الفلسطينيون يحاصرون إسرائيل ..

مقالات 10 يوليو 2006 0

عرفتُ التجمعات المناطقية الفلسطينية خلال الوجود الفلسطيني المسلح في لبنان في أواسط السبعينيات حتى العام 1982 تاريخ الاجتياح الإسرائيلي. أهمها اثنان ظهرا أمامي فجأة في تشييع شهداء. الأول ما كان يسمى “بالغزازوة” نسبة الى غزة والثاني “الخلايلة” نسبة الى مدينة الخليل.
لا بد من الاعتراف أن هذه الصيغة فاجأتني في حينها. إذ أن حركة التحرر الفلسطيني “فتح” كانت تملك من الانفتاح السياسي والجغرافيا ما يجعل من الصعب على تجمع سياسي أن يظهر منفرداً على الساحة فكيف بتجمع مناطقي.
أبرز الخلايلة كان ماجد أبو شرار الذي اغتالته إسرائيل بانفجار تحت سريره في روما حيث كان يشارك في مؤتمر أدبي.
الشهيد أبو شرار كان كاتباً وأديباً قبل أن يكون عضواً في اللجنة المركزية لحركة “فتح”. محلل سياسي من الدرجة الأولى. أنيق ببساطة مثل كل الفتحاويين من أصول يسارية. خطيب مفوّه. له مؤلفات في علم الاجتماع. إلا أن هذا كله لم يمنع من أن “الخلايلة” الذين اجتمعوا على جثمانه لدى وصوله الى بيروت من العاصمة الإيطالية لا يظهر على أطباعهم أثر للمدينة بمفهومها الهادئ المحاور.
أصواتهم غليظة. لغتهم حادة. منغمسون في العمل العسكري الميداني الى حد الرغبة. وحده أبو شرار رحمه الله يقف بعلمه وثقافته أمامهم مغيباً ما لا يريد سماعه من حدة أصواتهم وأطباعهم.
للغزازوة رموز كثيرة في الحركة الأم للعمل الفلسطيني المسلح أي “فتح”. لكن أبرزهم ينحدر من عائلة واحدة هي عائلة بسيسو.
معين الشاعر المتعكر المزاج دائماً والرافض لكل ما يراه حين يستيقظ والشاتم لكل من يقابله قبل أن ينام. يفتش دائماً عن واحد من أقاربه لكي يضحك معه على قيادتهم.
صخر حبش والتسمية هنا لتمييزه عن صخر ثان. أمين سر المجلس المركزي لحركة “فتح”. قصير القامة. مستدير الى حد التخمة. يستطيع، بصوته وعقله الحاضر لكل مفاجأة في اجتماعات المجلس المركزي، أن يضبط حواراً لا حدود لحدّته في المعارضة. يخرج من الاجتماع. ينتقل الى مكتب آخر. يتبنى وجهة نظر المعارضة.
صخر بسيسو “دون حبش” كان متقدماً في الشؤون الخارجية مع أبو اللطف وزير الخارجية الفلسطيني آنذاك. طويل القامة. نحيف الجسد. مهذب على عبوس. مطلع بهدوء. رأيته مرة غاضباً علمت بعدها أن ما رأيته من قبل ذلك هو “عدة الشغل” ليس أكثر. إذ كيف يكون كبير السفراء ويستعمل سيف غزة على العسكريين والأمنيين فيخيفهم.
الشهيد عاطف بسيسو. الاستخباراتي الأول في فريق أبو أياد. المتخرّج علماً من بيروت. الشاب الذي أحب الحياة أكثر مما عرفها. أكثرهم غنى. الرافض لماله ونسبه. إذ هو يعود بنسبه إلى واحد من أهم مفتيي غزة. المختفي دائماً والأكثر فعالية في عالم الأمن الخارجي. يتنقل في أوروبا في سيارته كأنه في بيروت. سقط شهيداً على يد الاستخبارات الإسرائيلية قبل أيام من توقيع اتفاق أوسلو على باب فندق انتركونتيننتال في باريس.
هؤلاء كلهم يجمعهم لسان بحري على المتوسط طوله 40 كلم وعرضه عشرة كيلومترات اسمه غزة. يسكن مدينتها أربعمائة ألف مواطن ويعيش في قطاعها أكثر من ثمانمائة ألف فلسطيني معظمهم من اللاجئين القادمين من مناطق مختلفة، ليستقروا في ثمانية مخيمات، بقيت على حالها من الفقر والعوز منذ العام 1948 حتى اليوم.
