المستقبل يصعّد: صوت انتصار حزب الله مزعج

قالـوا عنه 05 أغسطس 2017 0

كتب منير الربيع في المدن: ثمة تناقضات سياسية تعصف بتيار المستقبل. في داخله كلّ يغنّي على انتخاباته. البعض يدخل في خطاب تهدوي تسووي، والبعض الآخر يريد الاستثمار في التصعيد للكسب الشعبي.

انعكست هذه التناقضات في المعركة التي خاضها حزب الله في جرود عرسال. ففي الوقت الذي كان رئيس الحكومة سعد الحريري يستقبل المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم ويهنئ بالإنتصار الذي تحقق بطرد جبهة النصرة من الأراضي اللبنانية إلى الداخل السوري، وفي الوقت الذي وقفت فيه كل القوى السياسية بحالة صمت مطبق حيال ما قام به الحزب، خرج وزير الداخلية نهاد المشنوق في خطاب مناقض لكلام رئيس حكومته. اعتبر المشنوق أن ما جرى لا يمكن اعتباره انتصاراً. يؤشر ذلك الى ما يعتري تيار المستقبل من اختلافات، لكن البعض يحاول تجميل ذلك عبر الاعتقاد بأن ذلك يندرج في سياق توزيع الأدوار.

الأهم في كلام المشنوق، هو ما قاله عن الإستراتيجية الدفاعية. تعمّد وزير الداخلية الخروج بكلام مرتفع ضد حزب الله، يوحي وكأن ثمة معركة سياسية ستفتح في المستقبل عنوانها الإستراتيجية الدفاعية. وكلام المشنوق لا ينفصل عن نقاشات واسعة يجري التداول بها في الكواليس، لكنه كان أول من أعلنها. وتتمحور هذه النقاشات حول كيفية التعاطي مع حزب الله بعد إنتصار الجرود أو الإنتصارات التي يحققها في سوريا. يعرف تيار المستقبل أن حزب الله بلغ موقعاً ليس بالسهل التراجع عنه. وهو التيار الذي لمس كيفية الإنصياع لرغبات الحزب السياسية، منذ الانتخابات الرئاسية حتى اليوم.

ما يحاول المستقبل إستباقه، هو القول إن عودة حزب الله من جرود عرسال منتصراً أمر لا يمكن القبول به. هذا من الناحية الكلامية على الأقل، لكن ماذا عن الأفعال؟ لا جواب واضحاً بعد. يعلم المستقبل جيّداً كيف يميل ميزان القوى، لكنه يحاول القول إنه لن يمنح شرعية لسلاح الحزب أو لمعاركه في سوريا. وهذا ما يؤكده المشنوق، بأن دور الحزب يحظى بإجماع في أي معركة ضد إسرائيل، أما في سوريا فهو محلّ انقسام داخلي، ولا اعتراف به.

اللافت في هذا الكلام، هو قائله أولاً، وتوقيته ثانياً. فالمشنوق كان أبرز الداعمين لحزب الله في حرب تموز 2006. في ذلك الوقت لم يكن جزءاً من تيار المسقبل ولم تكن علاقته جيدة مع الحريري. أعلن إنتصار حزب الله باكراً خلال زيارة أجراها الى الامين العام للحزب في ذلك الوقت. وفي مقابلة على قناة المنار، أعلن تأييده الحزب. أما اليوم فإن الآية انقلبت، ويخرج المشنوق ليعلن أنه مع الإستراتيجية الدفاعية. وبمجرد فتح هذا الملف في هذا التوقيت، يعني أنه مشروع مشكل مع حزب الله، علماً أن البعض يضعه في سياق انتخابي وأن الغاية تبرر الوسيلة، فيما البعض الآخر يربطه بلحظة إقليمية ودولية، تحمل تطورات تتعلق بحزب الله وبلبنان.

يُربط ذلك، بما أعلنه المشنوق عن أن لبنان سيكون في الأشهر المقبلة أمام حصار سياسي وغير سياسي عربي وغربي. ما يجعل هذا الكلام بمثابة تصعيد على إيقاع التطورات الخارجية، أو المعلومات التي أفصح المشنوق عنها. ويمكن ربط ذلك مع كلامه للمرة الأولى عن عدم صرف المخصصات لقوى الأمن الداخلي. وإذ وصف ذلك بالحصار، أوحى بأنه يتجه نحو التصعيد. فيما التفسير الآخر لهذا الكلام ربطاً بالتحذير مما ستحمله الاجراءات الخارجية ضد لبنان، قد ينحصر في أن المشنوق، يدعو إلى تعزيز مفهوم التسوية أكثر فأكثر، على قاعدة أن حزب الله أمام الضغوط التي يتعرض لها، يحتاج إلى حاضنة. بالتالي، يدعو المشنوق الى بناء شبكة أمان داخلية. وهذه تعني أن المستقبل ماض في التنازلات أكثر لمصلحة شبكة الامان هذه، عبر القول لحزب الله بأنه جاهز لاحتضانه.

شيء ما مما يحصل، يعيد التذكير باستباق المشنوق لإعلان التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية، قبل إعلان الرئيس سعد الحريري تبنّي ترشيح عون بأشهر، خرج المشنوق معلناً أن المستقبل يقف أمام خيارين، إما المواجهة الكبرى، أو التسوية الكبرى. وقد اختار الثانية. واليوم، الكلام نفسه يتكرر وإن بسياق آخر. عليه، فإن المستقبل سيكون مقبلاً على استحقاق جديد للاختيار بين التسوية أو المواجهة. المعطيات المتوافرة حتى الآن، لا توحي بأن الأمور تتجه نحو التصعيد بالنسبة إلى المستقبل، بل خيار التسوية سيبقى قائماً لديه، ولكن ما يريده، هو أن لا يستمرّ الحزب بتصعيده. وهذا ما حاول المشنوق الإشارة إليه، بأن قوى مقاومة غير حزب الله حرّرت بيروت في العام 1982، ولم ترفع أصواتها و”تربّح الناس جميلاً”. ما يريده المستقبل من حزب الله الآن هو خفص الصوت للحفاظ على التسوية، واستمرار التطبيع بهدوء.