المشنوق: ماذا فعل العالم لعشرين مليون سوري؟..تركهم لصراعات الدول الكبرى وأخطاء الدول الصغرى

كلمات 09 يونيو 2017 0

كلمة وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق

إفطار في الذكرى 21 لرحيل الدكتور محمود الميس

معطم “سما شتورة” – 8 حزيران 2017

رمضان كريم على الجميع،

السيدة نواب والشباب، علي وعمر أيقظونا 21 مرّة وليس مرّة واحدة،

كتّر خيرهم،

كان الراحل محمود مجموعة من القيم التي حرام ألا نتحدث عنها ومتابعتها ليتعرف عليها الجيل الجديد، إذ واكب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. كثيرون لا يعرفونه ولا يعرفون كم أنّ هذا الجيل عانى وكم جرّب وحاول وتعبوا، وكم أخلص لمبادىء وقيم، ولا أظنّ أنّه من دون ذكرى من هذا النوع يمكن أن نتذكّر كلّ هذا. أنا أسمّيه الشهيد محمود.

عن شخصيته العامة تحدث علي ووصف، لكن أعتقد أنّه حتى بعد 21 عاماً يمكن الثول إنّه أخذ ثأره مرتين، وهو في مثواه الأخير، في المرة الأولى، ولم يكن ليقبل كلامي هذا لوسمعني، هو خروج الأمن السوري الذي كان مسيطرا على امن البلد وسياسته. بالتأكيد كان يفضّل خروجاً أكرم، وأن تكون سوريا عربية ولبنان عروبي وكلّ شيء يجب أن يجري بالتفاهم.

أما الثأر الثاني فما أراه في عيون علي وعمر، مثابرة الوالدة نوال الصابرة والقادرة، كلّ هذه الفترة، لتوصلهما إلى نجاحهما الحالي، حيث شكا علي من عدم وجود القدرة سابقاً لإحياء ذكرى الوالد الراحل، واليوم بات القدرة موجودة وفائضة، بإصرار الوالدة وتعبها وسهرها كلّ هذه السنوات.

أذكر حين توفي كنا في السيارة، كانت جديدة وعمرها أسبوع، واحترق الموتور، كان معنا الدكتور حسني المجذوب مدير مكتب الرئيس الشهيد رفيق الحريري. اضطررنا لطلب سيارة ثانية. وهناك شاهدان كنت أتمنى لو كانا موجودين اليوم، وهما غائبان، وهما معالي الصديق الأستاذ الفضل شلق، شيخ شباب العروبة في زمانه وكان صديق الراحل، ومولانا الدكتور رضوان السيد الذي اضطرّ للسفر لارتباطه بمواعيد لم يستطع تأجيلها. الحكاية التي كنت أحبذ أن يسمعانها هي أنّني أخذتُ وقتاُ طويلا قبل أن أعرف أنّه صيدلي، بل كنت أراه حاملا حقيبة مليئة بالأوراق فيها قضايا ومشاكل، وكنت أظنّه محاميا. كان لديه قدرة كبيرة على المتابعة والملاحقة والإصرار والإلحاح، ولا أذكر مرّة أنّ الطلب كان له، بل دائماً لأهالي البقاع.

لاحقا حين عرفت أنّه صيدلي، يحضرني في الحديث عنه أنّه في علم الصيدلة، للعلاجات دائما بدائل، في علم الكيمياء كما في علوم السياسة والنضال، لهذا بدأ في اليسار المتطرف، ثم انتقل إلى الإشتراكية ثم انتقل إلى الحريرية السياسية.

كان الراحل بعيداً دائماً عن العمل السياسي رغم إلحاحنا عليه، نحن مجموعة، بينها الصديق أبو علي شلق والدكتور رضوان, كان حاداً في رفضه لأنّه يعرف كم كان الضغط السوري عليه شديداً. وكان يتلمس الضغط السوري الكبير عليه. وظهرت حينها استراتيجية الرئيس الشهيد رفيق الحريري المبنية على التوافق الوطني على الدستور لينهي الإنقسام، وإعادة بناء الدولة ومؤسساتها لتعزيز المناعة، وأنّ الوجود السوري، على طريقة محمود، مؤقت، وولا مرّة اعتبره دائماً، رغم القسوة الشديدة الشديدة الشديدة التي أنا أحد شهودها الأساسيين، لم يقبل بمنطق العداء، لكن للأسف طبيعة النظام المجرم لم تسمح لأي عقل أن يقترب منه. وقرّر أنّه مع السياسة المتّبعة سيفتح النهوض اللبناني الكبير العيون أمام السلطات السورية على علاقات طبيعية بين بلدين عربيين مستقلين. وهو امر أفضل بكثير لسوريا ولبنان.

