امتحان “الانتصار”..

مقالات 11 يونيو 2007 0

فجأة ودون مقدمات علنية ظهرت في الحياة السياسية اللبنانية الصاخبة، مساعٍ سعودية فرنسية ايرانية للمّ الشمل الحكومي بعد مقاطعة بدأت منذ سنة ونصف في مجلس الوزراء واستقالة مستمرة منذ اشهر طويلة لوزراء حزب الله وحركة أمل من الحكومة.
البارز في المساعي هو التوقيت. إذ انها تأتي بعد إقرار مجلس الأمن الدولي للقرار 1757 القاضي بإنشاء المحكمة الدولية المختصة بالاغتيالات السياسية التي جرت على الأراضي اللبنانية منذ محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة في الأول من شهر تشرين الاول في العام ,2004 واغتيال الرئيس رفيق الحريري في الشهر الثاني من العام 2005 وحتى صدور القرار. وبالطبع ما يمكن ان يحدث من اليوم وصاعداً من اغتيال سياسي.
الأبرز في المساعي أنها بدت وكأنها كانت مختبئة في ملفات الدول المعنية وظهرت فجأة، دون سابق إنذار. حتى ان تسريب الانباء عنها قوبل بحذر شديد من جانب السياسيين غير المطلعين عليها.
بدأت المساعي بحركة معلنة للسفير السعودي الدكتور عبد العزيز خوجة، في زيارات قام بها للرئيس نبيه بري في مقر الرئاسة الثانية، ولرئيس كتلة تيار المستقبل سعد الحريري في منزل والده، ولرئيس الوزراء فؤاد السنيورة في السرايا الكبيرة في اليومين التاليين لصدور قرار مجلس الأمن الدولي.
ظهر بعد ذلك ان السفير السعودي تابع اتصالاته بالسفير الاميركي في بيروت مستعيناً به على أصدقائه في الجانب المسيحي من قوى الرابع عشر من آذار.
لم ينشر حتى الآن ما إذا كان اجتمع بالسفير الفرنسي في بيروت، وهو بالطبع فعل ذلك إنما دون إعلان.
السفير الفرنسي برنارد ايمييه الذي يبدو عليه أنه تأقلم مع رئيسه الجديد في الاليزيه بأسرع ما يمكن للدبلوماسي المحترف ان يفعل، دار على المقار الثلاثة للرئيس بري وللنائب الحريري وللرئيس السنيورة، واستعان بفرانكوفونية بعض السياسيين من قوى الأكثرية ليطوق مبكراً حدة ما يعتبرونه انتصاراً لسياستهم في قرار مجلس الأمن الدولي الجديد.
جاء دور السفير الايراني ليفاجئ الطبقة السياسية اللبنانية بأكملها، ما عدا قلّة قليلة منها، بأن مساعي لمّ الشمل الحكومي السياسي مشتركة بين السعودية وفرنسا وايران بعد زيارة الى الرئيس بري منذ ايام قليلة.
توالت ردود الفعل بين متجاهل لهذه المساعي بسبب عدم معرفته بها مسبقاً، وليد بك ، وبين متردد في الإقبال عليها بسبب تجاربه المتكررة مع الأكثرية، على الاقل من وجهة نظره، الرئيس بري ، وبين معلن للرفض لهذه المساعي كونها لا تضم انتخابات رئاسة الجمهورية في جدول اعمالها وتفتح الباب الحكومي امام التمثيل السياسي لكتلة العماد ميشال عون الكبيرة العدد والواسعة التمثيل في الوسط المسيحي سمير جعجع . والمتحفظ بداية والمتفهم لاحقاً لمساع تبحث في ضمانات إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها نسيب لحود .
