“المقال” مع داود الشريان – أسبوعان على نهاية حرب تموز: الأسئلة الصعبة

مقابلات تلفزيونية 09 يناير 2006 0

س- بعد مرور حوالي اسبوعين على وقف الحرب ، كيف ينظر اللبنانيون الآن الى هذه الحرب، منتصرون، مهزومون ، محبطون ، سعداء؟
ج- بالتأكيد ليسوا مهزومين ولا محبطين، وبالتأكيد ليسوا سعداء ، ولكن موضوع الإنتصار، هو موضوع جدل بين اللبنانيين ، أستطيع التأكيد حسب الإحصاءات وإستطلاعات الرأي في الصحف اللبنانية ومن قبل مؤسسات محايدة وجدية.

س- ما هي الصحف التي نشرت هذه الإستطلاعات ؟
ج- “النهار”، “لوريان لو جور” و”السفير” ولكن ليس المهم مَن نشر الإستطلاعات، إنما المهم الشركة أو المؤسسة التي أجرت هذه الإستطلاعات.

س- ماذا قالت الإحصاءات ؟
ج- قالت الإحصاءات بمعظمها ان الغالبية العظمى من اللبنانيين، حتى في الطوائف التي يُعتقد انها لا تعترف بالإنتصار ، إنها ترى في ما حدث إنتصارا للبنان، وإنتصارا عسكريا لـ”حزب الله”.

س- أين هو الإنتصار، طالما ان هناك قوات دولية على الحدود الإسرائيلية، وضبطا للحدود السورية والقرار 1701، السعي لقرار جديد لنزع السلاح، إبعاد “حزب الله” من الليطاني والآن حصار بحري وجوي، فأين هذا الإنتصار؟
ج- أولا، ليس هناك من إبعاد لـ”حزب الله” هناك منطقة معطّلة السلاح ، وهذا هو التعبير الأدق، منطقة معطّلة السلاح بين الحدود وبين نهر الليطاني أي بعمق 20 كلم، وهذا الأمر تم برضى “حزب الله” وموافقته وليس رغما عنه أو بإلزام دولٍ عليه.

س- كيف تم بموافقته وماذا عن القرار 1701؟
ج- “حزب الله” وافق على هذا القرار، الرئيس نبيه بري أبلغ أمين عام الأمم المتحدة ورئيس الحكومة اللبنانية بأن “حزب الله” يوافق على تنفيذ الـ 1701 فلماذا يتم تصوير الأمر وكأنه تم بضغوط وإلزام له.

المسألة الثانية: وجود القوات على الحدود، هذا صحيح وأيضا توجد قوات من الجيش اللبناني في المنطقة، من الحدود إمتدادا حتى الليطاني ، وتوجد قوات تراقب الحدود اللبنانية -السورية بمساعدة تقنية غربية لم تحدث حتى الآن، هذا أمر صحيح، ولكن كل هذا تم بموافقة “حزب الله”، وهذا يعني ان القرار 1701 قرار يتعلق بمرحلة سياسية من مراحل السلام في المنطقة، وليس بقرار دولي يقول بحياد لبنان عن النزاع العربي- الإسرائيلي.

س- يبدو وكأن “حزب الله” في هذه المواجهة، أخرج لبنان من الصراع العربي-الإسرائيلي؟
ج- هذا وصف غير واقعي ، هذا وصف لقرار أستطيع أن اؤكد ومستعد قراءة القرار 1701 معك الآن، ونكتشف انه قرار مطاطي بالمعنى السياسي، وهو قرار مرحلي يتعلق بالسلام في المنطقة، ولا يتعلق بحياد لبنان في النزاع العربي- الإسرائيلي.

إذا كان لبنان حُيّد عسكريا في النزاع العربي- الإسرائيلي كما تقول، فلا ضرورة لمفاوضة سوريا، ولا ضرورة لزيارة الأمين العام للامم المتحدة لطهران، ولا ضرورة أيضا لذهابه الى السعودية ولا الى مصر.

إذاً ما دام الأمر تحقق وحُيّد لبنان، لماذا يفاوض امين عام الأمم المتحدة كل هذه الجهات؟ وهو سيأتي بعد عشرة أيام في 11 أيلول وسيقدّم تقريرا.

س- لكن هناك سوريا عل الخط، والمقولة الآن حيّدنا لبنان ، فلنفاوض سوريا؟
ج- لا أعتقد ان أمين عام الأمم المتحدة ذاهب ليفاوض سوريا في منطق السلام الشامل، لأنه غير مكلّف بهذا الأمر، هو مكلّف فقط بالقرار 1701.

