“بانوراما العربية” مع منتهى الرمحي – ديموقراطية المحاصصة عامل استقرار أم تفجير؟

مقابلات تلفزيونية 05 ديسمبر 2009 0

س- المعروف ان النظام في لبنان بُدىء العمل به على أساس الميثاق والعرف ومن ثم أُسّس له أيضا في اتفاق الطائف، لكن دستوريا غير مكتوب بالدستور اللبناني، هل نرى ان الأمور تسير في العراق بنفس الإتجاه؟
ج- في المقدّمة التي تفضّل فيها الأخ من العربية وبالحوار المستمر حول توصيف النظام الطائفي في لبنان، هناك تعبير يتم استعماله هو الديموقراطية التوافقية، ولكن ليس في الدستور اللبناني لا عام العشرين ولا عام الـ43 أي نص يتعلق بالديموقراطية التوافقية، هذا نص استعمل بعد اتفاق الدوحة، والذي ببساطة سياسية أنا أعتبره إتفاق إذعان.

أولا: ما هو في لبنان رسميا وبالنص والوحيد الذي يُعتبر ان هناك إتفاقا بشأنه تصويتاً حتى هذه اللحظة هو إتفاق الطائف، وهذا الإتفاق قائم على اطمئنان الأقلية وحُكم الأكثرية لا علاقة له بالديموقراطية التوافقية.

ثانيا: في لبنان منذ العام 1920 تحّولت الطائفة الى وحدة سياسية فألغت الحياة الحزبية وصارت كل طائفة بداية هي وحدة سياسية، المسلمون وحدة سياسية والمسيحيون وحدة سياسية بقيادة الموارنة في ذلك الحين، ومن ثم تدهّورت الأمور أكثر الى إنقسام المسلمين الى عدّة فرق وإنقسام المسيحيين أيضا بنسبة أقل بكثير، وتوصلوا بعد الحرب الأهلية الى اتفاق الطائف، لم ينفّذ حتى الآن، ولكنه يعطي المسيحيين عمليا الذين عددهم أقل، نصف المقاعد في مجلس النواب وفي مجلس الوزراء وفي مناصب الفئة الأولى فقط في الدولة، وليس كما ورد في مقدّمة الأخ من العربية، وهذا تقاسم يُقصد به إلغاء مسألة الديموقراطية العددية لكي يشعر المسيحيون انهم مطمئنين، وان بيديهم أدوات جدية في السلطتين التشريعية والتنفيذية تحفظ لهم حقهم في الإطمئنان والإستقرار، كما هو الأمر في وظائف الفئة الأولى.

أما التجربة العراقية فهي تجربة مختلفة، حيث هناك أكثرية كبرى وأقلية، وأنا أعتقد ان الأخوة العراقيين ما زالوا في مرحلة التمرين على هذا الموضوع، لأنه لا يمكن لعقل أكثري يلغي الأقلية أن يحكم مهما كان عدده ومهما كانت قوته، العقل الذي يحكم فقط هو القائل على ان الحكم للأكثرية والإطمئنان للأقلية، كل الحقوق محفوظة للأقلية.

أما لبنان فقد تجاوز في اتفاق الطائف هذا الأمر وأعطى النص الدستوري أكثر من مادة للإطمئنان. ولكن الدوحة الذي لا أزال أُصر على انه اتفاق إذعان تم بالقوة ولن يستمر، لأنه ليس اتفاقا رضائيا بين اللبنانيين، فنحن نعيش منذ سنتين أو أقل حتى الآن، وكأننا نعيش في فترة فيها الدستور مُعلقّاً، ولا نستند الى الديموقراطية التوافقية باعتبارها نصا رضائياّ بين الأفرقاء اللبنانيين.

