المؤتمر ال 31 لوزراء الداخلية العرب في مراكش: تدخل سوريا وإيران في لبنان من أسباب العنف

كلمات 12 مارس 2014 0

في مثل هذه الاجتماعات نحن دائما في حضرة صاحب السمو الراحل ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبد العزيز رحمه الله، امير الحكمة والبصيرة والعزيمة، الذي كانت جهوده في اصل فكرة اجتماع وزراء الداخلية العرب والذي اسس منذ سنوات طوال مؤسسة لتبادل الرأي والتعاون العربي في المسائل الأمنية والتنظيمية، وقضايا صون الاستقرار، ومكافحة الجريمة والارهاب.
والذكر موصول اليوم في حضور صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية في المملكة العربية السعودية الذي تابع نهج والده رحمه الله، مراكما خبرة عميقة في مواجهة قضايا وتحديات الأمن والاستقرار, وله جولات وصولات في مكافحة الارهاب.

إن التحديات التي تواجه الأمن الداخلي العربي متشابهة، من الجريمة العادية والمنظمة، إلى الإرهاب الداخلي والعابر للحدود. إنما ما دام موضوع العنف الإرهابي هو المشترك وقوعا واهتماما، فلا بد من الحديث عن خصوصية لبنانية كالعادة.

في العقدين الأخيرين، كانت بلادنا تواجه نوعين من الإرهاب. الإرهاب الناجم عن الاغتيالات السياسية التي ما تزال تحصل للأسف حتى الآن. وقد حصدت حياة أكثر من عشرين سياسيا ومثقفا وإعلاميا وصاحب رأي، ورجل دين من الامام موسى الصدر الذي اختطف في السبعينات الى الشهيد المفتي حسن خالد الذي اغتيل في الثمانينات، ومن بين هؤلاء رئيسان للجمهورية، ورئيسان للحكومة، وآخرهم اثنان هما اللواء وسام الحسن، الضابط الأمني ذو الكفاءة العالية والعقل المستنير، والدكتور محمد شطح، الوزير والسفير السابق، والمستشار اللامع العقل في تيار المستقبل، وقيادة 14 آذار. دعك عن مئات الشهداء الذين تصادف مرورهم في مكان التفجير.

ما استطعنا أن نجد دواء لهذا المرض الخطير الذي يكاد يدمر الحياة السياسية اللبنانية، رغم معرفتنا بتشابه الأسباب وراء الاغتيال ووحدة الفاعل او الفاعلين.
على أي حال، هذا هو النوع الأول من الإرهاب الذي تعرضنا ونتعرض له في لبنان، أي الاغتيال السياسي. لكن كان هناك أيضا نوع آخر من الإرهاب. وقد ظهر منذ تسعينات القرن الماضي في عدة صور. ابرزها الجماعات المسلحة باسم الدين في بعض مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، وجماعات قادمة من سوريا مرسلة من المخابرات السورية لإقامة إمارة إسلامية بشمال لبنان. كما تعرضنا لإرهاب الاستثمار في خطوط الانقسام المذهبية، بغية تعميق الشرخ المذهبي وتفتيت وحدة المجتمع اللبناني وذلك من قبل اجهزة مخابرات معروفة بهويتها وبادواتها المحلية.
آخر تلك المحاولات المجرمة تفجيرا مسجدي السلام والتقوى في مدينة طرابلس شمال لبنان ما ادى الى سقوط اربع وخمسين قتيلا وخمسمئة جريح.