أنا أستطيع أن أؤكد بما لا يرقى إليه الشك بأن القرار 1701 قرار مرحلي من مراحل السلام الشامل، التي قد تؤدي الى حياد المنطقة كلها عن النزاع العسكري مع إسرائيل. وانه لا حياد للبنان منفردا من النزاع العربي- الإسرائيلي ، هذه أفكار وأوهام، لبنان عانى منها منذ سنة 1948، ولبنان كان قائما على فكرة الحياد بالنزاع العربي- الإسرائيلي وسقطت هذه الفكرة عدّة مرات.

س- إذا لم يؤدِ هذا الى السلام هل سنحارب؟
ج- أنا لا أقول إننا سنحارب أو فلانا سيحارب، لبنان ليس منفردا في هذا الموضوع وهو لن ينفرد في هذا الموضوع، يعني لا يُستفرد ولا ينفرد ، بمعنى أن إسرائيل لسبب من الأسباب قامت بعملية عسكرية ضد لبنانيين سواء إنتموا الى “حزب الله” والى غير “حزب الله”، فطبيعي سيكون هناك رد من الجيش اللبناني ومن “حزب الله”، ودعنا لا نستغرب هذا الأمر.

س- تحدثت في بداية الحوار عن إستطلاعات الرأي تشير الى ان الغالبية يرون انه إنتصار ، هل الغالبية يرونه إنتصارا بمن فيهم الموارنة والسُنة والشيعة؟
ج- أول إحصاء للسُنة أعطى الإنتصار 78 بالمئة ، والإحصاء الثاني للسُنة أعطى الإنتصار 64 بالمئة على ما أتذكر، وهذا نُشر في “النهار” وفي الـ”اوريان لوجور” وهي صحف ليست موالية بطبيعتها لـ”حزب الله”. طبعا المسيحيين أقل بكثير والدروز أقل بكثير والشيعة فوق الـ90 بالمئة.

ما أريد أن أقوله لماذا نفتش على شهود على هذا الإنتصار، دعنا نحدّد أولا ماذا أرادت إسرائيل من هذا الهجوم العسكري على لبنان؟ الأهداف الإسرائيلية من الدخول للعدوان العسكري على لبنان هي:
أولا: نزع سلاح “حزب الله”
ثانيا: تحرير الجنديين الأسيرين
ثالثا: ضرب البنية العسكرية والشعبية لـ”حزب الله”
رابعا: وهذا ما جاء في مشروع أعده رئيس المخابرات العسكرية الإسرائيلية حتى سنة 2005 ، ولكن لم يستعملوا خطته العسكرية، بل إستعملوا خطة رئيس الأركان الجديد، هو إحداث ما سماه بثورة أرز ضد “حزب الله” وسلاحه في لبنان.

إذاً هناك أربعة أهداف ، دعنا نرى ماذا تحقق منها:
أولا: هل نزع سلاح “حزب الله”؟ حتى الرئيس بوش شخصيا قال “إن هذا الأمر يتم بالتوافق بين اللبنانيين” بعد 20 يوما من بداية الحرب.
ثانيا: هل تم تحرير الجنديين؟ لم يتم.
ثالثا: هل تم ضرب البنية التحتية العسكرية لـ”حزب الله” و”الشعبية”؟ لم يتم.
رابعا: هل تم إحداث ثورة أرز ضد “حزب الله” ونزول اللبنانيين الى الشارع طوال الحرب؟.

إذاً هذه الأهداف لم تُحقق وكل ما قامت به إسرائيل، انها تسبّبت بخسائر كبرى بالقرى والبلدات والمدن اللبنانية.

س- تتحدث عن إحصائيات وإستطلاعات للرأي وإنتصارات، ان ما سمعناه من مخبرين ان غالبية اللبنانيين محبطين من هذه الحرب، دخلوها من حيث لا يعلمون وخرجوا من حيث لا يعلمون؟
ج- طبيعي لأنه لا أحد يستطيع أن يفرح من الحرب ، مستحيل أن تفرح. ياسيدي أنا أقول بأن إسرائيل حدّدت أهدافا معلنة ، ودخلت على أساسها ولم تحققها، وإنسحبت فماذا نسمّي هذا الأمر؟.

س- ماذا حققت إسرائيل سياسيا؟
ج- لم تحقق أي شيء، ماذا فعلت إسرائيل هل حققت السلام مع لبنان؟ لم تحقق السلام مع لبنان، هل ألغت المشكلة مع سوريا؟ وهذا ايضا لم يحصل.

وبالتالي كل ما إستطاعت القيام به هي تدمير 30 الف وحدة سكنية لبنانية وقتل 1200 شهيد لبناني أعزاء ، ولكن الأهداف المعلنة من العملية لم تتحقق.

