المغامرون …

مقالات 12 نوفمبر 2007 0

يقصد المسلمون في العشر الاواخر من أيام شهر رمضان المبارك مكة المكرمة ليعتمروا في المدينة المقدسة، باعتبار ان ثواب العمرة عند الله عز وجل في تلك الايام يتضاعف عن غيرها من أيام السنة. فيحتشد المؤمنون في مكة في العشر الاواخر وكأنه موسم الحج الذي يأتي مرة واحدة في السنة.
لا ينطبق الحال على أهل السياسة في لبنان في العشر الاواخر من ليالي المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. فمن اعتبر نفسه صاحب قضية، يريد رئيسا ناصرا لقضيته وإلا فلا انتخابات، وسلام على قضايا الآخرين. ومن كان مرشحا فله الرئاسة دون العالمين أو للوطن القبر. ومن هو ناخب فله زاوية الاختباء من الاغتيال مرتعا لآماله في ان يضع ورقة تحمل اسم رئيس جمهوريته في صندوق الاقتراع، وهو واجب لن يستطيع تأديته. أما من يريد حياة مستقرة لمواطنيه، يحفظ لهم هدنة يعرفون ارتباكها، فهو لا يملك حق القرار، ومن يحاول مرة واثنتين وثلاثا يجد في وجه محاولاته الصد والارهاب والاغتيال.
أما الغالبية الفاعلة من اللبنانيين فليس أمامها إلا الاصطفاف الى هذا الجانب أو ذاك، تتفرج على قادتها منتصرين لأطراف دولية وإقليمية، تخوض حربا لا هوادة فيها، وكل منهم يستعمل لبنانيّيه حطبا لموقدته.
ليس جديدا ولا اكتشافا، ولا موهبة، ولا صياغة، ولا مباهاة، ولا حتى اتهاما القول بأن النظام السوري يتصرف منذ ثلاث سنوات على قاعدة ان ما نشأ على حدوده هو نظام لبناني يتراوح اتهام سياسييه بين الخائن والمعادي. وانه كلما ازدادت الاتهامات عليه، الدولية والعربية، باغتيال من اغتيل منذ الشهيد الرئيس رفيق الحريري حتى آخر المغتالين، كلما زادته هذه الاتهامات حدّة وشراسة في معاملة النظام اللبناني، بشيبه وشبّانه، فتزداد المواجهة حدة ولا يعود هناك مكان لكلمة عاقلة أو لموقف هادئ أو لدعوة لقاء بين البلدين. فالنظام السوري يعتبر نفسه في موضع المواجهة مع العدو الأميركي على الساحة اللبنانية ولا تراجع إلا باستسلامه، يدعمه في ذلك حلفاء لبنانيون، لا يرون في سياسته غير الصواب ولا يرون في الممانعة إلا العقل والثواب.
يذهب هؤلاء الحلفاء في اندفاعهم مع مشروعهم الى حد وضع الآخرين من اللبنانيين بين وصفين: أولهما التجاهل لأحاسيسهم وثانيهما دائرة الخيانة حول صورهم. غير ذلك من الأوصاف تكون مؤقتة وتدخل في عداد كسب الوقت، لرؤية المشروع في المحاور الاخرى يتقدّم.
لا يرتبك هؤلاء في إهانة عقول الآخرين حتى الجمهور البريء منهم. وإلا فكيف لرئيس معزول حتى من أهله أن يصبح رمزا لقضية شريفة.
الجواب في الاستحقاق الرئاسي. فإما بنظام كامل يتعهد القضية وأهلها وممانعتها ودولها وسلاحها، وإما فلا ضرورة للرئاسة ولا لزوم للاستقرار، وليذهب المواطن البريء من الاصطفاف والمظلوم من الخصومات الى جهنم الحكومة غير الشرعية وغير الدستورية .
ما همّ الانتصار لو دفن في أرضه ما دامت تضم هذ الارض شهداءها؟
يحمون الانتصار وذكرى الشهداء بمزيد من الاشتباك دون سند من الوطن. هذا هو الحل ومن لم يقتنع فليجرّب.
يقابل هؤلاء جمهور عريض من اللبنانيين ومجموع من القادة انغمسوا في انتصاراتهم الدولية حتى لم يعد هناك من مجال لنشوة. بل مزيد من الرغبات بالتدويل الفاقع دون حساب واقعي وعملي لحقائق لبنانية لا يمكن ولا يجوز تجاوزها. فتحت حقيقة الحاجة الى الشرعية الدولية يقوى الانتصار لهذه الشرعية الاحادية باعتبار ان مشروع نجاحها لن يتحقق إلا في لبنان.