***
اليوم، الاثنين، يبدأ العد العكسي لهذه المساعي الدبلوماسية المفاجئة بعواصمها، الرياض وطهران وباريس، والقادرة بظواهرها ان تعطي انطباعاً أكثر جدية عن منحاها، بصرف النظر عن ردود الفعل السياسية التي أعلنت حتى الآن. إذ ان ليل أمس الاحد، كان الموعد الاخير للمؤسسات الدستورية اللبنانية لإقرار المحكمة الدولية، وصار القرار الدولي الآن بإنشاء المحكمة نافذاً بموجب الفصل السابع الذي يلزم الدول المنتسبة الى الامم المتحدة التعاون مع قضاتها وإلا فالعقوبات الدولية هي البديل.
ولكن ما الذي دفع بالدول الثلاث، الاولى عربية متقدمة على غيرها في حركتها السياسية وتترأس الدورة الحالية للقمة العربية اي السعودية، والثانية اقليمية تخوض حروباً سياسية على جميع الجبهات اولها مع الادارة الاميركية وليس آخرها في العراق وفلسطين ولبنان، اي ايران، والثالثة اوروبية، خرج زعيمها جاك شيراك من الاليزيه منذ أسابيع ودخل رئيسها نيقولا ساركوزي باسطاً الآفاق الفرنسية امام سياسة جديدة شكلاً بانفتاحها على جميع القوى اللبنانية والعربية بعد انغلاق دام سنوات ثلاث أخيرة من الولاية الثانية للرئيس السابق شيراك. اما في المضمون فرغبة في تأكيد دور الزعامة الاوروبية التي أسس لها شيراك، واستعادة لدور الوسيط النزيه من وجهة نظر المتخاصمين والذي تغاضت عنه الرئاسة الفرنسية السابقة، لأسباب موضوعية.
ما الذي جمع الشامي على المغربي كما يُقال في الأمثال العامية عن لقاء الاضداد، في مسعى لمّ الشمل الحكومي السياسي اللبناني؟
منذ ثلاثة اسابيع ظهرت كثافة في الحركة السياسية للسفير السعودي في بيروت. ظهرت صوره مع الرئيسين بري والسنيورة والنائب الحريري وغيرها من اللقاءات التي لا يعلنها عادة، كانت الحدة السياسية في أوجها حول المحكمة الدولية خلال الايام الاخيرة من المداولات حولها بين الدول الاعضاء في مجلس الأمن، إنما خارج إطار الجلسات المعلنة والمقررة في تواريخ لاحقة.
يُعرف عن السفير خوجة تفاؤله الدائم، ومسعاه المستمر لتهدئة الاجواء، واحترافه الدبلوماسي الذي يجعله يبعد مشاعره الشخصية عن الأطراف السياسية التي توالى على الاتصال بها. وتماسكه كلما ازدادت الحواجز الأمنية حول منزله ومكتبه. حتى أنه يتغزل شعراً يوزعه على أصدقائه كلما اشتدت الازمات. اما ان يتحرك سياسياً في الوقت الذي بدا فيه المسعى السعودي عاجزاً عن ايجاد الحد الادنى من التفاهم اللبناني على إقرار المحكمة الدولية عبر المؤسسات الدستورية، فهذا ما لا يتطابق مع دبلوماسيته مهما احترف.
المفاجأة، كانت، حين مناقشته في حركته. إذ أن في تعابيره تجاوزاً لكل ما حدث من قبل من مواجهات مع مساعي بلاده. بل أظهر إقبالاً على دوره المقبل بعد إقرار المحكمة دولياً، وكأن شيئاً لم يكن. باعتبار ان سياسة بلاده قائمة على استمرار مساعيها دون نفاذ صبر مع كل الاطراف المعنية بالتوتر السياسي اللبناني المستمر.
لم يتحدث السفير السعودي في حينه، بل ألمح الى ما كان يعرفه او يستنتجه، من ان الدور المقبل للاشتباك هو داخل المخيمات الفلسطينية.