س- ما هو الهدف الوطني الذي تعتقد انه تحقق للبنان من جراء هذه الحرب؟
ج- لبنان لم يشن الحرب، بل تلقى الإعتداء وهذا السؤال أسمعه كثيرا، ماذا حقق لبنان؟ وكأن لبنان أخذ القرار بالحرب ودخل على إسرائيل بطائراته ومدفعيته وبحريته.

س- كيف قرأت ما قاله السيد حسن نصرالله، إنه لو علمنا ان هذه الحرب ستكلفنا بهذه الطريقة ما كنا خطفنا الجنديين؟
ج- أنا سمعت ما قاله السيد حسن نصرالله مرتين، وبصراحة أنا لم أفهم ماذا يريد أن يقول، وأعتقد انه تبرير سياسي غير منطقي وغير مبرر.

س- هل أخطأ؟
ج- أنا لم أفهم ماذا يريد أن يقول ؟ أنه أخطأ.

س- الكثير من الصحف العربية، وأنت تعلم ان العرب تقريبا، إذا إستثنينا سوريا لم تكن مع “حزب الله” في هذه الحرب، هؤلاء قرأوا هذا التصريح على أنه إعتذار ، هل تقرأه هكذا؟
ج- أنا لا أقرأه إعتذارا، لا بد من أن يكون هناك أسباب لا أعرفها لإستعماله هذا التعبير مرتين متتاليتين، وأنا لم أفهم ذلك، أما إذا كان إعتذارا فقد جاء متأخرا عن عمل كبير جدا جدا، لايمكن إختصاره بإعتذار من هذا النوع على ان ما حدث خطأ ، أنا لا أفهم ذلك.

في الحقيقة، انا سمعت التسجيل مرتين وحاولت أن افهم تماما ماذا يريد من هذه الرسالة، لأنه إذا إعتبرناها نوعا من أنواع الإعتذار، فأعتقد ان الشعب اللبناني يحتاج الى إعتذار أكبر بكثير ، أنا لا أراه إعتذارا ولا أفهمه.

س- ألا يمكن تفسير هذا التصريح بأنه محاولة من السيد نصرالله، للجم المبتهجين بالنصر؟
ج- للسيد نصر الله قدرة على لجم المبتهجين بالنصر بأقل من هذا القول على التلفزيون، فهو يملك التأثير والسحر على جمهوره، وعلى مجموعته وعلى حزبه ، مما لا يحتاج الى بذل جهد كبير لضبط الأمور بالإتجاه الذي يريده، وأعتقد انه لا يحتاج الى إعتذار علني مرتين متتاليتين، لا بد من تفسير آخر انا لا أملكه.

س- ألاحظ ان لهجة سعد الحريري، أصبحت بعد الحرب حادّة تجاه سوريا ، هل تعتقد ان هذه الحدة ستنعكس على “حزب الله”؟
ج- أنا لا أعتقد ان الحدّة جديدة الفارق، أن صوت الحرب كان أعلى، وبالتالي لم نكن نسمع صوت سعد الحريري بمسألة سوريا.

س- دعنا نسمّي الأشياء بأسمائها؟
ج- كانت تصريحاته بشكل أو بآخر مُرتبكة أكثر مما كانت توضيحا ، بمعنى ان هناك صعودا ونزولا بالوضع السوري، معك حق، ولكن في الفترة الأخيرة هو حسم أمره بالكلام عن سوريا، ولا أعتقد ان هذا الموضوع مفاجىء مع إقتراب تقرير رئيس اللجنة الدولية سيرج براميرتس في الخامس عشر من أيلول، وهو التقرير الثالث ما قبل الأخير عن جريمة إغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ، وربما أيضا بسبب خطاب الرئيس الأسد الذي لا يساعد حتى مريدوه كي يدافعوا عن وجهة نظره ، حتى لو أرادوا ذلك، هو خطاب فيه الكثير من الحقد والثأر والمضمون غير السياسي، بمعنى انه إتهم اللبنانيين، وهو يتصرّف وكأنه إنتصار على حكام عرب كانوا الى جانبه لفترة طويلة، والى جانب والده لفترة طويلة. مع تحفظي على هذا الموقف أو ذاك، أو هذا الرأي أو ذاك، أنا لا أتصور للحظة من اللحظات، ان هناك من يتجرأ على الملك عبدالله بن عبدالعزيز، فأنا وعيت على الدنيا على ان العاهل السعودي رمز للعروبة وللنخوة وللشهامة وللحماية وللحضانة، هذه هي الصورة المرسومة في أذهاننا عنه، وفجأة يظهر حاكم عربي أيا كانت صفته وأيا كانت دولته، ويتلفظ عنه وكأنه أنصاف المواقف وأنصاف الرجال، ثم يعمد في اليوم التالي الى إصلاح الكلمة وإصلاح التعبير.

