“القاهرة اليوم” مع عمرو أديب – سعد الحريري: الصامد الأول

س- اليوم يتحدث الشيخ سعد الحريري عن برنامج إقتصادي وأن لدى “كتلة المستقبل” وقوى 14 آذار رؤية إقتصادية أو برنامج إقتصادي، بما معناه إذا كان “حزب الله” يملك السلاح ويستطيع ان ينزل الى الشوارع ، فنحن نملك رؤية للإقتصاد ، ولكن المعارضة تقول ماذا فعلتم أنتم في الحكم منذ سنوات، وعن أي إقتصاد تتكلمون ، البلد واقع تحت ديون تبلغ 46 مليار دولار، وبإمكاننا إدارة الاقتصاد بشكل أفضل..
المعارضة تدخل الى الإنتخابات وهي تتكلم عن التغيير، وهي تقول بعد الـ46 مليار ماذا تنتظر لتختار اللافتة الكبيرة الموضوعة في كل بيروت، ما رأيك في هذا الكلام؟

ج- أولاً: إضافة لوصفك للشيخ سعد، أريد أن أصفه بكلمة واحدة “هو الصامد الأول” هو الأكثر صمودا بين كل المجموعة السياسية، ربما للآخرين صفات أخرى ، ولكن هو حتماً يتمتع بقدرة فوق الصبر والصمود .

الأمر الثاني: هذه المجموعة السياسية التي تنتمي عمليا لأفكار الرئيس الحريري الإقتصادية ولفكرة بناء الدولة ، إعادة بناء الدولة من جديد بكل مرافقها، وبكل مخططاتها الإقتصادية للوضع في لبنان، هذه المجموعة متخصصة في هذا الموضوع ولديها قدرة على العمل ظهرت في مؤتمرات باريس الأول والثاني والثالث وفي رغبة المجتمع الدولة في المساعدة في كل المجالات، لولا تعطيل المعارضة للحكومة لقنواته بأشكال متعددة.

أما موضوع الديون فلا أحد بريء منه، كل الديون اللبنانية محدّدة أولا وثانيا ، كل الديون اللبنانية تمّ التصويت عليها في مجلس النواب، وبالتالي كل قوى المعارضة التي تعترض عليها الآن، ربما ما عدا مجموعة العماد عون، كانت موجودة في المجلس ووافقت على كل القوانين التي أقرّت هذه الديون ، التي، في الأصل لا تتجاوز نصف الرقم لولا الفوائد، أو ثلثي الرقم.

س- وعليه، المعارضة تقول أيضا عندما يتحدث “تيار المستقبل” أو 14 آذار عن الدور السوري بأنكم كنتم موجودين، وكنتم تتعاملون مع سوريا، وكنتم تذهبون الى دمشق وتطلبون المشورة، فلماذا اليوم التنصل من سوريا ومن دور سوريا؟
ج- هذا الكلام ليس تنصلا من سوريا ، هناك مشكلة سياسة ظهرت بعد إغتيال الرئيس الحريري، وهذه ليست مشكلة فارغة أو آتية من فراغ، هذه مشكلة إستندت أولا لاتهام سياسي، خرج من الناس فورا. وثانيا: لقد ذكر رئيس لجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس، بصرف النظر عن رأي المعارضة به، ذكر في تقريره الثاني أسماء مسؤولين سوريين ثم سُحب من التداول في مجلس الأمن الدولي، بعد ان تم توزيعه.

إذاً هذا الكلام لا يستند الى فراغ، بل يستند الى وقائع ليست مؤكدة، لذلك دائما تُستعمل تعابير الإتهام السياسي ، وليس الإتهام الجنائي.

س- لكن لماذا الكلام دائما عن الهيمنة السورية، والكلام الذي تردده 14 آذار “بأننا إستطعنا التخلص من الهيمنة السورية، وخروج القوات السورية” في وقت كانوا قبل ذلك يتعاملون مع سوريا؟
ج- أي مراقب سياسي، ولو كان سنة أولى علوم سياسية، يعرف ان هذا الكلام صحيح مئة بالمئة، ولكن دعنا لا نعمّم هذا على الجميع.

