المشنوق ينتقد “حزب الله” و”المخابرات”.. ولا يخاصمهما

قالـوا عنه 20 أكتوبر 2014 0

وزير الداخلية في “خطاب الأسئلة” بذكرى وسام الحسن:
تكاد تكون المرة الأولى التي يعتلي فيها وزير الداخلية نهاد المشنوق منبر “وضع النقاط على الحروف”، منذ أن وطئت قدماه “جنّة الصنائع”، في خطاب أتقن جيداً حفر مفرداته ورسائله “المدروسة والمتوازنة”.. والأهم أن المناسبة تعنيه ألا وهي الذكرى الثانية لاستشهاد اللواء وسام الحسن.
في البداية، حرر الرجل الرئيسين نبيه بري وتمام سلام من “الرسائل” لكونه يمثلهما في رعاية المناسبة وخطابها، خصوصاً أنه كان حريصاً على إنجاح الاحتفال الى حد قيامه شخصياً، بتوزيع الدعوات على المراجع السياسية الأساسية، لضمان أوسع تمثيل سياسي في المناسبة.
ومن دون أي تجريح، أصاب وزير الداخلية، في خطابه الصريح كلاً من “حزب الله” وجهاز مخابرات الجيش من دون أن يسمّيه. هو مجرد نداء “تصحيحي” للخطة الأمنية، سبق له أن ردّده كثيراً في مجالسه وفي لقاءاته الرسمية وفي أكثر من مناسبة مغلقة، خصوصاً مع قيادة الجيش ومديرية المخابرات ومع “حزب الله” ممثلاً بالحاج وفيق صفا وكذلك مع الرئيس نبيه بري ومع موفده الدائم الى وزارة الداخلية أحمد بعلبكي.
عملياً، اختزلت الخطة التي يعتبرها المشنوق “طفله المدلل” وأبرز إنجازاته، الخطاب الذي ألقاه أمام جمهوره. حاول أكثر من مرة حثّ المعنيين بها لتنفيذها بشكل “عادل ومتساوٍ”، بما يتيح للأجهزة العسكرية والأمنية أن تضرب بيد من حديد. عندها لا شيء يبرر متاجرة البعض بأن ثمة استهدافاً لطائفة بعينها!
اشتكى مرة واثنتين وثلاثاً، علّه يتمكن من تصويب المسار كي يستكمل مهمته الأمنية محمياً بدرع “الشمولية” التي لا تستثني أي فريق ولا تحميه، لكنه لم يوفّق. هكذا بدت عودة القوى الأمنية إلى الجمر الطرابلسي الملتهب تحت رماد هدنتها المؤقتة، ملتوية.
توارى شادي المولوي وأسامة منصور في ليلة لا ضوء فيها، في توليفة أبعدت السلطات الأمنية عن خط المواجهة. طبعاً حصل ذلك عن قصد. ليس فقط من باب تجنّب خضّة أمنية قد يجرّها التدخل المباشر للقوى العسكرية لتنفيذ مذكرات التوقيف في أزقة وزواريب “عاصفة الفقر”، وإنمّا نتيجة الشكوى المتراكمة من اختلال موازين الخطة الأمنية، وتحديداً لجهة انكفائها عن “مربع الموت” البقاعي، كما وصفه المشنوق في أكثر من مناسبة.
لقد حاول وزير الداخلية مراراً إقناع المؤسسة العسكرية بنظرية “تجرّع السم”، بمعنى تقاسم المهام والأدوار بين الأجهزة والمؤسسات العسكرية والأمنية، في مواجهة المجموعات الإرهابية، كي لا ترتد الأعباء على جهاز واحد ويصير في مرمى الاستهداف. ولكن يبدو أنّ هذا الكلام لم يلق الكثير من الآذان الصاغية، بدليل ما حصل في أكثر من محطة أمنية بدا فيها التنسيق مختلاً، إن لم يكن معطلاً عن سابق إصرار، والأمثلة كثيرة بحوزة وزير الداخلية.
