كان دائماً يمنع النظام اللبناني من أن ينمو ويكبر ويستقر ويتشبع بتجربته الديموقراطية وهذه مصلحة لبنانية وليست شخصية.

س- هناك مدارس من التفكير، مدرسة تعتقد ان النظام ذاهب قريباً لا محالة ومدرسة تؤمن انه ذاهب لا مُحالة ولكن ليس قريبا،ً وهناك مدرسة مازالت تُراهن على انه قوي ومستقر، ومدرسة رابعة تًراهن على فكرة التقسيم وأن يدير شؤونه من الساحل ومن اللاذقية، كيف ترى السيناريو؟
ج- انطلاقاً من المتابعة اليومية والقراءة هذا النظام قام منذ يومه الأول على السجن والقتل وعندما قام حافظ الأسد بالإنقلاب عام 1970 كان معه ثلاثة رفاق: اللواء عمر عمران، اللواء صلاح شديد واعتقد نور الدين القدسي كان رئيساً للجمهورية ربما أخطأت بالإسم الثاني، ولكن ماذا حدث بعد الإنقلاب هو سجن اثنين حتى الموت والثالث هرب الى شمال لبنان فأرسل من يغتاله، هذا كان سنة 1970، وما بين 1980 و1986 قام بمجزرة حماه ثم في العام 2004 قام بالعملية العسكرية في مناطق الأكراد الذين تبيّن انه لا يحملون جنسية حتى الآن سُحبت منهم الجنسية. إذاً هذا نظام قائم على عقل بوليسي أمني منذ اليوم الأول، لذلك هو غر قادر على إنضاج أو التوصل الى تفاهمات سياسية، وهو نظام قائم على عنوان واحد إما قاتل وإما مقتول، لذلك لا يمكن أن يبقى، هو يستطيع أن يقتل وحتى اليوم المتداول المُعلن 60 ألف شهيد إضافة الى عشرات آلاف المعتقلين أو المفقودين، برأيي انه أصبح رئيساً سابقاً، والكلام على اعتبار انه لا يزال رئيس سوريا فيه أوهام، هو رئيس جهاز القتل في سوريا وليس رئيس الدولة السورية، وهذا ليس اتهاماً بل صورة واقعية. عندما تراقب بعقل بارد تُلاحظ أمامك ان هناك عناوين قتل يومية وهناك وجبة يومية بين 150 و400 شهيد مُعلنة، وبالتالي هو ليس حاكماً ولا يمكن أن يستمر طويلاً، هذا الأمر مُخالف للمنطق وللعقل وللتوجهات الدولية، هو سيذهب وأنا لا أدّعي انني خبير في مسألة الوقت، ولكن لا يمكن أن يستمر لآخر السنة، مستحيل أولاً بسبب الوضع الإقتصادي، فالحرب تحتاج الى مال والى رجال، الوضع المالي سيء جداً جداً والدولة التي يعتمد عليها الباقية الوحيدة معه، بمعنى أو بآخر بالتحالف هي إيران التي وضعها مادياً واقتصادياً أسوأ بكثير.
نعم لا يزال عنده قوة عسكرية متماسكة وهذا صحيح، ولكن تنشأ مقابلها قوة عسكرية متماسكة مع الوقت، والثورة مستمرة منذ سنتين وهناك مناطق بأكملها يتم تحريرها.

س- هو ليس لديه محافظة متكاملة، هو يأخذ أجزاء من محافظات لكن لم يتم تحرير المحافظات؟
ج- أبداً وحتى لم تتم السيطرة، بمعنى ان جيش الأسد لا يسيطر بشكل كامل على مناطق أو محافظة بكاملها بما فيها دمشق، لذلك لن يستمر.

س- لكن، ألا يمكن استمرار الحالة هذه لمدة سنوات، حالة اللامنتصر واللامهزوم؟
ج- كلا لأنه عملياً من يزيد ويقوى ويتضاعف ويتكاثر هو قوة الثورة وليس قوة النظام، فعملياً هناك شيء يكبر وشيء يصغر وليس العكس ومن يكبر هو الثورة.