لن أدخل اليوم في تقييم رصيد هذه التجربة السيء جدا، لكنني في موقع الشهادة للدور الذي لعبه محمود الميس فيها، على مستوى الاهتمام بشباب وشابات البقاع وعموم أهله. كان قوة دفع كبيرة جداً ولَّدت مؤسسات تربوية وثقافية وخيرية وزراعية واجتماعية، وخلقت أطراً للنهوض بالبقاعيين وفرصاً للتعبير عن طاقاتهم وأنفسهم، وهذه المؤسسات، سواؤ بقيت في الملكية السياسية نفسها أو تغيّرت، زرع لا زالت تعطي حتّى يومنا هذا، وانشاء الله هذا الفكر يعطي دائما، بجهود محبيه وأصدقائه وصبرهم، وبالتزام الرئيس سعد الحريري والتزامنا معه.

لا أعرف لو كان بيننا ماذا كان سيفكّر أو يقول، لكن أعتقد أنّ أكبر هم لديه أن يرى علي وعمر ووالدتهما ناجحين وقادرين. اوّل مرة زرتهم بفرح في زفاف نجل الوزير الصديق جمال الجراح. وتواصلنا قبلها وبعدها، وكلّ مرّة كنت أرى كم هو فرح بجاحهم بتعبهم، لكن أيضا بتعب السيدة نواب وإصرارها هي القادرة والصابرة.

لنعود لى السياسة:

لا أحد يمكن ان ننسى انه في زمن الساحات ملأتم الساحات دفاعاً دفاعاً عن حق الشهيد الكبير رفيق الحريري بالعدالة، وحق اللبنانيين في أن يعيشوا خارج كابوس مسلسل القتل.

وفي زمن جنون التكفيريين من كل المذاهب، كنتم ضمانة الاعتدال، والأكثرية الحقيقية التي تعبر عن لبنانية البقاع وعروبة البقاع واعتدال البقاع.

لي تجربة عملية مع مولانا سماحة مفتي البقاع خلال منذ ان توليت وزارة الداخلية ان عمامته يملؤها الاعتدال والحكمة والتبصر.

يكفي أن ننظر حولنا لنرى بأم العين أن الاعتدال هو الأقوى اليوم. أعلم أن دخان المعارك، الوهمي والحقيقي، يُغشي الصورة. مشاريع الإنتحار كلها مأزومة، في لبنان ومأزومة سوريا ومأزومة في اليمن ومأزومة في العراق وفي كل بقعة يستسهل فيها الإنتحاريون جرائمهم.

يكفي أن ننظر حولنا لنصدق أن كل مشاريع الإلغاء التي واجهناها بالاعتدال، هُزمت، وفي ساعة الحقيقة لم تجد عنواناً تلجأ اليه الا عنوان المعتدل الأول والاقدر الرئيس سعد الحريري.

أربع سنوات من العزل السياسي أو محاولات العزل لم تسقط غصن الاعتدال من يدنا ولا سقط الاعتدال من عقولكم وقلوبكم. هو قوتنا. كان ولا يزال وسيظل، مهما التبس الأمر علي البعض. به ننفتح على العالم. بحكمته نقاتل وننتصر وندافع عن ثوابتنا وننتصر وندافع عن سيادتنا وننتصر. بقوّة العقل قبل الساعد، ننتصر، ننتصر، ننتصر.

للاعتدال رجال في لبنان وفي المنطقة يصنعون منه قوّة حقيقية وكبيرة، ويحوّلونه إلى رصيد كبير يجمع الأغلبيات العاقلة في المنطقة الممتدة من لبنان إلى سوريا والعراق واليمن والخليج.

ولمن تلتبس عنده الصورة ليتمهل قليلاً. فالإعتدال ينتصر في المنطقة.

التحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية هو تحالف الاعتدال في وجه تطرّف وهو يتقدم وسينتصر.

مصر اليوم هي قيادة اعتدال. وهي تنتصر على التطرّف والتشدّد الديني وتخوض الحرب ضد الإرهاب.

تيار الرئيس الشهيد رفيق الحريري هو عنوان الاعتدال اللبناني القادر والقوي الذي بشجاعته وإيمانه وثباته جنّب لبنان الحريق السوري وجعلنا آمنين في بيوتنا وقرانا ومدننا وأعمالنا، وهذا حق لنا وليس منة من أحد.

في زمن التسويات، أنتم الركيزة التي تحمي خياراتنا السياسية، الركيزة في مواجهات المزايدات، والركيزة في وجه التخوين. وصمام الأمان للخيارات العاقلة في مواسم الجنون التي تعصف في المنطقة.

