“المقال” مع داود الشريان – طهران- بغداد- دمشق- بيروت

مقابلات تلفزيونية 05 أغسطس 2005 0

س- أنت عشت قريبا من الشهيد الراحل الرئيس رفيق الحريري بعد مقتل الرئيس الحريري، إختلف الناس حول مسألة من قتل الحريري ، هل تعتقد انه كان مفترضا أن نسأل من قتل الحريري؟ أولماذا قُتل الحريري؟
ج- أعتقد أن من قتل الحريري مسألة تفصيلية جدا لا يستطيع أن يجيب عنها إلا ضابط تحقيق أو قاضٍ مسؤول عن التحقيق. أما لماذا قُتِل الرئيس الحريري فهو السؤال الأصح، لأنه يطرح المسألة السياسية والبنية السياسية التي أنشأها الرئيس الحريري خلال 15 عاما من الوجود في لبنان وداخل السلطة أو أقل من ذلك حتى أكون دقيقا.

س- لماذا قُتِل الحريري؟
ج- انا عندي إجتهاد وليس جواب، لا أستطيع أن أقول انه جواب نهائي، أنا أعتقد ان الرئيس الحريري ُتِل من أجل قضية كبرى، وليس من أجل قضية صغرى تتعلق بالتفاصيل اللبنانية أو حتى بالعلاقات السورية- اللبنانية، أعتقد انه قتِل من أجل قضية أكبر من هذين الموضوعين، أي موضوع لبنان منفصلا او موضوع لبنان وسوريا وعلاقتهما ببعضهما البعض.

س- أي قضية كبرى قتِل من أجلها الحريري؟
ج- قلت أني أجتهد ، أعود لأقول أني أجتهد، أنا أجتهد من البداية بأن هناك مشروع تحدث عنه مسؤول عربي كبير، لا أعتقد انه قاله لمجرد القول، لا للتسلية فقط ، هو الملك عبدالله الثاني ، قال ان هناك مشروعا جديا للمنطقة إسمه الهلال الشيعي، وقال ايضا انه لا يقصد بالشيعة الدين أو المذهب، ولكن يقصد بالشيعة الحركة السياسية الناشئة في المنطقة بين إيران والعراق حتى الآن، وأعتقد ان وجود شخص بحجم الرئيس الحريري وبحيويته وبإمكاناته وبمفاهيمه وباتصالاته وبثقة العالم به، لا يسمح بقيام مثل هذا المشروع، أي انه شخص مؤهل لمنع قيام مشروع من هذا النوع ، ولو كان منفردا.

س- مقتل الرئيس الحريري هل هو ضمن سياق قيام الهلال الشيعي؟
ج- هو ضمن سياق تسهيل قيام الهلال الشيعي، وأعود وأكرر للمرة الثالثة ، هذا إجتهاد وليس معلومات، أنا لا أملك معلومات على هذا الموضوع.

س- إذا أنت تتهم جهات شيعية بقتل الحريري؟
ج- ليس بالضرورة.
س- أميركيون يتبرعون للشيعة لقتل الحريري؟
ج- لا أعرف من يتبرع لمن.

س- إذا كان الحريري قُتل من أجل قيام الهلال الشيعي ، فمن يقتل الحريري هو رجل إما شيعي وإما محسوب على التيار الشيعي؟
ج- أم أنه مكلف أيضا.

س- يعني الجهة هي دولة إيران مثلا؟
ج- لا أعرف ، لأنني لا أستطيع أن اقول وهذه هي المشكلة ، أنا لا أستطيع أن أصدّق، أنا عشت معه عشر سنوات، عشت وعملت معه ، يعني كنت أستيقظ معه صباحا وأنام على وقت نومه، وأتناول الطعام ظهرا ومساء معه، وفي الطريق وفي السيارة وفي المكتب ، لكن لا أستطيع أن أرى ان هذا الرجل بحجمه وبعلاقاته وبفكره وتطوّره وبحداثته سيُقتل من أجل سبب لبناني أو سبب لبناني- سوري، هو لم يكن معارضا أو معاديا للعلاقات السورية- اللبنانية.

س- ألم يكن الرئيس الحريري مختلفا مع السوريين ؟ ألم يكن يعتقد ان لبنان ، وأنا قرأت لك أحاديث في صحيفة الحياة تقول انه لا يحضر إحتفالات الإستقلال ، ويعتقد انه غير مستقل. وتحدثت أيضا في حوارك انه على خلاف أصبح مقطوع الصلة مع سوريا في الآونة الأخيرة؟
ج- أنا قلت انه إكتمل نصاب قتله في العام 2005 سياسيا، أنا أقول بأن سوريا منذ العام 2000 أغلقت الأبواب السياسية في وجه الرئيس الحريري، لأن كل الذين تسلموا مناصب الصف الأول في سوريا والملف اللبناني تقليديا هم من المعارضين، ان لم نقل من المعادين لسياسة الرئيس الحريري وللرئيس الحريري نفسه.

س- من هو الذي كان وسيطا لدخول الرئيس الحريري بعلاقة مع النظام السوري، قبل الرئيس بشار الأسد؟
ج- تاريخيا كان هو يقوم بدور سعودي وكان يقوم بدور سعودي بين سوريا وبين السعوديين، وإستمر هذا الأمر لسنوات وأنشأ علاقة حميمة مع الرئيس حافظ الأسد، ومع رئيس الأركان في ذلك الحين العماد حكمت الشهابي، ونائب الرئيس السوري الحالي عبدالحليم خدام وآخرين من الذين كانوا مسؤولين عن الأمن في لبنان، ووزير الخارجية الحالي فاروق الشرع كان يعرفهم كلهم من خلال دوره كوسيط بين سوريا والسعودية في كل الأزمات التي مر بها لبنان لأنه كان يتعاطى بملف لبنان .

