محاضرة “تشاتهام هاوس” – لندن: الفيدرالية تعني حروباً أكثر وسلاماً أقل

محاضرات 23 مارس 2016 0

السيدات والسادة،

 يسعدني أن أكون بينكم هذا المساء، وسط هذا الحضور المتميز، وفي واحد من أهم مراكز البحوث والسياسات العالمية المرموقة في العالم، تشاتام هاوس.

 

اسمحوا لي أن أبدأ بشكر اللورد مايكل وليامز لرعايته هذا الحدث. اللبنانيون لايزالون يتذكرون التزامه استقرار لبنان وازدهاره.

 

قبل أن نبدأ، أدعوكم إلى الوقوف لمدة دقيقة صمت حداداً على ضحايا الهجمات الإرهابية في بروكسل أمس، وفي ذكرى جميع ضحايا الإرهاب في لبنان وفي كلّ مكان في العالم.

 

سوف أنتهز هذه الفرصة لمناقشتكم، والاستماع إلى أفكاركم أيضاً، حول الموضوعات التالية، وهي كلّها مرتبطة بالتحديات التي تواجه لبنان نتيجة الاضطرابات في المنطقة.

 

أولاً: التهديد الارهابي

 

ثانياً: الأزمة السورية

 

ثالثاً: آثار خطط إيران التوسعية

 

أولاً: التهديد الارهابي

 

كلنا شاهدنا بالأمس الهجمات الإرهابية على مطار بروكسل ومحطة المترو. أبدأ بإدانة الهجمات على العاصمة البلجيكية بشدة وبالتعبير عن تعاطفي الصادق وتضامني مع الشعب البلجيكي.

 

• لا يوجد بلد في مأمن من التهديدات الإرهابية. التطرّف والراديكاليةالآن لا تعرفان جنسية، ولا دين، ولا حدود. للأسف، الإرهاب وحّد العالم، ونحن نعيش في عصر عولمة العنف.

 

• العالم يبدو بائساً في مواجهة داعش. وعلى الرغم من التحالف الذي تقوده أميركا والتدخل الروسي،لا تزال داعش قادرة على إرسال مجندين من الرقة إلى أوروبا وأماكن أخرى من العالم.

 

• أما في لبنان، وعلى الرغم من قربهإلى الصراع السوري، وعلى الرغم من التحديات الاقتصادية، وعلى الرغم من وجود أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوري، تمكّن لبنانمن السيطرة والحدّ من الآثار الأمنية والعسكرية السورية غير المباشرة، من خلال الاعتماد على استراتيجية شاملة تستند إلى ثلاث ركائز:

 

1. تعزيز الشعور بالوحدة الوطنية بين جميع المواطنين من مختلف الطوائف والانتماءات السياسية في مواجهة التطرف.

 

2. الحرب مع المتطرفين هي حرب عقول وليست حرب عضلات. لذلك يجب تعزيز قدرات قواتنا الأمنية من خلال تعزيز القدرات الاستخباراتية والتدريبية والتكنولوجية.

 

3. علينا مشاركة مع الشجعان من العلماء المسلمين المعتدلين والدعاة المؤثرين في مواجهة التطرف الديني من خلال تفكيك “رواية” داعش ومنظومتها الفكرية والدينية، هي وغيرها من المنظمات المتطرّفة.

 

• فالاستقرار النسبي الذي يتمتع به لبنان اليوم، وعدم وجود حاضنة اجتماعية للجماعات الإرهابية، هي نتائج مباشرة لهذه الاستراتيجية. في الواقع، وفقا لبيانات حديثة صادرة عن مركز “بيو” للأبحاث، فإنّ 99٪ من اللبنانيين لديهم رأي سلبي للغاية حول داعش. ونسبة السنة الذين يؤيدون داعش في لبنان توازي نسبتهم في الطوائف والمذاهب الأخرى.

 

• ونتيجة لذلك، فإنّ عدد المقاتلين اللبنانيين في سوريا (باستثناء مقاتلي حزب الله) هو نحو 400 فقط، وهو رقم صغير جدا بالنظر إلى الجيرة والتقارب بين سوريا ولبنان، ونسبة إلى المقاتلين الآتين من بلدان أخرى بعيدة جدا عن سوريا.

 

• لبنان هو واحد من البلدان القليلة جداً في المنطقة التي نجحت في إجراء عدد كبير من العمليات الاستباقية ضد خلايا إرهابيةنائمة.

