“المجالس بالأمانات” – الربيع في مراحله الانتقالية: فداحة عقودٍ من التراكمات لا تًمحى بين ليلة وضحاها

مقابلات اذاعية 28 أغسطس 2011 0

نهاد المشنوق إسم لم يسقط سهواً على المشهد السياسي والإعلامي، الصحافي لبنانياً وعربياً، ولد وملعقة النطق في فمه، وإذا كان الصمت من فضة فالكلام مع نهاد المشنوق من ذهب، ونتجرأ معه هنا على تحريف المثل الشائع.

س- أونصة الذهب غالية الثمن في هذه الأيام، والبورصات تشتكي في أي ميزان تضع الكلام عن ربيع العرب وأسرار المنطقة في ميزان الجوهرجي طالما ركّزنا على الذهب وكلامك من ذهب؟
ج- ميزان الحق الذي استيقظ بعد فترة طويلة من السبات ومن المنع، نحن نعيش الآن مرحلة رغم كل المصاعب، ورغم كل الدم الذي نراه هي مرحلة من أجمل المراحل التي ممكن أن يعيشها الإنسان العربي في كل مكان، نشعر ونحن نشاهد التلفاز كل يوم بالوجع على ما يحدث في سوريا واليمن أو في ليبيا التي إن شاء الله وصلت الى النهايات، ولكن إذا برّدنا عقلنا قليلاً وفكرنا نكتشف بأننا نعيش في زمن جميل تتغير فيه كل المعايير، والظلم يُزاح، والقهر والكبت أيضاً عن صدور الناس بعد عشرات السنين، بعد 40 أو 50 سنة من ظلام وظلم وقهر في كل الأنظمة العربية التي أرادت في السنوات العشر الأخيرة أن تبقى على اسم الجمهورية، لكن أن تتحول الى ملكية ووراثات، نحن عشنا في السنوات العشر الأخيرة عصر من الفساد يُكتب عنه كتب لا تنتهي بعد فترة من الفترات سواء في مصر أو في سوريا أو في اليمن أو في ليبيا وغداً في الجزائر، وفي كل مكان شهد في السنوات العشر الأخيرة تغيّر لصالح المزيد من قهر الناس، والمزيد من فرص الوراثة السياسية عليهم تحت شعار الجمهورية التي لا تعيش إلا بواسطة العائلة.

س- هذا الربيع الذي أزهر في عز الشتاء 2010-2011 عواصف هذا الشتاء ألم تأخذه حين أزهر الربيع ،الى أين أخذت هذا الربيع؟
ج- الخوف والقلق أمر طبيعي ولكن هذا في المرحلة الإنتقالية، في كل مكان من هذا العالم العربي أمر طبيعي وجود القلق والخوف، لأننا تعوّدنا على أربعين أو خمسين سنة من الإستقرار الظالم، ولم نعد نستطيع التفريق بين الإستقرار وبين الظلم، عندما نرى ان هناك فوضى وارتباك وقلق نعتبر ان هذه الحركة ثورية ممكن أن تحيد عن طريقها السليم وتصل الى أمكنة لا نريدها أن تصل إليها، وأن تعبّر فقد عن اضطرابات كما بعض اللبنانيين المسؤولين وصفوها، ولكن هذا كلام غير صحيح. لذا يجب إعطاءها وقتها ويجب أن نعبر وأن نتحمل وأن ندعو كل الوقت الى مزيد من التصويب والمزيد من الجدّية والمزيد من الأمل، والذي ثبت ان ظلم أربعين أو خمسين سنة لن ينتهي في اربعة أو خمسة أشهر وكأن شيئا لم يحصل، هذه الأمور ستستغرق وقتاً .

س- لكن على حساب من الوقت والوقت يأكل؟
ج- الوقت يزيد قلق الناس أكثر مما يأكل، لكن أعود وأقول لأننا لم نعد نفرّق بين الإستقرار والظلم وأصبحنا نعتبر ان الإستقرار ملازم للظلم، وبالتالي بعض الناس إذا كان الإستقرار سيكون ثمنه فوضى لمدة معيّنة أو بخسائر محدّدة يشعرون بالقلق، ولكن بالنتيجة خلال سنة أو سنتين بالحد الأقصى سنشهد ربيع عربي حقيقي بأنظمة منتخبة وديموقراطية، تعبّرعن شعوبها بشكل طبيعي ورصين وجدّي، بدون قهر وبدون أجهزة مخابرات تُعلّمهم صباحاً وظهراً ومساءً ماذا يفعلون.

س- طالما نتحدث عن الربيع العربي الحقيقي الآتي، بعيداً عن التفاصيل المصرية والتونسية واليمنية والليبية والسورية، ما هي الخريطة التي ترسمها اليوم للمنطقة؟ ومن يرسم هذه الخريطة الجديدة للمنطقة؟
ج- لو تبيّن ان كلامي غير تقليدي وغريب بهذا المعنى، فالشعوب هي التي ترسم الخريطة، والشعوب هي التي تُغيّر مصيرها.

س- لكن البعض لم يُصدّق؟
ج- أنا قلت هذا كلام غير تقليدي وذكرت اننا تعوّدنا على استقرار ظالم جعلنا نعتقد ان لا شيء يتغيّر إلا بأمر من السياسات الكبرى في واشنطن وفي اوروبا وفي كل مكان، هذه الشعوب قررت أن تستيقظ ترفض الظلم والقهر.

س- لكن الشعوب لم تستقر حتى اليوم لا في مصر ولا في تونس ولا في غيرها؟
ج- هنا نعود الى بدايات الكلام، هذه الخمسين سنة الماضية لا يمكن أن يُخلق أو يولد منها وضع جديد مستقر قبل مرور مدّة زمنية كافية، نحن هنا لا نتكلم عن انقلاب عسكري بمعنى أن مجموعة من الجيش جاءت وأزاحت النظام واستلمت مكانه، نحن نتحدث هنا عن ثورة شعبية لم يشهدها العرب منذ مئات السنين على عكس الشائع، كل ما شهدناه سابقاً في العالم العربي من اتفاقية سايكس-بيكو حتى اليوم أما مواجهة للإستعمار وأما انقلابات عسكرية، نحن ننسى اننا لم نشهد سابقاً لا على حياتنا ولا على حياة الذين قبلنا منذ مئات السنين، وبشكل أدق منذ قيام هذه الكيانات العربية بحدودها الحالية لم تشهد ثورة شعبية إلا ضد الإحتلال كما حدث في مصر وفي تونس وفي المغرب وفي الجزائر وفي لبنان بنسبة أقل، وفي سوريا بوجه الإحتلال، لكن لم نشهد ثورة شعبية حقيقية تطالب بحقوقها وبالحرية وبالكرامة وبالعدالة لها، وهناك أمر أهم، كل الناس تستغرب لماذا ما حصل حصل بالسرعة التي رأيناها فيها، مصر رغم غيابها سنوات طويلة جداً عن دورها في العالم العربي وإن شاء الله تستعيدها الآن، ولكن ليس بسرعة أيضاً مصر هي النموذج بمجرّد أن تتغير مصر لا أحد يستطيع أن يدّعي انه خارج التغيير لأنها هي النموذج.

س- ما هي البدائل خاصة وإننا نسمع اليوم الشعب يريد، والشعب يموت، والشعب يدفع الثمن ويستشهد، والشعب أيضاً يدفع ثمن العقوبات على دولة ولكن أين البدائل؟
ج- هذه أمور مدّتها محدودة، نحن سؤالك هو تفتيش عن المستقبل في الماضي.

س- كيف؟
ج- نحن نفتش بعقلنا على ما نعرفه، وهو ان هناك مجموعة جاهزة للإستلام مكان مجموعة ظالمة، هذا الأمر مختلف وهذا يصبح انقلاب وليس ثورة شعبية، لا يصل أحد الى البديل إلا عبر الإنتخابات، نحن الآن نخوض مرحلة المخاض أو “الطلق” قبل الولادة، والولادة هي الإنتخابات وأن تختار الناس ممثليها بشكل حقيقي وبشكل جدي، وتختار من يُعبّر عن رأيهم وعن حقوقهم وعن حريتهم وعن عدالتهم وعن كرامتهم.
أعود وأكرر نحن لم نشهد في المئات السنوات الأخيرة ثورة شعبية عربية، شهدنا ثورات في مواجهة الإحتلال، شهدنا انقلابات عسكرية تًزيح هذا النظام ويأتي الجيش ويستلم ثم يأتي انقلاب عسكري آخر وآخر وآخر الى أن يأتي انقلاب عسكري ويستمر ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة. أما الآن فهذه ثورة الشعوب وغداً سيكتب التاريخ بشكل جدّي ورصين بعد عشر سنوات أو أكثر بأن هذه هي فعلاً ثورة الشعوب، وليس ثورة مجموعة عسكرية أو مدنية أو انقلابية، نحن لم نتعوّد على هذا الأمر ولا نعرفه.

