المقاصد رؤيا للنهضة

مقالات 22 أغسطس 2005 0

الأستاذ عبد الحميد الأحدب
وددت أن لا أردّ على ما كتبته في “النهار” منذ عشرة أيام عن جمعية المقاصد وتجربتك معها وفيها. وعنّي شخصياً بما تسمعه أو تفترضه. لا بما تعرفه. متناولاً كرامات الناس كأنك وصيّ على ما تجهله عنها.
التقيتك في الأسبوع الماضي على صفحات “الشراع” في مقال عن الحرية والهوية. وحدة مسار ومصير. وتسأل هل لبنان جزء من سوريا.
قرأته. أعجبني دفاعك عن الحرية في المطلق وأولها حرية النقاش. رؤيتك لبلاد الشام على أنها منبع للقاء حضارات نشأت وانتشرت.
لكنني افتقدت في ما قرأت أمراً واحداً وهو انك لا تملك تواضع العالم في ما تكتب. بل تذهب في وجهة نظرك نحو الحدة المهينة وليس الناقدة لما تراه صحيحاً أو غير صحيح.
مثلاً أنا مقتنع بأن الجغرافيا تفرض وحدة المصير السياسي في نزاع مماثل للنـزاع العربي – الإسرائيلي. أو ما تبقى منه على الأقل. هذه ليست لغة زمان ولا رداءة. هذه واقعية سياسية وأمنية.
المهم من يتولى إدارتها. هل باستطاعته الحفاظ على هويته وهوية بلده وإدارة وحدة مصيرها تنسيقاً بين دولتين تحترمان بعضهما البعض؟
عناصر كثيرة تحمي هذه الإدارة. أولها المجتمع الدولي المتحفز حركة في لبنان. هل هذه إهانة لمفهومك؟
أنت تكتب عن الماضي البعيد. أنظر حولك. لا تجد شيئاً من النقاش حول الهوية. لا قاتلة ولا عنصرية ولا محاكم دولية لحماية هوية واضحة ومحددة للبنان ولشعبه ولثقافته.
أول المسلّمين بهذه الوقائع هم قادة سوريا. لم يتغير التاريخ ولا الهوية ولا الخصوصية. البحث الآن جارٍ للاستفادة من الجغرافيا السياسية. هذا ما أعلنه مرات الرئيس حافظ الأسد ومن بعده الرئيس بشار الأسد.
ذهب الرئيس بشار الأسد إلى تركيا بعد عشرات السنوات من الانقطاع معترفاً بالمتغيرات الدولية. لم تعد تُطبع خرائط جديدة لسوريا عليها لواء الإسكندرون.
الرئيس محمود عباس “ابو مازن” يناضل من رام الله من أجل تحسين النتائج السياسية لسلام السلطة الوطنية مع إسرائيل.
الحرية لا تؤكد رأيك في الشهامة الدولية. بالتأكيد أنت العربي الأول الذي يراها ويذكرها.
لا تخف على الحرية. لا تفتش عن الهوية. فهي موجودة في الدستور. لبنانية عربية. ولا تحتاجنا للدفاع عنها هذه الأيام.
وفر حدتك لأيام أخرى.
يبدو انك تتناول المواضيع في غير أوانها. تأتيها متأخراً دائماً.
هكذا فعلت مع مقالي الذي نشرته “النهار” تحت عنوان “ما بال المسلمين”. تناول المقال جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية.
قرأت ردّك في “النهار” لم أستوعبه بداية. ظننته منشوراً. شخصانية التوجه في الكتابة غيرت محتواه. بالتأكيد أثرت على ما تسعى إليه من تناول موضوع جمعية المقاصد الخيرية الإسلامية. لو بدأت بمشكلتك الشخصية التي تسميها تجربة لكانت كلماتك أوضح.

أودّ إيضاح النقاط التالية:
أولاً: ما الذي نبّهك أو من الذي جعلك تقرأ الموضوع بعد ثلاثة أسابيع من نشره؟ ألا تعتقد ان 21 يوماً من الزمن يجعلك تنظر إلى الوراء فتراه بعيداً للتعليق؟ ليس بيني وبينك من معرفة كافية حتى تكتب اسمي في موضوع عام وكأننا نتساير في مقهى أو نتصارع على حلبة. لم يحدث هذا من قبل بيننا. ولا مبرر لحدوثه. لا أعرف عنك إلا الجدية والرصانة المخالفة لما جاء في مقدمة ردّك.
ثانياً: ليس هناك من “جارة حتى تسمع الكنّة” كما ذكرت في موضوع وطني وإسلامي رصين مثل المقاصد. ليست هذه هي العناوين التي يصحّ لمحكم دولي أن يستعملها أو يتهم غيره باستعمالها لطلب إعادة القربى من أي كان. أنا ما تعودت طلب القربى إلا من مرضاة الله عزّ وجل.