حققت هذه القيادة انتصارا فعليا في وضع المحكمة الدولية على خط الإنشاء والتكوين في قضية الاغتيالات السياسية التي بدأت بالرئيس الحريري والتي لم تنته بعد. فإذا بالشبق الى مزيد من التورط الدولي في لبنان يأخذها بعيداً عن وقائع وحقائق سياسية وجغرافية ويجعلها تستدرج الدولي الى مزيد من القضايا التي لا حل لها إلا بالحروب الكبرى والاقليمية، بعد أن تأكد أن الداخلي منها لا يكفي.
لم تأخذ هذه القيادة في الاعتبار ما تعرفه عن تاريخ لبنان. ولا حاولت الالتفاف ولا التأجيل ولا حتى التدرّج في الرغبة وفي تحقيقها. بل ذهبوا فرادى وجماعات الى الحد الأقصى من الولاء لسياسات لم تنجح في مكان، فلماذا اذاً تنجح في لبنان؟
***
يقول جون بولتون الممثل السياسي للادارة الاميركية في الامم المتحدة وحامل أختام مجلس الأمن الدولي طيلة فترة ولايته بما في ذلك إقرار المحكمة الدولية الخاصة بالاغتيالات السياسية في لبنان.
يقول ان الإدارة الأميركية لم تكن فقط تسير في الاتجاه الخاطئ، بل هي مصممة على مواصلة السير في الاتجاه الخاطئ، بغض النظر عما يحدث .
لا تسمع مثل هذا الكلام من أي سياسي لبناني ينتمي الى معسكر العاملين من أجل سيادة لبنان واستقلاله، بل تغاضيا تاما عن الارتكابات الاميركية في المنطقة العربية وتجاهلا أكبر للهجوم الاسرائيلي على هذا الشعب أو ذاك من الشعوب العربية، وقضما للأراضي الفلسطينية، وقتلا للقرار الفلسطيني القادر والفعّال وصاحب الحق والأرض.
لا تسمع ذلك وحتى لو من باب المزايدة، إلا في بيانات معدودة بأسطر قليلة صادرة عن رئيس الحكومة.
كلفت هذه القيادات نفسها، بما لا طاقة لها به. مثلها كمثل قادة الممانعة: أي فرض صورة النزاع العربي الاسرائيلي على صورتهم ومثالهم سلما أو حربا.
لم يحدث في المجتمعات العربية، حتى التي سادت نُظُمها سياسات السلم النهائي مع اسرائيل، أن تباهى ساستها بانتمائهم الى السياسة الغربية. ولا تمادى أحد منهم في الاقامة سياسيا في العاصمة الاميركية أو غيرها من العواصم الغربية. لم يحدث أن فعل أحد منهم ذلك كما فعل الساسة اللبنانيون تحت شعار الانتصار لقضيتهم، أو تحقيقا لسياستهم. لا يحدث ذلك إلا في لبنان حيث الإلزام لجمهور بسياسة ايرانية ولجمهور آخر بالسياسة الاميركية.
ولم يحدث ايضا ان يكون وجود قوات الطوارئ الدولية على الحدود اللبنانية الاسرائيلية رهائن لجهة وانتصارا لجهة اخرى. لم ينظر اليها أحد من الساسة المقررين في لبنان على انها علامة استقرار ورمز هدوء والتزام دولي فاعل بتفهم الحاجات السياسية للمجتمع اللبناني.
التدرّج في تحقيق الحاجات ليس على جدول أعمال قيادة السيادة والاستقلال . الهدوء والاحتواء ليس من سلوك هذه القيادة. كلما سال دم طاهر ونقي شهيدا على الارض استدعوا أسبابا لشهيد جديد. لا الجغرافيا تواسيهم ولا التاريخ يذكّرهم. يعتقدون بالمواجهة المستمرة وليس في حماية ما تحقّق. لذلك تساووا في معاملتهم لجمهورهم، بظلم الممانعين لسياستهم.
تسري هذه الاوصاف على القادة المقررين في السياسة اللبنانية إلا ثلاثة منهم:
الأول لأنه اختار الاستثناء مجتهدا يدور حول الحقيقة فيجانبها كي لا تصيبه بفضائلها فكيف بسيئاتها.