بدأ جولته عند الرئيس بري، الذي يفكر هذه الايام في الانتقال من العين الى رأس التينة من كثرة خيبته من أصدقائه وحلفائه معاً. وجد السفير السعودي في رئيس المجلس النيابي دعماً ومساندة لمسعاه وفق المعادلة التالية التهنئة لقوى الأكثرية بانتصار الدبلوماسية الأميركية في إقرار المحكمة الدولية. وإعطاء المعارضة ما يسمح لها بالخروج من الشارع الى المشاركة في الحكومة سياسياً. بعد زوال حاجز المحكمة، التي دأبت الاكثرية على التمسك به للحؤول دون حصول المعارضة على الثلث الذي من كثرة أوصافه ومواصفاته أصبحت لمقاعده الحكومية أهمية تفوق المؤسسات الدستورية مجتمعة. أكمل طريقه نحو قريطم حيث سعد الحريري. وجد لديه قبولا مبدئيا إنما بعد إقرار المحكمة في مجلس الأمن، ثم طلب التمديد رغم حساسيته الفائقة من التعبير حتى ما بعد العاشر حزيران حين يصبح قرار إنشاء المحكمة نافذاً.
ثم نحو السرايا الكبيرة حيث وجد السفير السعودي ان الرئيس السنيورة يريد ان يزكّي ما حصل عليه من دعم عربي ودولي متجدد بعد حرب مخيم نهر البارد. وأنه متفهم لضرورة العطاء داخل الحكومة بعد الإقرار الدولي بإنشاء المحكمة.
أكملت الدبلوماسية السعودية طوق مسعاها بالشراكة مع السفيرين الفرنسي والإيراني وبدعم متردّد من السفير الاميركي في بيروت.
***
أين دمشق من هذا المسعى الثلاثي؟
الجواب جاء على لسان علي لاريجاني امين عام مجلس الأمن القومي الايراني في حديثه الى صحيفة الفيغارو الفرنسية في الخامس والعشرين من الشهر الماضي.
دعا لاريجاني في حديثه الى مشاركة فرنسية ايرانية في المساعي السياسية الداعمة لانتخاب رئيس توافقي في لبنان بعد 3 أشهر، وكذلك التشجيع على العمل المشترك لاعتبار حزب الله تنظيماً سياسياً بعد انخراط مقاتليه في الجيش اللبناني.
على الرغم من التوضيح الذي أدلى به لاريجاني لاحقاً الى صحيفة الباييس الاسبانية من انه لم يقصد ما نقلته عنه الصحيفة الفرنسية تماماً. فضلا عن التطمينات التي اعلنها الرئيس احمدي نجاد بأنه لا صفقة على حساب سوريا و حزب الله . بالرغم من هاتين الواقعتين السياسيتين، فلا يمكن اعتبار ما قاله لاريجاني خطأ دبلوماسياً من المفاوض الاول في اكثر الملفات الايرانية تعقيداً اي الملف النووي. والذي صنع له سمعة دولية في التفاوض، وفي القدرة الدقيقة على التعبير عما يريد قوله.
لذلك لا يمكن اعتبار كلام لاريجاني إلا تعبيراً عن تباين في وجهات النظر بين دمشق وطهران يتزايد بدلاً من ان يضيق في الملفين العراقي واللبناني.
الذين يعرفون الدبلوماسية الايرانية يقولون إن طهران ترى في المرحلة الحالية، ضرورة التهدئة. إذ، كما لا يمكن للقيادة الايرانية ان تتجاهل انها تفاوض الادارة الاميركية في بغداد حول الوضع العراقي، كذلك فإن دمشق لا تستطيع ان تتصرف بمعزل عن ان المحكمة الدولية اصبحت امراً واقعاً، ولا بد من مراجعة حسابات الاستمرار او التمهل في سياسة الصدم التي تتبعها القيادة السورية منذ ثلاث سنوات حتى الآن.
جاء وزير الخارجية الايراني الى دمشق محاولاً شرح الفارق بين التراجع والتمهل في العلم السياسي الحديث. خاصة وان الطيران الاميركي وزميله الاسرائيلي يجريان مناورات مشتركة للتدريب على تدمير البنية التحتية النووية في ايران. بعد مناورات إسرائيلية منفردة وموسّعة على الحدود السورية وكذلك اللبنانية.