س- ألم يكن الرئيس الشهيد رفيق الحريري يتعامل مع السوريين؟
ج- الرئيس رفيق الحريري كان يتعامل مع سوريا على أساس انه يريد بناء دولة في لبنان، ولذلك حرِص على التنسيق معهم بكل السياسة الخارجية ، وحرِص على أن تكون كل المشاريع اللبنانية تُدار بطريقة مختلفة عن طريقتهم ، ربما هذا ما أحدث الفرق بين المشروعين ، وأنا هنا لا أتحدث عن الوسط التجاري ، بل أتحدث عن النظرة العامة لفكرة الدولة البنانية، أنا أقول لا يوجد سياسي لبنان ، ما عدا القليل، يستطيع أن يقف ويقول انه لم تكن له أي علاقة بأي مسؤول سوري، ولكن هذه ليست المعايير المعتمدة للعلاقة.

ما حصل في لبنان زلزال كبير، أولاً : إغتيال الرئيس الحريري، وقبل ذلك محاولة إغتيال الوزير مروان حمادة، وبعد ذلك إغتيال الزميل جبران تويني وجورج حاوي وسمير قصير والنائبين وليد عيدو وانطوان غانم، ومحاولة إغتيال الزميلة مي شدياق ومحاولة إغتيال وزير الدفاع الياس المر، كل هذه أحداث غيّرت طبيعة العلاقة بين الدولتين ولا نستطيع ان ننكر ان هناك أزمة جدية بالعلاقات بين الدولتين. ما هو مطلوب الآن، هو محاولة إيجاد علاقات طبيعية لا مميزة ولا مواجهة كما يقولون.

نحن الآن في مرحلة حقق خلالها جمهور رفيق الحريري مسألة كبرى، بالتأكيد انه خلال وجودك في بيروت منذ ثلاثة أيام حتى اليوم كانت الصورة أمامك هي إطلاق الضباط الأربعة، ولكن الصورة الأولى والبراءة الأولى، هي لأنه لأول مرة تُعقد محكمة دولية، وتظهر صورة على شاشات التلفزيون فيها قاضٍ للإجراءات التمهيدية وعلى يمينه المدعي العام وعلى يساره قاضي الدفاع.

هذا إنتصار كبير بعد أربع سنوات، أن تكون هناك محكمة دولية تُدافع عن حق المواطن اللبناني، والسياسي اللبناني بالتعبير عن رأيه دون أن يتعرض للإغتيال، فهذه مسألة كبرى وليست بسيطة ، وبرأيي ان الإفراج عن الضباط مسألة بسيطة، مقارنة بأن تجلس المحكمة الى قوسها وتبدأ عملها بإصدار هذا القرار، هذه الصورة لم تحدث سابقا في الشرق الأوسط، ولم تحدث على الإطلاق بسبب أي دولة عربية.

ممكن بكل بساطة أن نقول ما هذا الكلام والى ماذا سيوصلنا ؟ ولكن دعني أقول انه منذ أربع سنوات حتى اليوم كان الناس يقولون ان المحكمة لن تنشأ، ولن تُعقد أو التحقيق لن يكتمل ولكن تبين ان هذا الكلام غير صحيح، فإكتمل التحقيق ومرّ ثلاثة رؤساء أو قضاة أو محققين كبار على لجنة التحقيق الدولية، وإنعقدت المحكمة.