س- من هنا، عندما سألت عن البدائل قلت ان البديل هو الإنتخابات، ولكن البعض يقول هل البدائل أنظمة أم أشخاص أم قادة أم مجالس وطنية؟
ج- الإنتخابات هي التي تولّد وهي التي تفرز نتائج واتجاهات وأشخاص، والتجربة هي التي تجعل من هذا الشخص أن ينجح أكثر من غيره أو أن يكون قادراً أكثر من غيره. فعلى الأقل في التجربة الليبيبة، من كان يُصدّق ان هناك مجموعة محترمة رصينة جديّة مثل رئيس المجلس الوطني الإنتقالي ونائبه عبدالحفيظ غوقة الذي سمعته صباحاً على التلفزيون وكان يتحدث بكلام رصين، ووالده أعرفه وهو شخص جدّي وكان سفيراً في لبنان في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات، من كان يُصدّق ان هذا الشخص الرصين الهاديء الوقور مثل مصطفى عبدالجليل رئيس المجلس الوطني الإنتقالي يقف ويتحدث بصفاء وبهدوء وبصدق وبجدّية عن مستقبل أولاه وبلاده في نفس الوقت، وواضح انه لا يرغب أن يكون شيئاً في المستقبل، بل كل ما يفعله هو تأمين البلد، وربما لاحقاً يعمل شيء آخر في حياته، هذه نماذج من الناس الطبيعية.

س- أنت أخذت النموذج الليبي ولكن هل كل النماذج تتشابه؟
ج- أنا أخذت النموذج الليبي لأنه يوجد مجلس انتقالي يمكن التحدث عنه، أما في مصر فالأمور لها طبيعة مختلفة، بمعنى من كان يُصدّق انه في مصر بعد خمسين سنة من الحكم العسكري بشكل أو بآخر أن تأتي مجموعة من الشباب، وهنا فلننسَ التنظيمات الحزبية والجيش، فهناك فرقة ثالثة استطاعت فرض رأيها في كل مفصل وفي كل قضية، هذه الفرقة مجموعة شباب صغار مثقفين يعرفون مصلحة بلدهم، ولهم علاقة بالعصر والحداثة والعلم، ويتحدثون عن كل المواضيع وعن معرفة ولا يتحدثون عن فوضى، هذه النماذج سنراها لاحقاً أمامنا.
كما سبق وقلت، هناك مرحلة انتهت وأكثر ما أشار اليها هو مشاهدة حسني مبارك في الزنزانة يتعرض للمحاكمة والمساءلة، هذه مرحلة انتهت من تاريخ العالم العربي، لم يعد باستطاعتنا التفكير بهذه المرحلة لأنه لم يبقَ منها شيء، ولنتعوّد على مرحلة جديدة.
نحن قضيتنا ثلاثين أو أربعين سنة من حياتنا سواء أنتِ أم انا نتفرّج على الحاكم المطلق الدائم الى الأبد ونمدحه عندما يقوم بأي عمل بسيط بأن هذا عطاء منه للشعب أو تشجيع منه على تعليم الشعب أو على أي أمر آخر.

س- ربما البعض انزعج من سقوط مبارك؟
ج- طبعاً لأننا لم نتعوّد على ذلك، ونحن لم نتعوّد على الثورات الشعبية، وهناك أشخاص أعمارهم الآن أربعين سنة لم يعرفوا في الحكم سوى الأشخاص الذين ظهروا ولا يعرفون غيرهم لا في سوريا ولا في اليمن ولا في مصر ولا في تونس.

س- لكن متى التغيير؟
ج- سوف تأخذ الأمور وقتها الطبيعي، الحديث عن الوضع في العالم العربي ونتائجه التي ستظهر والمستقرة، والتي نستطيع أن نحكم عليها لن يكون قبل ثلأث أو أربع سنوات، لذا علينا أن لا نستعجل الأمور.

س- من الآتي بعد السقوط الثالث الذي هو القذافي؟
ج- الناس تعوّدت وجود البديل الذي ينتظر وراء الباب فيزيح هذا الرئيس ويحل محله، أما اليوم فهناك أمر جديد يحصل، ليس من تقاليدنا وأعرافنا وليس من وعينا السياسي ولا الشخصي، يعني هناك شيء جديد يجب أن نتعرّف عليه.

س- اليوم حضرتك تقول شيء جديد لأن البعض وضع في ذهنه بأنه بكبسة زر تلفت الشعوب هذا الأمر، أين كان هذا الزر؟
ج- أين كان هذا الزر قبل عشر سنوات وقبل خمس سنوات وقبل 15 سنة لا يوجد زر، إنما في العشر سنوات الأخيرة هذه الأنظمة افتعلت أمرين كبيرين لا سابق لهما:
الأمر الأول: حجم الفساد الذي لا يمكن تصوّره، والأمور التي تظهر الآن سواء في اليمن أو في ليبيا أو في تونس أو في مصر، قصص كقصص ألف ليلة وليلة عن حجم الفساد.
الأمر الثاني: ان الحكام تجاهلوا الشعب لدرجة انهم اعتقدوا انهم أصبحوا سلالة مالكة وبإمكانهم توريث أولادهم، وعلى الشعب أن يرضى ويفرح، وأن يعتبر ان هذه هدية كبيرة من القدر حصل عليها.

س- وماذا عن الترويج لنظرية المؤامرة؟
ج- هناك ما هو أفظع من ذلك، بحيث إذا المخابرات العربية تحدثت مع الموقوف بطريقة طبيعية نعتبر ان هذا تطوّر كبير في طبيعة النظام، وليس ان المخابرات لا يحق لهم بالأصل أن يتحدثوا مع مواطن بدون أن يكون القضاء هو الحكم في هذا الموضوع، نحن نسينا الأمورالطبيعية، ونسينا الإنسان وانجرفنا نحو القبول بالحد الأنى من القائد الى الأبد، وأي شيء يعطينا إياه نعتبر ان هذا كرم أخلاق كبير منه، ليس ان هذا من حقنا.

س- كلامك جديد اليوم استاذ نهاد؟
ج- الدنيا تتغير.

س- كلام جديد تسليطاً للضوء على هذا الموضوع بأن الكل يعتبر بأن هناك مؤامرة وان هناك كبسة زر، والكل يقول ان العرب يتلقون من الخارج؟
ج- ما هو هذا الزر القادر على اليمن وبذات الوقت القادر على غيره؟.

س- كلامك مُقنع لدرجة كبيرة، وكلن ما هو الرابط بين ما يحصل في ليبيا وما يحصل في سوريا عندما نقرأ في صحيفة “الغارديان” ان الضغوط على سوريا تُثير للمرة الأولى النموذج الليبي؟
ج- أعتقد ان هذا الأمر يتعلق بطبيعة العقوبات، بمعنى تشابه العقوبات بين البلدين، وبالتالي تشابه نتائج هذه العقوبات، هذا ما يؤدي الى هذه المقارنة.

النقطة الثانية التي يمكن المقارنة فيها ان هذا النظام الليبي نظام لم يتعلم مما حصل حوله لأن تونس على حدوده من جهة ومن جهة ثانية مصر على حدوده، ورفض وعبّر بطريقة قاتلة وفظيعة من حيث التجروء على الناس، ومن حيث القسوة والتجبر والظلم ومدى تشبّعه بذاته، بأنه هو الإله الذي لا يخطيء ولا يفعل أي شيء خطأ، وهو الذي أعطى الشعب الليبي حقه في الحياة، وهو وهو وهو.. بصيغة أخرى لأن لكل إنسان أسلوبه، الرئيس السوري لا يزال حتى الآن يرفض الإعتراف أيضاً بما حدث حوله، وما يحدث في العالم العربي، ويتحدث عن الإصلاح في كل الوقت بطريقة تقنية لها علاقة بنصوص جامدة، ومراسيم تصدر ليس فيها أي حرف ولا كلمة، عن الحرية أو العدالة أو الكرامة، أو وقف هذا الحق المطلق للأجهزة الأمنية بظلم الناس. وفي آخر كلام سمعته للرئيس الأسد في المرتين الأخيرتين كان يتحدث بكلام له طبيعة تقنية مئة بالمئة، وليس له أي علاقة بالمشاعر ولا بالناس ولا بالشهداء الذين يموتون، ولا علاقة له بمشاعرهم ومشاعر أهلهم، وطريقة كلامه تقسيم البلد الى بؤر أمنية لا بد من حلّها وحسمها بالشكل العسكري، دون إعطائها أي مضمون إنساني أو سياسي أو اجتماعي.