الثاني اختار موقع القرار الوطني ملتزما ما بنفسه من توق لثأر وطني لاغتيال والده بإجراء استحقاق رئاسي يكون منبرا للحوار حول مواضيع الخلاف سواء تغيرت موازين القوى في المنطقة أم لم تتغير.
الثالث أعطي مجد لبنان، فوجد أمامه هيكلا سياسيا لطائفته تدمره أحلام العودة الى الوراء ومجافاة الوقائع المستجدة على المجتمع اللبناني. فلم يجد بدا من الإقدام والتراجع مرارا وتكرارا تحت شعار الرعاية لجميع المؤمنين، حتى صار التردد وصفا لحركته عن حق أو عن باطل.
***
لا يمكن اعتبار الرئيس نبيه بري الذي صار في جعبته ثلاثون سنة من العمل السياسي المحترف. لا يمكن اعتباره خارج المشروع السوري للبنان ومساوئه وضروراته. لكن لبري قراءة خاصة للحوار بين اللبنانيين وللعلاقات اللبنانية السورية. فهو يرى في سياسته الاحتوائية لمختلف الاطراف في لبنان قدرة على تجاوز، أو على الاقل التخفيف من حجم أضرار الصراع الدائر بين النظامين في دمشق وبيروت، وامتداداتهما.
لذلك فهو يغامر بما يتجاوز السياسة السورية التي لا ترى في لبنان إلا ساحة مواجهة لا شيئا آخر. وهو يتجاهل سياسة حلفائه المعلنة، كما يفعل مع توتر صداقاته في قيادات السيادة والاستقلال، حين يبدأ كلامه وينهيه بالإصرار على الحوار باعتباره سبيلا وحيدا للتفاهم ولو على جرد الخسائر.
يقبع الرئيس بري أسيرا في مقر رئاسته الثانية منذ أشهر، فيفسّر الجنون السياسي بأنه سقف للحوار ويتعامل مع المبادرات الدولية على أنها طاولة حوار لا سبيل للنجاة.
له في ذلك أهداف: أهمها وهو ما لا يعلنه أن التنوّع في سبل المعالجة السياسية يحفظ للمقاومة حقها في الوجود: أكثر مما تحفظها سياسة الصد مرة بالمواجهة الكلامية واخرى بتوزيع السلاح على مناصرين في طوائف اخرى ومناطق متنوعة.
وثانيها انه بأسلوبه يحفظ لطائفته الشيعية خط الرجعة الى مفهوم موحّد للوطن اللبناني فلا يذهب الجميع بجريرة سياسة أحادية التوجه والجانب.
ثالث هذه الأهداف أنه يحفظ في حركته حيزا وجوديا لعروبة السياسة السورية ولو بدت أنها لا تهتم لهذا الحيز في هذه الايام. ويعمل على ان يكون شاهدا على عودة العلاقات اللبنانية السورية الى ما يجب أن تكون عليه من علاقات طبيعية وودية بين بلدين جارين يحملان الهوية العربية نفسها. خاصة أن هذه العلاقات أصبحت رمزا لعلاقات عربية سورية طبيعية.
رابعها انه أصبح خبيرا في الحياة داخل الصيغة اللبنانية ويعرف مداخلها ومخارجها والإمساك بكتف التنمية فيها. لذلك فهو لا يرى أن هناك خيرا ولا استقرارا للبنانيين خارج هذه الصيغة. في الوقت الذي يعرض عليهم أقل ما يقال فيها انها غريبة عن طباعهم ولا تحقق شيئا من مزايا حياتهم ولا رغدها.
هذا مع العلم بأن الرئيس بري يبدو هذه الأيام كأنه حارس مرمى المعارضة، يحفظ مرماه من خصومه وينبّه لاعبي فريقه الى مسار الكرة، فإذا بهم يصوّبونها إلى مرماه.
هل هذا بكثير على الرئيس بري؟
استشعر بري مبكرا ومعنى مجيء الرئيس ساركوزي الى الحكم في فرنسا وصار ينتظر السياسة الفرنسية ويتابع أخبارها. حين وصلت اليه الأنباء المتداولة عن الحوار الذي جرى في دمشق بين موفدي الرئيس الفرنسي والرئيس السوري بشّار الاسد. شعر بري ان ما هو قادم يستوجب اليقظة والحذر، لا الاستنفار والهجوم.
