المغامرة…

مقالات 14 يناير 2008 0

ما الذي سيجعل الرئيس السوري بشار الاسد يقبل من دول الجامعة العربية مجتمعة، ما تمهّل فيه او تردّد او رفض التسرّع في ايجاد حل للأزمة الرئاسية اللبنانية بعد تدخّل من العاهل الاردني عبد الله بن الحسين والصديق لسوريا رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان ورئيس وزراء ايطاليا رومانو برودي الداعي منذ البدايات الى تفهّم الموقف السوري، ومعه الموقف الاسباني الذي يعبّر عنه الزائر الدائم لدمشق وزير الخارجية ميغيل انخيل موراتينوس، وأخيرا الرئيس الفرنسي الجديد نيكولا ساركوزي الذي وعد بفتح ابواب الجنة اذا ما استجاب الرئيس الأسد لمساعيه في لبنان؟
تقول مصادر هي في العادة جدية، إنه في الخامس من كانون الاول الماضي دعا الرئيس السوري الى اجتماع لما يمكن تسميته بلجنة لبنان، حضره نائبه فاروق الشرع ووزير الخارجية وليد المعلّم ونائب الوزير في نيابة الرئاسة اللواء محمد ناصيف ورؤساء الاجهزة الامنية.
هدف الاجتماع هو الاستماع الى وجهة نظر المجموعة في الشأن اللبناني. بدأ نائب الرئيس الشرع الحديث بالقول ان موقف سوريا وحلفائها في لبنان يتقدّم (قال ذلك علنا في ما بعد)، وإنه ما على سوريا الا الصمود لتحقيق اهدافها السياسية ولو اقتضى ذلك القيام بتنازلات شكلية نتيجة للضغوط العربية والدولية شرط ان لا تؤدي هذه الشكليات الى تنازلات واقعية.
تحدث الوزير المعلّم عن الجمود الذي يصيب العلاقات الاميركية السورية والذي يبدو ان الادارة الحالية تريد الحفاظ عليه حتى اليوم الاخير من ولاية الرئيس بوش.
أما نائب الوزير اللواء ناصيف فقد استعرض الوضع على الساحة اللبنانية، وجاء على سيرة الرسائل التي بعث بها مختلف الاطراف، ومنهم الرئيس نبيه بري بعد ان ظهرت عليه أعراض الرغبة في التجاوب مع مساعي وزير الخارجية الفرنسي كوشنير الذي كان يزور بيروت في ذلك الحين ويجتمع مع سعد الحريري في مقر الرئاسة الثانية عند الرئيس برّي، مع العلم بأن الرئيس بري نفى حصول مثل هذا الاتفاق، وتبعه المعلم بإعلان نصوص للاتفاق مخالفة لما جاء على لسان الاكثرية.
حين جاء دور رؤساء الاجهزة الامنية، تحدّث اللواء علي مملوك رئيس المخابرات العامة عن زيارة قام بها مؤخرا الى السعودية لحضور مؤتمر امني، وقال انه على الرغم من مظاهر الحفاوة فإن اي مباحثات سياسية لم تجر مع المسؤولين السعوديين. وأعرب عن اعتقاده أن انقساما في الرأي بين الامير سعود الفيصل وزير الخارجية من جهة، والامير بندر بن سلطان الأمين العام لهيئة الامن القومي من جهة اخرى بشأن العلاقات مع سوريا، حال دون البحث العميق بينه وبين من قابلهم من المسؤولين السعوديين.
أنهى الرئيس الاسد الاجتماع بالقول: ان هناك دولتين في العالم منقطعتان عن الحوار معنا هما السعودية والولايات المتحدة الامريكية، بينما تنفتح تدريجيا بقية الدول علينا من دون استثناء. لن يغيّر هذا الانقطاع من ثوابتنا. سأبلغكم قراري في وقت لاحق.