 

• ليس هناك سر لنجاحنا. الأمر بسيط: المسلمون المعتدلون المنتخبون ديمقراطيا في لبنان هم الذين يحاربون في الخطوط الأمامية ضدّ التطرف. تعلمنا من تجارب العراق وسوريا أننا لا نستطيع الاعتماد على التطرف لمحاربة التطرف.

أنتقل الآن إلى النقطة الثانية، والأزمة السورية.

 

أنتقل الآن إلى النقطة الثانية: الأزمة السورية

 

• أنا واثق من أن معظمكم قد تابع عن كثب الأزمة السورية منذ عام 2011. وفي هذا السياق، سأتناول مسألتين:

 

أولاً: التدخل الروسي والانسحاب من سوريا.

 

ثانياً: النقاش بشأن الفيدرالية.

 

 أولا: الروس فعلوا في سوريا ما لم تستطع أي جهةالقيام به. نحن جميعا قرأنا في “عقيدة أوباما” المادة التي نشرت في مجلة “أتلانتيك”، وكيف كان الرئيس أوباما متردداً إزاء التدخل العسكري في سوريا، في حين كانالمنتظر تطورا دراماتيكيا، لكنّه فضّل تجنّب الشرق الأوسط.

 

• في رأيي فإنّ التدخل الروسي في سوريا كان له 3 أهداف:

 

1. تجنّب انهيار هيكل الدولة في سوريا.

 

2. فرض وقف دائملإطلاق النار.

 

3. فرض فترة انتقالية تنتهي من دون الأسد.

 

• يمكننا القول إن الروس نجحوا فعلا في تحقيق الهدفين الأولين، وأنهم لم يحققوا الهدف الثالث.

 

• لكي أكون واضحاً، لم أؤمن يوماً بأنّ بشار الأسد سيوافق على أن الانتقال السياسي في سوريا سوف ينتهي من دونه، قبل وصول التهديد إليه داخل عاصمته. سمعنا بيان وزير خارجيته وليد المعلم الأسبوع الماضي حين قال إن إزالة الأسد خلال الفترة الانتقالية “خط أحمر”، في إنكار دائم لما نشهده من حقائق التراجيديا السورية.

 

• الروس يريدون نظاما ضعيفا ومعارضة ضعيفة كنتيجة في نهاية الحرب السورية. والإيرانيون، في جانب آخر، لا يزالون أسرى استراتيجيتهم، وهم مستعدون للقتال حتّى آخر شيعي عربي.

 

 ثانياً:المسألة الثانية المتصلة بالأزمة السورية هي الطموح الفيديرالي لدى طوائف وإثنيات، وهي طموحات تظهر بين الحين والآخر.

 

• في الآونة الأخيرة، تم الإعلان عن كيان فيديرالي جديد في شمال سوريا. أكد حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي على ضرورة إنشاء “إدارة ديمقراطية محلية” في إطار فيديرالي.

 

• بغض النظر عما إذا كان الأكراد يحاولون فرض شروط معاهدة “سيفر” عام 1920 التي وعدت بوطن كردي مستقل، على أساس عرقي وطائفي، فإنّ الفيدرالية في بلاد الشام تعني المزيد من الحروب وسلام أقلّ. والأفكار الفدرالية لن تحل المشاكل بل على العكس سوف تسبّب العنف والحروب لأجل غير مسمّى.

 

أنتقل الآن للحديث عن تدخل إيران في شؤون لبنان ونتائجها المباشرة على الانتخابات الرئاسية.

 

ثالثا: آثار خطط إيران التوسعية

 

 منذ 30 عاما، لم تتوقف إيران عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية من خلال تصدير ثورتها عن طريق الإرهاب والميليشيات والطائفية. وإيران هذه تستخدم لبنان قاعدة خارجية للعمليات، لتدريب المقاتلين وإرسالهم إلى مختلف أنحاءالعالم.

 

• في عام 2015، تم تفكيك 8 خلايا من الحرس الثوري الإيراني في 8 دول بين أفريقيا والخليج العربي وأوروبا. ويشارك النظام الإيراني في سياسات توسعية نحو بلاد الشام والخليج العربي من خلال الاعتماد على الميليشيات الخارجة على الدولة، مثل حزب الله وميليشيات عراقية.

 

• للمرة الأولى في تاريخنا، ينظر إلينا على أننا نعارض الإجماع العربي وهذه هي نتيجة مباشرة للتدخل الإيراني في الشؤون اللبنانية.