س- ما هي الخيارات الصعبة أمام النظام السوري؟
ج- أعتقد ان أمامه خيار وحيد الآن هو ان يستسلم لإرادة الناس، وليس أمامه خيارات متعدّدة، خياره الوحيد الإستمرار بقتل الناس والإستمرار بالتعامل مع الناس باعتبارها مجموعات إرهابية، ومع الشعب السوري باعتبار ان هناك 10 أو 12 مليون إرهابي، وبالنتيجة ليس أمامه أي خيار إلا المزيد من الدم والمزيد من المواجهة مع الشعب، حتى الوصول الى الإستسلام لإرادة الناس، ولم يعد مُتاح أمامه أي شيء آخر.

دعينا نرجع الى الأساس، العالم العربي نتيجة طبائع أنظمته تقسّم الى ثلاثة نماذج:
النموذج الأول: الجمهوريات التي أرادت التصرّف على انها ملكيات، وهذا الأمر يعني مصر، ليبيا، تونس، الجزائر واليمن، بشكل أو بآخر، بصرف النظر عن الجغرافيا، وهذه الجمهوريات وضع شعبها النهائي وتطوّر أمورها بعد النموذج المصري، أنها مُقبلة على تغيير كامل للأنظمة السياسية، بما فيها الجزائر التي سنسمع عنها الأسبوع المقبل والذي يلي والذي يلي بأن هذه الحركة بدأت فيها.
النموذج الثاني: هو الملكيات التي بدأت أيضا بالتحوّل بداية من النموذج المغربي والأردني ومع الوقت نموذج دول مجلس التعاون الذي ضمّ الأردن والمغرب لتسليم تدريجي لمنطق الملكيات الدستورية، التي تحكم بواسطة الإنتخابات وخيارات الشعب التي يُقررها في صندوقة الإقتراع، ولكن هذه المسألة ستستغرق سنوات أكثر وجهد أكثر للتطبيق، ولكنها ستحدث، ولكن الأمر سيستغرق سنوات، لأن طبيعة المجتمعات في هذه الدول هي مجتمعات محافظة جداً أكثر من المجتمعات في الجمهوريات التي ادّعت الملكية، وهناك مشروعية ما لهذه الأنظمة قادرة على أن تتطور، أما بالرضى وأما بغير الرضى، وهذا الأمر يحتاج من خمس الى عشر سنوات.
النموذج الثالث هو : ما أطلق عليه عنوان الأنظمة المختلطة مثل سوريا، والى حد كبير السودان بأن هناك مشاكل في الداخل لها علاقة بطبيعة الأقلية والأكثرية.

س- ألم يمر الربيع على السودان وانتهى؟
ج- لا أعتقد ذلك، والسؤال مازال مطروحاً حول السودان، ما عُرض على سوريا وبطبيعة الأمر على القيادة السورية منذ اليوم الأول، أن يكون هناك رئيساً سابقاً لسوريا أي انه يجري انتخاب الرئيس لولاية مُحدّدة، وعند انتهاء ولايته يذهب الى منزله، ويُصبح لسوريا رئيس سابق مقيم في المنزل كما هو الحال في لبنان، لأن لبنان هو الدولة العربية الوحيدة التي فيها رئيس سابق، أما الرؤساء السابقين في العالم العربي فهم أما مُغتال وأما بالسجن وأما بالمنفى.

س- هنا تذكّرني بالرئيس الراحل الياس الهراوي عندما قال شرف كبير لي أن تتم عملية التسليم والتسلّم؟
ج- نحن الآن عندنا رؤساء سابقين يعيشون معنا ونراهم كل يوم بشكل طبيعي، وهذا الأمر لا يُقلل من شأنهم، إنما بالعكس يُعزز فكرة تداول السلطة في لبنان وماذا فعلت.
إذاً هذه النماذج الثلاثة أي عالم اجتماع ينظر إليها بشكل طبيعي، يجد ان الأمور تتطوّر في هذا الإتجاه، والدليل ان تركيا ولبنان وإسرائيل لن تشهد ثورات شعبية، لأن في تركيا وإسرائيل هناك تداول طبيعي للسلطة نتيجة الإنتخابات، ولبنان رغم كل مشاكله فيه الحد الأدنى من تداول السلطة عبر صندوق الإقتراع، وهذا هو الأمر بشكل مبّسط.

س- أنت تتحدث عن وقت ستستغرقه هذه الأمور، ولكن ونحن في محطات الإنتظار نلاحظ مُستجدات لافتة، ففي الملف السوري الرئيس ساركوزي يقول شروط التدخل العسكري في سوريا غير متوفرة، ورئيس الوزراء القطري يقول سوريا شقيقة واستقرارها مهم في العالم العربي، وأمير قطر زار إيران فهل تم فك العلاقة بين إيران وسوريا ومَن ضحّى بمَن؟
ج- دعينا لا نخلط الأمور ببعضها، هناك تطوّر لافت من وجهة نظري غير جدي، ولكن لا بد من الإعتراف بأنه لافت ان الرئيس الإيراني في حديثه لتلفزيون “المنار” تحدث عن الإصلاحات في سوريا والحوار بين المعارضة والنظام.

س- هذا تقدّم؟
ج- هذا تطوّر وليس تقدّم، لأن المضحك ان الرئيس الإيراني يقول هذا الكلام عن دولة عربية أخرى، وهو حتى أسابيع قليلة ماضية قامع لكل التظاهرات، ولا يعترف بالمعارضة ويضعها في الإقامة الجبرية، وألغى حقّها بالتعبير، ولعن أبوها كما يُقال. فهذا شيء مضحك، ولكن مقارنة مضحكة وغير عادلة، ولكن لا بد من الإعتراف بأن هناك تطوّر لافت في الحدث عن ضرورة الإصلاح في سوريا، هذا الأمر تكرر بالأمس في حديث السيد حسن نصرالله عن سوريا والإصلاحات، ولكن قال له أمامك ثلاث أو أربع سنوات لكي تقوم بهذه الإصلاحات بالشكل الذي يناسبك. على كل حال كلام فولكلوري لا يوحي بجدّية ولكنه لافت.

س- لافت بأن هناك تقدّم وتطوّر بكلام قادة الممانعة؟
ج- هذا كلام دليل يأس على ان هذه المجموعة، خاصة الإيراني المتحالف مع سوريا، يعتبر ان سوريا أو النظام السوري بدأ يفقد الأمل جدياً بأن يستمر في الحياة السياسية، ولا بد من دعوته علناًَ الى الإصلاحات وصولاً الى الإنتخابات، لأن المشكلة الكبيرة عدم قبول هذا العقل، بما يُسمّى صيغة الرئيس السابق، عليه القبول بأن يكون الرئيس الحالي رئيس سابق بعد انتخاب، لكن تطوّر الوضع في سوريا الآن يمنع انتخابه ويمنع انتخاب أي واحد آخر، لأن الأمور وصلت الى مكان قاسي جداً، ووصل الخلاف أو المواجهة بين الثورة السورية الشعبية وبين النظام الى مكان لا أعتقد ان هناك عودة عنه.

س- من المستجدات اللافتة أيضاً تصريح وزير الخارجية التركي داوود اوغلو الذي قال فيه إذا علينا الإختيار بين الحكومة والشعب السوري نختار الشعب، وأيضا اجتماع طارىء في الجامعة العربية أمس، الجامعة العربية التي تبحث عن مساعدة سوريا في الإستقرار والإصلاح، البعض يسأل أين السعودية من هذه المعادلات والمستجدات؟
ج- دعينا نبدأ بالحديث عن السعودية، ففي البيان الذي صدر عن خادم الحرمين الشريفين منذ عشرة أيام أو أكثر هو كلام واضح وصريح، ودعوة مباشرة الى اعتراف علني بحق الشعب السوري بالكرامة والعزة والكبرياء، وبالتحديد التفصيلي، وان عناوين الخلاف لا تستأهل ما يقوم به النظام تجاه شعبه من قتل وقهر وظلم، ومن التعامل معهم باعتبار ان هذا الشعب عبارة عن بؤر أمنية يجب تأديبها بواسطة السلاح والجيش، فالسعودية اعتبرت ان هذه خطوة كبيرة ومتقدمة، ولا بد أن يتبعها على طريقتهم بأخذ وقتهم للأمور، لا بد أن يتبعها مزيد من التعبير، ومزيد من التغيير بالموقف السعودي.