س- هل كان على علاقة جيدة بالرئيس الراحل حافظ الأسد؟
ج- نعم علاقة مُقنعة.

س- إذا المشكلة مع العهد الجديد؟
ج- أنا أقول ان العلاقة تدرجت من التوتر الى الإنقطاع ، هي لم تبدأ بالتوتر وتنتهي بالتوتر، هي تدّرجت ، كانت لفترة طويلة جدا دائمة التوتر ثم صعدت الى فوق ووصلت الى درجة الإنقطاع، طبيعة النظام السوري الأمني تفترض التوتر الدائم مع شخص يريد دائما أن يعبّر عن إستقلاليته وإستقلالية حركته مثل الرئيس الحريري، هذا مع العلم، ان إستقلاليته وإستقلالية حركته في ذلك الحين، لم تكن ولا مرة في مواجهة سوريا. ولكن طبيعة النظام مختلفة هناك، لا يقبلون بالخلاف معهم. أنت تقول انا مختلف معكم ولست متآمرا عليكم، هناك فرق في أن تختلف مع الشخص أو النظام أو أن تتآمر عليه .

س- هل كانوا يشكّون انه متآمر؟
ج- حسب الأيام، ففي بعض الأحيان يسحبون الملف الأخضر كما كان هو يسميه ، ملف السماح، وبعض الأحيان كانوا يسحبون الملف الأحمر.

س- من هو الذي قدّم الرئيس رفيق الحريري الى الرئيس حافظ الأسد وما هي أداته للدخول في علاقة معه؟
ج- أعتقد انه نائب الرئيس السوري السيد عبدالحليم خدام.

س- لماذا لم يفعل خدام نفس الدور مع الرئيس بشار الأسد؟
ج- ليس للسيد عبدالحليم خدام الآن نفس الدور الذي كان له في السابق، هو ليس له الصفة اليوم.

س- هل هذا خطأ الحريري لأنه إعتمد على شخص واحد بعلاقته مع دمشق؟
ج- هو لم يعتمده والرئيس حافظ الأسد رحمه الله، هو الذي سمى العماد حكمت الشهابي والسيد نائب الرئيس عبدالحليم خدام كصلة وصل بينه وبين الرئيس الحريري، وبينه وبين كل السياسيين اللبنانيين، يعني كلّفهم بالعملية السورية في لبنان، إذا اردنا ان نسميها كذلك ، العملية السياسية في لبنان كان المسؤول عنها لجنة ثلاثية، ثالثهما كان أعتقد العماد علي دوبا رئيس المخابرات العسكرية، ثم إنسحب من هذا الموضوع وبقي الإثنان على دورهما بالتنسيق مع العميد غازي كنعان في ذلك الحين، الذي كان مسؤولا في لبنان، والذي أصبح وزيرا للداخلية في سوريا الآن.

س- الآن القطيعة التي حدثت زادت بعد مسألة التمديد علما ان الرئيس الحريري كان على علاقة متوترة مع المؤسسة الأمنية والعسكرية في لبنان، لماذا لا تضع في ضمن هذا السياق مقتل الحريري، أنه كان على خلاف ايضا مع المؤسسة العسكرية والأمنية اللبنانية، حتى ننتقل من القضية الكبرى، ونرى شيئاً في الداخل يبرر قتله؟
ج- ليس هناك من مؤسسة أمنية في لبنان مستقلة عن المؤسسة الأمنية السورية، وخلافه معهم ليس جديدا، خلافه الحاد معهم بدأ عاما ، فلم يحدث عنصر مفاجأة كبير في المدة الأخيرة حتى تصل الأمور بينهما الى هذا النوع من الصدام، والتمديد كان آخر نقطة ملأت الكأس ، هو عارض التمديد، ولكن بالنتيجة نزل هو وكتلته وصوّت للتمديد بناءا على طلب سوريا. يعني هو قال مرة أخرى، أنا مختلف معكم ولكن لست متآمرا عليكم. أنا أعتقد ان التمديد يضر بنا وبكم ويعرّض البلدين لمخاطر عربية ودولية لا نستطيع تحمّلها ، طبعا لم يهتموا برأيه وبرأي آخرين.

س- ألا تعتقد انهم كانوا يشعرون انه يعيق مشروعهم للهيمنة على البلد هاتان المؤسستان؟
ج- لا أعتقد ذلك.

س- أنت تقول ان الحريري لم يكن يحضر إحتفالات الإستقلال وكان يعتبر ان لبنان لا زال محتلا، ألا يرون ان الحريري يشكّل حركة لإعاقة الهيمنة؟
ج- لا أعتقد ذلك، بل أعتقد انهم كانوا يهيمنون بشكل كامل، لولا بعض التفاصيل اليومية التي تحدث نتيجة تصرّفات حلفائهم اللبنانيين، وأنا أعتقد ان خروجهم من لبنان كان بنفس القرار الذي دخلوا به، ولا شك ان اللبنانيين ساعدوا في ذلك من هنا، وساعدت الدول العربية من هناك، وسهّل الأمر جهة من هناك، لكن بالنتيجة هم دخلوا الى لبنان بالإتفاق مع الولايات المتحدة الأميركية، وخرجوا من لبنان بقرار من مجلس الأمن الدولي ، العنصر الأساسي فيه هو الولايات المتحدة الأميركية.