لقد كتبت في الصحيفة نفسها مقالاً تحت عنوان “وداعاً 14 آذار” قلت فيه انني حافظ للودّ مع سعد الحريري وللاحترام للسيدة نازك وللتقدير للسيدة بهية. هذه هي حدودي. هل تطلب أنت القربى على صفحات الصحف ممن تودّ وتحترم وتقدّر؟ أنا لا أفعل.
“الكنّة والجارة” اختصاص حضرتك. ربما جاورتهما طويلاً. أسلوب تفكير. أنا لا أعرفهما لا نصاً ولا أسلوباً.
ثالثاً: لم آت على ذكر السيد سليم دياب إلا من باب مناشدته وعائلته الكريمة العودة إلى الاهتمام بشأن المقاصد وذلك من ضمن لائحة عائلات بيروتية متعددة. فكيف إذا كان مثل السيد دياب الناشط لسنوات طويلة في جمعية المقاصد؟
كتبت ما كتبته بصفتي الأبسط. تلميذ للمقاصد سمع نبأ بيع الأملاك الموقوفة للجمعية في الوسط التجاري لمدينة بيروت تسديداً لالتزامات مُلحة تجاه موظفيها. استفظعت النبأ وقلت ان نهضة بيروت الإسلامية قادرة على إنقاذ المقاصد وأملاكها.
للتذكير فقط، أنا تركت مهامي مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري منذ أكثر من ست سنوات بتعليمات من الأمن السوري. الجهة نفسها قررت في حينه مغادرتي لبنان وقد حصل ذلك لسوء الحظ والقدر.
أما السيد دياب فقد تابع عمله وصمد إلى جانب الرئيس الشهيد وخاض بجهازه الانتخابي معركتين تعتبران الأنجح في تاريخ بيروت ومناطق أخرى.
لا هو أراد منافستي على منفاي. ولا أنا أريد تجاهل ما حققه. هل يكفي ذلك إيضاحاً؟
ليس هناك “كنتم” ولا “كنا” ولا “قربى”. مجافاتك للحقيقة هي الحقيقة الوحيدة فيما قلت.
رابعاً: محبتك للمقاصد يا حضرة المحامي لا تخوّلك إعطاء صفة “التسول” لتجاوز العجز المالي للمقاصد. لا أنا كتبت هذه الصفة ولا سمحت لنفسي التفكير بمدرستي تسولاً. ربما تودّ حضرتك أن تستعمل هذا الأسلوب مستقبلاً بعد إصلاحك للمقاصد. الحمد لله أنه سيكون من بين التلاميذ الصغار الذين تربوا على حفظ كراماتهم من يمنعك عن ذلك أسلوباً وإصلاحاً.
قصدت في ما كتبته استنهاض مجتمع خير أؤمن بوجوده في بيروت قبل رفيق الحريري وصائب سلام رحمهما الله وبعدهما أيضاً. لم أتجاهل دار الأيتام ولا جهود القيمين عليها.
لك رأيك في اسباب أزمة المقاصد. قلته اعتداء. ونظرة إلى وسائل تطويرها لم تستطع تطبيقها. وتجربة غير مشجعة للعمل على مساعدة المقاصد في باريس. جيد. لكنني لا ارى المقاصد مجال منافسة بل باب حوار تركته. هل لأن “أحد وجهائها” تخطاك؟ وفاوض وظهر في الإعلام؟
إذا كانت تجربتك الشخصية شجعتك على هذا التجاوز الشخصي والعام في التعامل مع مسألة وطنية. فلماذا لا تفترض ان للآخرين رأياً حاداً حول طريقتك في التعامل معهم ومع جمعيتهم؟ وحفظوا صمتاً رأيهم وكرامة جمعيتهم وكرامتك أيضاً. أفترض ذلك. ترتاح. تعود إلى “موقعتك الباريسية الدولية” وتناقش الموضوع بدلاً من طرقه بعصا حديدية. هل هذا أسلوب المحب للمقاصد وتلامذتها؟ لقد أهنت أناساً دون تسميتهم وتناولتني أنا بالاسم.
هذا لا يحقق الإصلاح. توعية المجتمع المقاصدي إلى ضرورة التحديث هو الأسلوب الطبيعي الناجح. أنا أحتكم إلى أصدقاء المقاصد أياً كانوا. لهم أن يختاروا. ستقول أنك جرّبت ولم تنجح.