س- أعود الى سؤالي، هل تعتقد ان لهجة سعد الحريري الحادة تجاه سوريا، ستنعكس على “حزب الله”؟
ج- هذه اللهجة لن تصل الى “حزب الله” أعوذ بالله. لقد إلتقيت بالشيخ سعد الحريري صدفة أول أمس، وجلسنا طويلا وتحدثنا بالسياسة ، وأيضا تحدثنا في موضوع الحوار مع “حزب الله” تحديدا.

س- لماذا توقف هذا الحوار؟
ج- تعرف ظروف الحرب، والحدّة وتقلب المواقف، وفلان تسّرع من جهة، وفلان تمهّل من جهة ، وفلان أخطأ من جهة، أما الآن فقد هدأت الأمور، وبالتالي هناك إمكانية تواصل طبيعي.

س- هل تعتقد ان الحوار بدأ؟
ج- أعتقد انه سيبدأ

س- هل هذه معلومات أم توقعات؟
ج- أنا لا أتوقع إلا إستنادا الى معلومات.

س- أشرت في كلامك الى تقرير اللجنة الدولية، هل تعتقد ان قضية الرئيس الحريري غيبتها الحرب؟
ج- أبدا.. أبدا لا شيء سيغيّب هذه القضية، ولا يخطرن ببالك ان هناك تسوية سياسية ما، في مكان ما يمكن أن تغيّب هذه القضية.

س- الى هذه الدرجة تثق ان الأميركيين عندهم شهامة، وكلمتهم واحدة، والموضوع الآن بيدهم؟
ج- أنا لم أقل عندهم شهامة ونخوة، وأنا لا أقول ان الموضوع بيدهم الآن.

س- ألا ترى ان هذا الموضوع رهن بموقف سوريا من نتائج هذه الحرب، لو مشت سوريا بما يريدون، ربما تتغير الأمور؟
ج- أنا لا أعتقد ذلك حتى لو مشت سوريا أينما مشت ، الموضوع سيبقى هو نفسه والمحكمة الدولية ستبقى هي نفسها.

س- ربما تبقى، ولكن ربما تمشي عكس ما يشتهي البعض؟
ج- أبدا، أتمنى الا تسهّل الأمور الى هذه الدرجة، وانا أرى أننا نسهّل الموضوع وكأنه تسوية لموضوع داخلي.

س- ليس المهم انها باقية ، المهم ان تمشي الأمور؟
ج- الأمور إنطلقت نعم هي تأخرت، ولكن الآن سيصدر التقرير الثالث ، وبعد ثلاثة أشهر سيصدر التقرير الرابع والأخير. أيضا يوم الثلاثاء المقبل سيصل الى بيروت موفد الأمم المتحدة وسيوقّع مع وزير العدل اللبناني، مذكرة إنشاء المحكمة الدولية ، وستحال الى مجلس الوزراء يوم الخميس، وتقر في مجلس الوزراء، وتذهب الى مجلس النواب في 15 تشرين الأول. هذه الإجراءات جدية وليست شكلية، اولا تفتح الباب أمام تسوية سياسية تلغي ايا من مضامين تقرير اللجنة الدولية.

على كل حال، من يريد إجراء تسوية حول هذا الموضوع ، لا يقول ما قاله الرئيس الأسد في خطابه ، هذه ليست وسيلة تسوية.

س- أنت تعرف ان السياسة في بعض الأحيان كلام وليست فعلا؟
ج- أبدا صدر كلام شخصي في خطابه لا سابقة له.

س- بماذا تفسّر القوة الذي ظهر فيها الرئيس الأسد، وعلى ماذا يستند لكي يعادي بلدا مثل السعودية ومصر؟
ج- أنا أعتقد انه لم يعادهما، هو تجرأ عليهما.

س- ما هي الفائدة السياسية من التجرؤ على دولة بحجم السعودية ومصر؟
ج- بصرف النظر عن الموقف السعودي والمصري، لا أعتقد انه يملك مضامين جدية للقدرة على إصابة هذه الأنظمة لأنه لا يكفي قول الكلام.

نعم هو قال كلاما عاليا جدا جدا، ولكن ما هو مفعوله؟ وهو أخذ من إنتصار “حزب الله” العسكري، ويريد أن يصرفه في مواجهة السعودية ومصر.