قد يكون ما سبق دقيقا، وقد لا يكون. انما المؤكد، بحسب المتابعين في دمشق، انه منذ سنة وحتى الآن حدّد الرئيس الأسد لمعاونيه في الاجهزة الامنية صلاحيات متخصصة، منع عليهم تجاوزها. وقرر ان قراءة تقاريرهم تكفي دون مناقشتهم كما فعل في السنوات الست الاولى منذ تسلّمه السلطة في العام .2000
اما المدنيون الذين يعرفون مهامهم اصلا ولا يتجاوزونها فهم على صلة مباشرة به كلما استوجب الامر.
لم تكن هي المرة الاولى التي يناقش فيها الرئيس الاسد المسألة اللبنانية في الشهرين الاخيرين. فقد شهدت العاصمة السورية زوارا من مختلف الجنسيات يريدون معرفة الموقف النهائي والفعلي للرئيس السوري حول تطورات الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
***
هذا في الشكل. اما في المضمون فإن نقاشا عميقا وجديا يدور في مختلف دوائر القرار الغربية والعربية حول وسائل الفصل وامكان تطبيقها في العلاقات السورية الايرانية، واستعادة سوريا الى الحضن العربي التقليدي، بعيدا عن الممانعة وآثارها على المنطقة العربية.
أعمق هذه النقاشات وأكثرها توسعا، جرى مع العاهل الاردني عبد الله بن الحسين. ونقلت مصادر دبلوماسية غربية عن الرئيس الاسد قوله انه عمل منذ تسلّمه السلطة على الانفتاح على الغرب والتعامل مع اوروبا والادارة الاميركية بكل ايجابية. وأصرّ على اتباع سياسة الرغبة في السلام مع اسرائيل التي اتبّعها والده من قبل، الى ان حدث احتلال الجيش الاميركي للعراق واسقاط النظام هناك. فإذا بالادارة الاميركية تضع لائحة من الطلبات عليه تنفيذها، من دون الاخذ في الاعتبار المصالح الوطنية لسوريا، او حتى ذكر الاراضي السورية المحتلة.
تعاونّا معهم، باعترافهم، في القضاء على تنظيم القاعدة ، فإذا بهم يريدون انهاء حماس و حزب الله . ليس هناك من حماس في دمشق تنظيميا غير خالد مشعل، من يُرِده فليأخذه لعنده. انما هو جاء الينا نتيجة رفض الآخرين استضافته. ماذا قدّموا لنا في المقابل؟ لا شيء. لقد استوعبنا مليون ونصف مليون نازح من العراق ولم نتلق اي مساعدات من اي جهة. انا لا استطيع ان أتخلى عن الجولان ليس بسبب مزيد من الارض ولا المياه كما يقال، بل لأن المشروعية الوطنية للنظام تأتي من تحرير الجولان. لقد وافقت على المبادرة العربية للسلام في بيروت في العام ,2002 ثم كرّرت الموافقة في قمة الرياض. ماذا قدّمت اسرائيل بالمقابل؟ اترك الجواب لك. لا اقبل أن يناقش أحد في حزب الله . هل تقبل ان يناقشك احد في الجيش العربي الاردني. حزب الله هو الجيش الموازي للجيش العربي السوري، وقد أثبت في كل المراحل قدرته على التصدي للجيش الاسرائيلي.
يتحدّثون عن تحالفي مع ايران. نعم هذا تحالف استراتيجي في تقديرنا. ايران تقدّم لسوريا، حتى من دون ان أزورها، مساعدات عسكرية وعينية ومادية تناهز الخمسة مليارات دولار سنويا. شجعت ايران زيارة رسمية لرئيس دولة الامارات العربية المتحدة الى سوريا فقام بها رغم كل الضغوط. طلبوا من مستثمرين خليجيين في دبي ان يستثمروا في سوريا فلبّوا.
ماذا قدّموا هم بالمقابل؟
تحالفنا مع ايران لا يقوم على قاعدة المذهبية كما يدعّون. لقد أقفلت سبع حسينيات في الساحل السوري بعد وفاة عمي الأكبر جميل الذي اشرف على انشائها. التحالف مع ايران سياسي مقابل الفراغ في المقابل العربي.
