المستشار “ديكور” المشهد السياسي أم صاحب دور فعلي؟

مقابلات مكتوبة 06 سبتمبر 2007 0

إبرهيم دسوقي،”نهار الشباب”

“المستشار” في الحياة السياسية، حاضر في منصب يحمل أكثر من معنى ومهمة، وهو غائب أي غير مرئي في بعض الاحيان.
ما هو دوره، وما هي مهمته، وحدود تأثيره ومشاركته في القرار السياسي، وهل هو صاحب دور حقيقي أم مجرد جزء من الديكور المتمم للمشهد من حول السياسي. تجربة تفتقد القواعد القانونية التي تسيّرها، على رغم الأعراف التي ترعاها، ولكن لا شك في ان الدور يختلف باختلاف المستشار وطبعاً باختلاف السياسي. هذه محاولة للإحاطة بهذه “المهنة” من خلال وجوه برزت في مواقعها.

نهاد المشنوق
نهاد المشنوق صاحب “الرأي المدلل” عند الرئيس الشهيد رفيق الحريري كما يطلق عليه، عمل مستشاراً الى جانبه زهاء عقد من الزمن. كان مقلاًّ حتى الاجحاف في الظهور (بطلب منه كما يدعي) يقوم بدوره من خلف الستارة، الكل يسمع عنه وعن دوره وعن حضوره، ولكن دون تبيان حقيقة حجم هذا الدور. كانت مهمته تتلخص في “رسم صورة سياسية معينة للرئيس الحريري والمحافظة عليها”. يعتبر المشنوق ان الحديث عن دور المستشار “فيه من الوهم أكثر من الحقيقة، الناس تحمّله مسؤوليات قرارات، يعتقدون انه مسؤول عنها بينما قد يكون معارضاً لها احياناً ولكنه لا يستطيع ان يعلن ذلك بسبب موقعه.
يلخص المشنوق دور المستشار المبدئي بالاحاطة باكبر قدر ممكن من المعلومات لتكون جاهزة عند اتخاذ اي قرار في موضوع معين. ويعرضها لاحقاً على السياسي إما باقتراح منه أو بطلب من السياسي.

“مهمة المستشار الأساسية خلق صورة محددة ومطلوبة في أذهان الناس عن هذا السياسي. قد ينجح في بعض الاحيان او يفشل، واذا نجح تعطي الناس رصيد النجاح للسياسي نفسه وفي الفشل يتحمل المستشار المسؤولية”.
بحسب المشنوق فإن الرئيس الحريري امتلك ميزة القدرة على الاستماع لاكبر عدد من المحيطين به في شأن موضوع ما يحتاج منه الى معلومات ولكنه عند إتخاذ القرار كان يتصرف على أنه المسؤول عن قراره، وبالتالي لا يحمل المستشار الذي نصح برأي ما، مسؤولية نجاح القرار أو فشله. وما كان يتصرف بخيبة أمل من إقتراح أخذ به ولم يكن ناجحاً أو بفرحة نتيجة اقتراح أخذ به ونجح.
صفة المستشار، صفة قديمة كانت تعطى للحكماء المشهود لهم بالمعرفة والخبرة وسعة الاطلاع. ولا نملك أنا أو من اعرفه من المستشارين اللبنانيين، الصفات حتى نستحق المهمة بطبيعتها الاساسية. هناك استخفاف لبناني، كما هو التقليد في كثير من الامور، باستعمال هذا اللقب باعتباره حقاً طبيعياً لكل من يعمل الى جانب مسؤول سياسي أو معنوي. الحقيقة ان للعمل مع الرئيس الشهيد رفيق الحريري رحمه الله طبيعة مختلفة. إذ انك تعيش معه اذا حزت ثقته وبالتالي فانت مساعد له في الكثير من الملفات التي يطلب منك متابعتها في الشأنين العام والخاص وفي بعض الاحيان في أمور عائلية.