س- ما هو ردّك على من يقول ان الحريري قتله القرار 1559، وان سوريا وهناك ايضا أناس في لبنان، في الحكم في لبنان، في المؤسسة الأمنية والعسكرية يعتقدون ان الرئيس الحريري هو الذي دفع الى هذا القرار بالتنسيق مع الفرنسيين؟
ج- لا أعتقد انه نسّق مع الفرنسيين ، ولكن انا أعتقد انه على علم في التحضير لهذا القرار، وقد قام بكتابة رسالة وهي من المرات القليلة ، الى الرئيس بشار الأسد، وفي وقت مبكر قبل صدور القرار، ربما بأشهر قليلة يخبره فيها ان هناك تحضيرات دولية لإصدار مثل هذا القرار، ويطلب التنسيق بين سوريا ولبنان للوقوف في وجه هذا القرار، ولكن هم غير مستعدين لذلك، فعندما يقول وزير الخارجية السورية ان القرار 1559 قرار تافه، يمكن يكون هذا رأيه الشخصي، ولكن سياسيا هذه الكلمة لا تُقال ، وواقعيا هذه الكلمة لا تعبّر عن واقع الحال ، فأنت تواجه مجلس الأمن الدولي، ولا تواجه جهة سياسية عادية. إذا كانت قراءتهم مختلفة ، هم يقرأون في كتابين وليس في كتاب واحد.

س- لماذا لا يكون الحكم في سوريا نظر الى رسالة الرئيس الحريري، تحذيره من 1559، انه محاولة مبكرة لتبرئة نفسه من الدخول في هذا القرار؟
ج- فلينظروا الى الأمر كيفما يريدون، لكن السؤال الحقيقي هو كيف واجهوا هذه المعلومات؟ بالتأكيد الرئيس الأسد لم يكن يتطلع الى خروج الجيش السوري بهذه السرعة، وبهذه الطريقة، وبالتالي عندما وصلت اليه هذه المعلومة هو يستطيع ان يتهم الذي أرسلها اليه كما يريد، ولكن شخصيته السياسية وقراءته السياسية ونظرته السياسية هو كيف يواجهها وليس كيف تتهم الذي أرسلها له. هو واجهها بالقول عن طريق وزير خارجيته بأن هذا القرار تافه، فكانت النتيجة كما تعرفها ويعرفها الجميع.

س- لماذا لا نقول انهم إفترضوا هذه الرسالة والحماس الذي أبداه الرئيس الحريري حوّله الى رأس حربة ضد الوجود السوري، وبدأ العمل خارجيا لإخراج سوريا؟
ج- ربما قرأوها بهذا الشكل، ولكني أعلم تماما وأعلم بالنص، ومن الرئيس الحريري شخصيا انه قال “أنا لا أقبل بوصاية دولية بدلا من الوصاية السورية” هو قرأ القرار 1559 جيدا وقرأ معناه جيدا وقرأ نتائجه جيدا، وشعر بخطورته في وقت مبكر وأرسل الى السوري ليقول له علينا التنسيق لمواجهة هذا القرار.

س- أنت قريب منه، هل تُنكر انه لم يكن متحمسا للقرار؟
ج- أنا متأكد انه لم يكن متحمسا للقرار، هو شخص براغماتي، ولا ننسى انه رجل أعمال كبير جدا ويتعاطى بالأمور بواقعية شديدة، ولا يقبل لأسباب عاطفية أو يرفض لأسباب عاطفية، هو نظر الى هذا القرار ووجد ان فيه إستبدالا للوصاية ، أي ان ضابط الأمن السوري إستبدل بتيري رود لارسن مبعوث الأمين العام للامم المتحدة، ولم يجد ان ذلك في مصلحة لبنان أو في مصلحة إستقلاله. كان يعتقد وانا رأيته آخر مرة قبل شهرين من إستشهاده، كان يعتقد ان التنسيق اللبناني- السوري يسمح بالوصول الى نتائج مرضية في هذا الموضوع، ولكنهم لم يكونوا على إستعداد أبدا ولا في أي زاوية من الزوايا للتنسيق لمواجهة هذا القرار الدولي.

س- جميع المعطيات التي طرحتها حول سبب قُتل الحريري هي معطيات محلية سورية، وان هناك تأزما في العلاقة بين سوريا والرئيس رفيق الحريري وعدم ثقة ، وبالتالي تتحدث عن قضية كبرى ، وعن هلال شيعي، كيف تفسّر ذلك؟ يعني ما علاقة المعطيات التي صغتها بالهلال الشيعي؟
ج- لماذا لا تفترض ان هناك علاقة ببعضهما البعض؟ ولماذا تفترض ان سوريا خارج هذا الإطار؟

س- يعني سوريا تريد الهلال الشيعي؟
ج- لماذا أنت تفترض ان سوريا خارج هذا الإطار؟ جغرافيا هي ضمن الإطار ، ولبنان ضمن هذا الهلال، وهذا ليس بسبب شكل الهلال ، لأن هناك لبنان وسوريا والأردن والعراق، إذا ليس الإفتراض ان هذا الأمر لا يتعلق بهذا المخطط.

س- هل أن اميركا تتفرج على تكوين هذا الهلال؟
ج- انا أعتقد ان العلاقات الأميركية- الإيرانية أحسن بكثير مما يعتقد كل الناس، والدليل على ذلك الدور الذي قام به وزير الخارجية الإيراني الاستاذ خرازي لإخراج المسألة اللبنانية- السورية ، سواء بالإتصال بالسوريين أو بالأميركيين او بالسعوديين او بالمصريين، وكان مرتاحا جدا في حركته وفي إتصالاته ولم يواجه أي مشكلة. كما يقال ان إيران في حالة حصار وحتى اليوم هناك في الصحف كلام عن لسان مسؤول إيراني حدّدوا مناطق نفوذهم أفغانستان ، لبنان، سوريا وإيران.

