المشنوق لـ”المدن”: مع الحريرية بعيداً عن يوميات “المستقبل”

قالـوا عنه 06 ديسمبر 2018 0

:: منير الربيع ::

يبتسم نهاد المشنوق لحظة تلقيه خبراً وفيديو، يتراجع فيه وئام وهاب عما قاله بحقه، ومعلناً: “كانت لحظة غضب”. والمشنوق كان قد ردّ على الإتهامات ببيان مفصّل. لكن، بالنسبة إليه، الرهان على الزمن جوهري. هو كفيل بردّ الإعتبار وإيضاح صوابية رأي أو حقيقة تهمة من عدمهما.
ربما يكون وزير الداخلية أقلّ من أنصفتهم السنوات الأخيرة، لكنه يبدو واثقاً بأن السنوات المقبلة ستنصفه.

الـ”سين – سين”
رغم مجيئه من المنفى إلى أمّ الوزارات: وزارة الداخلية، وتحوله من عبء محرج في سنوات الوصاية السورية، إلى حاجة سياسية وشعبية وانتخابية فيما بعد. عاد اليوم ليصير بقاؤه في مقدمة المشهد وبدائرة الضوء وفي موقع المسؤولية، بقاءً مربكاً أو مزعجاً، بظن من المربَكين أنه ضار أو ضال أو حتى “متمرد”. لكنّ المشنوق مجدداً يرفع الرهان على الزمن للإنصاف، ولو بعد حين.

عشر سنوات للمشنوق مع رفيق الحريري. ثم عشر سنوات مع سعد الحريري، وما بينهما سنوات عشر. هذه الأثلاث يستند إليها الرجل، لدى مقاربته لكل ما يُتداول به عن علاقته بتيار المستقبل. فهو غير قادر ولا راغب في الخروج من العباءة الحريرية، أو من المشروعية السياسية لرفيق الحريري. وبقدر ما يتلقى السهام، فإنها لا تصيبه وحده، بل تصيب الوريث السياسي للحريري الأب أيضاً. ليست السياسة وظيفة بالنسبة إلى المشنوق. على صعيد شخصي، تبقى شغفاً وعملاً. وفي الشق العملي منها “هي الرمال المتحركة، التي لا بد من مسارعة الحراك فوقها كي لا تتغلّب الرمال”.

يفضّل المشنوق عدم الرد على كل الإتهامات التي تعرّض لها حول “علاقته” بسوريا وما يرتبط بها. الزمن يشهد بالنسبة اليه، ومواقفه كذلك، وهو الذي حمّل ذات يوم المملكة العربية السعودية مسؤولية الذهاب إلى تسوية السين السين (السعودية – سوريا)، وقال: مع “السين سين” بدأت مسيرة التنازلات، التي لا كابح لها، ولا من يوقفها من قبل الفريق الذي كان مناهضاً للنظام السوري. يستعيد مواقف متعدّدة أطلقها، لم يكن آخرها في مجلس وزراء الداخلية العرب في العام 2015، عندما كانت النية تحميل لبنان مسؤولية التراجعات العربية بوجه إيران، بينما طهران كانت تتقدم من محاور متعددة، ولبنان الحلقة الأضعف والأقل منعة ومقدرة.

الحسابات السلطوية
كل هذه النقاشات لم تعد مفيدة في الوقت الحالي. هي لا تعدو كونها بكاء على أطلال، وقد تبقى أطلالا ما لم تتحضّر خطّة للنهوض من الركود وضيق الأفق. تلك مرحلة لا بد من قراءة معانيها وإخفاقاتها للإنطلاق من جديد. ولا بد للإنطلاق أن يرتكز على قوة شعبية وتراكمية، وليس على قاعدة مصالح سياسية أو حسابات سلطوية. وهنا، برأيه، يدخل عامل المبادرة والفعل والخيال والإجتهاد في اللعب السياسي، كاستقطاب خصم أو منافس، وضم طامح أو باحث عن دور.

قد تكون هذه المقاربة هي الأنجع في التعاطي مع شخصيات سنّية تبحث عن دور سياسي لها، آتية من خارج المنظومة الحريرية، تمتلك أو لا تمتلك المشروعية، لكنها غالباً ما تأتي من الباب الخطأ، تماماً وفق التوصيف الذي أطلقه المشنوق أمام باب دار الفتوى، في تقييمه لمطالب النواب السنة المستقلّين عن تيار المستقبل.

يقسّمهم المشنوق إلى ثلاثة أزواج. زوج ملتزم بكتل وغير قادر على التفرد بقرار أو رأي، وزوج مستقل، فيما الزوج الثالث لا ينتمي إلى كتلة، بل إلى صالون سياسي، هو كتلة تيار المردة، يمكن الخروج منها في أي لحظة أو ظرف. ولأن هؤلاء قد طرقوا الباب الخطأ، كان يجب التصرّف معهم على هذا الأساس. الخطوة في إصلاح ما يجري، لا تتلاءم مع استمرار التصويب عليهم، بل الذهاب إلى الإعتراف بحيثيتهم، لكن مقابل خروجهم من الصالون السياسي الذي ينتمون إليه، ومن ثمّ يتم استقبالهم والبحث معهم، ليبقى قرار توزيرهم من عدمه ملك الرئيس المكلف وحده.

البحث عن التوازن
ومع ذلك، فإن الحريري – وفق رؤية المشنوق – لن يتنازل، بالنظر إلى ارتفاع التحدي، وتطرف الشروط والمبالغة في المطالب. رغم ذلك، تبقى المهمة: لا بد من إيجاد حلّ للمشكلة، وتشكيل حكومة، وفق تسوية تحفظ حق الجميع. أما ما بعد التشكيل فسيكون هناك عمل آخر ومقاربة مختلفة. لا بد من العودة إلى التوازن في موازين القوى على الساحة الداخلية، بعد اختلال الميزان وفقدان العضد: “البلد يحتاج إلى صناعة رأي عام. والساحة الداخلية لا سيما السنية منها، تحتاج إلى أفق جديد أصبح محتوماً، بعد كل ما جرى، أفق يرتكز على الحريرية السياسية، ولا يخرج عنها أو عليها، لكنه لا يلتزم يومياتها”.

ولأن السياسة ليست مهنة بالنسبة إليه، إنما هي شغف، لا يؤمن المشنوق بنظرية التقاعد أو إنتهاء الدور. هو لا يؤدي وظيفة. السياسة تبدأ بالهوى وتنتهي بالنفَس. لا يمكن لها أن تكون دوغما، ولا قائمة على خصومات وعداوات دوماً. تحتاج إلى تحالفات، لا ينفع معها منطق العزل أو الإلغاء. وبما أن التجربة هي فعل مراكمة، فلا يمكن تبديدها. إنما الإرتكاز عليها للإنطلاق مجدداً. ليس بالضرورة إلى طموح جديد، أو إلى موقع آخر، إنما إلى أفق أرحب في صناعة السياسة. وهذا قد تكون له أشكال متعددة، أقلها إعادة تأسيس قواعد عملية وفكرية، وصوغ منطلقات نظرية تعيد للسياسة معناها، ولا تقتصر فقط على منطق التحاصص والتنافس.