س- يُصوّر أنصار النظام انه في الشهرين الأخيرين استطاع القيام بهجوم مضاد واستعادة بعض المناطق؟
ج- هذا في ريف دمشق، ولكن هذا ليس مؤكداً ولا دائماً فالعملية هي كر وفر، عملياً بصرف النظر عن الجغرافيا حيث التقدّم أو التراجع، لأن اليوم هناك إعلان بأنهم حرروا ثاني مطار عسكري في سوريا وهو مطار تفتناز.
ولكن في كل الأحوال عملياً هذا النظام لا يستطيع أن يبقى مهما كان إصراره وقدرته على القتل لأنه لم يعد نظاماً حاكما، صار نظاماً قاتلاً فقط لا غير وهذه نقطة أساسية جداً مهما بالغت إيران بدعمه ومهما بالغ الروس باستخدامه، ومهما بالغ الصينيين بمراقبته وبالإقدام وثم التراجع بالوقوف الى جانبه، مهما فعلوا هؤلاء الثلاثة لا يمكن أن يتركوا نظام قاتل كل الوقت يعيش.
بالنسبة للخيار الثاني الذي تفضّلت به فهذا خيار مستحيل، فأي انسحاب الى منطقة الساحل هو انسحاب يؤدي ..

س- يؤدي الى التقسيم؟
ج- هو لا يستطيع التقسيم بل هو جيب عسكري متمرد، نحن عندنا تجربة في لبنان حيث مرّت سنوات طويلة من الحرب الأهلية وكانت فئة من اللبنانيين، وبصراحة أكثر المسيحيين الذين يملكون العلم والمال والدعم الغربي والمعرقة، وهم طائفة مؤسسة للبنان، وبعد سنوات طويلة اضطروا الى الإستسلام لمنطق الدولة الواحدة لأن هذا التقسيم ليس قرار مجموعات.
العلويون أولاً ليسوا مجمعين على بشار الأسد رغم كل ما يُقال، هذا أولاً. وثانياً لا يملك العلويون لا الإمكانيات ولا المعرفة ولا العراقة التي كانت للمسيحيين في لبنان اضافة الى اننا عندما نتحدث عن التقسيم وكأنه قرار مجموعة لبنانية أو سورية أو عراقية، هذا قرار دولي فعندما تريد تقسيم سوريا، أنت تكون بذلك تُهدّد تركيا وتُهدّد إيران والعراق بهذا العقل التقسيمي.

س- هل بالإمكان شرح هذه النقطة؟
ج- أولاً التقسيم يحتاج الى قرارات دولية وسايكس بيكو لم تتخذه مجموعة من الأقليات متمردة أو حردانة أو زعلانة أو غير قابلة لأن تعيش مع الآخر، هذه قرارات كبرى غير متوفرة، وكل الجو الدولي الآن لا يساعد على هذا الأمر.
ثانياً: في الإقليم وبنفس الإقليم عندما يُقال بأن هناك مجموعة من العلويين يريدون أن ينقسموا على الساحل السوري، ولكن هناك على الحدود دولة إقليمية كبرة اسمها تركيا ودولة إقليمية كبرى اسمها إيران، وتُصبح هذه الحالة حالة معدية قادرة على تفتيت المجتمع التركي الذي يضم أعداد كبيرة جداً من العلويين.

س- والأكراد؟
ج- بطبيعة الحال كانوا موجودين في تركيا وإيران وسوريا والعراق، لذلك أنا لا أعتقد ان مجرّد رغبة أقلية أو مجموعة من هذه الأقلية تكفي لإحداث التقسيم، والقرار الدولي والقرار الإقليمي قادر على منع أي فكرة تقسيمية لسوريا أو لأي دولة أخرى في أي مجال، ولو كان التقسيم مُباح ومُتاح لكان تقسيم العراق سابقاً أسهل بكثير بعد الغزو الأميركي، ومع ذلك يتبيّن ان وحدة العراق أكثر تماسكاً من أي فترة سابقة، رغم كل الخلافات. أنت ذكرت الأكراد الرئيس الكردي الحالي رئيس الإقليم الرئيس مسعود البرزاني سياسياً أين يوجد كي يحتمي من الإيرانيين؟ ذهب الى تركيا، وبالتالي هذا الإقليم محمي سياسياً من تركيا ومن الغرب بطبيعة الحال ومن الولايات المتحدة، فإذا كان محمياً سياسياً من تركيا هل ستساعده تركيا على التقسيم؟ وهنا نتحدث عن الأثنية وليس عن مذهب او طائفة، هذا كلام غير واقعي وغير حقيقي وغير ممكن الحدوث، هو تضييع وقت وتضييع أفكار وإثارة فقط لحشد الناس ولشحنهم للتعبية المذهبية لكي يصبحون يقتلون لا أن يُقاتلوا ويقتلون بشراسة أكبر.

