كل شيء كان يسير في ايار وفق ما يشتهي الوزير نهاد المشنوق إلى أن هبت رياح طرابلس. ربما قال بعدها: «ليتها لا كانت الانتخابات البلدية ولا صارت المرحلة الرابعة منها». فقد تبين أن الوزير المستقيل أشرف ريفي لا يزال في المرصاد، بالرغم من أن كثراً ظنوا أن الساحة خلت لزميله اللدود بعد استقالته من الحكومة وبعد خلافه مع الرئيس سعد الحريري وبعد فضيحة المنح المدرسية والمساعدات الاجتماعية في قوى الأمن.
إنجاز الانتخابات البلدية كبير، بشهادة اللبنانيين والخارج، وكان يمكن للمشنوق أن يسهب في نظم الأشعار بما جنت يداه، في المقابلة التلفزيونية الأولى له بعد الانتخابات، وعبر الشاشة المفضلة والزميل الأكثر نجومية. لكنه، وتبعاً لنتائج طرابلس، غيّر الوجهة. لم يعد مفيداً المبالغة باستثمار فوزه في تحدي إجراء الانتخابات في موعدها، في الوقت الذي ثبّت غريمه نفسه زعيماً في عاصمة السنة في لبنان، لا بل بدأ يطرح نفسه زعيما للسنة في لبنان!
هذا يعني أنه إذا ارتأى الرئيس سعد الحريري، ومن خلفه السعودية، أن لا يكون هو شخصياً في رئاسة الحكومة، فإن الخيار لن يكون بين الرئيس تمام سلام والوزير نهاد المشنوق فقط. ريفي تمكن من إبقاء نفسه في المعادلة حتى اشعار آخر.
السعودية هي الحل. رمى المشنوق كل أوراقه المتلفزة على طاولة ولي ولي العهد محمد بن سلمان. وصل الأمر إلى حد تحميل العهد السعودي السابق مسؤولية «كل الشرور اللبنانية»!
لذلك، كان الملك الراحل عبد الله وراء ذهاب الحريري إلى دمشق ونومه في قصرها، وكان وراء الصفحة الجديدة التي فتحت مع «حزب الله» من لاهاي، أضف إلى أنه لم يكن في الأساس متحمساً للمحكمة الدولية من أساسها، وقد وافق بعد إصرار من الحريري.
ببساطة، حمّل المشنوق مسؤولية كل «الويلات» اللبنانية للعهد السعودي السابق الذي فتح باب الأخطاء بخطيئة «س. س». حينها كانت هذه المعادلة حامية لبنان «مستقبلياً»، قبل أن يأتي الزمن الذي ينقلب السعودي نفسه عليها وقبل أن يأتي الزمن الذي يسمع فيه الحريري نقداً لاذعاً وعلنياً من وزير الداخلية بعد وزير العدل السابق.
النظام السعودي السابق قدم للبنان 4 مليارات دولار، واحد منها مر عن طريق الحريري شخصياً. والنظام السعودي الحالي ألغى الهبة بكل ما تحمله من خير للبنان، لكن مع ذلك، خرج حينها المشنوق وغيره متفهماً هذا القرار السعودي.
كانت السعودية السابقة تتدخل في لبنان في كل صغيرة وكبيرة على ما يوحي كلام المشنوق، خلافاً لموقفها المعلن من أنها على مسافة واحدة من كل أبنائه. لكن المشنوق نفسه يعود ويؤكد أن السعودية الحالية أيضاً تتدخل في لبنان، وهي من سهّل جعل سليمان فرنجية مرشح «المستقبل» الأول لرئاسة الجمهورية!
ذلك الاعلان استدعى استنفاراً من السفارة السعودية في لبنان. كان الديوان الملكي السعودي على خطه مباشرة في اتصالات متكررة مع السفير السعودي علي عواض عسيري، الذي «ورّطه المشنوق» في كلام يخالف التوجهات السعودية، فالمملكة تكرر دائما أنها على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين وهي التي اضطر سفيرها إلى الرد في بيان، استغرب فيه إقحام المملكة في عدد من الملفات الداخلية. وأكد أن «السعودية لم ولن تتدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية ولا سيما ملف رئاسة الجمهورية الذي تعتبره ملفا سياديا يعود للأشقاء اللبنانيين وحدهم حق القرار فيه».
هو عصر «الحزم» ومحمد بن سلمان. ولذلك، لا بد من الإشادة بإنجازاته التي لا تحصى. وأهمها على الإطلاق «المواجهة» واستعمال لغة الحسم مع الحلفاء والخصوم والوقوف سداً منيعاً في وجه التوسعية الإيرانية، التي تنشر أذرعها في بيروت ودمشق واليمن وعدد من العواصم الخليجية.
لكن اللافت للانتباه ايضاً أنه أثناء حديث المشنوق عن وحدة العرب في مواجهة «الخطر الإيراني»، وآخر تجلياته الاجتماع الذي جمع الرئيس المصري والملك الأردني والمحمدين السعودي والاماراتي، لم يسمع أن مسؤولا في المخابرات المصرية، كان يجتاز طريق المصنع في طريقه الى دمشق.
هل أخطأ المشنوق في حماسته تجاه العهد السعودي الحالي؟ وهل سينعكس غضب السفير السعودي على العلاقة مع وزير الداخلية اللبناني؟
ثمة من يؤكد أن المشنوق أذكى من أن يقع في شر أعماله. وهو عندما قال ما قاله كان يعرف أن الردود ستأتيه من الأقربين، وأعلن ذلك أيضاً. لذلك، فإن المطلوب انتظار ما بعد ردود الفعل، التي دخل ريفي على خطها منتقداً التبرير الذي قدمه المشنوق لسبب ترشيح فرنجية.
الصراع مستمر على الحظوة السعودية، ولكن السؤال يبقى للحريري: هل سيبقي إرث أبيه السياسي داخل المنزل أم أنه لم يعد يمانع مزاحمته عليه؟