ربما أنتم بالذات لأنكم الاقرب الى الحريق السوري، أنتم الأكثر ادراكاً لحجم المخاطر التي تتهدد لبنان، والتحديات التي تواجه صانع القرار فيه الذي نجح حتى الان في تجنيب لبنان الخيارات المرة.

لا اريد ان اخيف احداً، ولكن انتم اكثر من يعرف صعوبة المرحلة الانتقالية التي نمر فيها في لبنان وسوريا والمنطقة.

هذه مرحلة لا تنفع فيها ولا خلالها العنتريات والمزايدة على القرار العاقل بربط النزاع مع من كنّا وسنظل نختلف معهم على ثوابت الدولة والسلم الأهلي ما لم يبدلوا تبديلا.

ربما في الشكل هناك شكاوى تتناولنا وبعضها صحيح. المسايرة لفلان أو علتان كلامياً لا معنى جديّاً لها. المهمّ هو المضمون. من ينتقد أو يشكو عليه أن يدلّنا أين وضعنا توقيعنا على تنازل عن الثوابت. أكرّر: نحن نؤسّس لتسوية عاقلة ونعمل بهدوء بانتظار التسوية في المنطقة، وحين يأتي يوم الحساب سننتصر بالاعتدال الذي يملأ عقول هذه النخبة الخيّرة من أهلنا.

كيف لنا أن ننفعل ونحن نرى القصف الروسي على منطقة تبعد مسافة نصف ساعة بالسيارة عن منطقة أخرى يقصفها الطيران الأميركي.

كيف يمكن ان نضع انفسنا في اليمين او اليسار او الوسط انما نحن منذ البداية قلنا اننا مع خيار الشعب السوري

هناك تسوية تطبح في المنطقة ولا بد ان يصلوا الى تسويات ما في مرحلة لن تتجاوز السنوات الثلاثة المقبلة.

أمام هذا المشهد ليس لنا غير الاعتدال سياسةً دون أن نتنازل عن الثوابت.

وللذين استدلّوا إلى الصوت العالي مؤخّراً أقول: لن نسمح لأحد أن يأخذ لبنان إلى الحجّ والناس راجعة.

المهم اليوم هو الانصراف الى ما يمكن التفاهم عليه في الداخل وتوسيع رقعة الراغبين في صيانة المؤسسات وحماية الهيكل.

قرارنا ان نحفظ دم الناس واستقرارهم وسلامة بيوتهم وقراهم ومدنهم، وقبل ذلك أن نحفظ كرامتهم بعدم التنازل عن الثوابت.

ليس على جدول أعمالنا أي بحث في المحكمة الدولية ولا في تشريع السلاح غير الشرعي في الداخل ولا في تغطية جرائم النظام السوري.

ولن نتنازل عن العدل في دم الرئيس الشهيد رفيق الحريري.

ولن نتنازل عن رفض انخراط حزب الله في دعم إرهاب نظام الأسد بحق شعبه.

ولن نتنازل عن رفض تشريع سرايا الفتنة في الداخل.

هذا الكلام اعرف انه ليس شعبيا، ولكنه كلام مسؤول في الاوقات الصعبة، اسهل ما يمكن، ان نقلب الطاولة، هذا المشروع كان موجودا منذ اربع سنوات، واسهل شيء الانجرار الى حرب اهلية، وحدث في هذه المنطقة ولو قليل في بعض القرى، لولا العقل اين اصبحنا في البقاع لكنا اصبحنا جزءا ولو محدود من الحريق السوري. هذا الكلام لا يسبب نشوة للبعض وكلام غير شعبي، وكنت اقول كلاما مختلفا تماما قبل الوزارة عن النظام السوري وايران وحزب الله، لكن هذا الكلام مع اندلاع الحرائق في المنطقة ومع دخول الدول الكبرى لا يمكن ان يؤدي الا الى الخراب، فلا انا ولا التيار السياسي الذي امثله يمكن ان يدخل فيه. من سأل منذ خمس سنوات حتى اليوم عن الشعب السوري، اي دولة اهتمت بهذا الشعب واعطته وعملت عليه وعلى قيادته، انما تحولت سوريا الى ساحة للدول الكبرى والصغرى.

يقول الحديث الشريف: “إنّما النصر صبر ساعة”. والساعة صارت قريبة وقريبة جدا وسترون ان اعتدالنا سينتصر. بل وقريبة جدا. وستجعل اعتدالنا ينتصر، وثوابتنا تنتصر وقراراتنا الصائبة والعاقلة والهادئة تنتصر.

نحن أقوياء باعتدالنا،

أقوياء بكم ولكم،

أقوياء بالأفعال لا بالشعارات الطنانة والرنانة،

أقوياء بوجودنا وصبرنا وحزمنا أيضاً،

عشتم عاش البقاع وعاش لبنان.