س- أنت ترى كما يقولون انه لا يمكن الحديث عن الحالة السورية وتماسكها ومستقبلها بدون طرق باب إيران، لأن إيران طرف له مصالح وطرف مؤثر؟
ج- هناك طرف يمكن أن يُقال بأنه حليف النظام السوري لأنه هو العقل هذا القائم على تحالف الأقليات وحماية الأقليات من وجهة نظره، يعني هناك أسباب مذهبية وأسباب سياسية، وهناك أسباب جغرافية، وهناك أسباب مناطقية إذا حسبنا انه من إيران الى العراق ومن العراق الى سوريا باعتبار ان هذا طريق واحدة تؤدي الى لبنان، يعني هذه الدول الأربع إيران، العراق، سوريا ولبنان.

إيران ستُقاتل وتُقاتل وتُقاتل الى جانب النظام السوري لأنها تعلم بأنها مهما فعلت فهذا النظام لن يبقى.

س- إيران تريد القتل هل من أجل شراء الوقت؟
ج- شراء وقت لكي يُفتح باب التفاوض معها على شيء ما، لأن عند إيران عدة عناوين:
1- التخصيب النووي
2- حزب الله في لبنان
3- وضعهم في العراق
ولكن لا أحد يُفاوضهم بشكل جدي على أي من هذه الملفات، ويتركون الأمور لكي تتغير من تلقاء نفسها، لذلك لن يستطيعوا الوصول الى مكان، يعني عملياً إيران خرجت أولاً من فلسطين بعد الذي حدث في غزة، ثانياً خرجت من سوريا، وأي نظام سيأتي الى سوريا لن يكون نظاماً حليفاً أو صديقاً أو مُسهلاً للسياسة الإيرانية.
يبقى موضوع لبنان وهو خاضع للبحث أيضاً بمعنى انه مفهوم عند تغيير الوضع في سوريا انه له انعكاس على لبنان مثلما له انعكاس على الأردن والعراق، الدول الثلاث المجاور’، فعملياً إيران تحاور حتى اللحظة الأخيرة، ولكنها عملياً خرجت من سوريا وعملياً أكثر خرجت من فلسطين وبقي الحديث حول لبنان، فمتى يُصبح هناك مجال للتفاوض الدولي مع إيران يكون بدأ الحديث بشكل جدي. حتى الآن واضح ان لا أحد يريد التفاوض مع الإيرانيين لا الغرب ولا العرب بشكل أساسي ما عدا التجربة المصرية، آسف أن أقول انها فولكلورية لأني كنت أنتظر أن يكون الدور المصري في هذا المجال أكثر قدرة.

س- ماذا ترى بفكرة الدعوة الرباعية مصر، السعودية، تركيا وإيران للحديث حول سوريا؟
ج- ولكنها لم تحققق شيء والمصريين قدّموا انفتاحاً كبيراً لإيران بعد انقطاع عشرات السنوات دون ان يحصلوا منها على شيء مسبقاً، وفي السياسة والدبلوماسية كما تعرف لا تكون المفاوضات على أسس سلامة النوايا فقط، وبالعكس كل ما نقرأه ونتابعه هو تصرّف انه كدولة مصرية فتح لإيران باب على العالم العربي بعد أن أقفل في سوريا، هو يفتح الباب الدبلوماسي لإيران أمام الجميع باستقبال مسؤولين إيرانيين واحد تلو الآخر، والرئيس المصري يزور طهران رغم أنها زيارة قصيرة ويتم ترجمة خطابه زوراً وبهتاناً، ومع ذلك تستمر المشاورات وكأن هذه السياسة عادية، ولكن ابداً هذه ليست سياسة عادية، مصر تستطيع ان تحصل على الكثير الكثير من إيران قبل ان تفتح لها باباً واحداً وليس أبواب، ومع ذلك قدُّمت العلاقات المصرية-الإيرانية شكلها العلني على طبق من فضة مجاناً ودون الحصول على أي نتيجة مسبقة، وأسمح لنفسي القول ولا لاحقة ايضاً، لذلك الإيرانيين ينتظرون الجهة المقررة لكي تتحدث معهم، والجهة المقررة لن تتحدث اليهم، وهذه الجهة هي الأميركيين او الأوروبيين، والواضح انه لا يوجد اعتراف أميركي بضرورة التفاوض مع إيران بشأن سوريا أو بشأن فلسطين أو لاحقاً ربما بشأن لبنان. هناك ملف واحد تُفتح فيه المفاوضات ثم يُغلق ثم يُفتح ثم يُغلق، هو ملف التخصيب النووي الإيراني، أما باقي المواضيع فحتى هذه اللحطة لا أحد يريد الإعتراف وليس هناك مزاج للإعتراف سوى في مصر، حتى في العالم العربي الدور الإيراني بتقديري أنا غير جاهز، نحن أيضاً نسينا انه في يونيو – حزيران المقبل هناك انتخابات رئاسية في إيران، وبالتالي الوضع السياسي هناك خاضع…

س- ربما الأميركيين ينتظرون نتيجة الإنتخابات؟
ج- ممكن ولكن للإعتراف بماذا لا يوجد الآن مزاج غربي قابل للإعتراف بدور إيراني في هذه المنطقة للتفاوض عليه، ربما على موضوع العراق فاوضوا، وفي موضوع افغانستان فاوضوا في السابق، ولكن على موضوع سوريا وفلسطين ولبنان لم يحدث إن حصل تفاوض عربي مع الإيرانيين.