س- وأفرجت المحكمة عن الضباط الأربعة الذين أثيرت حولهم الإتهامات والكلام وغير ذلك، ولكن تم الإفراج عنهم وكانوا أبرياء؟
ج- إذا كنا نريد أن نتكلم عن القانون فهناك كلام آخر إذ جاء في مطالعة المدعي العام بلمار:”إستنتج المدعي العام ان الأدلة غير كافية في الوقت الحالي لتبرير إيداع قرار إتهام بحق أي من الأشخاص الأربعة”. إذاً هو لم ينف ان هناك أدلّة، قال انه ليس هناك من أدلّة لا يرقى اليها الشك، وكان واضحا منذ اللحظة الأولى لذهابه الى هولندا وإنشاء المحكمة، حيث قال: “أنا أبحث عن أدلّة لا يرقى إليها الشك” ولم يقل لا أملك أدلّة ، أو لا أملك تحقيقا، كذللك قانون المحكمة الدولية لا يعطيها الحق بتوقيف أي من المشتّبه بهم أكثر من 90 يوما، لذلك تم الإفراج عن الضباط. وأنا هنا لا أدينهم ولا أعطيهم البراءة، ولكن النقاش الدائر نقاش سياسي لا علاقة له لا بالقانون ولا بالقضاء. هذا كله نقاش سياسي يراد منه:
أولا: بدء الهجوم على القضاء اللبناني ككل، وبعد ذلك إنحصر بالقاضيين المعينين مع ان هذين القاضيين يتمتعان بسمعة “زي المسك” كما يُقال.

ثانيا: بدأ المديح بالمحكمة الدولية بسبب إطلاق سراح الضباط ، ثم اصبح هناك موافقة مشروطة على أي من القرارات التي تتخذها المحكمة.

الواضح ان هناك تعطيلا مسبقاً للقضاء اللبناني ككل، عن العمل في هذه القضية ، وتهديدا مبكّرا ومسبقا لأي قرار، أو لأي عمل تقوم به المحكمة الدولية في المستقبل، لأنه منذ الآن هناك تشكيك، وأي قرار يصدر عن المحكمة الدولية لنفترض بعد ستة أشهر أو عشرة أشهر سيُقال انه مسيّس ، فالإفراج عن الضباط ليس مسيّساً ، أما أي قرار آخر سيصبح مسيّساً في ذلك الحين.

على كل حال، كما تقولون في مصر “ياخبر بفلوس بكرا يبقى ببلاش” رئيس المحكمة قال انه يحتاج الى سنة كحد أقصى لإصدار القرار الظني الذي عليه تبنى المحكمة فلننتظر.

س- لكن ماذا ستكسبون من هذه المحكمة، وأنا سأقول لك شيئاً من الأكيد ان هذه المحكمة لن تطال أسماء كبيرة، وممكن في النهاية ستقوم سوريا بتسليم ضابطين وإنتهى الأمر عند هذا الحد؟
ج- أنا لأ أوافق على هذا الرأي، لأن لجنة التحقيق الدولي يعمل فيها ما لا يقل عن 300 شخص من بينهم 30 محققا يتبعون لدول مختلفة، واحد من هولندا ، واحد من فنلندا، واحد من السويد، واحد من إنكلترا، واحد من مصر وواحد من الأمم المتحدة، فهل ستأتي وتبلغ كل هؤلاء قبل صدور القرار بأن يصمتوا وألا يتحدثوا عما يعرفونه؟ هذا غير ممكن، لذلك سيصدر القرار الإتهامي ، وفيه كل الوقائع التي تعرفها المحكمة المستندة الى أدلّة لا يرقى اليها الشك.

س- ممكن الا تكون سوريا المتهمة؟
ج- من قال ان سوريا متهمة، لماذا تفترض إفتراضا.

س- الشيخ سعد قال لي في مقابلة معه أنا أتهم سوريا؟
ج- ولكن ليس إتهاما جنائيا ، هذا إتهام سياسي.