ولأنني ذكرت لكم الخصوصية اللبنانية حتى في الإرهاب، سأحدثكم عن تحد جديد تواجهه القوى الأمنية والجيش اللبناني. فمنذ عام ونيف أعلن حزب لبناني على لسان أمينه العام أنه ذاهب إلى سوريا لقتال من وصفهم بالتكفيريين. وكأنما ما كفانا القتل السوري على الحدود، واكثر من مليون نازح سوري، أي ما يعادل 25 في المئة من سكان لبنان. صار علينا أيضا أن نتحمل مع نظام الاسد مسؤوليات التورط في دم الشعب السوري المطالب بالعدالة والكرامة. وصار علينا القبول أن هؤلاء الثائرين كفار، دمهم حلال، بحجة أنهم يكفرون المذاهب الأخرى! هذا مسار يلتقي مع ذاك الذي ذكرته منذ قليل عن الاستثمار في خطوط الانقسام المذهبي. هناك، من يعمل عن سابق تصور وتصميم لإعادة انتاج الحروب الاهلية داخل الاسلام وفق برنامج محدد. لا يكفي هؤلاء، سنوات عجاف من ادخال الاسلام في منظومة “صراع الحضارات”. يريدون اليوم تحويل الاسلام الى مجرد “حضارة صراعات”، والإسلام بريء من ذلك دينا وحضارة وثقافة.
اقول هذا الكلام اليوم بصفتي اللبنانية اولا، قبل ان أقوله بصفتي الاسلامية او يقوله غيري بصفته المسيحية.لقد بتنا نواجه خيارات مصيرية ووجودية.

بهذا اصل الى النوع الأحدث في مسلسل الارهاب الذي يواجهه لبنان، وهو الإرهاب الانتحاري الذي بدأ قبل ثلاثة أشهر: تسرق سيارات من لبنان، وتذهب إلى سورية عبر معابر الموت المعروفة والموصوفة، ثم تعود من هناك مفخخة، عبر معابر هي الاخرى معروفة وموصوفة. وصارت هناك شبكات بالداخل اللبناني لتجنيد الانتحاريين وإرسالهم لتفجير انفسهم وسياراتهم في الأحياء وقتل المدنيين الأبرياء بحجة الانتقام ممن يشاركون في القتال إلى جانب النظام السوري. ليس هذا تبريرا كما يقال في لبنان لذر الرماد في العيون ودفن الرؤوس بين جثث أبنائنا وبناتنا ممن يموتون غدرا في سياق تصفية حسابات مع حرب لم يسألهم احد عن رأيهم فيها ولا استأذنهم احد بالانخراط فيها.

الانتحاريون جدد علينا. وجديد علينا أيضا هذا التوتر المذهبي الذي يكاد يبلغ عنان السماء معرضا وحدة الكيان اللبناني من خلال اسقاط هيبة الدولة وإضعاف المؤسسات جميعا وفي مقدمها المؤسسات الامنية واضعاف ثقة المواطن بخيار الدولة والقانون مع ما يعنيه ذلك من خطر تحلل للبنان نحو عناصره الاولى طوائف ومذاهب ومناطق وعشائر! لا أضيف جديدا الى ما تعرفونه والكثير منكم يعيشونه. انما هو عرض لاحداث نصر في لبنان على مواجهتها ومقاومتها بكل ما نستطيع من وسائل مشروعة ومتاحة من خلال مؤسسات الدولة والدولة فقط.

أنا وزير جديد للداخلية، ومن اليوم الأول انهمكت في هذا الملف الخطير، ملف الانتحاريات، الذي نخشى أن تكون له تداعيات سلبية كبيرة على الداخل اللبناني، والعلاقات بين طوائفه. وهذا، كما سبق القول، تحد أمني جديد يرهق الجيش والقوات الأمنية المتعبة أصلا من الإرهابيات الأخرى. لكننا لا نواجه اشباحا. ان اولى الخطوات لمحاربة هذا النوع المستجد من الارهاب هي في ان نحدد اسبابه بدقة، ومن بين اسبابه الرئيسية خصوصية لبنانية إضافية انما من النوع الذي لا نحسد عليه. لدينا في لبنان تنظيم مسلح يضم آلاف المقاتلين المدربين، كانت وجهتهم في الأصل إسرائيل, إنما منذ ثماني سنوات تقريبا، صار سلاحهم موضع انقسام عمودي بين اللبنانيين في الداخل أولا ثم بسبب دورهم في سوريا ثانيا.