س- يعني نحن عندنا عام 2013 نوع من التأجيلات أو تجميد الكثير من الأمور بانتظار ماذا سيحدث في سوريا وانتظار ماذا سيحدث في إيران وانتظار ماذا ستسفر عنه الإنتخابات الإسرائيلية، وهناك انتظار ما الذي ستسفر عنه الإنتخابات البرلمانية في مصر، ونحن بانتظار إعادة تشكيل السياسة الأميركية بالفريق الأميركي وزير الخارجية ووزير الدفاع ورئيس المخابرات الأميركية، وهذا المثلث من اللاعبين الأساسيين صحيح هناك ثوابت أميركية، ولكن ربما يكون عندهم طرق مختلفة للإقتراب من الملفات؟
ج- نعم الخضوع على التفاوض أكثر أو أقل ولكن دون تغيير في الثوابت، دعنا نتذكر ان الرئيس اوباما شعار حملته الأكبر في الموضوع الإيراني انه لن يسمح لن يسمح لن يسمح بمفاعل نووي إيراني.

س- وهذا ما قاله بنيامين نتنياهو في كلمته في الأمم المتحدة عندما وقف ورسم الخط الأحمر على المفاعل النووي الإيراني؟
ج- هو عنوان استراتيجي يتفقان حوله، ولكن وسائل مقاربته تختلف من شخص الى آخر.

س- هل أنت من أنصار فكرة ان إسرائيل ممكن أن تُقدم على ضربة عسكرية لإيران؟
ج- أنا لا أعتقد ان إسرائيل يمكن أن تُقدم على أي ضربة عسكرية بدون موافقة أميركية أكيدة ومعلنة وواضحة، نحن نتحدث عن منطقة فيها وجود أميركي مباشر، الأسطول الخامس في البحرين، قاعدة “عديد” في قكر، الأسطول السادس المتجول في المنطقة، قوات أميركية محدودة العدد في العراق، فلا يمكن أن تتخذ إسرائيل قرار بهذا الحجم دون أن تكون هناك موافقة أميركية مُعلنة، واضح ان الإدارة الأميركية غير موافقة وهي تُقارب هذا الملف من عدّة جهات.
الجهة المعتمدة حالياً هي الملف الإقتصادي، بمعنى انهم يرون أمامهم ان الملف الإقتصادي فعلاً استطاع أن يؤثر على الداخل الإيراني ويوقظ المشاكل باعتبار انه عندما يكون هناك أموال تبقى الى حد ما نائمة أو هادئة، ثم عندما يختفي المال تستيقظ كلها دُفعة واحدة.

س- إذا افترضنا ان الضربة العسكرية حصلت كيف تتوقع مثلاً موقف “حزب الله” في لبنان؟
ج- بالتأكيد سيشارك في الحرب هذا أمر مُعلن، سلاح “حزب الله” في لبنان هو سلاح إيراني مهمته واستراتيجيته وتفكيره وقواعده وتدريبه وخبراءه كلها تأتي من إيران، وبالتالي هذا قراره إيراني، إذا قامت إسرائيل بأي عمل عسكري على إيران “حزب الله” بالتأكيد سيشارك في هذه الحرب بكل الوسائل المُتاحة.

س- إذاً لـ”حزب الله” مرجعية روحية في إيران سلاحه وتمويله من إيران؟
ج- ليست مرجعية روحية فحسب، هي مرجعية سياسية، روحية، مدنية، عسكرية وثقافية، بل هي إنتماء كامل.

س- النقطة الثانية ان سوريا كانت تلعب الطرف الوسيط في عملية نقل السلاح في عمليات التدريب وطرق الإمداد، والجهاز الأمني السوري كان له دور في هذا الموضوع، لو افترضنا جدلاً، وهو احتمال واحد بالمئة، انك المستشار السياسي لـ”حزب الله” وهذا هو الوضع الحالي في سوريا بماذا تنصحه؟
ج- لا خيار أمام “حزب الله” بالتأكيد كنت سأنصحه بأن لا يتدخل على الإطلاق في الحرب السورية، لأنه عملياً هو يُعادي 80 بالمئة من الشعب السوري، وهذا أمر لا يرتكبه عاقل، ولكن أنا لا أعتقد ان عنده خيار، هو جزء من منظومة إيرانية تتلقى التعليمات وتُنفذّها في هذا المجال، وليسوا بحاجة لوسيط، إيران هي التي تُقرر، نحن نعيش منذ عام 2010 قبل الثورة السورية تحت الإدارة الإيرانية المباشرة، لم نعد تحت الإدارة السورية، سابقاُ كنا تحت الإدارة السورية، كانت سوريا هي التي تُقرر وتُشاور الآخرين.

