المشنوق ل : Now Lebanonالحريري عمل على الاستقلال … من خلال المسيحيين

مقابلات مكتوبة 13 فبراير 2008 0

هل أهمل الرئيس رفيق الحريري الجمهور المسيحي في لبنان؟ وهل صحيح أن حكوماته ساهمت في تهميش دورهم وإقصائهم عن المشاركة في الحياة العامة؟ كيف تعامل الحريري مع الملف السياسي المسيحي؟ ماذا عن علاقته بالكنيسة المارونية والقوى السياسية المسيحية؟ ماذا عن “فلسفته” تجاه دور المسيحيين في لبنان والشرق الاوسط؟
الكاتب والمحلل السياسي نهاد المشنوق الذي عمل مستشاراً إعلامياً للحريري لسنوات مضت، يعرض في حديث الى “لبنان الآن” شهادته عن رؤية الحريري لدور المسيحيين وعلاقته بزعاماتهم.
يقول المشنوق:
“آمن رفيق الحريري بالتوازن الضروري بين ما يسمى مكوّنات المجتمع اللبناني، وكان يدرك أهمية الوجود المسيحي في لبنان وفي الشرق. اعتبر أن الحضور المسيحي في لبنان هو الوجود الأبرز والأهم لمسيحيي الشرق كون المسيحيين اللبنانيين مشاركين في السلطة بشكل جدي، وهو في الوقت ذاته سبب ديمقراطية لبنان. فلولا التنوّع في لبنان ب`وجود المسيحيين والمسلمين تاريخياً لكان أصبح دولة ديكتاتورية بطائفة واحدة تشبه مثيلاتها في المنطقة.

طمأن الحريري المسيحيين وأكد لهم أنهم ليسوا أقلية تجاه أكثرية من طائفة أخرى. وهو ساهم بشكل أساسي في اتفاق الطائف الذي أخذ في الاعتبار تماماً التغيير الديمغرافي الذي حصل في لبنان مع الحفاظ على المناصفة المسيحية. نقل الطائف السلطة الى مجلس الوزراء وأكد أن لبنان لا يحكم بالعدد انما بتفاهم أبنائه. جاء الطائف الذي عمل من أجله الحريري ليكرّس المناصفة في وظائف الفئة الاولى وفي مجلسي النواب والوزراء، وبذلك لم يعترف بأهمية العدد ولم يعتمد الجمهور قاعدة لتعامل الطوائف اللبنانية مع بعضها البعض.
أنشأ الحريري علاقة حميمة وجدية مع رأس الكنيسة المارونية البطريرك مار نصر الله بطرس صفير. وكانت زياراته الدائمة والمتكررة الى بكركي ترجمة لاحترامه الكبير لصفير الذي اعتبره رمزاً للاعتدال المسيحي. ركز على العلاقة مع البطريركية، وأنشأ صلة وصل شبه يومية بين قريطم وبكركي، إما عن طريق زياراته واتصالاته الشخصية أم عن طريق المبعوثين والرسل. كان يعتبر أن الوجود المسيحي في لبنان لا يجوز أن يكون وجود تحدي أو نصرة فريق على فريق أو عنصر اضطراب. فحيث هناك مسيحيين في المنطقة يجب أن يكون هناك استقرار واطمئنان واعتدال.
من جهة ثانية أنشأ الحريري علاقة حميمة مع الفاتيكان أيام البابا بولس الثاني. واصطحب عائلته وزوجته الى روما للقاء البابا والتعرف عليه، وأنا رافقته ثلاث مرات الى الفاتيكان وكان واضحاً أن العلاقة بينه وبين البابا علاقة ودية وجدية. بدا أن الفاتيكان حينها عوّل على شخصه كثيراً للاهتمام بمسألة المسيحيين اللبنانيين. والحريري بذل جهداً في ذلك رغم أن مواقفه لم تكن تنفيذية، ولكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أن السياسة اللبنانية في ذلك الوقت لم تكن لبنانية. كانت تتقرر بين بيروت وعنجر ودمشق حيث القيادة السورية. ولكن مع ذلك كان الحريري دائماً معانداً لتلك السياسة. وأظهر ذلك مرات عدة، أولا بالعلاقة التي استمرت مع صفير رغم موقف النظام السوري من البطريرك، ثانياً في مفاصل كثيرة، أهمها رعايته في منزله في العام 1993 محاولة للمصالحة بين الدكتور سمير جعجع وايلي حبيقة اللذين كانا على مواجهة وعداء حينها”.

ويمضي المشنوق في شهادته قائلاً:
“أنا أعرف أن الحريري، الذي كان رئيساً للحكومة وقتها، لم يكن موافقاً على اعتقال سمير جعجع ومحاكمته. وأذكر أن اللواء غازي كنعان اتصل بي حينها قائلاً: (صاحبك ما عم يقنع). فسألته ماذا هناك؟ فشرح لي أنه اتصل بالحريري مرتين طالباً منه توقيف جعجع وأن الأخير لم يوافق. ولم يأخذ مجلس الوزراء قراراً بالموافقة على توقيف الجيش لجعجع الا حين أصبح الجيش أمام باب منزل جعجع في غدراس، يعني ألزمته قيادة الجيش التي كانت في ذلك الحين موالية لسوريا وكانت في عهدة الجنرال لحود وجميل السيد وغيرهم، وألزمت مجلس الوزراء بكامل أعضائه بأمر واقع.