أولا هذا الجزء من الإنتصار ليس له، وأنه لم يدخل على الموضوع رغم إعتراف “حزب الله” بأن سوريا كانت طريقا للإمداد أو مقرا للتدريب . ولكن هذا لا يكفي لكي يكون له حصة سياسية كبرى بانتصار من هذا النوع، وينفق منه على السعودية ومصر.

س- لكن الرئيس الأسد لم يجيّر لسوريا الإنتصار، قال في خطابه، هذا إنتصار للبنانيين؟
ج- الأمر ليس التجيير، ولكن إستعماله.

س- لكن لماذا هذا التجرؤ، هل هو بدون ثمن؟
ج- جمهور “حزب الله” بصراحة يحب هذه اللغة باتجاه السعودية ومصر تحديدا، ولكن في الفترة الأخيرة تصاعدت هذه اللغة، وبشار الأسد يريد ان يقول، انا لا زلت دولة إقليمية مقررة في المنطقة ، فإذا نسيتم ذلك تكونون كمن لا يقرأ ما حدث في لبنان.

س- لماذا يحب جمهور “حزب الله” هذا الكلام ضد السعودية؟
ج- بسبب الموقف المفاجىء الذي إتخذته السعودية، باعتبار الحرب مغامرة غير محسوبة.

س- يوم السبت أصدرت السعودية بيانا أن الحرب مغامرة غير محسوبة، فقامت الدنيا، وبعد اسبوع بعد عودة الامير سعود الفيصل من واشنطن، صدر بيان آخر مناقض تماما للبيان الأول، وحتى اللغة كانت مختلفة ، فكأن بعض الإعلام العربي وبعض الكتاب العرب وهم كثر لم يسمعوا البيان الثاني؟
ج- أو كأنهم لم يصدّقوه. للحقيقة أنا قرأت البيانات السعودية الخمسة: بيان المصدر، بيان مجلس الوزراء، بيان الديوان الملكي، بيان مجلس الوزراء وبيان مجلس الوزراء، أي ثلاثة مجلس الوزراء وواحد من الديوان الملكي، فوجدت ان هناك تدّرجا في اللغة وليس في اللهجة، ووجدت ايضا ان البيان الثالث هو إعلان الحرب، والذي صدر عن الديوان الملكي علنا وصراحة إستعمل تعبير “أعذر من أنذر”.

س- للتصحيح البيان الثاني هو الذي صدر عن الديوان الملكي؟
ج- ياسيدي لن نختلف على هذا الأمر، ولكن بيان الديوان الملكي هو الذي أعلن الحرب بشكل أو بآخر ، وبعدما قال الرئيس بوش للأمير سعود الفيصل بأنه لن يوافقه الرأي، وان الولايات المتحدة ستتولى وقف إطلاق النار وبأن رايس ذاهبة الى لبنان لتتولى هذا الأمر.

س- لماذا لم يقرأ جمهور “حزب الله” وبعض الإعلام العربي، ان السعودية أرادت ان تشتري قوة لوقف النار، بإعلان موقف هي غير راغبة فيه؟
ج- لا يوجد حسن نية ولا سوء نية، فليس كل من كتبوا أعداء للسعودية وللسياسة السعودية، ولا كل الذين رفضوا يريدون الثأر من السعودية، هناك قراءة طبيعية مختلفة ودائما يعلق في ذهن الناس، الكلام الأول الذي هو أكثر حدة، لكن أنا لا أدّعي ان هذا ما علق في ذهني، وأنا كتبت عن البيانات الخمسة بطريقة تفصيلية بعد قراءتها بشكل جدي.

على كلٍ لديّ طلب، دعنا نتجاوز ما حدث من الموقف السعودي ، وأنا أؤكد كذلك ان هناك اليوم صحوة سعودية تناسب مقولة “أعذر من أنذر” وأعتقد ان القيادة السعودية ناقشت لفترة طويلة مسألة انه لا حل إلا من ضمن الحل الشامل للمنطقة، ولا بد من هجوم بالسلام، وهنا أنا لا أتحدث عن بيانات سعودية علنية أو عن مناقشات علنية. أنا أتحدث عن جلسات غير معلنة ومناقشات غير معلنة، اعتقد ان الأمير سعود الفيصل عبّر عنها بشكل أو بآخر بمؤتمره الصحفي الأخير.

س- هل تملك معلومات سرية ، وما أدراك بما يحصل في هذه النقاشات؟
ج- أنا أعمل بالإعلام يا أستاذ داوود.