س- هذا يعني ان الهلال الشيعي يتم بترتيب مع واشنطن؟
ج- ماذا يمنع؟.

س- هل تعتقد ان من يرتب هلالا شيعيا يقتل شخصا مثل الرئيس الحريري؟
ج- لا يمكن إقامة مثل هذا الهلال لو كان رفيق الحريري على قيد الحياة.

س- هل هذا يعني ان اميركا تعرف من قتل الحريري وتصمت؟
ج- لا شيء يمنع ذلك.

س- هذا يعني اننا سنتوقّع إغتيال جميع القيادات السُنية المعتدلة في المنطقة؟
ج- أولا، على هذا الهلال لا يوجد قيادات سُنية ، هناك شخص واحد فقط متبقي هو الملك عبدالله الثاني.

س- لكن الهلال لا يمكن أن يركب اذا لم يكن جيرانه جيدين؟
ج- أنت لا تستطيع تشغيل كل الجيران بالموضوع، هذا أمر غير طبيعي، وأنا أعتقد ان السعوديين معارضون جديون لهذه المسألة منذ بدايتها، أنا أتابع المسألة السعودية بشكل سياسي جدي، وأعتقد ان السعوديين في هذا الجو، ولهم إعتراضات جدية قالوها للإدارة الأميركية.

س- أنا لا أتكلم عن إعتراضات ، أنا أتكلم عن شخصية معتدلة برغماتية قادر على الإتصال بكل الناس، منفتح على العالم ، لا يتحدث بشكل طائفي وحتى المقرّبين منه ليسوا كلهم من الطائفة السُنية يُقتل حتى يأتي الى المنطقة أشخاص متطرفين ، هذا تبرير لا يمكن قبوله؟
ج- ياسيدي، أنا لم أقل تبريرا ، منذ البداية انا قلت هذا إجتهادي في هذه المسألة، أنا لم أقل انه تبرير ولم أقل انه تقرير، قلت هذا إجتهادي أنا في هذه المسألة. هذه المنطقة التي نتحدث عنها أقوى شخصية حوارية ومعتدلة.

س- أرى انك تُربك لجنة التحقيق وأبعدت عن الرمي الناس الذين يمكن ان يُتهموا في المنطقة وكأنه ساحر هبط علينا وقتل الحريري؟
ج- أبدا لا ساحر ولا هبط علينا، أنا أعتقد ان لجنة التحقيق الدولية عندما تصل الى بيروت ستجد جزء كبيرا من المعلومات متوفّرا وعملانيا، كيف تم إغتيال الرئيس الحريري.

س- لمناسبة هذه المعلومات الى اين وصل التحقيق؟
ج- معلوماتي ، وأنا ليس لي رأي في هذا الرأي.

س- أين مصدر هذه المعلومات؟
ج- من أصدقائي سواء في الأمن اللبناني، أو بين السياسيين اللبنانيين أو اصدقاء في الأمم المتحدة.

س- هل تتكلم عن التحقيق الذي تقوم به الحكومة اللبنانية؟
ج- ثلاثة أنوع من التحقيقات في نفس الوقت تجري، هناك تحقيق قامت به الأجهزة اللبنانية وهو تحقيق متقدّم على عكس الشائع، وقد حقق تقدّما جدّيا ، وهناك تحقيق قامت به أجهزة من “حزب الله” وهي أجهزة متطورة ومتقدمة بشريا وتقنيا بطلب من آل الحريري.

س- آل الحريري طلبوا ذلك من “حزب الله”؟
ج- نعم، وهم أي آل الحريري يثقون بالسيد حسن نصرالله بناءا على صلة الرئيس الشهيد بالسيد حسن.

س- وما هو التحقيق الثالث؟
ج- الثالث هو لجنة تقصي الحقائق الدولية التي جاءت الى لبنان والتي أصدرت تقريرها السياسي.

س- الى أين وصلت النتائج في الثلاثة تحقيقات؟
ج- النتيجة الأساسية المتفق عليها بين التحقيقات الثلاث ان هناك سيارة بيضاء متوسطة الحجم تقف الى يمين الطريق فيها الف كلغ من الـ”تي.ان.تي” مع مواد شديدة الإنفجار وفيها شخص ، هي نفسها السيارة التي ظهرت في فيلم الكاميرا التابعة للبنك البريطاني. وبعد الإنفجار جاء خبراء الحمض النووي وفتشوا المنطقة ووجدوا في أقرب منطقة لموقع الإنفجار 29 قطعة من جسم إنسان ، تبين انها تعود لشخص واحد، وعندما دققوا في الأشخاص المفقودين والذين قُتلوا، ثبت ان هذا الشخص لا علاقة له على الإطلاق ، وأجروا ايضا فحوصات الحمض النووي مع عائلة ابو عدس الذي ظهر في شريط تلفزيون الجزيرة، وتبيّن انه لا علاقة له بأبي عدس، وبالتالي هو شخص آخر.

س- هذا الشخص هل هو لبناني أم سوري؟
ج- أعتقد انه ليس لبنانيا ولا سوريا، ولم أعرف ما هي جنسيته.

س- هل عُرف ذلك من فحص الحمض النووي؟
ج- نعم، وأنت تعرف ان الحمض النووي هو مناطقي.

س- هل هو فلسطيني؟
ج- لا أعرف.

س- هل التحقيقات الثلاث وصلت الى نفس المعلومة ان هناك شخصا إنتحاريا؟
ج- نعم، كان للجهات الثلاث نفس الإستنتاج. هو لا يستطيع ان يترك السيارة هناك لثوان بين مرور الموكب والتفجير، وهو لا يستطيع ان يفجرها عن بعد ولا بد أن يكون بداخلها، لأنه لا يستطيع ان يفجرها عن بعد بسبب الآلآت المتطورة المرافقة لموكب الرئيس الحريري. وحتى الآن هناك توجّه وليس إثبات فعلي بأن هناك شخصا إنتحاريا في سيارة بيضاء متوسطة الحجم، من ماركة معينة أتوا بشهادتها من الشركة، وهي تُقاد الى اليمين مثل السيارات البريطانية.