س- سعد الحريري يتهم سوريا بأنها وراء مقتل والده؟
ج- أكرر إتهام سياسي وليس إتهاما جنائيا الذي لا يتم إلا بواسطة المحكمة.
أنا لم أشاهد المقابلة لكي أجزم بما قال ، ولكن أنا متأكد انه لم يصدر إتهاما جنائيا لأن هذا إتهام غير منطقي لحين صدور القرار الظني، فما دمنا إنتظرنا كل هذه السنوات، ولم يتبق سوى أشهر ستة أو سبعة أو تسعة، ولكن سيصدر القرار الظني وسنتقابل إن شاءالله وسنرى انه سيصدر قرار ظني بالأسماء وبالمعلومات الجدية، أيا كانت الجهة المنفذة ، لأن الكلام الذي قلته انت، قيل عند إقرار المحكمة في مجلس الأمن الدولي، بأن المحكمة لن تشكل او لن تعقد أو لن يحصل تحقيق، وتبيّن ان هذا غير صحيح، وحصل ما حصل.

أنا أقول ان الصورة الرئيسية الآن في لبنان وحتى في العالم العربي غير مسبوقة، للمرة الأولى تُعقد محكمة دولية جدية ورسمية ومحترفة من اجل إغتيال سياسي وقع في لبنان، هذه مسألة مهمة كثيرا لحياة اللبنانيين.

يا أستاذ عمر إذا لم يكن هناك محكمة ولا قرار ظني ولا إتهامات ، بصرف النظر عن الجهة المنفّذة، سيشعر كل مواطن لبناني بأنه فقد حريته بأن يقول رأيه ويتصرف بشكل طبيعي رغم ما يُقال عن لبنان. لا يزال هناك حد معقول من الحريات الإعلامية ، ولا يزال هناك إقتصاد حر، وحد معقول من إستقلال القضاء وتداول السلطات، فأي رئيس جمهورية مهما بلغ شأنه، والحد الأقصى لتوليه الرئاسة تسع سنوات، بعدها سيترك الحكم.

س- لكن مازلنا نجلس مع رئيس حكومة منذ مدة طويلة بالنسبة للبنان؟
ج- رئيس الحكومة موجود منذ أربع سنوات، وهذه ليست مدة طويلة، وقبله كان الرئيس الحص وقبله الرئيس الحريري. في لبنان هناك تداول جدي للسلطة ، وستثبت الإنتخابات المقبلة ان هناك تداولا جديا للسلطة.

س- ربما تكسب المعارضة بالإنتخابات وتحكم؟
ج- أنا لا أفترض ان المعارضة ستكسب هذه أحكام مسبقة.

س- المعارضة تقول ان تقسيم الدوائر جاء لمصلحتها، وتؤكد انها ستكسب الإنتخابات؟
ج- أعتقد ان تقسيم الدوائر ليس لمصلحة أي من اللبنانيين. إذا كنا نتكلم عن قانون الإنتخاب، لأن قانون الإنتخاب جعل المناطق دوائر صغيرة ومحصورة بطوائف معينة وضيقة جدا ، عكس طبيعة لبنان.

ولكن على كل حال لننتظر النتائج لماذا الإستعجال ، ونحن ايضا نقول الأكثرية ستكسب ولكن أعتقد ان الذين سيقررون هم الذين سيأخذون خطاً منفصلا عن الأكثرية والأقلية الحالية.

س- هناك قلق داخلي عند المواطن اللبناني ، وقلق خارجي، والناس في الخارج عندما تكلمها عن لبنان تهز برأسها، ولكن إذا سألته رأيه في شراء شقة في لبنان فيقول لك هذا مشروع مضمون ، ولكن ألا يمكن ان تحصل حوادث تمنعك من الوصول اليها.
مثلا عندما تهدمت المباني، الناس عادت وأخذت منازلها، مثلا إخواننا الكويتيون كانوا يملكون مبانٍ تهدمت ، بعد الحرب رجعوا وإستردوها في نفس الأرض وفي نفس المكان.
أنا أقصد الاموال مضمونة ، العقارات مضمونة، ولكن هناك قلق عند المواطن اللبناني داخلي وخارجي؟
ج- لبنان لأسباب جغرافية يقع على خط زلازل هو معني بقضيةلم تتحرك منذ أكثر من عشر سنوات بسبب الإدارة الأميركية السابقة ، الذي هو مشروع السلام في المنطقة، وهذا أدى الى إنفجارات والى حروب والى إهتزازات في كل العالم العربي والإسلامي، لذلك أنا أقول ان لبنان رغم حجمه الصغير، ورغم موقعه على خط الزلازل، ورغم علاقاته المرتبكة والمشتبكة مع جاره العربي الأول سوريا. رغم كل ذلك لا يزال في الجسم اللبناني الكثير من المناعة والصلابة، ولا يزال اللبنانيون مستعدين للدفاع عن حريتهم وعن سيادتهم وعن إستقلالهم وعن حقهم بقول الرأي، وألا يتخلوا عن أي شيء من ميزات نظامهم، ولكن بطريقة سلمية وعبر الإنتخابات.