س- هل تتحرك قطر بالتنسيق مع السعودية؟
ج- بالتأكيد رئيس الوزراء القطري كان في زيارة للسعودية منذ ثلاثة أيام والتقى الملك عبدالله، وبالتأكيد ان القطريين ينسّقون مع السعودية، ولكن هذا الموقف القطري العلني هو تسهيل أو تمهيد لاجتماع الجامعة العربية الذي حصل بالأمس.

س- فينا نقول صح النوم للجامعة العربية، البعض يقول، وأنت ماذا تقول؟
ج- هم لم يتعودوا بعد على التعامل مع الثورة الشعبية، والثورات الشعبية ليست جزءا من تقاليد العمل في الجامعة العربية التي هي مؤسسة تقليدية قديمة متهالكة، لها قيمة معنوية محدودة، لكن ليس لها تأثير جدّي وفعّال داخل الأنظمة العربية. لذلك لم يتعودّوا بعد كيفية التعامل مع الثورات الشعبية وكيفية توجيه الرسائل الى النظام، وعن أي نظام سيتحدثون؟ هل هذا النظام الشريك معهم؟ أوالنظام الذي كان شريكهم؟ أو النظام الذي سيصبح شريكهم؟ وبالتالي عندهم مشكلة بهذا المعنى، لذلك أنا لا أعلّق أهمية كبيرة عما صدر البارحة عن الجامعة العربية، ولكن أعلّق أهمية أكثر للمرة الأولى على الشعب السوري ماذا يريد وماذا يُقرّر، ولا أحد سيُقرّر نيابة عن الشعب السوري.

س- لكن في مجلس الأمن تقديم روسيا مشروع مضاد أثار استغراب مجلس الأمن، ماذا يجري؟ هناك مشاريع ومشاريع مضادة؟
ج- دعينا نحصي أنا وإياكِ الموقف الروسي، الموقف القطري، الموقف الإيراني، موقف “حزب الله” وموقف كل الآخرين، هناك حقيقتان الآن بالوضع السوري واضحتان:
الحقيقة الأولى: ان هناك معارضة كل الناس تعترف بها.
الحقيقة الثانية: بما فيهم حلفاء سوريا وأصدقائها يعترفون بضرورة إجراء الإصلاحات.
بمعنى ان هناك واقعتان جديدتان بالتعامل مع الوضع السوري :
الأولى: ان هناك معارضة وليس نظاماً الى الأبد، والإعتراف بالمعارضة من قبل حلفاء سوريا.
النقطة الثانية: ان هناك ضرورة لإجراء اصلاحات. هذه خطوة كبيرة ومتقدّمة على طريق التغيير المقبل في سوريا.

س- والتصفيق لمن هنا؟
ج- طبعاً التصفيق للشعب، طبعاً.. طبعاً.

س- ولبنان بأي مربع من المربعات الجديدة أو على أي خط من خطوط خريطة المنطقة والشعوب؟
ج- لبنان جزء من جغرافيته ، لبنان واقع على خط زلازل، لبنان دولة على خط زلازل سياسية، وهو تعوّد على هذه الإرتدادات، وتعوّد على التعامل معها بالحد الأدنى، بالحد المتوسط، بالحد الأقصى من الخسائر، أنا أعتقد ان ما نراه الآن هو الحد الأدنى من الخسائر وليس الحد الأقصى.

س- لكن انعكاس المرحلة الإنتقالية السورية على لبنان، لطالما ارتبط استقرار لبنان باستقرار سوريا؟
ج- استقرار لبنان يرتبك بحرية سوريا.

س- السيد نصر الله ربط استقرار لبنان باستقرار سوريا، وقال الإخلاص للبنان ولفلسطين يقضي بدعم سوريا؟
ج- صحيح الإخلاص للبنان وفلسطين يقضي بدعم حرية الشعب السوري، وليس بدعم النظام السوري، هناك فرق كبير بين الإثنين، سوريا كلمة عامة فيها النظام وفيها الشعب، وقضية فلسطين هي قضية مقيمة في سوريا وفي الشعب السوري وليس في النظام السوري. العروبة مقيمة في سوريا عند الشعب السوري وليس عند النظام السوري، الحرية مقيمة في سوريا عند الشعب السوري وليس عند النظام السوري، كفى مبالغات، السيد نصرالله يتصرّف بشكل طبيعي كجزء من التزامه بهذا النظام، وبعلاقته فيه التي عمرها عشرات السنين سواء، وأولاً وآخراً عبر إيران، هذا الخط السياسي الأمني يبدأ في طهران ويمر في دمشق وينتهي في بيروت، ولكن هذه مرحلة أو طبيعة من السياسة صارت على غروب وليس على شروق،

س- هذا الغروب ما هو تأثيره على لبنان؟
ج- تأثيره على لبنان هو مدى استطاعة اللبنانيين في الوقت المناسب التصرّف بشكل عقلاني، وبأنهم لا يستطيعون منع التغيير في سوريا، ولا يمكن إلا أن يكونوا مع التغيير في سوريا، ومع حرية الشعب السوري وحقه بتقرير نظامه السياسي وحريته وعدالته وكرامته، ووقف هذه الأنظمة الإلهية التي تقع عليه والذي ليس له نصيب في اختيارها أوتنظيمها.
هذا الدرس السياسي يلزمه بعض الوقت لكي يفهمه اللبنانيون، ووقت أكبر ليفهمه “حزب الله” ويلزمه وقت أكثر وأكثر لتفهمه كل القوى السياسية التي وضعت نفسها ووضعت كل رصيدها بخدمة نظام راحل وليس باقياً.

س- لكن لبنان يواجه كل هذه العواصف التي تعدّدها بشكل حكومي ونيابي، والجنرال عون يؤجل تطيير الحكومة من جلسة الى جلسة كهربائية، والآن أجّل الإستقالة الى 7 أيلول إلا إذا؟ هل هذا سيناريو في الظاهر أو من يناور على مَن؟
ج- لقد قرأت مقالاً للأستاذ خبر الله خيرالله يقول فيه ان لبنان ليس بحاجة الى كهرباء، بل هناك قوى سياسية في لبنان بحاجة الى جلسات كهربائية لكي تهدأ ويهدأ عقلها، وتعرف ان التغيير أكبر من قدرتها ومن رغبتها ومن مراهنتها العمياء على سياسة لن تعيش في سوريا ولن تبقى في لبنان مهما كانت الصعوبات.

س- وتصرّف جنبلاط كهربائياً انطلاقاً من موقف سياسي أو من موقف جلسة كهرباء؟
ج- أنا عندي نصيحة بموقف جنبلاط أعطيتها لنفسي قبل إعطائها لغيري، بأن أفضل شيء في هذه المرحلة، وقليلاً من الماضي ولاحقاً لفترة طويلة تجاهل مواقف الأستاذ وليد جنبلاط، لأن بذلك أنت ترتاح وهو يرتاح، ترددات جنبلاط السياسية بمعنى الترددات وليس التردد، وتردداتها الإنسانية والثورة والدبلوماسية متغيّرة ومتقلبة لدرجة، ودعيني أقول اني أفهمها لأنها قائمة على قاعدة الخوف والحسبان لأي تطور أمني، لكن لا أقبلها، أفهمها ولا أقبلها.

س- لكن هو لا يأبه إذا زعزع موقفه من ملف الكهرباء الملف السياسي القائم؟
ج- هذه أيضاً على طريقة الجنرال عون بأن كرامتنا السياسية تتعلق بالكهرباء.
س- لكن ما علاقة الكرامة بالكهرباء وبالمليار و200 مليون دولار؟
ج- هناك من هم بحاجة الى جلسات كهربائية وليس كهرباء.

س- استاذ نهاد من أين تأتي بهذا الإرتياح، تتكلم وأنت مرتاح ويا ليت أستطيع أن أصف للمستعمين كم هو وجهك مرتاح وأنت تتكلم؟
ج- أنا مرتاح لما هو آتٍ وليس للحالي، أنا أرى المصاعب التي نعيشها الآن، وأرى هذا الدم الذي ينزف في سوريا يومياً، وأرى القلق والإضطراب الذي يعيشه ربما المصريين والتوانسة وربما اليمنيين، وربما نهر الدم الذي لم يتوقف في ليبيا حيث آخر رقم تحدث عن 25 ألف قتيل.

س- لكن وهل تذكر كم شهيد سقط في لبنان؟
ج- لكن هؤلاء سقطوا على مدى 20 سنة حرب وليس خلال ثورة شعبية. أنا مرتاح ومطمئن للمقبل من التطورات وليس للوضع الحالي.