 

 

 

 

 

وبناء على ذلك:

 

قررت الدول العربية، خصوصا أعضاء دول مجلس التعاون الخليجي، إعادة تقييم علاقاتها مع لبنان. وقد أعلنت المملكة العربية السعودية مؤخرا تجميد صفقة تبرع بـ 4 مليار دولار كانت معدّة لرفع مستوى قدرات الجيش والقوى الأمنية اللبنانية.

 

• منذ أيار 2014، لبنان بدون رئيس للجمهورية. وكما تبيّن فإنّ النظام السياسي اللبناني لا يمكن أن يعمل من دون رئيس، لذلك فهو دائما على حافة الانهيار.

 

• لو كان في لبنان مؤسسات تعمل ورئيس منتخب، لكنّا قد تجنّبنا عدم اتباع إجماع الدول العربية في الاعتراض على الاعتداءات الإيرانية، سواء في الجامعة العربية بالقاهرة أو في منظمة التعاون الإسلامي.

 

• إيران وحزب الله يعطلان انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان، من خلال امتناع نواب حزب الله وحلفائه عن النزول إلى 37 جلسة انتخاب حتّى الآن.

 

• رغم مبادرة رئيس تيار المستقبل إلى تسمية مرشّح رئاسي يعتبر قريبا من حزب الله، ورغم مطالبته حزب الله إلى ملاقاة بقية اللبنانيين في منتصف الطريق، لا تزال إيران وحزب الله يعطلان انتخاب الرئيس لإبقاء لبنان رهينة استراتيجيتهم الإقليمية.

 

• رغم ذلك لا يزال فريقنا السياسي يعمل باستمرار على محاولة تأمين النصاب البرلماني لانتخاب رئيس جديد ووضع حدّ لهذا الفراغ التخريبي. ورغم الكلفة السياسية التي ندفعها، نحن نصرّ على الانخراط في حوار مستمرّ مع خصومنا السياسيين، في سياق إصرارنا وسعينا إلى تجنيب لبنان مصير جيرانه.

 

الخلاصة:

 

• التدخل الروسي وبعده الانسحاب الروسي من سوريا حرّك الستاتيكو القائم. السعوديون ودول مجلس التعاون الخليجي بدأت في اتخاذ مواقف وبدأت تظهر استعدادها لمواجهة التدخل الإيراني في الدول العربية ودول أخرى.

 

 

• للمرّة الأولى، قرّرت القيادة السعودية مواجهة الخطط الإيرانية التوسعية من اليمن إلى سوريا.

 

• دعونا نعترف بأنّ هذاالموقف الجديد ربما جاء متأخراً، لكن كما يقولون،أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبدا.

 

•أؤمن بأنّ تعافي مصر سيعزّز بشكل كبير هذه المحاولات، وأنّه بدون سياسة مصرية خارجية، قوية وقادرة، سيبقى التوازن الإقليمي بعيد المنال.

 

• بالعودةإلى عنوان لقائنا، فإنّه لا يمكن احتواء الآثار غير المباشرة لما يجري في المنطقة من اضطرابات، دون استعادة زمام المبادرة من خلال مناصرة خصوم المتطرفين. يجبدعم المعتدلين والليبراليين في منطقتنا.

 

إذا كنّا نؤمن بضرورة استعادة المبادرة من المتطرّفين، وبحاجتنا إلى تعزيز حضور المعتدلين، فإنّ الليبرالية والعروبة الحديثة هي حليفنا. العروبة بمعنى: الاعتدال والديمقراطية واحترام السيادة والمواطنة الكاملة لحقوق للاقليات.

• نحن في حاجة إلى حماية منطقتنا من جميع أنواع المتطرّفين دينيا.

• نحن في حاجة إلى حماية أنفسنا من خطط الانفصال الطائشة.

 نحن في حاجة إلى حماية شعوبنا من الوقوع تحت رحمة بحرايجه من جهة والبحر الأبيض المتوسط من جهة، حيث تغرق أسر كثيرة في طريق الهروب من جحيم النيران السورية.

 

أسئلة وأجوبة:

 رداً على سؤال قال المشنوق إنّنا “ننتظر عودة حزب الله من سوريا لنبحث معهم كيفية التعامل مع الجانب العسكري من حزب الله في سوريا، قبل عامين ونصف العام، خلال ولاية الرئيس ميشال سليمان كان هناك حوار بين اللبنانيين حول كيفية الاستفادة من سلاح حزب الله من خلال الاستراتيجية الدفاعية. وكل اللبنانيين سيجدون صعوبة جدية في إنشاء علاقة جديدة وصحية مع أي شكل من أشكال النظام الجديد في سوريا، ليس خلال السنوات الخمسة الأولى بعد الحرب، سيكون السوريون مشغولون عنا. لكن تدخله في سوريا ترك ندوبا كبيرة في العلاقة المستقبلية مع سوريا والسوريين”.