هذا دافع لمزيد من التجربة ومزيد من الجهد. فالخير لا ملل منه، وإلا لكان اسلافنا الذين انشأوا هذه المؤسسات توقفوا عن الجهد عند اول عقبة. ولما عاشت المقاصد 125 سنة حتى الآ،، وستستمر بإذن الله.
انت تتحدث عن الماضي، وانا ادعو الى المستقبل، انا كتبت عن رؤيا نهضوية. انت تبحث في الادارة. الرؤيا تمسك الادارة فتتقدم. استعراضك الاسماء الكبار الذين استضافتهم جمعيتك في باريس يزيدك وجاهة. وهو ما تتهم به الآخرين. محمد حسنين هيكل، عصمت عبدالمجيد، بطرس غالي، يعطون لمن لاقاهم وسمعهم حسن المعرفة، هل هذا فقط ما تحتاجه المقاصد في هذه المرحلة؟
حضرتك تتحدث عن مشاكل ادارة المقاصد.
انا ادعو المجتمع البيروتي لنهضة تدعم الجمعية فتحل مشاكلها تدريجياً وبهدوء. الفارق كبير بين حديثك الى الماضي ودعوتي الى المستقبل.
قلت في رد سابق ان تدبير وتسيير امور المقاصد مهمة جميع المعنيين والمحبين للمقاصد وليست حقاً حصرياً لأحد.
اما ان حضرتك لم تقرأ الرد. ام انك قررت اختصار الموضوع بأزمة تراها بيني وبين اهل قريطم، ايهما يناسب احلامك اكثر؟
آل الحريري ليسوا وحدهم مسؤولين عن المقاصد او عن المجتمع البيروتي، سعد يمثلنا سياسياً، هم رواد خير في كل لبنان فكيف ببيروت العاصمة؟
السيدة نازك اثبتت ان الخير ما زال يقيم في دارهم، قامت بما تراه مسؤولاً ومناسباً تجاه المقاصد وغيرها بعد استشهاد زوجها.
السؤال يوجه لغيرهم وليس لهم عن عمل الخير، هذه كلمة حق، ليست طلب قربى، انا لن اتوانى عن دق كل باب فيه منفعة لجمعية المقاصد وليس لوجهاتها.
تلميذ محب لمدرسته، نظرة الى صنوبرات كلية الحرش تكفيه حافزاً ومشجعاً.
من اين لمحام مثل حضرتك ان يجمع كل هذه التعابير وأين؟ في تعليق على المقاصد؟
الانهيار والافلاس، زوج رجل محافظ مريضة يرفض عرضها على الطبيب فتموت، تحب من يحك جلدها قساوة، رولس رويس، ثياب مبهدلة، الاراكيل، قراءة صفحة الفن في صحيفة من الدرجة العاشرة، مطربة احياء الحفلات.
هل تخدم هذه التعابير الهدف الذي تسعى اليه؟ ام واضح انها تعبير عن خيبة امل شديدة وشخصية من دور حاولت ان تؤديه للمقاصد او في المقاصد؟
سهّل الرد عليك بما يماثل تعابيرك، لكنه يصبح اعترافاً بما قلت وليس حواراً عن المقاصد كقضية وطنية.
لا يليق بما كتبت الا تعابيرك، اما مدرستي وتلامذتها فهما أشرف وأسمى. دعوة المجتمع البيروتي الى نهضة في مسألة التعليم بعيدة جداً عن خيبة الامل والإسفاف اسلوباً.
الم تضع في حساباتك كرامة تلاميذ المقاصد اذا اختلفت انت مع ادارتها؟
المقاصد لن تنهار ولن تفلس. هي مريضة ولها اطباؤها، لا تقبل القسوة، لا تعرف الرولس رويس، لا تلبس ثياباً مبهدلة. ليست مكاناً لشرب الاراكيل. تقرأ القرآن الكريم في افتتاح مناسباتها العامة تحبباً وتقرّباً لله عزّ وجل. هي تاريخ المدينة. علامة عروبتها. مستقبل الكثير من ابنائها، بجهد الخيرين المعتدلين المؤمنين.
بالمناسبة هذا نادي يفترض حسن الاسلوب للانتماء اليه، روايتك تسيء لتاريخ المقاصد وتلامذتها وليس لإدارتها.
كيف لمحام كبير مثلك ومحكم دولي ان يتناول المقاصد قضية وحلاً وأفراداً يعرف عنهم اكثر مما يعرفهم بما ليس في مهنته من اصول وأعراف وتقاليد وحدود.
لا اعرف جواباً، فاجأني ردك. ظننته منشوراً.
اتمنى ان لا تحيل الجمعية التي “تغار” على مستقبلها الى محكمة العدل الدولية كما دعوت لاحالة سوريا اليها بسبب ازمة الشاحنات على الحدود بين بلدينا.