س- أنت مرتاح للمستقبل من كل الجهات، مرتاح للمستقبل وكتلة المستقبل؟
ج- طبعا ولكل لبنان وللتطوّر في سوريا، وللنظام القادم في مصر، والنظام القادم في ليبيا، والنظام القادم في اليمن وفي سوريا، كل هذه الأنظمة قادمة على صندوقة الإقتراع التي يقرر فيها الشعب رأيه ومصيره وحريته وقدرته على الحياة بكرامة.
نحن نشهد الآن تقاليد وأعراف وقواعد جديدة بالعمل السياسي إذا نظرنا اليها باليوميات، بمعنى عدد القتلى وعدد الجرحى والإصابات والمشاكل، وعدد المفقودين والمعتقلين، بالتأكيد لن نشعر بشيء سوى القلق، ولكن إذا نظرنا اليها بمنظار بعد خمسين سنة من الظلم بأني ادفع ثمن بسيط وزهيد أمام التغيير الذي أقوم به، أجد نفسي اني مرتاح. وقلت لكِ هذا كلام ليس عادياً ولم نتعوّد عليه من قبل، ولكن أي قراءة بسيطة استشرافية للأمام سنة أو سنتين أو ثلاثة، سنرى الأمور بشكل مختلف تماماً وأنظمة مختلفة تماماً.

س- في خطاباتك خلال الإفطارات قلت ان الحكومة موجود لتشرّع القتل وتشكّك بالمحكمة، وتضيف هذه حكومة مُتهمين، هل تتحمل مسؤولية وخطورة هذا الكلام؟
ج- بالتأكيد أتحمل مسؤوليته، ولكن لماذا القول خطورته، فما قلته وصف واقعي، هذه الحكومة فيها وزراء ممثلين لحزب يضم أربعة متهمين بموجب قرار اتهامي باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبانتظار قرار اتهامي آخر يتعلق بالشهيد جورج حاوي ومحاولة اغتيال مروان حمادة والياس المر، حيث قال القاضي بأن هذه الجرائم مرتبطة بشكل او بآخر بالقرار الإتهامي، وبالتالي مرتبطة بطبيعة المتهمين بالقرار الإتهامي، أنا لا أستطيع أن أقرر يومياً من هي الجهة التي سوف أسلّمها أمري، بمعنى الإغتيالات ونتائجها.
هذه المحكمة كُلفت في وقت من الأوقات، وبإجماع اللبنانيين بما فيهم المعترضين الحاليين ومنهم “حزب الله” وعون وغيرهم، في مؤتمر الحوار وفي البيانات الوزارية للحكومتين السابقتين اللتين شارك فيها “حزب الله” بالإلتزام بقرارات المحكمة الدولية، ثم أتت هذه الحكومة الجديدة لتقول أولاً أنا أحترم ولا ألتزم ومبدئياً، ومؤخراً الرئيس ميقاتي اعتبر ان القرار الإتهامي وجهة نظر، باعتبار ان هناك تعدّد لوجهات النظر حول القرار الإتهامي . فبطبيعة الأمر هذه الحكومة تتصرف باعتبارها انها حكومة معنية بحماية المتهمين، وليس بإيجاد المتهمين، ولا معنية بالإلتزام بالقرارات الدولية التي منها نشأت المحكمة، وبالتالي كيف نصفها؟ ان هذه الحكومة هي التي اتخذت القرار وليس أنا من قرر انها حكومة متهمين.

س- لكن أنتم شركاء في الوطن؟
ج- الوطن شيء والحكومة شيء آخر، الحكومة لا تقرر الوطن، بل الناس تقرر الوطن والشعب كذلك. الوطن والدولة شيء والسلطة شيء آخر، نحن شركاء في الوطن باعتبارنا مواطنين جميعا، وليس باعتبار ان الحكومة وحركة سياسية اسمها “14 آذار” أو تنظيم سياسي اسمه “المستقبل” هم شركاء، نحن طرحنا الحل منذ البداية، وأنا طرحت الحل علناً، ورجوت الرئيس ميقاتي أن يشكّل حكومة اختصاصيين لكي يُبعد هذا الكأس المر أو السم عن حياة اللبنانيين السياسية، ولكن لم يستجب، واعتبر هذا الكلام بمثابة فخ، لكن لم يكن فخاً، نحن قلنا له دعنا نسحب القاتل والقتيل من الحكومة، نسحب الضحية والمجرم من الحكومة، نسحب الظالم والمظلوم من الحكومة، وان نأخذهم الى مكان آخر، ولندع الحكومة تعمل من أجل الناس، ولكن لم يوافق وانتهى الأمر بأن جاء بهذه الحكومة.

س- لكن هل تعتقد ان القرار بيد الرئيس ميقاتي وهو كان يود تأليف حكومة تكنوقراط، وربما هو نادم اليوم على انه لم يفعل ذلك؟
ج- أنا أعتقد انه كان يود ذلك، وكان باستطاعته ذلك لو هو أحسن تقييم نفسه، ولكن هو لم يُحسن تقييم نفسه، بل التزم مٌُسبقاً ومُبّكراً جداً جداً جداً بسياسات وبأفكار وبالتزامات سواءا تجاه سوريا أو تجاه المحكمة، ستورّطه وستورّط البلد بمزيد من الأزمات والمزيد من المشاكل، رغم كل الكلام الملتبس الذي يصدر عنه أو يصدر عن غيره.
عندما تنبري كل قيادات “حزب الله” وتعتبر ان المتهمين أولياء الله وقديسين وأيقونات ومظلومين عند ربهم، فكيف يمكنني أن أفصل بين تمثيل “حزب الله” داخل الحكومة وبين المتهمين؟ ليس أنا من ربط، بل هم الذين ربطوا ووضعوا أنفسهم في وضع حكومة متهمين، وأنا إذا كان عندي رأي بكل مجموعة “14 آذار” أنا أدعو الى مقاطعة تامة للحكومة، وعدم الإعتراف بها وعدم التعامل معها، الى حين جلاء موضوع المتهمين بالقرارات الإتهامية، لأن هذه الحكومة لا تستطيع أن تُعبّر عن اللبنانيين جميعاً، ولا تستطيع أن تحمي حياة اللبنانيين، لأنه لا يمكن أن يكون القاضي والمتهم في نفس المكان، المسؤول والمُرتكب في نفس المكان الذي اسمه الحكومة.

س- من وقع في فخ مقابلة مجلة “التايم”؟
ج- برأيي ليس فخاً، أنا أعتقد ان هذه واحدة من عنتريات “حزب الله” بمعنى انهم يستطيعون عمل ما لا يُعمل، ولا يهتمون لأحد، وهذه المقابلة هي تعبير مماثل لنفس طبيعة الكلام الذي يصدر عن “حزب الله” وحديثه عن المًتهمين سواء من أمينه العام الى آخر مسؤول سياسي في الحزب.

س- وصولاً الى المؤتمرات الصحافية في البرلمان؟
ج- عُقد مؤتمران صحافيان في المجلس، المؤتمر الأول حقوقي تحدث فيه المحامي سليم جريصاتي، ومؤتمر آخر تقني تحدث فيه مجموعة من المهندسين وخبراء بحضور وزير الإتصالات ونائب عن “حزب الله”.
بسيطة، دعينا نكرر الصورة، الأسبوع القادم سيكون هناك محامين يتحدثون بالمنطق والعقل والمواد القانونية.