س- هل لديك تاريخ فاصل؟
ج- التاريخ الفاصل قرار إسقاط حكومة الرئيس سعد الحريري في أول شهر من العام 2011 دخلوا في عملية سياسية- عسكرية، كانوا يعتقدون بأنهم يمسكون البلد لعشر سنوات مقبلة من خلال تشكيل الحكومة بالطريقة العسكرية التي تمت، ومن خلال إنتخابات نيابية تُحقق لهم أكثرية قادرة على الإمساك في البلد، أعود وأقول هذا البلد هو بلد انتخابات وليس بلد انقلابات، فكانت النتيجة انه حدثت الثورة المصرية يوم تكليف رئيس الحكومة، وحدثت الثورة السورية بعد شهرين من التكليف، وتغيّر الوضع في المنطقة وصاروا بحاجة الى “ديت لاند” الآن “بلان أ” انتهت ولم يعد ممكن تنفيذها، الآن انتقلنا الى “بلان د” وهي المماحكة والمشاددة والصراع حول قانون الإنتخابات التي تُحدّد الاكثرية والأقلية والتي تُحدّد الإتجاه السياسي للبنان.

س- ألا تعتقد ان “حزب الله” ممكن أن يقوم بإعادة تأهيل سياسي لنفسه بحيث يندمج داخل التجربة اللبنانية؟
ج- هذا يحتاج الى تغيير استراتيجي في سوريا أولاً ومن ثم في إيران، وبعد ذلك يأتي دور “حزب الله” في لبنان.

س- يعني إذا كان هو يرى ان النظام السوري ذاهب لا محالة، وانه محتاج لعلاقات طيبة مع أي نظام قادم في سوريا وان الوضع يستدعي أن يلحق بشكل التطور؟
ج- لكن نحن هنا نتحدث عن سنوات وليس عن أشهر، هذه الصورة التي تتحدث عنها تحتاج الى ىسنوات وتحتاج الى تغيير استراتيجي مقبل في سوريا وتغيير استراتيجي أيضاً في إيران.
س- بالتأكيد قيادة “حزب الله” حكيمة وهي تُدرك ان هناك خطر آتٍ مهما كانت ارتباطاته مع دولة مُعيّنة لكن في نهاية الأمر؟
ج- ليس ارتباطه بل ولاءه، هي مسألة فقهية ليست وظيفية.

س- مهما يكن أين تكمن المصلحة؟
ج- هذا ما أقوله عندما نتحدث عن المصلحة العامة بمفهومها المدني هذا أمر يحتاج الى تغيير في المركز وليس في الفرع فقط، تغيير عقل المركز وهذا لن يحدث قبل التغيير المقبل في سوريا ومن ثم تغيير عقل المركز في إيران وصولاً الى إعادة تموضع السلاح أو التفكير العسكري لـ”حزب الله” في لبنان، هذا أمر يحتاج على الأقل الى ثلاث أو أربع سنوات، وهو ليس سريعاً ولا قريباً، لأنه علينا انتظار النتائج في سوريا وانتظار الإنتخابات الإيرانية الى أين ستؤدي، وانتظار العقل الإيراني الجديد، إذا كان هناك من عقل إيراني جديد كيف سيتعاطى في المنطقة، لكن التغيير آتٍ وسيحدث، والنقاش على المدة أوالوقت وبأية أكلاف.

س- أنت تتكلم عن التغيير في سوريا فبعد المرحلة الأولى التي هي إذا رحل الرئيس السوري، السؤال هل لدى أي إنسان تصوّر عمن هو ذلك النظام أو ما هي التركيبة التي سترث نظام الرئيس بشار الأسد؟
ج- المعارضة أو الثورة قطعت أشواطاً طويلة في هذا المعنى، الآن وصلت الى انها على أبواب تشكيل حكومة بمعنى ان هناك هيئة سياسية مُحدّدة وواضحة ومُكلّفة بمهام، بمعنى ان هناك وزراء ورئيس وزراء وهذه المجموعة هي التي ستضع خطة العمل السياسية للمرحلة المقبلة، هل هو نظام رئاسي أو هو نظام برلماني؟.