س- هل عُرف إسم مالكها؟
ج- لا أعرف، وأنا لم أدقق الى هذا الحد، ولكن هذا كل ما عرفته.

س- ما هو ردّ فعل آل الحريري عندما وجدوا ان الحكومة اللبنانية توصلت الى نفس النتائج التي وصل اليها فريق “حزب الله” والفريق الدولي؟
ج- أعتقد ان مشكلة عائلة الرئيس الحريري ومشكلة اللبنانيين جميعا مع التحقيق، لم تكن مشكلة تقنية بقدر ما كانت مشكلة سياسية، كان هناك تخلّف سياسي حقيقي بمعالجة مسألة التحقيق ، حتى بدا التحقيق وكأنه جريمة مماثلة لجريمة الإغتيال بسبب تصرّف المسؤولين السياسيين، وبسبب الكلام التافه الصادر عن وزير العدل في ذلك الحين، وبسبب الكلام الأمّي لوزير الداخلية في ذلك الحين ،الذين أثاروا من البلبلة جعلت الواحد يعتقد ان كل هؤلاء شاركوا في إغتيال الرئيس الحريري.

س- ماذا كانت البلبلة والإرتباك من وزيري الداخلية والعدل؟
ج- سبحان الله، هناك ناس خُلقوا لإدارة الأزمات لا يفقدون أعصابهم ويحسنون التصرّف ويصمتون عندما يجب الصمت ، ويتكلمون حين يجب أن يتكلموا، وهناك أشخاص لا علاقة لهم بإدارة الأزمات فورا يقعون في حالة الإرتباك.

س- الحكومة اللبنانية ليس لها علاقة بإدارة الأزمات؟
ج- ثبت في هذا الموضوع انهم ليسوا على دراية كافية لمتابعة أو معالجة أزمة بهذا الحجم.

س- هل لديك معلومات عن داخل الحكومة اللبنانية وقت الإغتيال وكيف كانت علاقة اعضائها في ما بينهم؟
ج- كان هناك علاقة واحدة ضرورية بينهم هي مسألة التحقيق ، هي علاقة وزير العدل بوزير الداخلية، الجهتان المعينتان القضاء والجهات الأمنية المتولية للتحقيق، وأعتقد ان علاقتهما كانت طبيعية وعادية جدا، ولكن كان عندهما إرتباك حيث بقي وزير العدل لمدة يومين يتكلم عن السيادة والإستقلال وعدم القبول بلجنة تحقيق دولية، وهو لا يقرأ الصحيفة ولا يعلم ان هناك قرارا دوليا بلجنة تحقيق دولية وسيقبلها سواء شاء أم أبى.

س- هل حاول وزير العدل تضليل التحقيق؟
ج- هو لم يمارس أي دور غير الشكوى. وسأعطيك مثلا عن قضية الركاب الأوستراليين والذين قيل انهم وجدوا أثار “تي.ان.تي” على مقاعد الطائرة التي إستقلوها . فقد تم تزويد وزير العدل بهذه المعلومات من قبل وزير الداخلية ، وطلب منه الا يعلنها إلا بعد التأكد منها ، ولكنه ذهب وأعلن عن هذا الموضوع وتم تأنيبه من قبل الأوستراليين، ولكن لم يخطر في باله للحظة، ان يقف مثل أي مسؤول يحترم نفسه ويحترم تمثيله للناس ويقول عذرا قد أخطأت ، لقد أبلغنا الأوستراليون بأن هذا غير صحيح.

س- أنت الآن أعلنت براءة الأجهزة الأمنية في لبنان، وبأن المشكلة فقط سوء إدارة ازمات ورد فعل مرتبك ، وان هناك شخصا إنتحاريا وليس لبنانيا نفذ العملية وهناك قضية كبرى وراء الأغتيال؟
ج- هذه ليست تبرئة، هذه هي الحقيقة، أنا أقول انهم تعاطوا مع القضية بأمنية تكاد تشبه الجريمة، هل هذا يعني تبرئتهم.

س- نعم، وكأن تعلن براءتكم، فهل يعقل ان بلدا فيه أمن وأجهزة مخابرات موجودة في كل شارع وزاوية لا يدرون كيف تم الموضوع ، ألم ينزل سعد الحريري الى الشارع ووجدهم ينظّفون الشارع وحصل إرتباك؟
ج- كلا، كادوا أن ينظفوا الشارع.

س- لماذا كادوا أن؟
ج- لأن لديهم تعليمات يأن يقوموا بذلك ، ثم وزير العدل نفسه إتصل وطلب وقف العملية لأننا سنطلب خبراء سويسريين، فماذا تسمي ذلك تورّطا أم تخلّفا؟.

س- أنا أسألك ماذا تسمي ذلك؟
ج- أنا أسميه تخلّفا سياسيا تقنيا.

س- إذا من الذي طلب ردم الحفرة ورفع الأنقاض؟
ج- رئيس الجمهورية طلب في مجلس الوزراء من وزير الأشغال ذلك، وبدوره وزير الأشغال طلب من مدير عام الطرق والمباني، الذي بدوره إكتشف ان هذه ليست من صلاحياته لأن بيروت العاصمة ليست من صلاحيات وزارة الأشغال، فذهب الى المحافظ الذي يملك صلاحية القيام بهذه الأعمال، فعقدوا إجتماعا وكان الشخص المسؤول عن التزفيت والتنظيف موجود على الباب، بمعنى ان تبدأ العملية فورا ، ثم جاءهم إتصال بوقف العملية مع وصول سعد الحريري الى موقع الإنفجار ، فتوقفت الأعمال، لكن الأمر الصادرعن القاضي ينص على التالي: ردم الحفرة، تزفيت الطريق بعد جمع ورفع كل الأدلة ، لكن هذا لم يحصل ، ولم يحصل تزفيت والأدلة ما تزال هناك.