لا تعتبر القيادة الايرانية الحالية خاصة دراسة الوقائع المستجدة، تراجعاً في المواقف. بل هي جزء من طبائع صناعة السجاد ثم بيعه في البازار.
النقطة الثانية في تباين وجهات النظر، هو الانطباع السائد عربياً ودولياً عن التمادي السوري في دعم الأصولية الإسلامية سواء في العراق او في لبنان. بصرف النظر عن الوقائع الملموسة للمسؤولية السورية أو عدمها.
لا تستطيع إيران أن ترى نمر الاصولية المعادي لها في الاساس وفي الشكل ينمو في المنطقة. على هذا العنوان اي الإرهاب الأصولي يجتمع السعودي بالإيراني، وينضم إليهما الفرنسي. فإذا كانت الادارة الاميركية تدعم بعد اجتماع بغداد بين سفيرها والسفير الايراني، حكومة نوري المالكي الذي رفض العاهل السعودي استقباله بسبب دوره المتغاضي او المشجع للميليشيات المذهبية. خاصة بعد الشرط المهين الذي وضعته القيادة الإيرانية على وزيرة الخارجية الأميركية بأن تبعث برسالة خطية تطلب فيها الاجتماع إلى الجانب الايراني. وقد بعثت الوزيرة رايس بالفعل بالرسالة عبر الخارجية السويسرية في اليوم السابق لجلسة المفاوضات.
إذا كانت الإدارة الأميركية تقبل بهذا الشكل من الدبلوماسية، فما الذي يمنع الادارة السعودية من المشاركة مع الإيرانيين بالعمل في لبنان للملمة الوضع بدلاً من تسيّب العدو المشترك اي الإرهاب الاصولي في وجه الطرفين؟ بعد طول ممانعة للدور الايراني في العراق ولبنان عبّر عنها امين عام الجامعة العربية عمرو موسى ووزير الخارجية السعودي الامير سعود الفيصل مرات عدة.
***
كان السائد عن الملك عبد الله بن عبد العزيز أنه يدير غرفة عمليات سياسية منذ شهر ايلول الماضي حتى الآن، فإذا بالتطورات الميدانية السياسية في المنطقة تثبت أن العاهل السعودي قادر على إعلان حال الطوارئ في غرفة عملياته السياسية للتكيف مع الوقائع الجديدة بأسرع مما اشتهر عن التمهل السعودي. وأن النظام الأول بين التقليديين العرب قادر على التأقلم مع المتغيرات أكثر مما يسمّى بالتغييريين، دون ان يتخلى التقليدي عن مصالحه الاستراتيجية.
لا ضرورة بعد هذه الوقائع للحديث عن طبيعة العلاقات السعودية السورية إثر الخطاب الذي ألقاه الرئيس بشار الأسد في افتتاح مجلس الشعب المنتخب حديثاً وتحدّث فيه عن الملاحظات التي جمعتها الخارجية السورية من دراسات ومقالات منشورة في الصحف وأرسلتها الى الخارجيتين المصرية والسعودية. مما عطّل زيارة الأمير سعود الفيصل إلى العاصمة السورية، وأسكته عن الكلام المباح عن المراسلات مع الخارجية السورية.
أما عن الموقف الأميركي من المسعى الثلاثي في لبنان ففي التقرير الذي أصدرته الخارجية الأميركية في السابع عشر من الشهر الماضي عن عمليات الإرهاب في العام .2006 في التقرير ان هناك 14000 حالة اعتداء تندرج تحت عنوان الارهاب، مما أدى الى مقتل 20 ألف شخص غير الجرحى. مما يعني زيادة 25 في المئة عن العام 2005 في عدد حالات الاعتداء. وارتفاع ما نسبته 40 في المئة في عدد الضحايا.