س- يُقال ان كل القوى التي تعمل في الخارج اليوم التي مهما كان لها اتصالات مع الداخل، لكن تظل القوى التي تُحارب في الداخل هي التي ستكون لها الغلبة في النهاية؟
ج- الغلبة بماذا؟.

س- بتقريرالأمر على الأرض؟
ج- الأمر ليس بهذه البساطة، بمعنى انه عند تشكيل الحكومة وهذا يفترض أن يتم خلال شهرين أو ثلاثة أشهر بحد أقصى، هي التي ستأخذ المبادرة، وهي التي ستتصل بكل هؤلاء الناس الذين هم بطبيعة الحال، ستكون ممثلة لهؤلاء الناس على الأرض بشكل أو بآخر، بانتماء أو بآخر، وتضع أمام الناس رأيها أو تقديرها لشكل النظام المقبل، ولكن أيضاً هذا الأمر عليه أن يمر بمرحلة فوضى، فإذا كانت الدول التي حدث فيها التغيير سلماً وأخذت هذا الكم من الوقت ومن الفوضى ومن التساؤلات والنقاشات مثل مصر و تونس أو ليبيا أو اليمن، فكيف بعد ثورة تسبب فيها النظام بـ60 ألف شهيد حتى اليوم؟ هذه عملية صعبة ستستغرق بعض الوقت، هناك مرحلة انتقالية في سوريا لن تستمر أقل من سنتين أو ثلاث سنوات قبل استقرار الوضع بصورته الجديدة، وبانتخاباته وبتمثيله السياسي وبشكل نظامه السياسي، وهذا الأمر لن يمر بسرعة، أسرع شيء هو سقوط النظام، لذلك من المهم وجود حكومة تتولى الأمر، وهذه الحكومة ستُعاني أرضاً وبحراً وجواً.

س- هل تعتقد ان علاقة الحكومة السورية الجديدة هي النظام الأمني في لبنان؟
ج- كلا فهم أعلنوا وصدر إعلان رسمي وخطي عن المجلس الوطني السوري يُحدّد طبيعة العلاقات مع لبنان القائمة على الإستقلال والسيادة والحرية في كل بلد من البلدين بشكل واضح، وهناك إدانة كاملة لفظائع النظام السابق وللعلاقات بين لبنان وسوريا في عهد النظام السابق.

س- حصل نفس الشيء في الحالة العراقية مع الكويت، لكن مازالت الكويت لديها مخاوف من فكرة الرغبات الإقليمية أو التوسع العراقي داخل الكويت، ليس له علاقة بتغيير النظام؟
ج- لكن الخريطة العراقية والنصوص العراقية حسمت موضوع الكويت، يعني بالنص وبالحمايات الدولية وبالتفاهمات الدولية، هذا الأمر حُسم. أما إذا بقيت المخاوف داخل بعض النفوس فهذا لا تُعالج إلا بالدعاء، يعني عملياً لا ترجمة جدية لها.

س- هل تعتقد ان النظام الأمني السوري مع نظام جديد لن يرى ان لبنان مجالاً حيوياً له؟
ج- مجال حيوي صديق أم مجال حيوي مُعتدّى عليه ومُنفّذ فيه أحكاما ً أمنية ليلاً نهاراً؟.

س- ربما بغياب مراكز صناعة قرار يكون لبنان نظام تابع؟
ج- النظام السوري الجديد عملياً سيكون مُنتخباً، يعني بطبيعة الحال سيكون مُعبّرا عن رأي الناس ورأي الناس التي تعوّدت على الحرية، لا يمكن أن يكون مُطالب أو مُشجع على سيطرة أو منع الآخرين، وفي لبنان تحديداً من التصرّف بحرية.
أنا أعتقد ان الديموقراطية وحرية التعبير وحرية الإقتراع عندما تصبح حق مُكتسب للشعب السوري سيكون حريصاً أكثر وأكثر على أن يكون هذا الحق متوفر للبنانيين بعيداً عن أي تأثير أو ضغط أمني أو سياسي سوري، المجال الحيوي ممكن أن يكون مجال تعاون وصداقة وتفاهم من موقع على نفس المستوى وليس من موقع الكبير الذي يريد ان يُربّي الصغير، أو الأمني الذي يريد أن يقمع الديموقراطيين.

س- في هذه الحالة حلفاء سوريا ليس أمامهم سوى إيران؟
ج- حتى لو كانت إيران أمامهم لكنها لا تستطيع أن تفعل شيء، فإيران بعيدة.