س- هل تتوقع انه عندما تحضر لجنة التحقيق ستطال رؤوس كبيرة في لبنان وسوريا من المسؤولين عن الأمن في البلدين؟
ج- أعتقد ان هناك جهتين بالتأكيد مسؤولتان كأمن سياسي وهما الأمن العام ومديرية المخابرات في الجيش، المسؤولتان عن جمع المعلومات إستباقيا لأي حادث إذا شعروا بأن شخصية في وضع سياسي حرج، لأن يجمعوا معلومات عن هذه الشخصية وتأمين الحماية له، حماية وإجراءات غير مرئية ، ما من شك ان هاتين الجهتين لم تقوما بأي جهد في هذا الموضوع نهائيا.

س- بعد رحيل الرئيس رفيق الحريري ، من الواضح على الساحة اللبنانية السياسية هناك أناس يريدون التخلص من إتفاق الطائف ما رأيك بذلك؟
ج- أعتقد ان حجمهم أقل بكثير من ان يلغوا أكثر من صفحة في كتاب في مكتبة عادية، وأنا أقصد حجمهم السياسي. الآن في لبنان حدث أمر نادرا ما يحدث في التاريخ، وهو ان التمحور السياسي حول ضريح الرئيس رفيق لحريري ، بمعنى ان كل ما قاله الرئيس الحريري وما إقتنع به الرئيس الحريري ، وكل ما دافع عنه هو مسلّمات لمجموعة كبرى مؤثرة جديا بالوضع السياسي في البلد، على رأسهم على الأقل وليد جنبلاط وسعد الحريري، وأعتقد انهما سيجمعان كتلة نيابية كبيرة جدا وهذه الكتلة مكرّسة للدفاع عن معتقدات وثوابت الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

س- إذا أين البطريرك صفير وعون والجميل؟
ج-أولا البطريرك صفير هو العنصر الأساسي بالغطاء السياسي للمسيحيين في هذه الفترة، وأنا أعلم تماما انه دفع غاليا ثمن الموافقة على الطائف وهو حتى الآن لم يتخلّ عنه.

س- ماذا عن عون؟
ج- عون ايضا أعلن موافقته على الطائف.

س- هل تعتقد ان الطائف سيّطبّق أو إن الطائف طُبّق؟
ج- أبدا لم يُطبّق ، والآن أعتقد ان اللبنانيين بعد حالة الفراغ الكبرى التي سببّها إستشهاد الرئيس الحريري، وحالة الفراغ الأخرى المتمثلة بخروج الجيش والأمن السوري في لبنان، لا خيار أمامهم سوى الطائف، وهو الورقة الوحيدة التي بيد اللبنانيين التي لها مشروعية لبنانية وعربية ودولية.

س- الحديث عن قوانين الإنتخابات اليوم وحديث البطريرك صفير عن القضاء ألا يدل هذا على التمرد على الطائف؟
ج- أعتقد ان السوريين قرروا في وقت من الأوقات إرضاء رئيس الجمهورية، ويحسّنوا صورته لدى البطريرك، صورته لدى المسيحيين، فأبرموا صفقة قانون الأقضية ، ثم جاء قانون عام 2000 الذي يُرضي آخرين ويختلف مع بعض المسيحيين، ويبتعد عن السوريين وكلاهما خطأ ، وما بُني على خطأ هو خاطىء. الآن أذا أردت ان تجمع اللبنانيين حول أي طاولة لمناقشة نص سياسي، فهذا يعني انك تدخل البلد في نفق من الأنفاق يصعب الخروج منها لكل اللبنانيين.

س- الى متى سيظل الطائف هو الذي يحتكم اللبنانيون اليه في رأيك؟
ج- ممكن أن يحتكموا إليه لخمسين سنة قادمة، او ان يعدّلوه عند الضرورة، لا مشكلة في ذلك، ولكن الطائف اصبح الآن دستورا ، وبالتالي لا يعقل أن نبدّل الدستور كل خمس سنوات ، فلا يوجد أي بلد في العالم يتحمل سياسيا تغيير الدستور كل خمس سنوات، فكيف في بلد مثل لبنان؟.

س- قبل بدء الحوار تحدثت معك فوجدت ان تطرح موضوع سنّة لبنان وتحدثت عن مسألة انه بعد إغتيال الحريري حصل احتضان مصري- سعودي، وأنت ترى ان الإحتضان لا يكفي وخاصة من السعودية، هل ترى ان السعودية مقصّرة بحق سُنّة لبنان؟
ج- انا لا أحب إستعمال تعبير مقصّرة عن السعودية ، سوف أترك هذا الموضوع للقيادة السعودية التي عليها أن تقرر إذا كانت مقصّرة أم لا.

س- إذا أنت تطالب بشيء أبعد من الإحتضان؟
ج- أبسط، هو ليس أبعد بالنسبة للسعوديين هو أبسط، أنت تحدثت عن الإنحياز، أنا أتحدث عن رعاية وهناك نوعان من الرعاية، هناك الرعاية السياسية بعد أن قلت انه في الخمسين سنة الماضية، قُتل ست رؤساء حكومات عمليا لأسباب متعلقة بالخلافات العربية والمفتي حسن خالد رحمه الله، الذي كان من كبار زعماء السُنّة .