أراد الحريري تخفيف الدور السوري بتحسين علاقة القوى المسيحية بين بعضها. كان جعجع وحبيقة في الساحة وميشال عون منفياً. لم يقتنع الحريري بهذا الواقع المسيحي ولم يكن يتردد في القول إن تلك الحالة غير طبيعية وغير محقة، وهذا ما أنشأ علاقة حميمة بينه وبين البطريرك.
لم يكن على علاقة قريبة بعون. كان ثمة وسطاء بينهما. وهو لم يعترض على نشوء قرنة شهوان كجهة سياسية استقلالية تنادي بضرورة استقلال لبنان وسيادته. كان لا يوافق على صيغ كلامية كانت تستخدم حينها، ولكن في المبدأ لم يكن ضدها. كان يميل الى وجود جهة سياسية دائمة المناداة بالسيادة والحرية والاستقلال. لذلك حرص في أصعب الظروف على أن تبقى علاقته بالبطريرك علنية وحميمة وصادقة.

لم يرتح السوريون لزيارات الحريري الى الفاتيكان ولا لصلته الحميمة بالبابا ولا لزيارة البابا الى لبنان. والرئيس الحريري ساهم مساهمة كبيرة في ترتيب زيارة البابا التي أخذت من الحجم في ذلك الحين ما تسبب بازعاج كبير للقيادة السورية، ومع ذلك بقي على تبنيه واندفاعه لها. وكنا اعتبرنا في ذلك الحين، أنها كانت ضرورية لخلق حالة الانتعاش المسيحي بدل الاحباط. وحققت الزيارة نتائجها. لم يترك الحريري طريقة لصيانة الانتعاش المسيحي. لم يكن قادراً على المجيء بوجوه غير تلك التي تبوأت مناصب في مجلسي النواب والوزراء. السياسة السورية كانت حازمة وجازمة وصارمة. وعندما صدر بيان بكركي عام 2000 بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب، تبين أنه قريب جداً من هذا البيان ومن ضرورة تنفيذه سلمياً وبهدوء وبرقي وبالتفاهم مع النظام السوري.
ابتعد عن الخطاب السياسي المسيحي المتشدد، واقترب من خطاب صفير. والنص السياسي الذي استعمله صفير نجح في أن يحقق حوله اجماعاً لبنانياً أكثر من النصّ السياسي الذي استعمله التيار الوطني الحرّ.

خاض الحريري صراعات كبيرة مع الوزير السابق سليمان فرنجية داخل الحكومة وخارجها. كانت العلاقات بينهما فيها الكثير من الصعود والنزول ولم تستقر يوماً. ولكن كان لفرنجية حينها حيثية سياسية مهمة وكان الحريري مضطراً الى أن يتعاطى معه.
أما علاقته بالنائب ميشال المرّ فكانت حميمة أكثر. ربطت بينهما صداقة وهما مقاولان سابقان ومتقاربان في العمر وبينهما أمور عدة مشتركة. أحبه الحريري ووثق بعلانيته وكان يعرف أن المرّ لا يخبئ عداوته ويدافع عن صداقاته علناً وأوراقه دائماً مكشوفة. أخذه معه في رحلاته خارج لبنان أكثر من مرة، وكان بينهما ودّ. أما بالنسبة الى الرئيس أمين الجميل فلم يكن بينهما أي اتصالات”.

ويضيف المشنوق في حديثه:
“كانت عند الحريري رغبة بدور مسيحي سياسي منتشر ومنتعش، لأن الدور المسيحي كان الاكثر استقلالية حينها بين اللبنانيين. كان حريصاً على العمل على الاستقلال من خلال المسيحيين دون أن يكون على صلة مباشرة بهذا الطرف أو ذاك أو متابع لهذا الطرف أو التجمع. هو جاء بميشال اده القريب من البطريرك وزيراً في حكوماته. لم يقطع ولا مرة مع البطريرك.
لم يعتب على بيانات بكركي والمطارنة الموارنة حتى تلك التي انتقدت الحكومة. وبكركي لم تتعرض له شخصياً. كان حريصاً على طمأنتهم قدر الامكان ويشجعهم على الاستمرار بعملهم الوطني من أجل الاستقلال، وهم طبعاً لم يكونوا بحاجة الى تشجيع ولكن كان مفيد أن مسلماً كبيراً كان يناقشهم ويهتم بهم ويشجعهم على الاستقلال.
انزعج السوريون كثيراً منه. والرئيس السوري حافظ الاسد كان مزعوجاً من ذكر القرار 425. وطلب من الحريري في العام 1997 عدم ذكر القرار في خطاباته. فكيف بعد الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب والحديث عن السيادة والاستقلال؟
ما يحدث اليوم شيء مخالف تماماً لتراث الاستقرار المسيحي في لبنان. ما يحدث مخالف لأي طمأنينة مسيحية دائمة، والمسيحية السياسية تأخذ طرفاً حاداً وعلى خصومات شديدة مع آخرين. وأنا لا أعتقد أن هذه السياسة تحمي المسيحيين على المدى البعيد. هذه حماية موقتة. يجب أن يكون العامل المسيحي عامل انفتاح وتشاور مع كل الناس”.