س- لكن ليس في البرلمان؟
ج- ليس بالضرورة فهذه مسألة شكلية، يمكن أن يكون ذلك في البرلمان، لأنه بالإمكان أن يكونوا مدعوين من أحد النواب، إذ يحق للنائب ذلك بموافقة رئيس المجلس، ولا أعتقد ان الرئيس بري يرفض ذلك، فيجلس محامون ويقولوا الكلام الذي يؤكد تماماً عكس ما ذهب اليه المحامي الأستاذ جريصاتي، وبكل بساطة، وسيكون هناك تقنيين أيضاً الأسبوع القادم يجلسون على نفس الطاولة ليتحدثوا عن معطيات وعلوم وشواهد وأدلّة تقنية تؤكد تماماً عكس ما ورد في المؤتمر التقني الذي عُقد في مجلس النواب، ولكن ماذا سيغيّر هذا الأمر فعلاً من طبيعة العمل القضائي؟ حيث أعلن المتحدث باسم المحكمة ان القرار الإتهامي الحالي الذي صدر هو قرار جزئي مختصر، وان الأدلّة ستُقدّم في المحكمة التي تؤكد ما ورد في النص الجزئي الصادر عن المُدّعي العام، والذي سمح بنشره قاضي الإجراءات التمهيدية، وكل كلام آخر كلام فارغ يقصد به “حزب الله” أمر واحد وهو إقناع جمهوره، في وقت لا يهتم بإقناع اللبنانيين، إقناع جمهوره بانه هو ليس مُرتكباً، وكيف يمكن أن يجمعوا حول بعضهم أكثر وأكثر، وإذا اضطررت أن أستعمل تعابير مذهبية، بمعنى ان هناك هجوما طائفياً من طوائف أخرى على الطائفة الشيعية، كما حدث في الخطاب السابق للسيد نصرالله الذي خلط بين الحزب وبين المتهمين وبين الطائفة الشيعية، وكان ردّ الرئيس سعد الحريري وردّ آخرين واضح بأن ما نقوله نحن لا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بالطائفة الشيعية، نحن منهم وهم منا، هم لبنانيون ونحن لبنانيون لا فضل لأحد على الآخرين، ولا أسبقية لأحد على الآخرين، وهذا الأمر يتعلق فقط بالحزب وبالمتهمين. أكثر من ذلك تعاملوا مع عرض آخر متأخر وغير مُبرر صدر عن الرئيس الحريري في واحدة من تصريحاته الأخيرة بالفصل بين المتهمين والحزب، وهذا ما لم أرتح له، كي لا أقول أي كلام آخر، تعاملوا مع هذا العرض باعتباره تنازل الضعيف والمجبور والمُلزم، حتى أنهم كادوا يتهمونه بأن هذا حديث القاتل وليس حديث القتيل، حديث المجرم وليس حديث الشهيد.

س- كيف نهدأ جميعاً طالما كما أفهم منك بالرغم من كل هذه المؤتمرات، وبالرغم من كل الكلام على الساحة اللبنانية أن كان بالقانون أو بالسياسة أو بالتقنيات او بالإتصالات، كل هذا الكلام لا يفيد، وطالما ان هذه المحكمة الدولية تسير وفق مفهومها ولن نستطيع إلغائها أو استعمالها في زواريبنا الداخلية، كيف نهدأ جميعاً؟
ج- أعتقد ان حالة الهدوء الوحيدة التي يجب انتظارها لن تكون بفضل أفكار أو رغبات قيادات “حزب الله” أو قيادات مثل الجنرال عون أو قيادات أخرى، وأعتقد ان الأمر الوحيد العملي الذي يمكن انتظاره هو ان التغييّر السوري يخلق وقائع جديدة تُلزم الجميع بالهدوء وبالجلوس والحديث بكلام عاقل ومنطقي، وأن يتحسس كل واحد على رأسه كما يقول المصريون، أن يتأكد كل واحد ان رأسه مازال في مكانه موجود على أكتافه، ولكن هذا الأمر سيستغرق أشهراً طويلة.

س- هل نعيش اليوم استقرار اصطناعي والبعض يسأل أين هو لبنان؟ هل مازال يلعب دور عنصر استقرار في المنطقة أم اننا عكس السير؟
ج- دورنا هو ليس أن نلعب أدواراً في المنطقة، بمعنى انه إذا كان بإمكاننا إيجاد استقرار لأنفسنا ولكن هذا الأمر غير متوافر الآن، فطبيعة الحكومة التي شُكلّت وطبيعة تصرّف النظام السوري تجاه شعبه بحيث لا يمكن فصل ما يحدث في سوريا عن أي تطوّر في لبنان، هذه كذبة، نحن مع إرادة الشعب السوري ومع مشاعره ومع حقوقه ومع حرياته، ولكن ليس هذا هو الموضوع، إنما الموضوع هو انه نحن في لبنان بسبب هذه التأثيرات، لا أحد سيعود لعقله ولهدوئه ولطبيعته، بعقل من شكّل هذه الحكومة.
من شكّل هذه الحكومة أراد أمران:
الأمر الأول: مواجهة المحكمة الدولية عبر الحكومة وهي مواجهة بدائية ولن تصل الى مكان.
الأمر الثاني: حماية النظام السوري بشكل أو بآخر، مع العلم ان التكليف تمّ قبل الأحداث في سوريا، ولكن التشكيل تم مع جسر الشغور، العملية العسكرية الأكبر التي تمت منذ أشهر قليلة.
هذا العقل لا يمكن أن يكون باحثاً عن الإستقرار، ولا يمكن أن يكون باحثاً عن الأمان، هذا العقل قائم على ظلم عقول الناس يومياً، واحتقار عقلهم والضحك عليهم في سوريا ولبنان، ومحاولة خلق استنفار مذهبي لحماية ما لا يمكن حمايته مع الوقت.

س- وماذا عن ملفات الأمن الغامضة، من يخطف في لبنان حالياً؟
ج- لو سمحتِ لي متابعة كلامي لكنت أعفيتكِ من السؤال. أتابع لأقول هذا الأمر ماذا خلق؟ تشكيل هذه الحكومة وطبيعتها والعقل الذي يتعاطى معها يخلق تحلّل لفكرة الدولة، وتحلّل وتفسّخ يومي وبطيء، وقد يتسرع لاحقا لفكرة الدولة، كيف تتحلّل هذه الفكرة؟ عبر تراكم الاحداث الأمنية يوماً بعد يوم، وعدم إيجاد أجوبة سوى الضحك على عقول الناس، كمثل القول ان انفجار الرويس ناتج عن قارورة غاز، فما دام الأمر قارورة غاز، لماذا تم تطويق المكان ومُنعت القوى الأمنية والقضاء والإعلام من القيام بواجباتها ويؤكدوا فعلاً ان هذه قارورة غاز؟.
كذلك ما حصل في انطلياس وبأن شابين اختلفا لأمور مادية كانا يعبثان بقنبلة فإذا بالقاضي يقول، ولأن الحادث وقع خارج إطار الحزام الأمني الذي يفخر به “حزب الله” في الضاحية، إذا بالقاضي يقول هذا عمل إرهابي وهذه عبوة.

س- لكن وزير الداخلية مُصر على روايته؟
ج- وزير الداخلية بطبيعته لم يكن يجب أن يكون كثير الكلام، وأعتقد ان لديه رغبة بالكلام بطريقة مجافية أو مخالفة لطبيعة مهمته. فوزير الداخلية ليست مهمته أن يجلس ويتحدث كل يوم بمواضيع أمنية ليس أكيداً منها، ولم يحسم في أمرها ويستعجل بوصفها. في وقت قال القضاء العسكري بأن هذه عبوة وهذا عمل إرهابي، أما ما قاله الوزير فشيء آخر تماماً.

س- حتى لو قال الوزير ما قاله يمكن ان نحل الأمور بالعبوات والقنابل؟
ج- أولاً من باب المزح، أنا قلت ان معادلة الشعب والجيش والمقاومة أوجدت موضة، بحيث كلما تخرج من المنزل تأكد من ان هاتفك معك وان تأخذ عبوة وتتمشى فيها بالشارع بشكل طبيعي، وكذلك ما حصل في لاسا ليس مزحة، بمعنى ان هذا التجرؤ الكبير على قضية كبيرة دخل فيها أكبر مرجعية دينية في البلد البطريرك الراعي وقوى سياسية عظمى والهية، تنتهي بأن كاهن الكنيسة يُعتدى عليه ويُضرب، هذا كله تعبير عن تحلل وسنرى منه المزيد.

س- أي مجتمع لبناني إذاً اليوم؟
ج- المجتمع اللبناني شيء، وتحلّل فكرة الدولة شيء آخر، المجتمع اللبناني خارج إطار هذه القوى السياسية وضعه سليم وصحي ولا ينقصه شيء، ومرت عليه ظروف أصعب وخرج منها وأكمل تعليمه ونجاحه وقدرته على الإستمرار، ولذا لا يجب أن نظلم المجتمع اللبناني.
هذه قوى سياسية واقعة في أزمة كبيرة، لا خيارات أمامها سوى الخطأ كل يوم أكثر من اليوم السابق.

س- ما هو مشروع “14 آذار” والى أين “8 آذار” تأخذ لبنان وسبق للرئيس بري صديقك؟
ج- صديقي أكيد.

س- سبق للرئيس بري الذي نحييه هذا الصباح، سبق وقال ان ثورة الأرز أعادت لبنان 60 عاما الى الوراء؟
ج- أولاً هذا كلام ليس كلام صديق من وجهة نظري، وللحقيقة أنا لم أوافق على خطابه الأخير، لأني اعتبرت ان هذا الكلام وضع الرئيس بري في غير المكان الذي نريده له.