س- تقصد ست زعماء سُنّة؟
ج- نعم هم ست رؤساء حكومات سُنّة أولهم رياض الصلح وآخرهم رفيق الحريري، وكلاهما للمناسبة من أصول صيداوية، ولكن هناك موضوع أساسي دائما أنا أتكلم عنه، فهناك رعاية سياسية لا تسبّب حساسية لأحد، لأن الأمر لا يحتاج الى جهد كبير في هذه الرعاية السياسية.

س- تقصد دعم السُنّة ليس بالرعاية السياسية؟
ج- أولا سياسي ، ثانيا بما يتعلق بالمؤسسات السُنية المنتشرة في بيروت وطرابلس وصيدا، وهي المدن اللبنانية الكبرى المنتشرة على الساحل اللبناني.

س- ألا تدعم السعودية هذه المؤسسات؟
ج- أعتقد انه منذ عشر سنوات أو أكثر، السعودية لا تدعم هذه المؤسسات. وهنا لا أتحدث عن المؤسسات بمعناها الخيري، أنا أتحدث عن هذه المؤسسات بأنها بيئة إعتدال لبناني، مدارسها خرّجت من مئة سنة حتى اليوم معتدلين مسلمين ومستتبعاتها حوت أطباء. وأهم هذه المؤسسات المقاصد التي كانت منتشرة في كل المناطق، واليوم لم تعد موجودة إلا في بيروت، تصّور ان المقاصد كانت منتشرة في الريف مدارس لجمعية المقاصد وكلها أقفلت.

س- أليس ذلك من مسؤولية الرئيس رفيق الحريري تغييب المقاصد لأنها محسوبة على بيت سُني غير بيت الحريري؟
ج- ياسيدي، هذا البيت إنتهى سياسيا أولا، وثانيا هذا البيت ايضا محسوب على السعودية قبل الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

س- إذا لم يُنقل الى السعودية واقع هذه المؤسسات كيف يمكن لها أن تساعد؟
ج- أنا أريد أن يُنظر الى الأمر على انه تشجيع للإعتدال السُني.

س- أنا أقدّر حبك للرئيس الحريري لكن لماذا لا يقع اللوم على الحكومة وعلى رئيس الوزراء السُني الذي كان أقرب الناس الى السعودية؟
ج- الرئيس الحريري لم يقصّر بالمساعدات من إمكاناته الشخصية، ولكن مهما كانت إمكانيات الشخص، هذه أمور فقط الدول تستطيع ان تقوم بها بإنتظام وإلتزام، لأنها كلها أصبحت مديونة وتعبانة، وأعتقد انه خلال العشر سنوات المقبلة قد تبقى مؤسسة واحدة من هذه المؤسسات أو لا تبقى، الى هذه الدرجة أشعر بالخطر على هذه المؤسسات.

س- هل كانت تدعم السعودية المقاصد بالكامل؟
ج- بالكامل او غير الكامل لا أعرف، ولكن أعرف انها كانت مؤسسات مزدهرة وخرّجت الكثيرين وربما لأنني تعلمت فيها أتحمس لها، وهي علّمت كل أبناء المسلمين وعلّمتهم الإعتدال والإسلام والصلاة وكل الأمور الأخرى، وكان هناك عرب كثر يدرسون في تلك المدارس، الآن أصبحت كل هذه المؤسسات في حالة الإهتراء ، ونجد ذلك جليا إذا ذهبت الى طرابلس او الى صيدا ، ولكن أعتقد ان نسبة الإهتراء أقل في صيدا نظرا لوجود آل الحريري، وخاصة السيدة بهية الحريري التي لا تترك حجرا يقع.

س- لمناسبة ذكر بهية الحريري، هل تعتقد ان سعد الحريري سيلعب نفس الدور الذي كان يلعبه والده؟ وهل سيملأ الفراغ الذي تركه؟
ج- لا أحد يستطيع ان يملأ الفراغ الذي تركه رفيق الحريري، ولا بد من قيام مجموعة سياسية كبرى ومنسجمة ومتفاهمة ومتحركة لكي تملأ الفراغ. أما الشيخ سعد شخصيا فهو من دون شك مؤهل للقيام بدور اساسي وقيادي للحركة السياسية في لبنان، أولا لأنه متعلم من السعوديين مسألتين ليستا موجودتان عندنا وهما الصبر والتهذيب السعودي، وهذا يساعده كثيرا في بلد مثل لبنان ، ايضا هو لديه رغبة في العمل العام منذ صباه المبكر. كما أنه كان كثير الإعجاب بوالده الى درجة الإنبهار ، وبالتالي لا بد أن يكون قد تأثر بكثير من صفاته.

س- أنا هنا قد أختلف معك وأقول ان هناك إحتمالا ان يفعل سعد الحريري أكثر مما فعله والده لأسباب أهمها ان الرجل يملك سيرة ذاتية يستطيع القول من خلالها ان والده كان شهيدا ولا يستطيع ان يقول اني ابن عائلة سياسية، الأمر الآخر ان هناك إحتضانا اميركيا-فرنسيا- سعوديا ، والأمر الثالث انه لا يوجد وجود سوري الذي كان الشماعة التي تُعلّق عليها المشاكل؟
ج- أنا أتحدث عنه كشخص، أنا لا أخاف على ظروفه ، أنا أتحدث عنه كشخص.

س- أليست السياسة ظروف؟
ج- السياسة تراكم هي ظروف وتراكم ، مثل الأموال هي لا تحدث فجأة لمرة واحدة، وأنا أقول انه مؤهل ويستطيع أن يقوم بدور أساسي في الإدارة السياسية في لبنان، ولا تنقصه لا البراعة ولا التهذيب ولا الصبر ولا الرغبة وهذا حجم كبير.