لقد ذهبت الى السعودية ومصر. فماذا كانت النتيجة؟ حدّثني الرئيس ساركوزي عن لبنان ونفّذت ما اتفقنا عليه مع مساعديه. يخرج الرئيس لحّود ولا تؤلف حكومة ثانية ويبقى السنيورة على رأس الحكومة من دون اجراء انتخابات بنصاب النصف زائدا واحدا. صار المطلوب حل الأزمة اللبنانية خلال أيام بعد ثلاث سنوات من الصراع السياسي.
ماذا حدث بالمقابل؟ أصوات جماعتهم لا تنقطع عن شتم سوريا. فماذا تريدني ان افعل اكثر من ذلك؟ نحن نريد لهذه المحكمة الدولية ان تنهي عملها بدلا من استعمالها كل الوقت سيفا على رقابنا. انما هل هي محكمة جنائية ام محاكمة سياسية للنظام السوري؟
لا حاجة الى الانقلابات ولا الى سفك الدماء في سوريا. نحن مجموعة صغيرة نغادر سوريا من دون ضجة. من سيأتي بعدنا. هم يعلمون اننا دفعنا دما كثيرا لمنع التطرّف من الانتشار في بلدنا. هل يريدون ان يجرّبوه، ام انهم يعرفون من التطرف ما يكفي لرفضه؟
لن أتراجع عن سياستي مهما كانت الضغوط. لا بد من تحرير الجولان وتسوية الاوضاع الاقتصادية السورية. هذا لا يعني انني منغلق على الحوار. انا حاضر للذهاب الى السعودية معك او بمفردي، انما وفق جدول الاعمال الذي سمعته مني .
***
لم يجد العاهل الاردني الكثير ليقوله، فهو مقتنع على الاقل بالجانب الاقتصادي من الموضوع. ويعتقد انه على بعض دول النفط ان تتولى أمر الحاجة الاردنية والمصرية والسورية خاصة بعد وصول المداخيل النفطية الى ارقام فلكية. واكتفى عبد الله بن الحسين بما حصل عليه في البيان المشترك وهو دعم السلطة الوطنية الفلسطينية وتجاهل القرارات الدولية بشأن لبنان وعودة العلاقات الى طبيعتها الايجابية بين البلدين.
بالطبع، لا يُفترض ان يكون العاهل الاردني قد نقل الحاد من الكلام الى السعودية في زيارته اللاحقة. لكنه سمع عتبا على موقفه من لبنان فعاد ليتصل بالرئيس فؤاد السينورة داعما حكومته. ولم تتم زيارة الرئيس السوري الى الرياض لا ثنائيا مع العاهل الاردني ولا منفردا.
كل ما في الامر ان اجتماع مصارحة عُقد في منزل الامين العام لجامعة الدول العربية في القاهرة بين وزيري خارجيتي السعودية وسوريا وانضم اليهم لاحقا رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري القادم من دمشق حيث التقى الرئيس الأسد. وتم الاتفاق بموافقة الجانب السوري على بيان للجامعة من ثلاثة بنود يحتاج كل بند فيها الى اتفاق بمفرده. فالرئاسة للعماد سليمان مع أو بدون تعديل دستوري، وإذا كان هناك تعديل فهل يتم عبر الحكومة أم مباشرة في مجلس النواب؟ والحكومة لا استئثار فيها للاكثرية ولا تعطيل للاقلية، بينما عدد وزراء الرئيس مفتوح للاجتهاد الحاد؟ وقانون انتخابات نيابية يبدأ بالقضاء وينتهي بالنقاش بالقضاء على من؟
هل في ما سبق اجابة عن سؤال الايجابية السورية؟
لا شك في ان هناك نقاشا جديا دائرا في اوساط القرار في دمشق لم يصل الى نتيجة نهائية حتى الآن، في الوقت الذي كشفت فيه دوائر البيت الابيض الاميركي عن بند على جدول اعمال زيارة الرئيس بوش الى اسرائيل يطالب بوقف المفاوضات السورية الاسرائيلية المباشرة، تخوفا من دوائر البيت الابيض ان تؤدي الى مبادلة الجولان بنفوذ سياسي لسوريا في لبنان.