س- لكن بالفعل أين هي ثورة الأرز في زمن الثورات العربية؟
ج- ثورة الأرز لا زالت موجودة في كل بيت وفي ذهن كل شخص ليس بذاكرته، بل في يومياته وحياته، لأنها ليست من الماضي، هي مستقبله القائم على أساس أن يعيش في دولة تحكمها أنظمة وأعراف وقوانين، هذه موجودة في كل بيت وفي كل عقل لبناني وبكل واحد نزل الى الشارع، وبكل واحد شاهد التلفزيون في وقتها، لأنها تعبر ليس عن ماضيه بل عن مستقبله وعن رغبته الدائمة. هل يوجد مواطن سوي لا يريد ان تكون حياته ضمن الدولة وضمن القوانين وضمن الأنظمة التي ترعاه وتحميه وتؤمن مستقبله ومستقبل أولاده، تؤمن له حريته وقدرته على التعبير بدون أن يكون يتمشى حاملاً قنبلة، أو بدون حصول انفجار غاز في البناية أو في المنطقة التي يسكنها أياً كان هذا المواطن.
المجتمع اللبناني بخير، وما يحدث ان هذه التنظيمات تعيش أزمة كبرى بسبب الوضع في سوريا، وبسبب التطورات في العالم ولا نستطيع مواكبة هذه التطورات، ولا نستطيع استعادة نصابها السياسي والإجتماعي، وبالتالي هي تشهد كل يوم حادث أو مشكلة ومشهد أمني يُبرّرونه ويُعبّرون عنه ويُفسّرونه بطريقة بدائية فيها تحقير لعقول الناس ولمعرفتهم ولفهمهم.

س- لكن الرأي العام يعي هذه الأمور ولا يمكن أن تمر عليه؟
ج- أنا أود أن أبالغ قليلاً، وأنتِ أما قرأتِ أو عشتِ تلك المرحلة، لبنان عاش في فترة مماثلة من تحلّل فكرة الدولة في العام 81 بحيث كنا نستيقظ يومياً على حادث ومشكلة وسرقة، وعلى أحدهم أخذ أموال الناس واستثمرها وهرب الخ.. كأن التاريخ اليوم يعيد نفسه.

س- في لبنان خاصة؟
ج- هذا حدث في لبنان في تلك الفترة.

س- أعرف ذلك، لكن هل فقط دائماً في لبنان التاريخ يعيد نفسه؟
ج- أعتقد ان التاريخ يعيد نفسه ولكن هذا أبداً ليس له علاقة بانتظار اجتياح إسرائيلي، بدأت تتحلّل فكرة الدولة عندما بدأ الوجود العسكري الفلسطيني في لبنان، وبدأ يتحول من وجود الى مجموعة من الأخطاء، فقد كنا نشهد يومياً كمية من الأخطاء، ولم يعد هناك أي شيء آخر نفكّر به عن وجود هذه القوى العسكرية.
الآن هناك تحلّل لفكرة الدولة، وهناك انكماش لفكرة التنظيم العسكري الذي يحمل عنوان المقاومة، لأن كل الدنيا تتغيّر، وليس بالتأكيد انه يستطيع أن يحمل بمفرده هذا العنوان ويُقرر فيه، ولا هو قادر على تأمين إجماع لبناني عليه، ولا هو قادر على زيادة مؤيديه وحتى داخل لبنان، بل بالعكس هناك تناقض يومي أكثر وأكثر في لبنان وسوريا، وفي مصر وفي كل مكان. فتكون النتيجة ان هذا الجسم يبدأ بالتأكل من الداخل والتحلل الى أن يأتي الوقت المناسب بعد التغيير السوري إذا بقي قليل من العقل والحكمة والقدرة عندهم للجلوس على الطاولة وأن يناقشوا ويفكروا.

س- هل أنت خائف على لبنان؟
ج- أبداً أبداً أبداً، دائماً أنا مرتاح للبنان.

س- قبل الدخول في سلسلة أسئلة سريعة لا بد أن ندخل في فقرة “التمثال ان حكى” هذه الفقرة من المجالس في الأمانات، واليوم بشكل استثنائي ومختلف مع الأستاذ نهاد المشنوق، هذه الفقرة تحيي الرجال الكبار الذين أعطوا لبنان عمل وحضور وشهادة ودم للمقارنة بين أداء ذاك الزمان وأداء الزمن الحالي، واليوم أسأل نهاد المشنوق ان ينطق بلسان خمسة من هؤلاء الكبار، أبدأ مع دولة الشهيد رفيق الحريري لو أراد الكلام اليوم ماذا تتخيله يقول؟
ج- كان بالتأكيد يؤكد يومياً وبوضع شديد ضرورة التحضير اللبناني لمرحلة ما بعد التغيير في سوريا.

س- الوزير سليم تقلا هذه المدرسة في السياسة الخارجية لو نطق ماذا تقول بلسانه؟
ج- أعتقد لم يكن باستطاعته الكلام لو رأى السياسة الخارجية الحالية.

س- الرئيس رشيد كرامي ماذا سيقول اليوم؟
ج- الرئيس كرامي الرئيس الشهيد رشيد كرامي من مدرسة أخرى، ولكن كان أبدى تحسّرا شديداّ على فكرة الدولة.

س- الشيخ بيار الجميل ماذا يقول اليوم؟
ج- كان سيزعل كثيراً على حفيده وفرح كثيرا بحفيده الذي استشهد وفرح كثيرا بحفيده سلّمه الله سامي.

س الإمام موسى الصدر ماذا تراه يقول اليوم؟
ج- كان صعباً عليه كثيرا وضع المسلمين في لبنان، ولم يكن ليصدّق ان البزرة التي زرعها تسببت بهذا الحجم من المشاكل في لبنان.

س- هل رأيت تمثالا يبكي، إنسان التمثال من تماثيل الكبار يبكي على ما وصلت اليه الأمور في لبنان والمنطقة؟
ج- بالمعنى المجازي أتصوّر ذلك، ولكن لا يمكنني أن أرى أحدا يبكي.

س- ما هو عمر هذه الحكومة؟
ج- منذ تشكيلها؟.

س- نعم؟
ج- الحد الأقصى سنة واحدة.

س- ما هو سر الإنقسام داخل هذه الحكومة؟
ج- هذه الحكومة أُلّفت على قاعدة ما يقوله الجنرال عون، ولم تؤلّف على قاعدة ما يحاول إظهاره الرئيس ميقاتي أو الوزير وليد جنبلاط.
س- من هو الرئيس الفعلي لهذه الحكومة؟
ج- هذه حكومة متهمين، وبالتالي من سيكون رئيسها الفعلي؟ فرئيسها الفعلي هو التطرّف وليس جهة أو شخص، رئيسها الفعلي هو المواجهة مع الشعب في سوريا ولبنان، ورئيسها الفعلي هو التقدير الشخصي لأنفسهم باعتبارهم آلهة وأنهم لا يخطئون ولا يتلزمون بالقوانين ولا بالدستور ولا بالأعراف، وان هذه الحكومة خُصّصت وأُلّفت خصيصاً لقدراتهم الهيامونية على تلبية حاجات الشعب ولكن بوسائل وطرق غير قانونية وغير منطقية.

س- ما هي خيارات “حزب الله” من الآن وصاعداًُ؟
ج- الإستسلام لرغبات الشعب اللبناني.

س- حديث السلاح الى أين؟
ج- السلاح هو جزء من مرحلة بدأت تنتهي الآن لا بد من إيجاد حل له في الوقت المناسب، ولكن من ضمن الدولة وليس خارج الدولة.

س- الرئيس سعد الحريري تناول الإفطار على مائدة جلالة الملك عبدالله، والرئيس السنيورة في جولات عربية عديدة ورافقته أنت الى تركيا، هل هذه إشارات العودة الى السلطة أو ماذا؟ ومع ان المجالس بالأمانات ماذا سمعتم من أردوغان واوغلو؟
ج- أولاً بشأن السلطة نحن لسنا باحثين عن السلطة، ولم يكن هدف هذه الجولات البحث عن السلطة، نحن جزء من الحياة السياسية في البلد، وجزء رئيسي من الحريصين ومن العاملين على الإستقرار في البلاد، ولكن وفق قواعد وأصول طبيعية وجدّية تجيب على مسألة الإلتزام بالقرارات الدولية، وخاصة المحكمة، عنوان حياتنا السياسية وحريتنا وقدرتنا على التعبير والاستقرار للبنان، فلا استقرار للبنان بدون المحكمة الدولية، رغم كل الخطابات التي نسمعها، ولا استقرار للبنان من دون حرية الشعب السوري، وأي كلام آخر غير جدّي، لذلك هذه الزيارات هي زيارات استكشاف للمواقف السياسية من دول معنية بما يحصل في لبنان أو في المنطقة، وخاصة في سوريا وفي ليبيا وفي كل مكان، أنا قمت بزيارة جدة عدّة مرات، وكذلك مصر مع الرئيس السنيورة وتركيا أيضاً وهو زار قطر والإمارات منفرداً.