إسمح لي أن أقول ان لبنان هو البلد العربي الوحيد الذي يعتمد هذه الطريقة للخلاف أو للإتفاق، هذا أمر غير متوفر في المنطقة، فلذلك دعنا لا ننظر فقط الى الجانب السلبي، وأنت الآن كنت تقول الأموال مضمونة والعقارات مضمونة وفي بعض الأحيان تتطور.

أذكر ان الرئيس رفيق الحريري رحمه الله ، أرسلني الى مسؤول عربي يملك عقارا كبيرا في لبنان لإقناعه بترميمه، وبعد أن قابلته قال لي”اسمع يا إبني، وهو كان رجلا كبيرا في العمر، نحن إستثمرنا في كل مكان في العالم وخسرنا وربحنا، ولكن المكان الوحيد الذي لم نخسر فيه هو لبنان”. وفعلا هو باع هذا العقار بأرقام خيالية.

لايزال لبنان بخير وفيه مناعة كبيرة، طالما هناك ان أناسا مؤمنون بحقهم الطبيعي السياسي السلمي، للتعبير عن رأيهم وأن يذهبوا الى الإنتخابات ويختاروا ممثليهم سواء كانوا من المعارضة أو الأقلية أو الأكثرية، ومن يريد أن ينتخب للمقاومة فقط؟ ليس هناك أي لبناني يستطيع أن ينتتخب المقاومة فقط .

س- هل سمعت عن الحادثة التي حصلت منذ أيام، حيث قٌتل مرشح أرمني أمس للإنتخابات بإطلاق النار ، وأنا أقول هذا بمناسبة الحرية التي تتكلم عنها؟
ج- أنا لم أسمع عن هذا الأمر، ولم أسمع أن مرشحا قد قُتل.

س- يٌقال لأنه قرر ترشيح نفسه ، ولكن ما أقصده ان هذا المجتمع أليس آمنا ألف بالمئة كما تتكلم؟
ج- لا يوجد ألف بالمئة، ولا حتى في فرنسا ولا في اميركا، في لبنان، هناك حد معقول مختلف عن محيطه، وهو ضوء وسط ظلام يحيط به من كل مكان. نحن لا زلنا في الحد الأدنى من الممارسة الديموقراطية، وبالحد الأدنى من الحرية الإعلامية، وبالحد الأعلى من سياسة الإقتصاد الحر، وبالحد الأعلى والأعلى من إيمان اللبنانيين، بأنه يجب أن يستمروا في الدفاع عن قرارهم وعن حقهم بقول رأيهم وبإعلاء صوتهم، وطالما ان هذا الأمر موجود فالأمل موجود بأن يتقدّم هذا البلد الى الأمام.

س- بمناسبة الحرية الإعلامية ، أي حرية إعلامية تتحدث عنها ما دامت كل صحيفة وكل محطة تلفزيونية تعبّر عن طائفة؟
ج- لم تعد الأمور كما تتكلم في لبنان، هناك ثلاثة أو أربعة تلفزيونات في لبنان لا تعبر عن طائفة ، هي تعبّر عن خط سياسي ، وأنا اتكلم عن الحرية الإعلامية بشكل عام.

أنا أسألك كم إستوديو لقناة اوربت تملكون في الدول التي فيها أنظمة مستّبدة، كما تسميها أنت، أكيد لا تملكون أي إستوديو، سوى فقط في لبنان وفي القاهرة.