س- هناك حديث عن موضوع إلغاء الطائفية السياسية في النظام اللبناني عبر تشكيل الهيئة الوطنية التي ينص عليها الدستور في المادة 95 منه من اتفاق الطائف، وكانت آخر دعوة التي تقدّم بها السيد نبيه بري، لكنها قوبلت بردود فعل رافضة للفكرة، قيل لأنه خوفا على المناصب وتوزيع المناصب القيادية في البلد، وخوفا من الطوائف المختلفة على مواقعها في البلد، وهنا نعود الى نفس النقطة حيث نتحدث عن نظام قائم حاليا يحافظ على المواقع الطائفية للبلاد، أليس هو واقع الأمر في لبنان؟
ج- الرئيس بري طرح بندا دستوريا ولم يفتعل بندا جاء به من الخارج، فهناك بند في دستور الطائف يقول بتشكيل هيئة تفكير بإلغاء الطائفية السياسية. ردود الفعل على اقتراح الرئيس بري مُبالغ بها كثيرا، لأنه لا يطرح أمرا من خارج الدستور، بصرف النظر عن موافقتي الشخصية على هذا الأمر أو عدم موافقتي، فما دام هذ نص في الدستور فمن حقه طرحه، هذا أولاً.

ثانيا: هو طرح الأمر كهيئة تفكير وليس كهيئة إقرار، وبالتالي لا بد من مناقشته في هذا الموضوع بطريقة هادئة، خاصة أننا نعيش في وضع طُرحت خلاله اقتراحات على تعديل الدستور منذ سنة ونصف حتى الآن من كل الأنواع والأصناف والأشكال، وكلها مخالفة للدستور على عكس اقتراح الرئيس بري.

أنا لا أقول اني أوافق، ولكن أقول انه لا بد من مناقشة هذا الإقتراح بعقل منطقي.

س- لماذا كانت ردود الفعل قاسية على هذا الإقتراح مع انه منصوص عليه في الدستور كما تقول؟
ج- هذا موضوع حساس بطبيعة الحال يؤدي الى ردود فعل من هذا النوع. أنا أريد أن أعلّق على نقطة رئيسية أتى على ذكرها الأخ عدنان في مداخلته، وهي مسألة هذا الإيقاظ للطائفية الذي حققه الإحتلال الأميركي للعراق. وأنا يهمني وضع العراق مثل أي دولة عربية أخرى، وبالعكس يمكن أكثر.

على كل حال، أنا اريد أن أقول بأن الإئتلافات لا تصنع الإستقرار، والإئتلافات لا تصنع الدول، ما يحمي الإستقرار هو أن يكون هناك نص دستوري واضح يحقق الحكم للأكثرية بواسطة الإنتخابات، ويحقق الإطمئنان للأقلية أيا كانت هذه الأقلية.
أن التشابه بين الوضع في العراق وبين الوضع في لبنان من حيث التعداد والديموقراطية العددية له طبيعة مختلفة، ولكن أريد أن أشير الى انه بعد العام 1920 في لبنان وبعد اعتبار الطوائف في لبنان وحدة سياسية، جرى تشجيع ذلك من قبل كل الدول الغربية تدريجيا الى حد حصلت المزيد من الإنقسامات، والدليل انه في كل الدول العربية مثلا في فترة الأربعينات، كان يوجد رئيس جمهورية مسيحي في سوريا، ولم يكن يعترض أحد على ذلك. وفي نفس الفترة في لبنان رُشّح رجل دين مسلم لبناني اسمه الشيخ محمد الجسر، وكان رئيسا لمجلس النواب، وكان هناك رغبة لترشيح مسيحي له لرئاسة الجمهورية، وبالتالي هذه أمراض أتى بها وشجعها ودعمها ومدّها بكل عوامل التقاتل وعدم الإستقرار في فترة الحرب الباردة وقبل ذلك دول الغرب. وفي فترة لاحقة حيث نعيش الآن منذ عام 1980 حتى الآن فترة انقسامات داخل المجتمعات العربية، وهناك مجموعات موجودة في دول عربية تعتبر نفسها انها تابعة ربما دينيا وربما سياسيا لدولة رعاية خارج دولتها، وأنا هنا أقصد الوضع الإيراني وامتداداته السياسية.