القطاع أرض منبسطة. التلة الأعلى فيها تصل الى المائة متر فقط. فيها النسبة الأعلى من التلوث، القدرة الأقوى من أمراض البيئة. من النسب الأعلى في الكثافة السكانية في الكيلومتر الواحد. ومحاصرة؟
هذا هو التعبير الحديث لتقدم الجيش الإسرائيلي في اتجاهها وتعرّض سكانها يومياً للقصف الإسرائيلي. شاطئها أصبح أكثر شهرة في العالم بعد وقوع طفلة صغيرة على رمله صريعة القصف الإسرائيلي. القصف ليس جديداً عليها ولا الحصار إذ أنها وأهلها تعوّدت ذلك منذ أكثر من عشر سنوات. إذ أنها منبع الانتفاضتين. الأولى قبل توقيع اتفاق أوسلو، والثانية منذ توقيع الاتفاق وحتى اليوم.
كأنها وشعبها بركان لا يهدأ. المعبّرة أكثر من أي أرض فلسطينية أخرى عن رفض الشروط الإسرائيلية في الحرب وفي السلم.
هي القاعدة الأساسية للتنظيمات الإسلامية الفلسطينية. عبّر عن ذلك شعب غزة بوضوح حين وصلت حركة حماس بأكثرية ساحقة الى المجلس التشريعي الفلسطيني فجاءت الحكومة على صورة الانتخابات. رغم ما أحدثه ذلك من خلل في موازين القوى الفلسطينية وكاد أن يتحول الى صدام بين تاريخية حركة »فتح« والفعالية الشابة لحركة حماس لولا أن إسرائيل جاءت بدباباتها لتوقظهما من صراع السلطة.
لم تكن إسلامية حركة “حماس” ولا شباب عناصرها هما المحرك الرئيسي وراء انتصارها في الانتخابات. إذ أن تاريخية “فتح” لا ينقصها شيء من الإسلام تأسيساً وامتداداً وتحركاً. بل أن عناصر تأسيسها جاءت من رحم واحد مع كل الحركات الإسلامية الفلسطينية مثل الجهاد الإسلامي وغيرها من التنظيمات. وليس في صور الزعيم التاريخي الراحل ياسر عرفات لجوءاً أو استنجاداً أو استفراداً إلا صوره مع القرآن الكريم.
لكن الوقوع في فخ مستلزمات السلطة من المفاوضات مع الإسرائيليين، والالتزام بمتطلبات دولية تتبع مثل هذه المفاوضات، دون نتيجة تذكر ودون واقع يتجلى في تحقيق تقدم لهذه المفاوضات أو نتيجة لهذه الالتزامات، جعل قيادة السلطة الوطنية والفصائل المنضوية معها في منظمة التحرير في موقع السؤال أكثر مما هي في موقع الجواب على حاجات الشعب الفلسطيني في الاقتصاد وفي السياسة. وكان يكفي الناخبون الفلسطينيون أن يجدوا في عداء إسرائيل الدائم للحركة الإسلامية الفلسطينية، سبيلاً لإعطائها أصواتهم ونصرة وجهة نظرها.
أضاف الشعب الفلسطيني الى فرادته إضاءة جديدة. إذ أن الاتفاق الفلسطيني السياسي بين تاريخية “فتح” وإسلامية “حماس” جاء من داخل السجون الإسرائيلية. وحين التزم الجميع بما جاء في “وثيقة الأسرى” بدا أن من أضاع البوصلة خارج السجن استردها من عقول الأسرى داخله.
قد يرى المراقب لما يجري على الساحة الفلسطينية أن مجموعة من تنظيم “حماس” يقودها رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل المقيم في دمشق، اختطفت جندياً إسرائيلياً في التاسعة عشرة من عمره من قاعدة عسكرية وصل إليها الخاطفون من نفق محفور تحت أرض القاعدة. وأن إسرائيل ترد على هذه العملية بحصار وقصف مستمر على قطاع غزة حيث يسقط شهداء يومياً. وترفض مبادلة الجندي الإسرائيلي بلائحة من النساء والأطفال المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، في الوقت الذي تقوم فيه قوى عربية ودولية بوساطات لم تؤد الى نتيجة.