س- تقول انها ليست علنية ، وهذا يعني انك تملك معلومات؟
ج- طبعا، طبعا، وأنا أعتقد ان الأمير سعود الفيصل بتعابيره الأخيرة في المؤتمر الصحفي، عبّر عن هذا الأمر بكلامه الواضح، بأن هناك مشكلة كبيرة في المنطقة وبدأت تكلف الدم والمال.

الشخص الثاني الذي تحدث عن هذا الأمر، ولم يُعلن أيضا هو الشيخ هزاع بن زايد رئيس أمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة، فعندما زار بيروت، وأثناء محادثاته مع رئيس الحكومة ووزير الداخلية أبلغهما بتبرعات كبيرة للجيش اللبناني، وقوى الأمن الداخلي، وأبلغهما أيضا بتبرعات سعودية، بمعنى ان هذا الأمر تم بالتنسيق بين الإمارات والسعودية، ولكن أهم ما قام به أنه قال على طاولة المناقشات، أو عبّر بطريقة أو بأخرى عن انه ما من أمن قومي عربي دون إستتباب السلام في المنطقة، وانه لا يمكن تجاهل المسائل أو المناطق الحادة بسبب طلب من هذا الطرف الدولي أو ذاك ، بينما من يدفع الثمن هو الطرف العربي، أيا يكن هذا العربي، وانه لا أمن لا في الإمارات ولا في السعودية ولا في أي دولة أخرى، إلا من ضمن أمن قومي عربي واحد.

س- هل تستنتج ان هذه الحرب فرضت لبنان عربيا بشكل مختلف عن السابق؟
ج- نعم فرضت لبنان على انه قد يكون مصدر خير كبير في الأمن العربي ، ويمكن أن يكون مصدر خطأ كبير في الأمن العربي، ولكن ليس لمزيد من الإجراءات الأمنية ، بل بالمزيد من الإجراءات السياسية التي تتعلق بالقضية المركزية في المنطقة.

لقد حصل تطوران جدّيان جدا في المنطقة في السنتين الأخيرتين، التطور الأول : إنتخاب “حماس” من قبل الشعب الفلسطيني، بعد الذي حصل للقائد التاريخي ياسر عرفات الحائز على جائزة نوبل ، الذي ذهب على حمالة الى فرنسا ولم يعد من جراء مرض لا نعرفه حتى الآن، وكانت ردّة فعل الشعب الفلسطيني إنتخاب”حماس”.

والتطور الثاني هو العدوان الإسرائيلي على لبنان، والذي فتح الباب امام كل الإسلاميين والعروبيين والوطنيين في معظم العواصم العربية، لتأييد جهة إسلامية على الأقل ، لا توافق عليها معظم الأنظمة العربية، فلماذا نهرب وندور حول الموضوع.

من كان يتصوّر بأن صور السيد نصرالله تُرفع في القاهرة ، وهنا وهناك في الشوارع التي سُمح للناس ان تنزل فيها، وفي دول أخرى لو سُمح ذلك لكانت أكثر وأكثر.

لذلك أنا أقول ان ما قاله الشيخ هزاع بن زايد، وما قاله الأمير سعود الفيصل يعبّران عن نظرة جديدة للأمن القومي العربي السياسي.

س- وماذا سيترتب على هذا الأمر؟
ج- سيترتب عن ذلك بتقديري قمة عربية قبل نهاية السنة الحالية ، يتم خلالها التفاهم على مشروع جدي وواضح وصريح ، ومواجهة الدينامية، يعني لا تستطيع الولايات المتحدة أن تقول للسعوديين (حلفائها منذ قيام المملكة) بأن يتركوا وقف إطلاق النار في لبنان لوزيرة الخارجية الأميركية تحت شعار ان أميركا قوة عظمى جيد تركناه ولكن ماذا حققوا؟ لا شيء، لذلك لن نترك الأمر للولايات المتحدة مرة ثانية لأنه في المرة الثانية سيطالنا نحن وليس الولايات المتحدة، هذه اللغة يجب إستعمالها من جديد، مهما كانت قوة أميركا ومهما كانت رغباتها ، المهم ان تضع على الطاولة شيئا عاقلا، بأن هناك إعترافا بوجود دولتين يجب أن يتعايشا متجاورتين، فلسطين وإسرائيل، لأن ما يُطرح الآن من قبل كل هذه الحركات بما فيها “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”الإخوان المسلمين” في مصر و”حزب الله” مخالف تماما لهذه النظرية دون أن يقولوها علنا.

