الوضع “ممسوك”… لكنه يحتاج الى “تماسك”

قالـوا عنه 16 يونيو 2014 0

 
تتجه الأنظار الى ايطاليا اليوم الثلاثاء، حيث يعقد وللمرة الأولى، “المؤتمر الدولي لدعم الجيش اللبناني” بحضور 45 دولة… في ظل ظروف إقليمية بالغة الدقة والخطورة ومفتوحة على العديد من الاحتمالات، لن يكون لبنان بمنأى عن تداعياتها…
ينظر العالم الى الجيش اللبناني على أنه أداة مركزية لتأمين الاستقرار والأمن والأمان في لبنان… لكن هذه النظرة، تبقى من وجهة نظر قيادات عسكرية وسياسية متابعة – ناقصة اذا لم تواكبها مسألتان بالغتا الأهمية:

– الأولى تحصين الوضع الداخلي اللبناني بتوافق سياسي، أقله مرحلي، لتجاوز قطوع ما يجري في المنطقة…

– الثانية تعزيز التنسيق بين سائر القوى الأمنية والعسكرية اللبنانية، وتحديداً بين الجيش وقوى الأمن الداخلي والأمن العام، حيث دلّت تجربتا الشمال والبقاع، على أهمية هذا التنسيق والتعاون في توفير نجاح الخطط الأمنية…

ليس من شك في ان وجود الوزير نهاد المشنوق على رأس وزارة الداخلية، وامتلاكه خريطة عمل واضحة، وفّر فرصة بالغة الأهمية لنجاح القوى الأمنية والعسكرية في تحقيق العديد من الانجازات، وان كانت  الأيام المقبلة ستكون محكاً، بل امتحاناً قد لا يقل خطورة عما سبق… فمنذ أمسك الوزير المشنوق بوزارته شعر الجميع بأن البلد أمام نقلة نوعية غير مسبوقة تعززت بـ”عناد الوزير” وتمسكه بالمبدئيات والأصول والثوابت، التي تبقى المعيار الأول والأخير…

لا يخفي الوزير المشنوق، وهو صاحب التجربة الغنية، ان “وضع لبنان غير مريح البتة…” لكنه يرفض الاستسلام للأمر الواقع، او يغض النظر حتى عن الجزئيات، تماماً كموقفه مما جرى في منطقة عرسال، بعد خطف أحد أبناء راس بعلبك، على يد مجموعات سورية مسلحة…

لم يقف وزير الداخلية عند حدود توصيف ما… ولم يخفف من ثقل الجريمة وتداعياتها، خارقاً كل “المحرمات” ليعلن على الملأ، ان “لا صلاتهم (يعني المسلحين الاسلاميين) ولا لحاهم ولا التستر بشريعتهم يعطيهم حق الاعتداء على أهل راس بعلبك او على أي لبناني من أي طائفة كان…” لافتاً الى ان “هناك حسابا كبيرا بيننا وبين هؤلاء الذين يضعون الدين قاعدة للارهاب…” فالارهاب ارهاب، لا دين له ولا هوية ولا صفة غير الارهاب،  وهو جريمة بكل المعايير الاخلاقية والدينية والانسانية والقانونية.

يعرف الجميع ان المسألة ليست شخصية، ولا كيدية، ولا مجرد اعلان رأى فتسجيل موقف بل هي مسؤولية وطنية بامتياز تجعل من وزير الداخلية نهاد المشنوق – بصرف النظر عن بعض التمايز السياسي – في واجهة التصدي للحدث الأخطر في المنطقة، بل وفي العالم…

صحيح ان رئيس الحكومة تمام سلام، كما الوزير المشنوق، يحاولان ضخ الطمأنينة في نفوس اللبنانيين، باعلانهما ا ن”الوضع ممسوك ولا خوف…” من انتقال التطورات الخطيرة المتسارعة على الساحتين السورية والعراقية، التي لا بد وان انعكاساتها ستكون حاضرة، بشكل او بآخر على الساحة اللبنانية، فلبنان ليس جزيرة منعزلة، بل هو في صلب الحدث… وقد يكون هذا جزءاً من حركة الوزير المشنوق الذي “لا ينام على ضيم” الخلايا الارهابية النائمة، التي تتحدث معلومات عن احتمال إيقاظها، في لحظة ما…

اجرأ ما في كلام وزير الداخلية، أنه تجاوز الانتماء المذهبي والبعد المذهبي حيث ينشط البعض على تعزيز حضوره في الساحة اللبنانية (على خلفية أنه امتداد لما يحضر للمنطقة…) والنفخ في نيران الفتنة المذهبية السنية – الشيعية، لأن هذا البعض يرى ان مجرد تفجر هذه الفتنة، يكون وصل الى الهدف المرجو منه والمطلوب من دوائر ما…

وصحيح أيضاً ان الرئيس سلام، كما الوزير المشنوق، يتجنبان ابداء القلق الصريح والمعلن حيال هذه التطورات، وهما يجهدان في التخفيف من وطأة ما يحصل في الواقع الاقليمي، على الوضع في لبنان، من خلال التأكيد على “ان الوضع الأمني ممسوك ومضبوط…” وان الأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بكل الاجراءات وتتخذ كل التدابير من أجل منع أي تفلت او حس بالاستقرار… لكن هذا وحده غير كاف… صحيح ان الوضع ممسوك، لكنه في أمكنة كثيرة غير متماسك ومعرض لخروقات من غير مصدر… الأمر الذي يستدعي حراكاً سياسياً عميقاً يعزز اللحمة بين اللبنانيين، ويضع جانباً صيغة “ربط النزاع” بين هذا الفريق او ذاك، لاسيما داخل مكونات الحكومة…

وصحيح أيضاً وأيضاً، ان القوى الأمنية والعسكرية مدركة خطورة ما يجري وهي لا تدير ظهرها وتتجاهل المخاطر الأمنية واحتمال خروج “الخلايا النائمة” التي جرى الحديث عنها مطولاً، وأنها تتابع بدقة وتعمل على متابعة ورصد هذه “الخلايا”، وقد تمّ الكشف عن كثير منها على ما يؤكد رئيس الحكومة، لكن لبنان، لن يكون محصناً كفاية، والى هذه الدرجة التي يتطلع اليها اللبنانيون، وهو يفتقد الحد الأدنى المطلوب من التوافق الذي يعطل استحقاق رئاسة الجمهورية، ويهدد بتعطيل أعمال مجلسي النواب والوزراء، ولا بد من اجراءات تبدأ بتعزيز التنسيق أكثر، وسد الثغرات، ومراجعة كثيرين لادوار لهم في الداخل وعلى مستوى المنطقة، بصرف النظر عما اذا كان لبنان مستهدفاً في ذاته ولذاته، أم مستهدفاً كردة فعل، طالما ان النتيجة واحدة…