لا شك في أن في هذا الوصف للمفاوضات مبالغة. فلا ابراهيم سليمان رجل الاعمال من اصل سوري الذي افتتح موسم الاتصالات اتى على ذكر هذه النقطة، ولا الحكومة التركية التي تابعت ملف الاتصالات بين الطرفين الاسرائيلي والسوري يمكن ان تشجّع على مثل هذه المقايضة، ولا رشح عن لقاء الاكاديميين الاسرائيليين والسوريين الذي عقد في اوروبا في الاسبوع الماضي، مثل هذا البند.
يقول ديفيد ماكوفسكي الباحث في مركز واشنطن لدراسات الشرق الادنى، ان الادارة الاميركية ترى في لبنان قصة نجاح لا تسمح بإسقاطها. واعتبر ماكوفسكي حديث الرئيس الاميركي عن فقدان صبره من الرئيس الاسد أطول ملاحظة رئاسية أميركية عن الجهود السورية لزعزعة الاستقرار في لبنان.
ما لم يقله ماكوفسكي ان المشروع الاميركي في لبنان قائم على تغليب طرف على طرف آخر، ما يؤدي في نهاية المطاف الى تجريد حزب الله من فعالية سلاحه ومحاصرة دمشق وإضعاف الدور الايراني في لبنان.
كل هذا لم يتحقق، ليس بسبب عناصر قوة حلفاء سوريا بل لأن قيادة الاكثرية، وأولها سعد الحريري، لم تتبنّ هذا المشروع ولم تسع الى تنفيذه. بل بالعكس، اعتبرت سلاح المقاومة شأنا داخليا لبنانيا وسمّت مرشّحا لرئاسة الجمهورية أقرب الى المعارضة منه الى الاكثرية. فهل يؤدي هذا الى اكمال السياسة السورية التي بدأت في القاهرة؟
***
ثلاثة كتّاب متابعين للسياسة السورية، اثنان منهم اميركيان والثالث سوري، يصفون سياسة الرئيس الأسد بالمغامرة ويسمّونه بالمغامر.
دانيال بايمان، الباحث في مؤسسة بروكنغز، يقول عن الرئيس الأسد انه مغامر على عكس والده الحذر. وقف الأسد الاب في وجه ارسال الجيش السوري الى الاردن في العام 70 ضد الفلسطينيين. لم يتحرك في وجه تقدّم شقيقه رغم كل التحذيرات المبكرة من مساعديه له، حتى اللحظة الاخيرة في العام .84 وقف الى جانب الولايات المتحدة في عملية تحرير الكويت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، وفاوض الاسرائيليين برعاية اميركية حتى وصل النقاش الى امتار على الحدود.
أما الرئيس الحالي فهو يرمي بنرده في العراق ولبنان واسرائيل، وحتى داخل سوريا، على حد تعبير بايمان، مع اعترافه بأن سوريا قوية كفاية كي تخرب لكنها اضعف من ان تُشفي.
دايفيد ليش، الاستاذ الجامعي الاميركي الذي ثابر على لقاء الرئيس الاسد منذ العام 2005 لتأليف كتاب عن سوريا، كتب دراسة ل سنتشوري فاوندايشن عن الفرص الضائعة في العلاقات الأميركية السورية، استهلها بما نقل عن وزير الخارجية الاميركي الاسبق هنري كيسنجر، من انه لا حرب من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا .
يقول ليش ان سوريا بحاجة الى اعادة هيكلة اقتصادها وانشاء نظام محاسبة فعال في ادارتها، لكنه أبلغ الرئيس الاسد ان اسوأ ما حصل معه حين اصبح رئيسا، تعامل معه الاعلام الغربي باعتباره محبا لموسيقى فيل كولينز، فتوصلت الدوائر الغربية الى استنتاجات غير دقيقة لسياسته. لكن ليش يأخذ على الرئيس الاسد ومعاونيه عدم متابعتهم بدقة للسياسة الاميركية بعد احداث ايلول في نيويورك، إذ استمروا بالتعامل على اسس قديمة للعبة الدولية.
