النفي الرباعي 6 – كثير المناصب..والرغبات..

النفي الرباعي 13 مارس 2006 0

لم اتردد. لم اتمرد على الانضمام الى النهار “الفتاة”. كان قد مضى عليّ سنتان متسكعا من فندق الى آخر. استقررت سكنا في فندق في الشارع الموازي للحمراء من فوق بعد سنوات من السكن في موازاة الشارع نفسه ولكن من الجهة السفلى.

كان مروان حمادة كثير المناصب. كثير الحركة. كبير البسمة. هو أساسي في هيئة تحرير “الاوريانت لوجور”. أساسي في تحرير “النهار”. رئيس تحرير “النهار العربي والدولي”. مراسل مجلة “لو بوان” الفرنسية. فوق ذلك يجد وقتاً لكسب ثقة غسان تويني زوج شقيقته. 

لم تكفه كل هذه الصفات والمشاغل إذ ان الشاب المتخرج من اليسوعية والعامل في مجال الطيران في بداية حياته عينه على السياسة. هو من عائلة يزبكية يعرف ان المستقبل في البيت الجنبلاطي. 

نسي عارفوه انه كاتب من الطراز الاول بالفرنسية. وكذلك باللغة العربية. قادر على استعمال كل اللغات في العلاقات التي ينسجها حيث لا يخطر ببال احد ان هناك نسيجاً. وسامته حاضرة منذ الصباح الباكر وحتى آخر الليل. 

نجري مقابلة مع ياسر عرفات زعيم الثورة الفلسطينية حين كانت الكوفية الفلسطينية المرسومة على أي جدار من جدران العواصم العالمية تعني أبو عمار لكل من رآها. يذهب وحده الى دمشق ليجد ابواب مكتب نائب الرئيس السوري عبد الحليم خدام مفتوحة لاستقباله في عز الصدام السوري الفلسطيني. نسافر معاً الى عمان لمقابلة الملك حسين فيتنافس الملك الاردني ومروان في التهذيب الملكي. 

كيف؟ 

لا احد يعرف الجواب إلا مروان حمادة. هو القادر بحنكته وخبرته ان يصل بين الناس ولو من دون إرادتهم العلنية. يخبر واحدهم ما يحب سماعه على انه صفحات من كتاب قرأه مؤخراً. يتلقى الجواب على انه الكتاب الجديد الذي سيقرأ في صفحاته. تردد وليد بك في البداية القبول به ممثلا للتيار الجنبلاطي على عادة زعامات الجبل. ثم أتى به وزيرا للسياحة في العام 1981. 

منذ ذلك الحين تحول مكتبه الى مقر سياسي لليمين واليسار. للفلسطينيين واللبنانيين. ازداد حضور اصحاب القرار في الاجتياح الاسرائيلي لبيروت فإذا بسيارة مفخخة توضع في مرأب وزارة السياحة تقودها ابنة وزير في ذلك الحين. ولولا قدرة من الله وحذر ذكي من رينيه مديرة مكتبه لما كشفت السيارة واعتقلت سائقتها على يدها في منتصف شارع الحمراء بعد مطاردة. 

ترافق السيرة السياسية لمروان التي لم تنته بمحاولة اغتياله مؤخراً والحمد لله، سيدة من ضهور الشوير تحضر اكثر من وزيرها في الاوساط الاجتماعية. رينيه قربان بابادوبولوس الاسم الذي يخترق الابواب والقلوب. هي لا تسمع إلا اصوات المحتاجين مهما كانت حاجتهم. تقتحم بحاجاتهم مكاتب النافذين حتى لو كان لها سبعة ابواب. 

هي في كل مكان. في الافراح والاتراح. لا تنقطع الكلمة الحلوة عن لسانها. لا تتعب من تلبية صديقاتها وأصدقائها مهما كان الطلب. تمهّد الطريق للمسائل التي لا تمهيد لها. تحدّد المواعيد حيث الجدول مليء بالمواعيد. تحفظ أسرار الكثير من النساء والرجال. تنسى حين تريد وتتذكر ما تريد. تحاول تخفيف وزنها منذ 25 سنة فلا تنجح. الفارق الوحيد ان الطبيب نفسه الآن زاد وزنه عشرة كيلوغرامات. 

تخطئ في عد النقود. هي تعرف كيف تأتي بها وكيف تصرفها فقط لا غير. هي ابنة “النهار”. لا تقبل صفة ثانية دائمة لها. تعرف ان السياسة تذهب وتعود. أما “النهار” فتصدر صباح كل يوم. 

تعوّض نسيان سيدها وعوداً ومواعيد. 

يعرف مروان حمادة كل هذه الصفات في رينيه. يعرف اكثر أن لا احد يفهمه مثلها. وأن لا احد يقبله كما هو على مدار الساعة غير فاتحة الطرق والجوارير والمكاتب وحافظة الأسرار. 