س- عندنا في البحرين وفي السعودية؟
ج- ولكن أساس التلفزيون سعودي.

س- أنا أكرر السؤال، أي حرية إعلامية عندما أفتح التلفزيون أعرف ان هذا لـ”امل” وهذا لـ”حزب الله” وهذا لـ”المستقبل”؟
ج- أولاً “المستقبل” ليست طائفة ، ولكن هذا أمر طبيعي هذه مجموعات سياسية. أنا قلت الحد الأدنى من الحرية الإعلامية، والحد الأدنى من القضاء المستقل، والحد الأدنى من تداول السلطة، والحد الأعلى من الإقتصاد، والحد الأعلى من إيمان اللبنانيين بالدفاع عن بلدهم بالوسائل السلمية وبواسطة الإنتخابات، هذه مسائل أصبحنا نعتبرها وكأنها إما تحصيل حاصل أو أنها لاتحصل، ولكن أنا أقول انها تحصل، وهي ليست تحصيل حاصل.

هذا الأمر أتى نتيجة جهود كبيرة ، كالجهود التي بُذلت من وليد جنبلاط لقيام 14 آذار ، والجهود التي بذلها سعد الحريري في إنتخابات الـ2005 لكي تفوز الأكثرية.

س- أي جهود تتكلم عنها ، كانت أمامكم فرصة كبيرة للفوز في الإنتخابات، كان هناك قضية إسمها الشهيد رفيق الحريري الذي سمح لكم الفوز بالإنتخابات؟
ج- القضية ليست فقط الشهيد رفيق الحريري، جمهور رفيق الحريري و”تيار المستقبل” والآخرون لا يفتشون عن الثأر، هم يفتشون عن عدالة وليس عن إنتقام ، وهم يفتشون عن الحق وليس عن الثأر.

س- تريد أن تقول لي ، وأنت كنت مستشارا لرفيق الحريري، وسعد الحريري ابن رفيق الحريري لا توجد لديكما أسباب شخصية ، والمسألة تتمحور حول عن العدالة؟
ج- الشخصي هو بيني وبين نفسي، أنا أقول بالشخصية العامة، بالتأكيد هناك شيء شخصي عند سعد الحريري ويعبّر عنه في كثير من المجالات بمختلف الأساليب ، ولكن لم يدفعه حزنه او غضبه او إنفعاله لأن يتصرف باستسلام، أو بدعوته الناس الى المزيد من الإحباط، ولكن بالعكس تماما كان يدفعهم للتقدّم الى الأمام.. والى الأمام .. والى الأمام وهذه الحركة مستمرة، ولم تتوقف منذ أربع سنوات على عكس ما تعتقد.

أنت تتحدث عن حادث معيّن حصل في يوم معيّن باستباحة المدينة، وكأنه هو الواقع المستمر الدائم، وهذا غير صحيح.

س- أنت محلل سياسي وتستطيع أن تحلل أي شيء، وتفسّر أي شيء، لو طلبت منك المقارنة بين زعامة حسن نصرالله وزعامة سعد الحريري ماذا تقول؟
ج- لكل واحد منهما زعامته في مجاله ، وكل واحد منهما زعامته بعنوانه، وبطبيعة جمهوره، ولكن أنا لا افترض هذه المقارنة، لأن الموضوع ليس موضوع سباق لمن يكسب اناسا أكثر.

س- أنا أقصد ان هذا الرجل يُمثل زعامة لتياره ، وهذا الرجل يُمثل زعامة لتياره؟
ج- كل منهما يحمل رؤية سياسية ودورا للبلد يختلف عن الآخر، وهذا ما يقولونه للناس، وهذا ما يدفع الناس للإنتخابات.