كان الرئيس الحريري أفضل مكتب تشغيل في العالم. لديه موهبة خاصة في هذا المجال. يستطيع ان يشغّل الناس كل بحسب حجمه وقدراته. يوزع الاعباء بطريقة مدهشة. يأخذ من فلان 90 في المئة ومن غيره 3 في المئة ومن آخر 1 في المئة. كان قادراً على تحديد الدور الذي يريد من الاخر ان يلعبه. وحتى عندما يخطىء باختيار الشخص لا يبعده بل يغّير له مهماته الى ان يجد له المكان المناسب. لم أفهم حتى الآن لماذا كان يتعامل مع اشخاص كنت اعرف رأيه السلبي فيهم. له في ذلك حكمة ومعرفة لا اقدّرها انا شخصياً حتى الآن. ربما جعلته كثرة الملفات وتنوّع المهمات يعتقد ان في استطاعته ادارة هذا العدد من الاشخاص على اختلاف سلبياتهم وايجابياتهم. اردت القول ان مهنة المستشار انتهت منذ مئات السنين، وان ما نشهده ونتحدث عنه وهو المساعد الشخصي الذي يتدخل في كل الملفات وأولها الملفات التي يتعرف اليها للمرة الاولى.
* عملت الى جانب الرئيس الحريري نحو 11 سنة؟
“لا أدعي أنه كان لي الدور الكبير، وإنما أدعي أن الرئيس الحريري تحمل مني أكثر بكثير مما يتحمل السياسيون الكبار من مستشاريهم. وقتها لم يكن لدي هذا الاحساس بخطورة المواضيع. كنت أميل الى المواجهة أكثر من المهادنة أو الالتفاف حول المواضيع. فالقضايا الاستراتيجية تحتمل التسويات والقضايا التكتيكية تحتمل المواجهة. تقبّل الرئيس الحريري مني الحدة التي كانت تصدر مني بصدر واسع بصرف النظر عما اذا اخذ برأيي ام لا. عندما أتذكر تلك المواقف اذكر رحابة صدره أمام حدة طبعي وتسرعي للمواجهة.
* هل سبب تحملك هو الثقة؟
“ليس هناك تفسير آخر، لأنه ليس لي أجندة خارج الاهتمام بصحة صورته السياسية. وهذا الاهتمام نابع من تنمية فكرة الدولة ورعايتها بعد غيابها فترة طويلة وهذا ما ولد بيننا الحرارة في العلاقة الشخصية وحميمية في العلاقة السياسية. كان يدرك صفاء نيتي.
يقول المشنوق في طبيعة الحال تقع بين يدي المستشار كمية من الاسرار، ومن المهم ان يتصرف تجاهها بمسؤولية ولا يستعملها في أي ظرف تجاه أي شخص تتعلق به هذه الاسرار.
* هل كنت على اطلاع على كمية كبيرة من الأسرار؟
“هذه من المبالغات أيضاً، الاسرار أمر طبيعي في العمل الى جانب الرئيس الحريري 11 عاماً، ولكن الأسرار الحقيقية كانت معه وذهبت معه. لا أحد يستطيع أن يدعي أنه نسخة من ذاكرة رفيق الحريري التي تحوي كل الاسرار. ويعرف اي مستشار جزءاً منها ويعرف غيره جزءاً آخراً يعرف ويعرف وزير جزءاً ثالثاً ولكن لا أحد يملك كل الاسرار.
ورداً عن سؤال حول التفكير في كتابة مذكرات يجيب أن أصعب شيء في الكتابة هو إحساس الكاتب بأنه يكشف عن معلومات ووقائع تكشف أناساً في مواقع رسمية وجدية بصورة غير تلك الشائعة عنهم والمعروفة، وبالتالي تصبح وكأنك ذاهب الى موقع لا تريده وهو التشهير. في هذه الحال تكون أمام خيارين إما التعديل في الوقائع وتجميلها وتخسر الذكريات الكثير من وقائعها الاصلية وذلك منعاً للتشهير بأحد أو تنسى الموضوع، وتعتبرها تجربة تعلمت منها ما استطعت، وحافظت على صدقيتك تجاه من تعرفه ومن ستتعرف عليه. “ليس لدي الرغبة في أضواء الشهرة بسبب المذكرات”.
* هل كان المجتمع السياسي عارياً الى هذه الدرجة من الداخل وقبيحاً، فإما طمس ذكرياته وإما التجميل؟
“كل مجتمع سياسي في العالم عار في داخله، وكل مجتمع فني كذلك وكل من يتعامل في الشأن العام، يجد أنه في داخله عار. هناك الصورة الحقيقية، التي تختلف عن الصورة التي يعرفها الناس. كم سمعنا عن شخصيات فنية وسياسية ورجال اعمال وعن شخصيات مختلفة لديهم أمور خاصة تختلف عن تلك التي يعرفها الناس عنهم.
* هل قمتم بما يسمى ب)ـ dirty jobs اعمال قذرة ؟(
“ليس لبنان الملعب المناسب لذلك، لا للمستشار ولا للسياسي للقيام بـ dirty jobs والرئيس الحريري لم يكن في طبعه التفكير بهذا الامر. كان عنده قطع تام وحاسم وجازم لاي أمر غير العمل السياسي السلمي والطبيعي. كان يعرف عن “الاعمال القذرة” التي تحاك ضده وكان رده في السياسة ولا يخطر له ابداً القيام بأي لعبة قذرة.
ولكن في الوقت نفسه، يعتبر المشنوق أن العمل لاستمالة أشخاص أو تقريبهم من خط الرئيس الحريري شكل جزءاً طبيعياً في العمل السياسي. “وفي هذا المعنى صفة المستشار ليست الصفة الدقيقة، نحن هنا نتحدث عن “المساعد السياسي”، قد تكون هذه الصفة هي الاكثر تعبيراً عن الدور المقصود، اي عن الشخص المكلف القيام باعمال معينة كالاتصالات والتقريب والمصالحة وهو لا ينجح بهذا الدور إلا إذا كان قادراً على المبادرة من تلقاء نفسه تجاه السياسي الذي يعمل معه وتجاه الاطراف الاخرى، من دون ان يتجاوز السلوك السياسي للشخص الذي يعمل لديه.
* هل دفعت كثرة المستشارين حول الرئيس الحريري الى اثارة الغيرة بين بعضهم البعض والحسد، وبالتالي التنافس غير الشريف في ما بينهم للتقرب منه سواء بالممالقة أو بقول ما يحب أن يسمع وليس ما يجب أن يسمع؟
“أمر طبيعي، وجود ممالقين في أي مكان، ويتوقف الامر على قدرة السياسيين على التمييز بين ما يسمعونه من معطيات. في محيط كل السياسيين منافقون. ليس النفاق تنازلاً وليست الحقيقة كلها بطولة.
* يحكى انه كان متأثراً بطريقة كلامك وحركات رأسك ويديك ؟
أنا من الاوائل الذين عاشرهم منذ أن وصل الى لبنان. قد يكون العكس، قد أكون أنا متأثر بحركاته وبعاداته.