الأخوة أصحاب السمو والمعالي، لقد أطلت عليكم، لكنني بحكم عملي السياسي، وأعتقد أن هذا “الازدهار” للارهاب، ليس أمرا عاديا يمكن معالجته بالقوى الأمنية والعسكرية. واذا كان كبار قادة المؤسسات العسكرية قي العالم يقرون بان لا حل عسكريا او امنيا فقط للإرهاب فماذا نقول نحن! على أي حال، لقد عجزنا نحن في لبنان عن ذلك رغم الفاعلية البارزة للجيش والقوى الأمنية في السنوات الأخيرة. نحن نعرف أن لظواهر العنف هذه أسبابها السياسية والاستراتيجية الناجمة عن التدخل الإيراني، والتدخل السوري في الداخل اللبناني، وليس منذ الآن، بل منذ ثلاثة عقود وأكثر. ولأن النظام السوري يواجه ثورة، وإيران تواجه تحديات مصيرية كبرى، فقد ارتفعت وتائر الحركة الدموية في سوريا ولبنان. وهذا الأمر مدان بالطبع. لكنني ما قصدت ذلك فقط. بل أردت الوصول إلى أن قسما رئيسيا من هذا العنف الذي تعانيه دول عربية عدة، ومنها لبنان، يعود الى الاضطراب في العلاقات مع إيران، وهو ما يتطلب ان يجتهد السياسيون ووزراء الخارجية وقادة الاحزاب الكبرى وقادة الدول لإيجاد المخارج في مواجهة هذا التحدي كي تصبح البيئات الأمنية أهدأ، ونصبح أقدر على المعالجة والتصدي.

لقد صار ذلك ممكنا مع عودة مصر الى الامساك التدريجي بدورها الاقليمي الى جانب المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون التي نتمنى عودة الصفاء الى سماء علاقاتها المشتركة دعما للاعتدال وصونا للسلام الاهلي. هذه هي الحقيقة الوحيدة التي تعيد التوازن العربي في وجه المشاريع الاقليمية من أي جهة أتت. والنص هنا للرئيس السابق للحكومة اللبنانية سعد الحريري الى حين اتفاقنا في لبنان على نص بيان وزاري تعرفون مصاعبه والأحرف الاولى والدائمة من اسماء معرقليه.
وهنا يطرح السؤال العربي الكبير: هل لنا شريك في ايران؟ يعتمد هذا على الإيرانيين بقدر اعتمادها علينا. يدنا في لبنان ممدودة إن وجدنا يدا صادقة تقابلها، ولكن دائما تحت عنوان تحرير الدولة من الشراكات الغامضة التي تضع الأصابع والايدي في صلب القرارات السيادية بما يعطل النظام السياسي وينهك الحياة الوطنية ويرفع منسوب الخصوبة في لبنان لان يزدهر الارهاب بكافة أشكاله.

أختم بملاحظة اخيرة، وآسف على الاطالة. نعم، لقد شكلت المجريات تحديا عميقا للواقع الأمني العام في العالم العربي، ولا سيما ما واجهته الجيوش والقوى الأمنية بعلاقاتها المتنوعة مع الشعوب الثائرة. هذا صحيح. ولكن الاصح ان هذا الربيع بدأ رحلة نتمنى ألا تطول أكثر لاستباب حكم القانون والعدالة غير الاستنسابية وتعزيز الثقة بالنظام العام، باعتباره ترجمة مؤسساتية امينة لخيارات الناس، وهنا لا أقول الشروط الضرورية لاجتثاث الارهاب، بل للنجاح في مواجهته وتقليص قدرته على الاذى وحصره في اضيق الملامح بدل ان يكون، كما هو اليوم الملمح الابرز في الحياة الوطنية لعدد غير قليل من دول عالمنا العربي والاسلامي.
اشكر لكم استماعكم واشكر العاهل المغربي الملك محمد السادس الرائد في صون استقرار بلاده، وأشكر لمعالي وزير الداخلية الاخ محمد حصاد حسن التنظيم، وأطلب من المولى ان يمن على الدول الشقيقة بالخير الذي نستحق جميعا.