ما حدث في دمشق هو ان المبعوثين الفرنسيين اللذين يتمتعان بثقة الرئيس ساركوزي شخصيا حملا الى الرئيس الاسد رسالة كان يفترض أن يحملها وزير خارجيته وليد المعلم من اسطمبول حيث عقد مؤتمر وزراء خارجية الدول المجاورة للعراق. لكن الحضور من وزراء خارجية عرب ودوليين ارتأوا ان المعلّم لن يستعمل العبارات نفسها لو سمعها الى رئيسه في دمشق بحسب مصادر تركية مطلعة.
جاء في الرسالة الاوروبية التي يحملها الفرنسيون المدعومة من الرباعي العربي أي مصر والسعودية والاردن والامارات العربية والموافق عليها أميركيا والتي تتضمن انفتاحاً روسياً. جاء في الرسالة ان المجتمع الدولي ينتظر من سوريا المساعدة على إجراء الاستحقاق الرئاسي في لبنان باعتباره جزءا من الاستقرار الذي يريده المجتمع الدولي للبنان. مقابل ذلك تتعهد فرنسا بانفتاح كامل من طرف اسبانيا والمانيا وايطاليا على سوريا، والعمل على فك العزلة العربية ايضا.
وحين سأل الرئيس الاسد ما اذا كانت الادارة الاميركية موافقة على هذه المبادرة أجاب المبعوث الفرنسي بأن الرئيس ساركوزي سيعمل على خط العلاقات الاميركية السورية في مرحلة لاحقة لو تولت سوريا مع حلفائها تشجيع لبنان على إنجاز الانتخابات الرئاسية ووقف سياسات النزاع المسلحة داخل المجتمع اللبناني، عندها قال الرئيس السوري انه لا يجد في المعلن من السياسة الاميركية ما يشجع على هذا المفهوم فأجابه المبعوث الفرنسي ان ما يصدر عن واشنطن كلام سياسي ليس له ترجمة فعلية حتى الآن.
ما تسرّب عن الاجتماع يقول انه ما لم تتجاوب القيادة السورية مع هذه المبادرة فإن الرئيس ساركوزي سيتولى شخصيا إحكام الطوق الدولي حول القوى المعادية للاستقرار في لبنان.
تجاوب الرئيس السوري مبدئيا مع المسعى الفرنسي ورفض الدخول في مناقشة الاسماء. لكنه أشار الى انه اذا كان الهدف تحسين العلاقات بين لبنان وسوريا فلا مانع لاحقا من الاشارة الى اسم من اللائحة المقترحة نجده عنصرا مساعدا في العلاقات اللبنانية السورية.
حين وصل الوفد الفرنسي الى بيروت برئاسة الامين العام لرئاسة الجمهورية كان مقررا ان يمضي أياما في زيارات مكوكية الى المسؤولين، وان يبقى مساعدوه في بيروت بعد سفره. لكنه حين التقى من التقاهم وجد ان الآلية المقترحة لعمله تأخذه الى وادي قنوبين المقر الاول للبطاركة الموارنة حيث يحتاج الى سنوات من الدرس لخريطتها من أجل معرفة مداخلها ومخارجها على حد وصف الوزير السابق فارس بويز. فارتأى المبعوث الفرنسي ان الرئيس السوري لم يف بتعهده مع حلفائه. لكن الحقيقة انه وصل للرئيس بري بالتواتر اسم مرشح للرئاسة نقلا عن أوصاف أطلقها عليه البطريرك صفير بينما أطلق على غيره من المرشحين أوصافا لا تشجع على اختيارهم. الاسم نفسه وصل الى السفير السعودي الذي يستمع أكثر مما يتكلم هذه الأيام، ووليد جنبلاط الرافض غير المتمرد على التسوية. وجد برّي أن المرشح البطريركي لا يدخل في دائرة الوفاق اللبناني ولا اللبناني السوري، فأصدر بيانا مشتركا مع سعد الحريري تحدد فيه آلية جديدة للتسمية تحتم ضرورة التشاور بين القيادات المسيحية والبطريرك صفير على مجموعة مرشحين يختار منهم الحريري وبري مرشحا أو أكثر للرئاسة.
رد البطريرك صفير بطلب ضمانات لانعقاد جلسة انتخاب من الرئيس بري في حال تمت التسمية من الجانب المسيحي.