السيد نصرالله لم يخسر في إنتخابات الـ2005 لكي نقول ان لديه مشكلة بسبب إغتيال الرئيس الحريري، وأيضا ليس لديه مشكلة في إنتخابات حزبه التي ستجري بعد شهر ، ولا هذا يعني ان واحدا من المشروعين إستطاع أن يلغي الآخر، ففي لبنان مبدأ إلغاء الآخر غير وارد. الوارد الوحيد الطبيعي هو الحوار مع الآخر، والقدرة على التفاهم مع الآخر، وإيجاد صيغ مبتكرة للعيش في دولة واحدة .

س- عن أي تفاهم تتكلم؟ إستمريتم في حرب أهلية 15 سنة ثم تقول لي تفاهمنا؟
ج- نعم تفاهمنا وحصل هذا سنة 1990.

س- ستقول لي هذه لحظة تاريخية؟
ج- الدول لا تنشأ وتتفاهم في لحظات غير تاريخية.

س- هل أنتم متفاهمون اليوم؟
ج- أنا مقتنع بأننا الآن في مرحلة حوار جدي، وليس هناك من خيار آخر.

س- لكن النتيجة ان هذا البلد إنقسم الى معسكرين؟
ج- ليس الى هذه الدرجة، هناك فكرتان تتنافسان بين الناس، وهناك مشكلة في المنطقة يجب أن نعترف فيها تتمثل أولاً: بانسداد أفق السلام منذ 12 سنة حتى الآن ، وثانيا: الإنفجار الفلسطيني الذي أصيبت به مصر، وأصيبت به دول أخرى والمتمثل بالوضع داخل غزة ، والذي دفع المسلمين والعرب ان ينزلوا الى الشارع في تظاهرات من إسلام أباد الى صنعاء. أليست هذه وقائع تصيب لبنان كما تصيب مصر وغيرها؟ إضافة الى ان هناك مشكلة جدية في البلد وفي المنطقة حول المشروع الإيراني. هناك نقاش جدي وخلافي، وليس تفاهما حول الدور الإيراني في المنطقة، هذا أمر معروف ومُعلن .

س- ما هو إنعكاس المشروع الإيراني على لبنان ، أوما هي ملامح الخطة الإيرانية في لبنان؟
ج- أنا أقول هناك دور تلعبه إيران كدولة رعاية لأطراف في كل المجتمعات العربية.

س- من هو هذا الطرف في لبنان؟
ج- هذا ليس سرا ، الأمر مُعلن “حزب الله” يعلن ذلك ،وهم لا يرتبكون من هذا الموضوع.

ولكن أنا أقول انه من باب الحرص على السلم الأهلي، هذا الموضوع يجب أن يكون على طاولة النقاش ، فكل تجارب إلغاء الآخر في لبنان ، تجارب فاشلة، أيضا المشكلة في المشروع الإيراني ليس خلافه مع الأنظمة، المشكلة هي في قدرته على التقسيم في المجتمعات العربية ، طهران دولة رعاية لمجتمعات محدّدة وليس لمجتمعات كاملة.

بطبيعة الحال، هذه المجتمعات تنشق أو على الأقل تتصرف على أنها تستطيع الإنشقاق لأنها تستند الى دولة رعاية، وهذا أمر مُعلن في كل الصحف والدراسات، لكن هذا الموضوع في لبنان وتحديدا في لبنان ، يجب أن يكون موضع حوار على طاولة طبيعية وجدية، لأنه لا يوجد خيار آخر أمام اللبنانيين. لو كان الإنقلاب ينجح لكان نجح مئة إنقلاب في السنوات الخمسين الماضية، التنوع اللبناني والتعدّد اللبناني وطوائف اللبنانيين لا تسمح لأحد بإلغاء الآخر.

س- أو الحسم؟
ج- أقصد الإلغاء السياسي، والإلغاء السياسي هو الحسم، ولكن لا أحد في لبنان يستطيع ان يقوم بذلك، لذلك خيارنا الوحيد هو الحوار، وهذا ليس كلاما في الهواء، لا يوجد أمامنا أي خيار آخر.

س- هل ستكسبون الإنتخابات؟
ج- ان شاء الله بدعواتك وبإيمان اللبنانيين.

=====