س- ما هو تأثير هذه الحرب على العلاقة العربية – الإيرانية؟
ج- معلوماتي ان لدى الإيرانيين رغبة جدية بالتفاهم مع بعض الدول العربية، لحماية موقفهم في نزاعهم مع الأميركيين، ومعروف ان السعودية تاريخيا، هي من الدول الحريصة على علاقة إيجابية مع إيران، ولكن هذا يترتب على مجموعة أمور ستحصل في المنطقة، انا لا أعتقد ان إيران ستجد الكثير من الحضن العربي، لمواجهة السياسة الأميركية في المنطقة.

س- ماذا يريد العرب بعد الحرب فهناك لغة ليّنة تجاه إيران ظهرت في تصريح الأمير سعود الفيصل؟
ج- ولا مرة كان هناك لغة غير ليّنة باستثناء مرة واحدة.

س- في تصريحاته كاد الأمير سعود الفيصل ان يقول ، من حق إيران أن تمتلك سلاحا نوويا ، وهذا كان بعد عودته من واشنطن لماذا هذه اللهجة؟
ج- لأنه من الواضح ان السياسة الأميركية في المنطقة لا تستطيع ان تحمي أحد، بدأت بأفغانستان أكملت بالعراق ثم في فلسطين ثم في لبنان، ماذا حققت لهذه المناطق الأربع؟.

س- هل سينعكس التفاهم العربي-الإيراني في العراق؟
ج- ليس هناك من تفاهم إيراني- عربي، هناك بدايات قد تؤدي الى نتيجة أو قد لا تؤدي.

س- بعد الحرب في لبنان أين أصبح ما يسمى بالقلق المسيحي ، هل أزداد أو صغر أو إنتهى أو توقف؟
ج- لا أعتقد انه ازداد لأن المسيحيين حققوا أولا في الإنتخابات ما يُعتبر انهم أستطاعوا التعبير عن صفتهم التمثيلية ، بمعنى انهم إنتخبوا من يريدون إيصاله الى المجلس النيابي بنسبة كبيرة وعالية، وفي مناطق مختلفة ليس في المناطق المسيحية الصرف.

ثانيا: مذكرة التفاهم بين التيار الوطني الحر و”حزب الله” حققت شيئا من الإستقرار للعقل المسيحي الجديد على التمثيل السياسي، لأن هذه مجموعة جديدة دخلت على التمثيل السياسي المسيحي.

ثالثا: ما حدث في لبنان في الحرب الأخيرة كبير الى درجة اننا سننتظر من جرائه تفاعلات داخلية وعربية وإقليمية ، ونحن مازلنا في بدايات إنتهاء الحرب وليس في بدايات إنتهاء مفاعيل الحرب على المجتمع اللبناني الشخصي والسياسي، والمجتمع الإقليمي ، وبالتالي حتى الآن لا توجد الصورة النهائية أمامنا.

س- عندما نسمع الكلام الذي قاله سمير جعجع ستشعر ان هناك محاولة لمعاودة قراءة المشهد من جديد ، وهو يعبّر عن رفضه لما حصل، ورفضه هذه الحروب التي يؤخذ لبنان إليها ؟
ج- هذا يتعلق بقرار الحرب والسلم.

س- في كل التاريخ اللبناني الحديث، كانت الزعامات المسيحية حاضرة، ولكن في هذه الحرب كانوا في آخر صف الجماهير، وليس حتى في صفوف الجمهور والقرار كان إسلاميا ، كان السيد حسن نصرالله يتكلم ، نبيه بري يتكلم ، فؤاد السنيورة يتكلم، جنبلاط أحيانا يدخل على الخط هو وسعد الحريري، لماذا لم نرَ الزعامات المسيحية؟
ج- أنا لا وافق على هذا الكلام، فقد كانت للعماد عون مواقف معلنة هامة ومحدّدة، قد ننتبه لها أو لا ننتبه ولكنها كانت موجودة. العماد عون كان له موقف صريح بدعم سياسة “حزب الله” عن حق أو عن باطل، هذه مسألة أخرى، وإقناع جمهوره فيها، وهذا الأمر هو الأصعب.

س- هل نرى انه سيتم تشكيل حكومة جديدة؟
ج- هناك تغيّرات كثيرة نتيجة هذه الحرب لابد من إنتظارها، وإعطائها الوقت لكي تنضج ، بالتأكيد هناك وزارة جديدة ، ولكن لا أعتقد ان ذلك سيتم هذا الشهر أو الشهر المقبل.

س- لماذا يُمنع عون من دخول الحكومة أو لماذا رُفض؟
ج- أنت تعرف طبيعة لبنان، هناك خلاف على الثلث المعطّل ودخول عون الى الحكومة بشكل أو بآخر، يحقق هذا الثلث المعطّل ، وبالتالي مجموعة 14 آذار لا تريد إتخاذ هذا القرار الآن. جيد اليوم لا يريدون ولكنهم سيقبلون لاحقا ، بمعنى ان طبيعة تطوّر الأمور توصل الى نتائج طبيعية.