س- هل ترى في سعد الحريري زعيما سُنيا قويا في المستقبل ؟
ج- نعم بالتأكيد، ولكن لا اريد ان أحكم منذ الآن في مسألة القوة والضعف.

س- هل سيترأس الوزارة بعد الإنتخابات؟
ج- كلا، الوقت مازال مبكرا، وهو قال أنني ما زلت شابا صغيرا وأعتقد انه سيعطي نفسه فرصة للتدرّب ومعرفة الأشياء والقوانين والدساتير ، وأنت تعرف ان سحرة السياسة اللبنانيين، ليسوا بالأمر السهل، ومازال الوقت مبكرا لكي يتحمل هذا القدر من السحر.

س- هل مقتل الحريري جعل السُنّة يفكرون على طريقة الأقليات خاصة وانه لم يكن أحد في لبنان على الساحة السُنية يفكّر بأنه طائفة أقلية؟
ج- ما أقوله الآن لا يقوله السُنة ، لأن السُنة لا يعتبرون أنفسهم طائفة ، بل يعتبرون أنفسهم أهل الأمة، هم لا يشتكون ، طبيعتهم وكبريائهم لا تسمح لهم بالشكوى، هناك مناطق في عكار أكثر فقرا مما يمكن ان تتخيل، ورغم ذلك لا يمكن ان تسمع أي شخص من هذه المنطقة يأتيك ويطلب المساعدة، هم يملكون الكثير من الكبرياء، لذلك لا أحد يعرف فعليا حجم مشكلتهم في لبنان سوى الرئيس الحريري رحمه الله. كانوا يأتون اليه في رمضان بثياب أقل من عادية، ولكنهم كانوا يخرجون دون أن يطلبوا أي شيء، وهم يحتفظون بكرامتهم.

س- انا هنا أتكلم عن الإحساس السياسي الآن، هل هناك إحساس جديد انهم تحّولوا الى طائفة مثل بقية الطوائف؟
ج- كلا، ولكن ما من شك ان مصابهم بالحريري كبير جدا جدا اكثر مما نتصوّر ، فلو كنتَ هناك في 14 آذار، لكنتَ رأيت الناس القادمة من الأرياف والمناطق بالجرارات الزراعية إذ انهم لم يجدوا وسيلة نقل متاحة كونهم فلاحين، أتوا بجرارات زراعية للمشاركة في يوم 14 آذار، هذا منظر لم يحدث في تاريخ المنطقة كلها وليس في تاريخ لبنان فقط.

نحن نتحدث عن لبنان ونقول لبنان.. لبنان.. لبنان وكأننا نعيش في منطقة المظاهرات فيها قائمة يوميا، والحرية فيها والديموقراطية على أحسن ما يرام، هذا كله غير صحيح، هذه هي أول مظاهرة في المنطقة العربية منذ خمسين سنة، تضم هذا الحشد بهذا الحجم وبهذه التلقائية منذ جنازة الرئيس عبدالناصر والتي لا اعتقد انها كانت اكبر بكثير.

س- لكن حتى الرئيس الحريري يُقال انه لم يكن سعيدا ان يصنّف كزعيم سُني؟
ج- لم يكن يقبل هذه التسمية، لذلك كان كل المحيطين به من طوائف ومشارب متعددة، فترى عنده شخص متخصص بالفاتيكان الدكتور داوود الصايغ، والذي يكاد يكون مطرانا، وكذلك الدكتور رضوان السيد وهو من مشايخ السُنة وهو شريكي في الهم، على كل حال.

أذكر اننا كنا في القاهرة مع الرئيس الحريري، فدخل علينا لطفي الخولي ليجد أناسا من اليمين وآخرين من القوميين العرب ، ويقصد أنا وآخرين من اليسار، ويقصد الوزير الفضل شلق وتوجه الى الرئيس الحريري قائلا ماذا يفعل كل هؤلاء عندك؟ فأجابه رحمه الله “انا أحب أن اضيف الى عقلي كل عقل ذكي”.

س – هل كان لديه الكثير من المستشارين؟
ج – كانوا مختلفي المشارب والإتجاهات، وكانوا جميعهم لبنانيين ، ولم يكن يستعين بمستشارين غير لبنانيين.

أما بالعودة الى مسألة لماذا لا يحب ان يُسمى زعيما سُنيا، فهذه مسألة تتعلق بالخصوصية اللبنانية التي تقول ان رأسمالك يجب أن يكون من طائفة معينة، والأرباح والفوائد من كل الطوائف، وهذا ما تم فعلا لأن هذه هي طبيعة لبنان، وقد كان الرئيس الحريري يقاتل بكل قوته للخروج من هذه الدائرة السُنية.

س- هل هذه كانت سمة عند كل الزعماء السُنة الذين سبقوا الرئيس الحريري؟
ج- لا أعتقد انه يوجد في تاريخ رؤساء الحكومات شخصيات كبيرة بإستثناء، ربما وهذا رأيي الشخصي، رياض الصلح الذي كان شخصية كبيرة وعظيمة وايضا صائب سلام.

س- صائب سلام لم يكن يصنّف نفسه زعيما سُنيا؟
ج- طبعا، ولكنه كان محصورا في بيروت ، أما إنتشار الرئيس الحريري رحمه الله، فكان أكبر بكثير مما نتصوّر . فأنا أذكر انني ذهبت معه الى الشمال بزيارة وقد حاول الناس يومها حمل السيارة، وبإعتقادي ان عطف الناس ونظرتهم إليه كانت مختلفة عن نظرتهم عن الآخرين.