المهمة الاصعب لرينيه هي تنظيم الاقبال النسائي على وسامة مروان في تلك الايام وربما مؤخراً. العلم عند الله. 

زميلتها ورئيستها في تلك الايام سامية شامي. مؤلفة كتاب “الطابق التاسع” الذي لم تنته من تأليفه بعد. التسمية تعود الى المكتب السابق للأستاذ غسان تويني حيث تجلس هي بجواره مديرة لمكتبه قبل ان تتولى مؤخراً دار “النهار للنشر”. تريد للعمل ان يكون في منتهى الإتقان دون ان تعلم ان الكمال لله وحده. 

ترى في الاستاذ غسان نموذجاً لا يتكرر. توزع اوقاته ببخل شديد. دقائقه معدودة ومحدودة فلا بد من التصرف بها على انها نعمة من عند الله يتلقاها “المؤمن” بخشوع. 

مشدودة الاعصاب. رقيقة القلب. لا تظهر إحساسها بالآخرين حتى لو توفرت. إذا ما استعملت الهاتف فإما لتلقي التعليمات من الاستاذ غسان أو لإيصالها على أنها “مُنزلة” من الطابق التاسع حيث مجمّع الآلهة من وجهة نظرها. 

صديقة لا تعِد بما لا تفي به. دائرتها الإنسانية ضيقة حققتها وحفظتها دون تنازلات. وهذا ليس بقليل. بينهما سيدة ودودة. أنيسة. نورما ألفا. تؤدي عملها وتذهب الى منزلها. تحرص على ان لا يبدو عليها انها كانت في الطابق التاسع من “النهار”. 

استلمت مكتبي في المبنى الملحق بالنهار حيث مقر المجلة الاسبوعية. كنت اعتقد انني عرفت التسكع الى ان تعرفت الى الياس الديري رئيس تحرير العربي والدولي والكاتب لزاوية الصفحة الثانية من النهار لسنوات طويلة. 

كنت اناديه “يا بيي” لقبه المحبب بين اصدقائه. عاشق دائم لا يتوقف عن غرامه مهما زادت المخاطر. لا يتردد لا ليلاً ولا نهاراً من الوصول “إليها” مهما كانت العقبات. يتحمس لعشقه كأن الدنيا بدأت معها وتنتهي عندها. عشقه هنا لا يعني سيدة بعينها بل سيدات بطولهن الممشوق تفاجأ كل مرة بواحدة منهن تسألك عن الأستاذ الياس الذي يمضي اوقات فراغه في المكتب. 

واحدة تسكن على خطوط التماس. يأخذك الى منزل أهلها أردت أو لم ترد. فهو معادٍ لقيادة السيارات منذ شبابه المبكر. يهوى الحياة في الفندق والتنقل بالتاكسي. يعلم انه بصحبتي آمن سياسياً وعسكرياً للانتقال الى منزلها. يخبرك انه سيصاب بسكتة قلبية إذا لم يتغدّ معها. أذهب برفقته فأكتشف انه على حق إذ إنها من الجنس المختفي جمالاً وأرستقراطية. يتغديان على صوت القصف المتبادل. هذا من جهتي. أما هو فيتناول غداءه على صوت الدلع المتبادل. 

اخرى ابنة سياسي كبير تسكن في المقلب الآخر من المدينة. يأخذ الله والدها برحمته في فرنسا. لا يترك “بيي” الياس ابو عمار ولا ابو اياد ولا كل الابوات وفوقهم أنا لتسهيل دفن المرحوم حيث يجب ان يدفن. تتداخل الوساطات بعضها ببعض فلا يوفق في مسعاه. حين تراها تعرف انه وُفق فيها فلماذا لا يستنفر من حوله وحواليه لإرضائها؟ 

الثالثة مطلقة. يخطف طليقها أولادهما من المدرسة. تنزل القوات الامنية من كل الجنسيات لاستعادتهم. تغلق ابواب المطار دون سفرهم. يتحول مكتبه الى غرفة عمليات. 

هو العاشق يترك لي السعي لحل مشاكل جميلاته. كنت ابذل الجهد دون تقدير لما يفعل. لو عاد الزمان الى الوراء لبذلت جهداً اكبر. افهم تماما الآن لماذا يفعل رجل كل هذا الجهد من “أجلها”. تأخرت؟ بالتأكيد. 

يقول “بيي” الآن انه ما زال على همّته. لا أضع أقواله في ذمتي. ما هو اكيد ان “العرتوق” حديقته البرية في الكورة تأخذ من وقته اكثر من حل ازمات جميلات هذه الايام. فكيف ومعها “زيان” توقيعه اليومي في “النهار”.