الحل الوحيد بكل بساطة هو اعتماد الديموقراطية في كل بلد بما يناسبها دون افتعال ودون جعل الطوائف حواجز ودون اعتبار ان التوافق يتم بالإرغام، لأن ما يتم بالإرغام لا يمكن أن يعيش، والدليل الوضع العراقي حيث ما تم في الوضع العراقي ، بقي الإرغام 30 سنة ووصل الى أمر غير طبيعي.

س- اتفاق الطائف نصّ على انه بعد سنتين يجب البدء بإنشاء الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية، لماذا لم تُنشأ ؟ ولماذا بعد 20 سنة ما زال الحديث عنها يُثير ردود فعل؟
ج- أيضا ميثاق العام 1943 نصّ على ان الطائفية هي مسألة مرحلية وانه لا بد من إلغائها في وقت لاحق، وهذا لم يحدث.

أما بالنسبة لما يتعلق بالطائف، فهناك مرحلة مرّت ما بين 1990 و2005 كان فيها ترجمة سورية محدّدة للطائف أضفت عليه الكثير من الصور غير الحقيقية.

القراءة الدقيقة للطائف بمعناه الدستوري توضح بشكل لا لبس فيه، ان هناك عدالة ديموقراطية، لأنه عندما نقول بأن الطوائف تُمثّل بشكل عادل، ولكنها تُمثّل استنادا الى انتخابات ديموقراطية وليس الى أعراف فقط أو افتعالات سياسية كما هو الوضع الآن.

س- لكن الديموقراطية داخل الطائفة الواحدة؟
ج- هذا وصف سياسي، وليس وصفا دستوريا. ما جرى بعد الـ2005 أيضا من اضطراب سياسي وأمني منذ العام 2005 الى عام 2009 لم يُبدّل بطبيعة الإنتخابات، إنما بدّل قليلا أو كثيرا بمعنى نتائج الإنتخابات كأكثرية وأقلية، لكن هناك طائفتان حافظتا على تمثيلهما السياسي المغلق، بمعنى انه لم يضف اليه أسماء جديدة من خارجه، وهذا أمر مجال بحث الآن في قانون الإنتخابات، لأي أي قانون إنتخابات نسبي باللائحة المغلقة يضعف كثيرا من قدرة القانون ونتائج الإنتخابات على طمأنة الأقليات. وأنا حاولت درس التجربة العراقية، والدليل انه حتى في المسألة الأمنية ما هو حاصل من هجرة للمسيحيين في العراق، ومن تعرّض للمؤسسات المسيحية الدينية وغير ذلك، هو جريمة كبرى بالمفهوم السياسي، لأن هذا التنوّع على بساطته وعلى عدده القليل يعني الكثير من قدرة العراق أو لبنان على الإحتفاظ بعامل استقرار وعامل تنوّر ومعرفة. صحيح ان هناك فرق، ففي العراق هناك طوائف وهناك قوميتان، ولكن إذا سمح لي الأخوة العراقيين لكي أقول، ان إعادة قراءة دقيقة للطائف والمزج بين الدستور الحالي الذي لا يعترف بوقائع كثيرة، لا يمكن الإستمرار ولا الإستقرار دون نص رضائي، وإلا تستمر الأمور على فوضى.

النص الرضائي هو فقط الذي يؤدي الى الإستقرار في لبنان أو العراق أو في كل الدول العربية، ما عدا المغرب حصلت حساسية بالمسائل الدينية، بمعنى انه في المغرب الحزب ليس هو الطائفة، الأحزاب في المغرب أحزاب معارضة للحكومة بشكل طبيعي وليست مسألة طائفية أو مذهبية.