هذه خريطة ظرفية وليست أكثر للوضع السياسي القائم في المنطقة الحبلى بالجبهات المفتوحة ما دون إعلان الحرب. ومن الواضح أن هناك رغبة عربية ودولية لتسوية حكومية في لبنان تضع سقفاً من المصالح المشتركة السعودية الايرانية الأوروبية على الأقل، لضبط الوضع في هذا الملعب الجانبي إلى حين اتضاح الصورة الشاملة على الحدود الايرانية الأميركية والإسرائيلية السورية.
هل يقرأ قادة الأكثرية الخريطة السياسية للمنطقة وفق هذا السياق، أم أن عندهم وقائع أخرى لا يراها إلا هم، وهي اعتماد النظام السوري ممثلاً شرعياً ووحيداً للاعتداء على سلامة لبنان واستقراره. وهذا أمر طبيعي ومتوقع بالمعنى السياسي، طالما ان العلاقات اللبنانية السورية على حالها من الجنون الشائع؟
***
لا ضرورة للادعاء بأن قيادة قوى الرابع عشر من آذار متخصصة في تفهم مبادرات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولا الى رعايتها الدائمة لحركة السفير عبد العزيز خوجة بصرف النظر عن التقييم الواقعي لنتائج ما جرى منذ المبادرة العربية الأولى في الشهر الأخير من العام .2005 ولا مبرر للحصول على جواب أكيد ونهائي عن العلاقات السورية الايرانية ومدى التباين في الموقف السياسي بين البلدين طالما ان التسوية المطروحة تأخذ بعين الاعتبار مواقف الفريقين الداخليين المنتسبين بعنوانهما الى الوطن نفسه والشهر ذاته اي قوى الرابع عشر والثامن من آذار. وتتطلب موافقتهما على صياغتها الأخيرة. مع غطاء من الضمانات فرنسي سعودي، يندرج ضمن قرارات الشرعية الدولية.
يمسك سعد الحريري اليوم بيده انتصاراً دولياً يعنيه كإنسان ويحفظه كسياسي ويحقق لجمهور والده ما تعهد به منذ اليوم الأول الذي مشى فيه كشخصية عامة في شوارع بيروت والشمال والبقاع بعد الرابع عشر من شباط .2005 قبله وليد جنبلاط خاض المعركة الأصعب في الانضباط السياسي بعد اغتيال الرئيس الحريري فحقق ثأر والده قبل أن يُمسك بالأمس مع سعد الحريري قرار المحكمة الدولية. فلا يرتاح ولا يترك أحداً يرتاح.
من الطبيعي أن يطالب الحريري وجنبلاط ومن معهما في قوى الرابع عشر من آذار بصياغة سياسية للتسوية تقوم على تبني ما جاء في مقررات الحوار والقرار 1701 الذي يتضمن أهم ما جاء في النقاط السبع للحكومة اللبنانية. فضلاً عن الجانب الاقتصادي الوارد في مقررات مؤتمر باريس ,3 والمطلوب إقراره بقوانين في مجلس النواب، تؤمن مساعدات وقروضاً ميسرة بسبعة مليارات دولار للبنان. فعل ذلك الرئيس السنيورة في أحاديثه المتتالية والمتكررة بمبالغة في الحذر. مع العلم ان الرئيس بري رد على من اتهم السنيورة في مجلسه بأنه يحوم حول سلاح المقاومة قائلاً: شهادة لله تحدث الرجل عن المقررات وليس عن النقاط التي لم تقرّ. مستذكراً الأيام التي عمل فيها على النقاط السبع وعلى صياغة القرار ,1701 متجاهلاً الدور الذي لعبه حزب الله في وقت من الأوقات بالتنكر لموافقة قيادته على النقاط السبع.
أمام سعد الحريري الآن فرصة وامتحان. هي المرة الأولى التي يملك فيها ناصية قراره دون أن يتملكه شعور انتظار قرار المحكمة الدولية. وهو الشعور الذي أعطاه دائماً الحق في طلب الانتظار والترقب والحذر.
