القلب الآخر..

مقالات 28 أغسطس 2006 0

حين يصل الواحد منّا الى أواسط العمر، الى بداية الصحراء، ينظر حوله فيجد شيئا من سنوات شبابه المبكر في آخر. نجل صديق. صديق لأولاده. الكبير ينظر الى الصغير. يرى فيه شيئا مما أراد فعله ولم يفعل.
يتسلل بعينه نحو ما نسي من صخب الحياة.
ربما يحاول بأكثر من عينه ليستفز عيون الشباب الصغار في نظره.
لا أعرف لم لا يرى الكبير هذه المزايا للحياة في أولاده. ربما لأنه لا يقبل منهم دائما ما تمنى أن يفعله هو مبكراً من ضجيج الحياة.
الصغار الذين يعرفونك قبل أن يشتد شبابهم صعوداً يدورون حولك دون تعبير إلا في ما ندر. يرون فيك المثل في مسألة أو في اخرى. يبحثون فيك عمّا لا يجدونه في أهلهم. يجدونه أحيانا ويتصورونه معظم الاحيان.
يذهبون في خيالهم الى رحلاتك. ثيابك. صورتك الزاهية أمام الناس هذا إذا امتلكتها. فضائلك إذا ما توفرت. ألوانك إذا ما انسجمت. حياتك إذا ما ضحكت.
يختارون منك ما يرضونه، لا ما يلتزمونه. يصح فيهم وصف عصبك دون أن يكونوا من عائلتك.
عرفت في عمري بعضهم. هم ليسوا كثراً. لكن أحلاهم. أكثرهم صخباً. أجملهم ابتسامة. يخرج من حركته ضوء الحياة ليطل عليّ وعلى والده كأنه الضوء الذي أردناه دائما في عيوننا فإذا بالسنوات تأخذ من أعيننا وتعطيها لعيونه.
هو مستحق. يعرف إدارة الاضواء. يمسك بالحياة كأنها لا تكفي لاتساع يديه. لاستدارة ابتسامته. لبريق عينيه. لمحبته الدافقة في كل الاتجاهات. لسماء شبابه. لبحر عنفوانه. لقدميه المرتفعتين دائما عن الأرض. لهواه أينما اتجه نساء وريحاً. مثل عاصفة النسيم هو. كيف يجمع واحد في شخصه شدّة العاصفة ونعومة النسيم؟
فعل ونجح. دخل الى قلوب الذين عرفوه وأحاطوه بنسيمه. بينما نحن الكبار من محيطيه نرى في عاصفته فعل محبة لا شباب بعدها. لا اندفاع مثلها. حنانٌ يملك الكثرة منه فيعطي بغزارة ويطالب بشلال حنان أغزر.
لم أنجح أبداً في التفريق بين عميق حبي له وبين نسائم غيرة من صخبه ولهفته على الحياة.
حين يراني في مكان ما يلهف إليّ وكأنني ضائع وجده. أحدثه حديث الرفاق. نتسارر حول هذه أو تلك. حول أغنية. حول جمال أراده في كل ما يحيط به. وجده في مايا زوجته وفي صغيره البالغ سنة من العمر.
يوم همّ بالزواج أشعرني بأنني ساكن معه. يسألني عمّا اختاره لمنزله ويفرح انني أوافقه الرأي. كنت أرى في عينيه دائما رغبة نحو أفضل لم يحققه بعد.
خيري عوني الكعكي. لا أعرف أيهما الاسم الاول أو الثاني. كنت أعرف أن محبة الصغير هي إرث الكبير. الصديق الصادق. المحب. حامل الهم عن نفسه وعن أصدقائه. الساعي في دنياه عملاً وجهداً ومثابرة قبل أن تعترف الدنيا بشاب في الثامنة عشرة من عمره يحمل على أكتافه حمل الجميع.
قست الدنيا على عوني مرات ومرات فقدر عليها. عاونته مي حبيبة عمره التي تلبس الهموم فساتين مزركشة بألوانها لتخلق الفرح. تؤكد على حاجة الحياة الى نظام يضيف إليها والى من حولها معنى لجدية الايام الحالي منها والقادم.
اجتاحتهما قسوة الدنيا بالأمس، عاصفة بهما وببناتهما نادين وزينة وبالكثير الكثير ممن وجدوا في غياب خيري الشاب الصاخب الحضور إصابة يصعب تجاوزها. لست أول المصابين. لكنني بالتأكيد أول المحبين. لا أقبل أن ينافسني أحد على صخبه. عشقه للحياة. هواه. دورانه حولي وحول نفسه. بحثه عني. بحثي عن كثير فيه من ضجة لم أستطع لها نفاذاً. الوحيد الذي سيتجاوز الاصابة هو عوني. القادر. المنتصب شجاعة. المؤمن بقدره وبدينه. سيجد الكثير من الحب حوله من أصدقائه وأصدقاء خيري.
أمامه عوني الصغير ملعب هواه. بعد أو قبل مي؟
لن تكون هذه المشكلة اليوم. فالملعب الصغير يتسع للاثنين. ورائحة الصغير عطر يفوح حول أهله كباراً وصغاراً.
هل أكتب عن الغائب خيري أم عن عوني الحاضر دائما في ضميري. لا أستطيع التفريق الآن. إذ ان من ذهب هو القلب الآخر. رحمك الله يا خير العيون الضاحكة