 

وأضاف: “نحن نعمل على تطوير التجهيزات التقنية لأجهزتنا الأمنية ونطلب الدعم من الجميع، ونحن لا نحصل على الدعم الكافي، كل الدعم الآتي يتوجه إلى النازحين السوريين، ولا شيء يذهب إلى الحكومة اللبنانية، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. وقرأت منذ يومين أنّ 1.9 مليار دولار صرفت على النازحين، وأؤكد لك أن الحكومة لم تحصل على فلس واحد منها. كنا نعمل دوما مع البريطانيين والفرنسيين والأميركيين، وكل المانحين، ونعلمهم أن جزءا من المنح يجب أن تذهب إلى خطة متكاملة للبنية التحتية”.

 

وردا على سؤال آخر قال أنّ “الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني يقدّرون إعلان الحكومة البريطانية دعم قطاع التعليم بـ300 مليون دولار، للسوريين واللبنانيين، وهذا يساعد على تأمين استقرار في التعليم. لكن ماذا لو صرفنا 500 مليون دولار على قطاع الصحّة، بدعم المستشفيات وقطاعات الصحّة. ما فعلته الحكومة البريطانية يترك أثرا أفضل لأنّه تعميم الخير على كثيرين بدلا من حصره في مشاريع محددة غير مستدامة”.

 

وأكّد أنّه “لا يوجد نية في تجنيس النازحين السوريين، ولا أحد يفكر في هذا الأمر على الإطلاق”، قائلا: “التحديات واضحة وعالمية، ما حصل في باريس وفي بلجيكا وغيرها، وهي كيفية مواجهة نوع جديد من الحروب التي لا يستطيع أحد الإدّعاء بأنّه جاهز لها، أو لديه خبرة عسكرية في كيفية مواجهة هذا النوع من التطرّف. وكما قلتُ سابقا نحتاج إلى تدريب جيّد، وإلى عقول، وإلى تكنولوجيا عالية، وإلى مؤمنين بعدالة مواجهة الإرهاب ومحاربته، يوميا وكلّ لحظة، وبالطبع يجب العمل سويا، ولا أحد يمكن أن يقول إنه مسؤول عن هذه الغرفة وأنّه ليس مسؤولا عما يجري في الغرفة الأخرى. يجب أن نقاتلهم في كلّ مكان، في المجتمع الدولي وبين الدول العربية، ونحن جاهزون للتعاون. وحتى الآن الأمور أفضل”.

 

وشدّد على أنّ “وقف الهبة السعودية ليست مشكلة مالية، بل هي تؤشر إلى فقدان الثقة بلبنان. فالجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي عملت لسنوات من دون دعم  إضافي، وسيستمرون. رغم هذا نهتم كثيرا بالعلاقات مع السعودية ويؤلمنا فقدان ثقة السعودية. نحن فعلنا كل ما يمكننا وقمنا بكل ما يلزم لمعالجة مشكلة عدم الثقة. لا أستطيع القول إن المشكلة حلت، لكن الباب لم يغلق بعد”.

 

كما كشف أنّه اتفق مع رئيس الحكومة تمام سلام، قبل أيام، “خلال اجتماع على خطة لتقديمها مع الجهات المانحة بهدف مناقشتها الأسبوع المقبل في لندن، لطلب تمويل إضافي لمشاريع لبنانية. وهنا أطلب من دول الخليج أن تأخذ في عين الاعتبار أن فقدان الثقة لن يعيش لوقت طويل، لأنّه بيننا تاريخ طويل من العلاقات الطيبة. كما أنّ التنسيق بين أجهزة الأمن في لبنان وفي دول الخليج لمولن يتوقف. نحن لا نريد تحسين العلاقات من أجل الحصول على المال، بل لأنّنا نؤمن بأنّه يجب استعادة الثقة”.

 

وختم مؤكدا أنّ “الانتخابات البلدية والاختيارية ستجري بالطبع، وسأدعو الهيئات الناخبة يوم السبت المقبل لإجراء هذه الانتخابات في شهر أيار المقبل”، وأنّ “حلّ النفايات في لبنان مؤقت، ولمدة شهرين فقط، وبعدها ستحصل مناقصة لتنفيذ الحلّ المستدام الذي يجري العمل عليه حالياً”.