ولهذا قادته الحماسة إلى القول جهاراً إنّ فريقه يرفض التحول إلى “صحوات لبنانية” تشمّر عن زنودها لمواجهة الإرهاب، وهي بالنتيجة من لوازم عدّة الاستنهاض الجماهيري التي لا يمكن تجاوزها. من دون أن يعني ذلك أنّ “تيار المستقبل” قرر الاستقالة من هذه المهمة، لكنه يحاول فقط الضغط على شركائه للانغماس جميعاً في هذه المواجهة، بدليل أنّ الرجل صفّق لـ”حزب الله” في المعركة التي قادها في جرود بريتال ضد المجموعات الإرهابية، طالما هي على الأرض اللبنانية وبالتالي يستحق ضحايا تلك المعركة من “حزب الله” لقب الشهداء، وليس خافياً على كثر في “المستقبل” أن المشنوق اعترض على من “احتفلوا” بواقعة هجوم “النصرة” و”داعش” على حدود البقاع الشرقي. وبهذا يحاول وزير الداخلية ترسيم حدود العلاقة مع الضاحية الجنوبية. فالقتال في سوريا شيء، لا بل “حرام”، أما القتال على الأرض اللبنانية فأمر آخر، وله حسابات مختلفة.
مأخذ المشنوق على الحزب أن 17 حادثة خطف سجلت في منطقة البقاع، وهم رفعوا الغطاء لكن تبين من خلال مجريات معركة جرود بريتال أن “حزب الله” موجود في الجرود التي تلجأ إليها العصابات و”الطفار” وبالتالي، يستطيع إذا أراد أن يقدّم التسهيلات (وأقله المعلومات) للمساعدة في ملاحقة المطلوبين.
أراد وزير الداخلية التركيز حصراً على نقاط الضعف في الخطة الأمنية في البقاع، وهو سبق له أن تحدث مع وفيق صفا في مسألة “الصحوات”، كما صارح مدير مخابرات الجيش العميد ادمون فاضل حول مآخذه على بعض تصرفات المخابرات.
يرفض وزير الداخلية أن يقرأ البعض خطاب الأونيسكو، من دون أن يقرأ قبله خطاب الكتائب قبل 24 ساعة، وقال مخاطباً قتلة شهيد الجيش جمال جان الهاشم “لا لحاكُم ولا صلاتكم ولا راياتكم ستحميكم من القصاص”، مؤكداً ما قاله سعد الحريري بأننا سنقاتل كل من يطلق الرصاص على الجيش.
في المقابل، فإنّ للمؤسسة العسكرية مقاربتها المختلفة، حيث يتردد على لسان المسؤولين فيها أنّ المطلوب من كل فريق أمني تحمّل مسؤوليته، بمعنى أن تكون قوى الأمن الداخلي شريكة بدورها في هذه المهمة، لتصبح عندها مهام المؤسسة العسكرية واضحة وجلية، وكي لا تتعرض للاستنزاف أو للاستهداف، كما يحصل اليوم.
ولعل أكثر ما استدعى التوقف عنده في كلام وزير الداخلية هو انتقاده رئاسة أحد الأجهزة الأمنية بسبب “افتقادها للصفاء الوطني في مقاربة الموضوع الأمني”. هو طبعاً يقصد مخابرات الجيش في ضوء الملاحظات التي يسجلها الرجل، كما فريقه السياسي، على بعض ضباط هذا الجهاز، بعد فشل محاولات فرض مناقلات عسكرية.
هنا، تُستحضر تساؤلات عدة أبرزها: هل لخطاب وزير الداخلية أي ارتباط بتصاعد التوتر السعودي – الإيراني أو بـ”الموسم الرئاسي”، وهل يمكن أن تكون له تداعيات على صعيد مستقبل الحكومة؟
تجيب أوساط المشنوق أن لا توقيت خارجياً أو داخلياً للخطاب. ثمة صرخة وكل الأمل أن تكون أدت غرضها، لمصلحة إعادة تزخيم الخطة الأمنية وصيانة العلاقات الداخلية.