س- أنا أتحدث انه من ناحية بعد سقوط النظام السوري؟
ج- ليس لهم سوى لبنان، ليس أحد من اللبنانيين له سوى لبنان، إيران بعيدة جداً، لا أحد له سوى لبنان ولكن الفرق كم سيستغرق من الوقت لكي يلتزم هذه القاعدة؟ بعض الناس ملتزمين بشكل نهائي وحاسم حتى الآن.

س- مثلاً الحلفاء التقليديين مثل ميشال عون وسليمان فرنجية أين سيذهبون؟
ج- يبقون في لبنان، لا يذهبون الى أي مكان.

س- أنا أفهم إنهم سيبقون في لبنان، ولكن ماذا عن تحالفاتهم وكيف ستكون؟
ج- هم ليسوا بحاجة الى تحالفات إقليمية، فالشعب اللبناني قرر تمثيلهم السياسي وبناءً عليه يتصرفون على هذا الأساس.

س- لأن كل المعادلة قامت في لبنان على ان القوى المحلية لها قوى ضامنة إقليمية نهاية المرحلة السورية في لبنان بهذا الشكل ستترك فراغ؟
ج- أنت تعرف انه على الأقل مجموعة “14 آذار” وقوى “14 آذار” منذ أربع سنوات، كي لا أقول أكثر ليس لهم أي ضامن إقليمي لا عربي ولا دولي، ومع ذلك هم موجودون ومستمرون ويعملون بالسياسة ويُمثلون أهلهم وناسهم، ويدافعون عن مصالحهم بشكل طبيعي. لبنان يتيح العمل بالسياسة بشكل طبيعي دون ضامن إقليمي وفكرة الضمانات الإقليمية تتراجع ولا تتقدّم.

س- مثلاً “قوى14 آذار ليس عندها تحالفات أميركية- فرنسية- سعودية؟
ج- إذا كنا نتحدث بجدية وبالعمق أقول كلا، وإذا كنا نتحدث بالشكل أقول نعم، ولكن بالعمق هذا غير موجود.

س- أريد أن تشرح لي هذه النقطة؟
ج- يعني بالنتيجة الإعلان وحده لا يكفي، أنت تقول ضامن إقليمي، فالضامن الإقليمي يكون معنياً بأمرك ومعنياً بقضيتك كل يوم، وبالتالي يُدافع عنك، ونحن منذ 7 أيار 2008 والعملية العسكرية التي قام بها “حزب الله” وانتهت باتفاق الدوحة الذي تمت فيه مخالفة كل القواعد الدستورية اللبنانية، ليس هناك أي ضامن إقليمي قام بحمايتنا أو نظر إلينا أو حقق لنا أي طلب منذ العام 2008 حتى اليوم، والآخرين عليهم أن يعتادوا المُدافعة عن مصالحهم السياسية أو عن حضورهم السياسي بدون ضامن إقليمي، هل هذا الأمر سيؤدي الى تغيير بالتوازن أو بميزان القوى داخل البد؟ الجواب نعم وهذا امر طبيعي، وبطبيعة الحال عندما يُصبح هناك تغيير بالتوازن وبميزان القوى، القدرة على الإعتداء على النظام اللبناني وعلى الدستور اللبناني وعلى لبنانية غالبية الشعب اللبناني من قبل سلاح “حزب الله” أو من قبل حلفائه ستضعف مع الوقت كي لا أقول ستنتهي، وهذه نتيحة طبيعية لقراءة المُتغيرات في المنطقة، وكلما قرأت بحكمة وبتروي وبمنطق وبعقل كلما تصل الى هبوط آمن، وكلما توترت كلما تسببت بمشاكل أكثر وهبوط غير آمن، عملياً كل هذه الصورة لا يمكن الحكم عليها قبل جلاء الصورة في سوريا، وبالتالي نحن خيارنا الوحيد هو صندوق الإقتراع الذي يُحدّد حجم الناس السياسي ومصيرهم السياسي وتوازن القوى السياسي داخل البلد، أما إيران ستصبح أبعد، وعلى الآخرين التصرّف بأن إيران لم تعد قادرة عل ىالوصول اليهم من خلال سوريا والوصول من خلال لبنان الى كل العالم العربي.

س- هل تعتقد ان هناك قوى إقليمية ستحاول ملء فراغ نظام الأسد والإبتعاد الإيراني؟
ج- لا توجد دولة قادرة على ملىء هذا الفراغ بشكل طبيعي سوى مصر، تجربة الدول الأخرى كلها تتراوح بين الفاشلة قليلاً والفاشلة كثيراً، حتى الدور التركي سيُصبح له مكان في مستقبل المنطقة.