عدّد ليش في دراسته المواجهات الاميركية السورية وصولا الى اغتيال الرئيس الحريري في بيروت، ليستنتج ان الاسد صار مجرّبا وخبيرا وقادرا على الاستمرار في السلطة… ففي حين خسر بيروت، ربح دمشق على حد قول جوشوا ليندز الخبير في الشؤون الدولية. فبعد ما حدث في العراق، لم يعد من السهل اقناع الجمهور العربي بأن الاحتلال الاميركي يهدف الى نشر الديموقراطية في العالم العربي.
اما عن العلاقات السورية الايرانية، فقد نقل ليش عن الاسد قوله انه عندما يكون لديك القليل من الاصدقاء لا تعود تفاضل بينهم. وهو قد أضاف: انا صديق من يعمل أكثر للمصالح السورية. هناك مصالح، لا عقائد. ولو عملت السياسة الاميركية وفق مصالحي فسأصبح صديقا لها. لا يهمني لقاء رايس بالمعلّم. ما لم يعد السفير الاميركي الى دمشق فليس هناك من تقدم في العلاقات مع واشنطن. أنا اعتقد ان مسائل مثل العراق ولبنان لا تحل إلا في مؤتمر اقليمي موسع ترعاه الولايات المتحدة، يبحث جانبيا في النزاع الفلسطيني الاسرائيلي.
? الدكتور برهان غليون، الاستاذ في جامعة السوربون الفرنسية، يستشهد بكلام لوزير الاعلام السوري السابق مهدي دخل الله حين ذكر ان محاوريه الروس قالوا ان هناك معجزة سورية. فدمشق تطبق سياسة دولة عظمى بالرغم من حجمها ومواردها المحدودة وهو ما لا تقدر عليه روسيا نفسها. وليس هناك شك في ان شعورا استثنائيا بالقوة والعظمة ومقارعة الدول الكبرى قد خامر جيل القيادة السورية الجديدة التي لم تعش حقبة السبعينيات والثمانينيات، ولا تعرف توازنات الوضع الذي سمح لدمشق بحسم النزاع على النفوذ في لبنان ضد الولايات المتحدة وفرنسا لصالحها. وهذا ما جعلها تشعر بأن هامش المبادرة الاستراتيجية الواسع الذي ورثته يضعها على الدرجة ذاتها من الصدقية الاستراتيجية، ويؤهلها لمشاركة الدول الكبرى. لكن، لن يطول الوقت قبل ان تدخل السياسة الامبراطورية وتدخل سوريا معها في مأزق عميق. فلا موارد البلاد كافية لمتابعة مثل هذه السياسة، ولا النفوذ الخارجي الكبير الذي تحقق في العقود الماضية قائم على قوة ذاتية حقيقية. ومع تغير الظروف اصبحت هذه السياسة اكثر فأكثر عبئا على اصحابها. وهكذا، بعد ان كانت الاوراق الاقليمية، اي ادوات الضغط والنفوذ والتحالفات الخارجية، وسائل لتحقيق اهداف قومية ووطنية عليا، تحولت هي نفسها الى هدف وغاية في ذاتها، وهذا ما يفسّر لماذا تتخذّ السياسة بشكل اكبر صورة المغامرة والمقامرة المستمرة، وتدفع سوريا الى التورط في مزيد من النزاعات مع اشقائها واصدقائها، بينما لا تتوقع المخرج الا في السلام الموهوم مع اعدائها.
***
يقول ديفيد ليش انه قابل الرئيس الاسد خلال حرب تموز في العام 2006 وسمع منه انه قد يصبح بطلا لو استطاع تحرير الاراضي المحتلة في العام ,1967 موحيا بأن استرداد مرتفعات الجولان يستأهل التخلي مسبقا عن بعض الفكّة، مثل النفوذ السوري عند حماس و حزب الله .
بصرف النظر عن عدم واقعية التوصيف الوارد للكتّاب الثلاثة عن مقدرة السياسة الاميركية ونجاحاتها في الشرق الاوسط، فإن لبنان في الحد الادنى للتقويم لم يعد ورقة مقايضة في العلاقات الدولية بل ساحة مغامرة، لا يتمنى احد ان يكون الرئيس السوري بطلها.
أليس في هذا التمني محاولة فهم السؤال الأول والدائم؟