الصورة الحقيقية غير ذلك تماماً. حركة “حماس” بعد نجاحها في الانتخابات تريد أن تعبّر عن أنها قوة تغييرية على الساحة الفلسطينية. لا أن تستمر في السياسة السابقة التي أوصلت الى حصار مماثل مرات ومرات دون أن يكون في يدها جندي إسرائيلي تفاوض عليه حتى الرمق الأخير.. لإسرائيل هذه المرة.
لم لا؟ ما دام المثل الذي يحتذى به في هذا المجال هو المفاوضات التي قام بها “حزب الله” اللبناني. والتي أدت الى الإفراج عن مئات المعتقلين وعشرات الجثث لمقاتلين مقابل بقايا جثث جنود إسرائيليين.
حركة “حماس” لم تكن البادئة في الحصار ولا في الاعتداء. العالم بأسره اتخذ قراراً منذ اللحظة الأولى لتشكيل حكومتها بمقاطعتها والشعب الفلسطيني مادياً وسياسياً ولو أدى هذا الى إفقار الصف الأدنى من الجوع الفلسطيني. كانت نسبة الفقر في قطاع غزة 32 في المئة مع وصول حماس الى الحكم. الآن وصلت النسبة نفسها الى 87 في المئة بسبب الحصار الدولي والعربي.
لم يستفد المجتمع الدولي من التاريخ القريب. اعتقد قادة هذا المجتمع وعلى رأسهم الإدارة الأميركية أن اغتيال إسرائيل لمؤسس حركة حماس الشيخ المُقعد أحمد ياسين والقائد الدكتور عبد العزيز الرنتيسي سيجعل “حماس” أكثر استسلاماً للرغبات الإسرائيلية وأقل حضوراً في الضمير الفلسطيني فإذا بالنتائج السريعة تثبت عكس ذلك تماماً. بينما النتائج البعيدة المدى لن تكون أقل قدرة على التغيير مما فعلت هذه المفاجأة الفلسطينية حتى الآن.
إن مشهد الوزراء والنواب المخطوفين من قبل الجيش الإسرائيلي بتهمة انتمائهم الى »حماس« وهم يدخلون قاعة المحكمة رافعين سبابة الشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. إن هذا الشكل الجديد من علامة الانتصار بدلاً من شكل رقم السبعة الذي كان يرفعه الزعيم أبو عمار، هو رمز يطلب من الجميع التنبّه له والاعتراف بما لديه من حداثة في العمل تستند إلى تراث تاريخي يقبع مطمئناً في قلب كل مسلمي العالم.
هذا الرمز لن يسلّم الجندي الإسرائيلي إلا بمبادلة محددة ومعروفة النتائج مسبقاً. وإذا كانت القيادة الرسمية للداخل لا تريد تحميل شعبها ما لا قدرة له على حمله من الضغط، فإن خالد مشعل في دمشق ومعه القدرة السورية على الاحتمال يجر حبل المفاوضات الى العاصمة السورية. فيظهر مشعل على التلفزيون السوري ومعه موسى أبو مرزوق ليقولا إنهما المرجع وأن الطائرات الإسرائيلية فوق المقر الرئاسي في اللاذقية لن تغيّر من موقفهما ولا من موقف القيادة السورية.
ما هو موقف “هيبة” الدولة الإسرائيلية من هذا التغيير الفلسطيني؟
حتى الآن تتصرف إسرائيل على قاعدة أنه إذا لم تنفع القوة في حل هذه الأزمة فلا خيار إلا المزيد من القوة. ولكن ماذا تنفع القوة في حصار مليون وربع المليون فقير وفي قتل أفراد منهم كل يوم؟
لا شيء. إن مشهد الدبابات الإسرائيلية تسرّع مجنزراتها على الطريق الموازي لحائط الأمن الإسرائيلي يفقد الحائط معناه ومبناه. فإذا كان الحائط الأمني والقصف المباشر وتحليق الطيران لم تغيّر في الموقف الفلسطيني فلن يتغيّر هذا الموقف بمجرد استعمال مزيد من القوة.