س- أين؟
ج- في لبنان بشكل محدود ولكن في سوريا همّه الرئيسي كما أعتقد في سوريا والعراق، لذلك توجهّه أكثر الى سوريا والعراق. ولكن المفهوم التاريخي لا أحد يستطيع لعب هذا الدور سوى مصر ولا أحد يستطيع لا في المستقبل ولا أحد استطاع في الماضي أصلاً في الثلاثين سنة الماضية أن يأخذ دور مصر لأنها الدولة العربية الأولى التي استطاعت تحقيق هذا التواجد في الدول العربية، ومصر الآن غير جاهزة، لذلك هناك عدّة قوى ستدخل الى سوريا ولبنان، منها التركي ومنها ما يبقى من الإيراني، ومنها الغربي وربما الخليجي أو السعودي في وقت من الاوقات، ولكن هذا كله لن يكون عنصر توازن دائم.

س- هل تعتقد ان السعوديين يرون الوضع السوري صح؟
ج- أعتقد انهم يرونه صح بالتأكيد ولكن هل إدارتهم قادرة على متابعة هذه الرؤية، بصراحة لا أملك جواب، ولكن الرؤية سليمة هل الإدارة موازية أو مساوية لهذه الرؤية، لا أملك جواب، أكيد حول هذا الموضوع، لكن بالتأكيد الصورة عندهم واضحة وقرارهم واضح ودعمهم للشعب السوري واضح.

س- هل رؤيتك أن يتم تسليح المعارضة ودعمها، ولكن لا يتم تشجيع فكرة عمليات عسكرية من الخارج؟
ج- العمليات العسكرية من الخارج قرار دولي مُتخذ بأن لا تحدث، لذلك من غير المفيد ولا مهم أن تكون أنت راغب أو تُشجّع.

س- في مرحلة كان هناك تفكير بأن تقوم تركيا بذلك؟
ج- واضح ان تركيا مُلتزمة تماماً بالقرار الدولي.

س- ولكن ماذا عن الباتريوت على بعد 120 كلم؟
ج- هذا له تأثير سياسي ليس عسكرياً فقط، ولكن هناك عدّة قوى ستدخل أو تحاول الدخول الى المنطقة بديلاً للنفوذ الإيراني، ولكن لن يكون لها بسرعة ظهور وقدرة على التأثير، الدور الإيراني عمره 30 سنة منذ العام 1980 هذا الدور بدأ تحت عنوان ولاية الفقية، وهذا الدور مع خروجه سيظهر أولاً في سوريا عدم توازن، ستدخل قوى متتالية سواء تركيا أو السعودية أو الدول الحديثة، قطر الدور الإمبراطوري، كل هذا سيحاول، ولكن من يبقى في النهاية برأيي وبكل بساطة وبتواضع وبثقة انه لا أحد يستطيع أن يعيد التوازن إلا الدور المصري.

س- ما فهمته من كلامك انه رغم كل ما يحدث في المنطقة فهو مؤقت وليس أبدياً وطبيعي أن يحدث في مرحلة ما بعد الثورات، وسندخل في النهاية في مرحلة تشكيل جديد لوضع أفضل؟
ج- تشكيل جديد إيجابي قد يستغرق بعض الوقت ومُتعب وله أثمان، ولكن هذه الطريقة الوحيدة وليس من سبيل آخر.

س- ما هو أكثر شيء تخاف منه؟
ج- أنا لا أخاف سوى من إسرائيل، بمعنى ان تأثير إسرائيل على استمرار الفوضى في العالم العربي من خلال القنبلة الموقوتة الدائمة منذ العام 1948 حتى اليوم، وهي القضية الفلسطينية، لأن هذه القضية ثبُت بالملموس انها لا تزال القضية المركزية عند كل العرب، قد يتجاهلونها أو ينسوها، ولكن يعود ويأتي من يعيدها الى الواجهة باعتبارها القضية المركزية، لذلك طالما هذا الموضوع لم يصل الى مكان سليم، يبقى هذا ما يُخيفني، ولكن جزء من التشكيل الجديد للعالم العربي ان قرار الحرب والسلم سيُصبح خيار الناس وليس خيار الحاكم، والناس ستُقرر إذا كانت ستذهب الى الدفاع عن قضيتها أو انها ستستسلم وتستكين، والأرجح ان كل الشعوب العربية مهما بالغنا في استكانتها، خيارها الأكيد هو خيار الحق، خيار أن يكون للفلسطينيين دولتهم يعيشون فيها مثلهم مثل بقية البشر دولة مستقلة ولو استغرق ذلك سنوات، هذا الشعب يُقاتل منذ 63 سنة ومُستمر بالقتال والشعوب العربية عندما يكون القرار بيدها لن تتركه يُقاتل بمفرده.