س- تركيا هل هي المحور؟
ج- تركيا الآن غرفة عمليات، فعندما ندخل اسطمبول نجد ان هناك غرفة عمليات سياسية للوضع في منطقة الشرق الأوسط، والتغيير الحاصل يعني الحديث عن مصر وعن ليبيا، وبالتأكيد الحديث الدائم عن سوريا هو جزء من يوميات الحياة السياسية في تركيا، فكان يجب أن نذهب ونسمع رأيهم.

س- ماذا سمعتم؟ هل سمعتم شيء عن المحكمة؟
ج- المحكمة موضوع نهائي ومحسوم وغير خاضع للمناقشة. كل البحث في تركيا في غرفة العمليات السياسية هذه، هو مرحلة ما بعد التغيير السياسي في سوريا، وماذا سيحدث في سوريا؟ وماهي المرحلة الإنتقالية؟.

س- هل هناك معالم؟
ج- لا أستطيع أن أجزم بأن هناك وقائع، ولكن يمكن القول ان هناك تصوّرات مختلفة، حتى الآن لم يُحسم أي تصوّر للأكثر واقعية، بمعنى ما هي طبيعة القوى السياسية في المرحلة الإنتقالية، وبعدها ما هي الخطوات الواجب اتخاذها، وكيف يمكن منع الترددات التي تحدث في سوريا عن الوضع اللبناني.

س- مع من تُنسّق تركيا؟
ج- مع كل الناس، وأعتقد انها منفتحة على الحديث مع كل الناس، مع القطريين بداية ومع المصريين الى حدٍ ما ومع كل الغرب بطبيعة الحال، ومع المعارضة السورية التي أصبح لها مكتب في اسطمبول، للمرة الأولى هناك مكتب مُعترف به له كل التسهيلات، وهم يعملون ليس بالضرورة عندهم خطط جاهزة، ولكن واضح ان لديهم عمل دائم لإيجاد تصوّر مقبل للتفاهم أو التنسيق أو التشاور مع عدد من غالبية القوى العربية، لأنهم اكتشفوا ان دخولهم الى العالم العربي من البوابة السورية لم يكن قراراً حكيماً، ورهانهم واستثمارهم على هذا الباب أيضاً لم يكن موفقاً، بالعكس حققوا خسائر أكثر مما حققوا أرباح.

س- هل فُتحت أمامهم أبواب أوروبا اليوم؟
ج- الإتحاد الأوروبي موضوع آخر غير وارد عندهم الآن بالمناقشة، ولكن مفتوح الباب أمامهم لدور في المنطقة إذا أحسنوا التصرّف فيه، يجب أن يكون واضحاً انه أمامنا الآن انتظار لأربع تصوّرات جديدة:
الأولى: ان سوريا تحوّلت من لاعب أقليمي كبير الى ساحة كل الناس تشغل فيها، وكل الناس تشارك بمصيرها بشكل أو بآخر.
الثانية: ان التطوّر السوري بطبيعة الحال سيولّد غروب بالتمدد، والدورالإيراني في المنطقة وهذا أمر طبيعي.
الثالثة: ان تركيا هي أكثر دولة اليوم قادرة على أن تتقدّم وأن تحاول أن تلعب دوراً، رغم الإصابات التي مُنيت بها في ليبيا بداية، وفي سوريا منذ سنوات حتى اللحظة الأخيرة.
الرابعة: لا يمكن انتظار مصر قادرة ان تقوم بدورها وبجهدها قبل ثلاث أو خمس سنوات.
هذه أمور كلها علينا انتظارها.

س- يعني تركيا هي البديل عن الدور العربي؟
ج- بالتجربة أولاً سيتضح لها انه لا يمكن لها أن تكون بديلاً، ولا بد أن تقوم بشراكة استراتيجية مع العرب لكي تلعب دوراً في المنطقة.

س- لماذا غاب ومتى يعود سعد الحريري، وكيف ترد على كل الحملات وصولاً الى التجريح الشخصي بالرئيس سعد الحريري؟ من المستفيد في النهاية؟
ج- التجريح الشخصي سخيف وتقليدي وهو جزء من العقل الذي شكّل هذه الحكومة، التناول الشخصي غير دقيق وغير رصين وغير محترم، ليس له أي قيمة للرد عليه أو الدخول في تفاصيله.

س- وما هو سبب الغياب؟
ج- للغياب أسبابه المتعدّدة، الرئيسي فيها مخاوف أمنية، ولكن لن يتم الإستسلام لها كل الوقت، وأعتقد انه إن شاء الله خلال شهر أيلول سيكون الرئيس سعد الحريري في بيته وبين أهله ومحبيه.
س- دارالفتوى و”تيار المستقبل” ما حقيقة ما يجري ضمن الحملات والإشاعات وأنت التقيت سماحة المفتي؟
ج- أنا ناقشته في عدّة نقاط وللحقيقة كان عندي تساؤلات لازالت متوافرة، أنا لا أقول ان هناك خلاف عميق بيننا وبين مفتي الجمهورية، ولكن هناك اجتهادات مختلفة بيننا وبينه، ونحن نعتقد ان التوقيت الذي تمت فيه حركته السياسية في الشهر الأخير سواء الإيراني أو السوري أو حتى “حزب الله” لماذا دار الفتوى منذ 7 أيار، فليس سهلاً تفسير هذه الزيارة الآن في نفس اليوم التي صدر فيه القرار الإتهامي على انها زيارة وطنية ليس لها أي مضمون سياسي وأي رمزية سياسية.
أما القول ان هناك خلاف عميق مع المفتي، فأنا أُفضّل أن أقول كلا لا يوجد هذا الخلاف العميق، ولكن عليه مراجعة حساباته ومواقفه، ويرى ما هو الأكثر تعبيراً عن وجدان المسلمين بما حصل في السابق وما يمكن أن يحصل لاحقاً.

س- ما هو برنامج المعارضة في الأيام المقبلة لمواكبة كل مستجد للمحكمة للملفات المتفجرة وغيرها؟
ج- نحن نقوم بواجبنا بالمعنى السياسي بالمواجهة السياسية، بكل العناوين الثابتة المتعلقة بالإلتزام بالقرارات الدولية، واعتماد القوانين والنصوص في كل الحركة الدستورية سواء داخل مجلس النواب أو داخل الحكومة، مع أني شخصياً لا أشجّع على الإطلاق التعامل مع هذه الحكومة، بالعكس أنا من دعاة مقاطعتها الكاملة.

س- لكن لو كنتم أنتم في الحكومة هل كان باستطاعتكم توقيف المتهمين الأربعة؟
ج- ليس بالضرورة كنا سنفعل ذلك، ولكن لم نكن لنتصرّف مُسبقاً بأننا غير معنيين بتوقيفهم.

س- ماذا تنتظر في القريب العاجل؟ وعاجل اليوم على الشاشات تتحكم باهتمامنا في اليوميات، المهم ماذا تنتظر في القريب العاجل لبنانياً، ولبنان في مجلس الأمن أيضاً في أيلول، وهل من إحراج هناك؟ وعربيا ماذا عن العرب الجدد وملاحم المرحلة الجديدة وانتقال الصراع الإقليمي والدولي الى سوريا ربما سيُترجم استنزاف؟ البعض يسأل دائماً نهاد المشنوق لأنك تتوقع، هل من حرب في نهاية هذا الربيع العربي، الكلمة الأخيرة لك؟
ج- أنا لا أرى حرباً أمامنا لأسباب كثيرة تتعلق بالوضع العربي من جهة، وبالوضع الإسرائيلي من جهة ثانية، أنا لا أرى حرب.

س- لكن ماذا ترى أمامك كمانشيت عاجل؟
ج- أنا أرى أمامي الإنتخابات في كل دولة عربية تجعل الناس تسترد إنسانيتها ومكانها الطبيعي، وأمامي أن يقف نهر الدم في سوريا وليبيا، وأن يقوم الشعب السوري والشعب الليبي بانتخاب ممثليه، وأن نتعوّد على المرحلة الجديدة من حياة أولادنا وحياتنا، والشيء الذي لم نعشه في الخمسين سنة الماضية.

========