***
بصرف النظر عن مدى صوابية توقيع الحريري مع بري على البيان المشترك حول الآلية المفتعلة، فإن النائب الحريري اختار مسار المغامرة للوصول بالانتخابات الرئاسية الى مرساها الطبيعي.
اعتمد الحريري في سياسته هذه على قواعد عدة أولها ان المحرّك الدولي الحقيقي للمحكمة الدولية هو الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك وانه لم يعد موجودا في الاليزيه. ومهما قيل عن الرئيس الجديد فإن رغبته في التسوية أقوى منها في المواجهة. وبالتالي لا بد من اعتماد سياسة المحافظة على ما أنجزه والقوى المتحالفة معه حتى الآن. واعتبار محطة الانتخابات الرئاسية ممرا للحوار حول باقي مواضيع الخلاف. واذا كان من يرفض هذا المفهوم فليكن غيره وليس هو.
القاعدة الثانية ان السعودية التي ترعى الحريري سياسيا تريد له أن يظهر صورته المحاورة والبنّاءة توصلا الى تحقيق تقدم سياسي جدي في موقعه ومسؤلياته. وهذا يفترض الانفتاح على الطوائف اللبنانية الاخرى، ولا بد من التأكيد ان هذه السياسة قد حققت هدفها في الاشهر الاخيرة.
القاعدة الثالثة ان النظام السوري لا يريد لهذه الانتخابات أن تحصل، وبالتالي فإن المواجهة لا تكون بالسلاح نفسه، بل بالاصرار على إجراء الانتخابات.
القاعدة الرابعة ان الحريري في هذه السياسة يتجاوب مع جمهوره الحريص على صيانة الهدنة التي يعيشها لبنان في انتظار تطورات المنطقة.
القاعدة الخامسة والأهم ان الثأر لاغتيال والده يكون بالنجاح في تحقيق منجزات وحمايتها مقابل أقل قدر ممكن من الخسائر. وهو ما يحققه الحريري هذه الايام باعتراف خصومه قبل حلفائه.
لذلك اندفع الحريري مرة اخرى بالامس نحو التأكيد على الطلب الى البطريرك صفير ان يرعى التسمية اذا لم يكن باستطاعته فعل ذلك وحده.
***
لا يختار سيد بكركي من يقابل كل يوم بقدر ما يحتار لمن يسمع. وهو مشهور بقدرته على الاستماع دون أن تظهر على وجهه آثار الكلمات.
يعلم البطريرك صفير حجم الإصرار الدولي على إجراء الانتخابات الرئاسية والمراهنة على دوره الاساسي فيها. ويعلم ايضا أن عيون الكاثوليكية العالمية تشخص الى قدرته على تمرير هذا الاستحقاق بأكبر قدر ممكن من الحنكة والخبرة. وهو أكثر من يقدر على معرفة مدى ارتباط الوجود المسيحي المتناقص في الشرق برمزية انتخاب الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي. وقد سمع من البابا بنديكتوس السادس عشر مدى رمزية لبنان بالنسبة له حتى انه يساويه بالقدس للمسيحيين، وهو يعلم أيضا ان الوجود المسيحي في الشرق هو علامة استقرار، لا عنوان تحدٍّ.
لكنه لن يقدم على ما يزيد تهالك الجسم المسيحي أمام عينيه. لا بد انه عبّر عن مخاوفه المتزايدة أمام الموفد الفرنسي وسمع منه ما يشجعّه على إكمال مغامرته. اذ انها الخيار الوحيد المتاح أمامه.
لن يكون صعبا على العماد عون أن يكون الناخب الاول. ولا على الدكتور سمير جعجع أن يلتزم حجمه الانتخابي وأن يتعهد الوزير السابق سليمان فرنجية من يسميه عون وأن يتنازل أمين الجميل عن شخصه لصالح من استشهد ولده لأجلهم. ولن يكون مستحيلا على البطريرك شرح مخاطر الفراغ الرئاسي أمام أبناء رعيته ولو كانوا من المرشحين.
من استطاع بصموده أن يبقى على قناعانه السياسية لن يتخلى عن دوره المصيري في اللحظة الاخيرة.
***
هل هذا يعني أن الانتخابات الرئاسية ستجري في موعدها الدستوري؟
ما دام هناك مغامرون فلا بد من التفاؤل. مع أن كل الوقائع السورية الاميركية تؤكد عكس ذلك.