س- على فرضية ان الوزارة ستتم بعد الحرب، ما هي ملامح هذه الوزارة؟
ج- نفس الطبيعة اللبنانية، لا توجد ملامح جديدة.

س- هل سيُعاود الحوار؟
ج- طبعا، ولا خيار آخر غير الحوار، ولكن الطاولة تحتاج الى جواب على سؤال واحد: ما هو توجّه الدولة اللبنانية في مسألة النزاع العربي-الإسرائيلي، يجب حسم هذا الأمر؟ هل نحن دولة هدنة كما يقول الطائف ؟ هل نحن دولة مواجهة؟ هل نحن دولة صمود؟ هل نحن دولة إتفاقية سلام؟ فكلما حسمت الأمر باتجاه واحد من هذه الخيارات، كلما أصبح عندك قدرة على تنفيذ هذا الخيار، عبر أجهزة الدولة وجيشها وأجهزتها الأمنية والسياسية. وبذلك تكون قد قررت بالإجماع ان الدولة اللبنانية قررت أنها دولة صمود لنفترض هذا الصمود ، يفترض أولا وثانيا وثالثا، ولكن هذه المسألة ليست محسومة الآن لذلك، الكثير من الناس الذين يأخذون الأمور من منطلق المعاداة يعتبرون ان هذه الحرب شُنّت بقرار من “حزب الله” لأسباب إيرانية تتعلق بالملف النووي، إجتماع لاريجاني بسولانا، وان هذا يعني ان قرار الحرب والسلم ليس في يد لبنانية، وإذا كانت في يد لبنانية فهو ليس بالإجماع، لكن ليس هذا هو المهم ، وبالتالي يجب على أولى طاولات الحوار ان نحسم مسألة صياغة الطاولة والمتحاورين لمرور الدولة اللبنانية في النزاع العربي-الإسرائيلي. فليسمحوا هذا الأمر ثم يُبنى على الشيء مقتضاه.

س- هل ترى أنه سيُحسم؟
ج- طبعا.

س- بأي إتجاه؟
ج- بإتجاه دولة الصمود.

س- لبنان دولة صمود؟
ج- نعم نعم لقد دفع لبنان ثمنا كبيرا لماذا تستغرب.

س- انا لا أستغرب ولكن إذا رأينا القرارات والقوات الدولية والقرار 1701 وغيرها فكيف ذلك؟
ج- لا يوجد سلام في المنطقة، نحن لا يمكن أن ننجز سلاما على حسابنا.

س- إذاً يصبح “حزب الله” هو الذي يفرض منطقه على كل العالم؟
ج- من قال ذلك؟.

س- هذا هو منطق كلامك؟
ج- هذا المنطق العاقل وهذا الكلام موجود قبل “حزب الله” وبعد “حزب الله” وفي خلال “حزب الله” لبنان جرّب سياسة الحياد منذ سنة 1948 الى سنة 1970 فماذا كانت النتيجة؟ من سنة 1970 الى 1990 دخلنا في حرب من 1970 الى 1982 حين خرجت منظمة التحرير ودخلت إسرائيل ثم من 1982الى 1990 دمار وقتل وهدم.

س- في حوار سابق معك قبل سنة وثلاثة أشهر قلت لي ان الرئيس بوش تشيّع، أنا أظن الآن إنك تشيّعت؟
ج- أبدا ، انا قبل “حزب الله” في هذه المسألة ، وإذ عشت أن شاء الله سأكون بعدهم ، وأنا لا أتشيّع ولا أتسنن، أنا أقول رأيي.

س- في الحوار السابق تحدثت معي عن مشروع شيعي وهلال شيعي وما شابه، والآن تقول صمود؟
ج- هذا موضوع آخر، أنت الآن تناقشني في مسألة النزاع العربي- الإسرائيلي.

س- الآن كل هذه النتائج والقرارات الدولية والقرار 1701 والقرارات الجديدة فتأتي وتقول لي صمودا أي صمود هذا؟
ج- لا يوجد خيار آخر، هل تريد أن نجرّب أمرا آخر ، جيد فلنجرّب. دعنا نميّز بين الأمور ففي الحوار الماضي كالخلاف بيني وبينك على المشروع الإيراني ، فأنت كنت ترفض وجود هذا المشروع، وانا كنت أؤكد وجود هذا المشروع.

الشريان: إنتهى الوقت وأخاف أن أتشيّع معك.