أكثر من ذلك.. جاءت أحداث مخيم نهر البارد لتلصق بحركته وبجمهور والده وجهاً لبنانياً عسكرياً للمرة الأولى في تاريخ السنية السياسية . إذ ان التأييد الذي ناله الجيش في تصديه لتنظيم فتح الإسلام لم يحصل من قبل في تاريخ الجمهورية اللبنانية بسبب دعم الحريري له، مما جعله جزءاً ومحركاً لجمهور يتجاوز بحدوده الطائفة والمذهب الى الشمول اللبناني. الخيار المعروض أمامه اليوم ومعه جنبلاط أن يذهب نحو الوحدة الحكومية في مرحلة انتقالية لتسوية مرحلية، او ان ينتظر حكومتين في نهاية عهد العماد لحود تتنازعان الشرعية وتُدخلان البلد في أتون جديد من الصراع السياسي.
أيهما أفضل؟ أم أن الحريري يملك ساعة فيها المواقيت الدولية لا يريها لأحد ويترك مفاجآتها لنفسه فقط؟
حتى ذلك الحين ماذا نفعل بالمخيمات الملغومة والقادرة على تحويل انتصار المحكمة الدولية الى يوميات أمنية متوترة تجعل الناس تنسى ماذا حققت؟
الكل يعلم مدى الأزمة التي يعانيها المسيحيون بسبب ارتهانهم للانتخابات الرئاسية حتى حدوثها. وهذا حق لهم وعبء عليهم في الوقت نفسه. لكن الترشيح المستند إلى مرحلة نضالية انقضى جزء كبير من فعاليتها لا يساعدهم ولا يساعد من معهم في دعم الحق وحمل العبء يداً بيد. هذا ليس تخلياً عن أحد، بل واقعية عرفها وعايشها مرشحو الأكثرية للرئاسة أكثر من غيرهم.
***
تعود الأسئلة الى المعارضة بعد ان أطاحت بها نشوة الانتصار العسكري في حرب تموز ففتحت الباب أمام من يريد تعرية القتال والتطويق المعنوي لأهله، على مصراعيه.
ما هي دواعي المداعبات الكلامية التي تدفع بالمعتدل إلى الرفض وتزيد في رغبة المنتمي الى طائفة المتجاهل لكل ما يسمعه من غير زعيمه؟ ما دام الحزب لا يجد شرعية رسمية في حركته بعد القرار 1701 إلا أسطر قليلة واردة في البيان الوزاري لهذه الحكومة تنص على ان المقاومة اللبنانية هي تعبير صادق وطبيعي عن الحق الوطني للشعب اللبناني في تحرير أرضه والدفاع عن كرامته في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية .
في كل مأزق داخلي او دولي يعود فيه الحزب إلى هذا النص ويعتبر ان اي حديث عن تعديل فيه هو اعتداء مباشر عليه. وما الحديث عن تغيير الحكومة الا أضغاث أحلام لمن يرغبها. لمَ تجاهل هذه الحقيقة في التواصل؟ وما الأمانة في رسالة خطية يرد عليها في الصحف؟ ما دام القصد الخاص مختلفاً عليه والخير عميم؟ ألم يحن وقت وقف حملة القديسين الابرياء من قادة الأكثرية والمعارضة الذين ينافسون الرهبان والمتصوفين في صلواتهم من أجل مستقبل جمهورهم؟
لا بد من الاعتراف هنا بأنه رغم ارتباط لبنان بنيران الصراع الاقليمي، فإن الصراع بين قادة الداخل هو حول حصتهم في مشروع الدولة. منهم من يريد رئاستها وآخر يريد قرارها وثالث يريد بيانها الوزاري. مهما كبرت التعابير حول غير هذا المضمون.
إنه امتحان الانتصار. لمن فقد جزءاً كبيراً منه بسبب قراءته السياسية او رغماً عنه. ولمن يمسك به طازجاً شهياً للقطاف الأمني. هل لدى أحد هم الوقت لقراءة انتصارات الأشهر الثلاثين من الأخيرة من حياة لبنان. فلا يطلب الإعادة ولا المزيد؟