الحائط نفسه من جهة أخرى دليل تراجع المشروع الإسرائيلي. أين كان المشروع الإسرائيلي منذ 25 عاماً وأين هو الآن؟
سقطت تاريخية الحدود المجسدة في التوراة في مصر وانسحبت إسرائيل من الأراضي المصرية المحتلة بما فيها ما كان يعتبر مقدساً في الجانب المصري. انسحب الجيش الإسرائيلي من الأردن وفق نفس المعايير. أوصل أبو عمار شعبه وقيادته الى باب إسرائيل رغم كل ما يقال من اعتراضات على اتفاق أوسلو. نجح “حزب الله” في سحب الجيش الإسرائيلي دون مقدسات إسرائيلية ودون اتفاق سلام.
في المرحلة الفلسطينية الحالية أي الثالثة في تدرج مراحل الانسحاب عاد الصراع وقيادته الى أرضه المقدسة. حين لبى الشعب الفلسطيني نداء قائده ياسر عرفات ومهّد الطريق أمام العودة الأولى بانتفاضته.
بعد غياب ياسر عرفات وجد الشعب الفلسطيني سبيلاً آخر للتعبير عن رفضه للسياسة الإسرائيلية فكانت “حماس” هي خارطة طريقه.
لا تجد إسرائيل أمامها إلا القوة لحل مشاكلها، في الوقت الذي يتراجع فيه المشروع الأميركي الدولي الداعم لها في منطقة الشرق الأوسط عن تحقيق أي تقدم في نماذجه الثلاثة العراق وفلسطين ولبنان.
اكتفت إسرائيل من الحكمة باجتماع رؤساء وزرائها السابقين الذين لا يستطيعون مواجهة والدة جندي مخطوف. غاب كبيرهم أرييل شارون الراقد على سرير الموت بعد أن وضع خطة حماية لإسرائيل سمّاها بالانطوائية بعد أن ثبت استحالة الانتشار.
ستقصف إسرائيل كثيراً وستحلق طائراتها طويلاً قبل أن تعترف أن خيارها الوحيد هو المفاوضات المباشرة بالشروط الفلسطينية. لكن حتى هذا لن يغيّر من الواقع شيئاً. المشروع الإسرائيلي يتراجع عن تاريخه والمشروع الفلسطيني يتقدم تغييراً لواقعه.
ينقل دنيس روس المساعد السابق لوزير الخارجية الأميركية في مقال كتبه في “الجيروزاليم بوست” عن قيادي فلسطيني قوله “لا نملك القدرة على الاستسلام”. ويكمل بتحذير إسرائيل أن استمرار الأزمة سيجعل من الصعب على الأوروبيين تحمّل الكلفة التي يدفعها الشعب الفلسطيني في غزة. ثم يضيف “ان الشكل الذي ستأخذه نهاية هذه الأزمة سيحدد دون شك ما يأتي بعدها”
ويرشح روس في مقاله تحت عنوان “ارتباك الاستسلام” العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز للضغط على الرئيس بشار الأسد لإنهاء أزمة الجندي المخطوف.
لا يبدو من مقال الخبير في أزمة الشرق الأوسط دنيس روس أنه يعتقد بإمكانية قوى التغيير في العالم العربي الإمساك بالموقف الرسمي.
إلا أن مراجعة دقيقة لحديث الرئيس الأسد الى صحيفة “الحياة” في السادس والعشرين من الشهر الماضي توضح بشكل مرضٍ أن الرئيس السوري يعتبر نفسه ليس داعماً لقوى التغيير الإسلامية فقط بل هو واحد منها. إذ أن مشروعية النظام الذي يترأسه منذ ست سنوات لا تزال تعيش على ما بقي من مشروعية نظام والده الذي حكم سوريا لمدة 30 عاماً. حقق الرئيس الأسد الأب مشروعية داخلية من خلال ما سمي بالحركة التصحيحية في الحزب الحاكم. ما هي إلا 3 سنوات حتى خاض حرب تشرين في العام 1973 آخذاً بيده ناصية الحرب على إسرائيل ورفض نتائجها السياسية. بعد سبع سنوات استبدل الثقل المصري الغائب بالثورة الإيرانية راعياً ومتحمساً لها ومتحالفاً معها. ثم استرد بعد سبع سنوات أيضاً من الاجتياح الإسرائيلي دوره وحضوره في لبنان من خلال مشاركة القوات الدولية بعملية تحرير الكويت.
خرج الجيش السوري من لبنان بقرار دولي في عهد الرئيس الشاب. وفعل عكس ما هو متوقع من واشنطن حين اعتبر التدخل الأميركي في العراق احتلالاً. فمن أين يأتي بمشروعية لنظامه الجديد القديم؟
يبدو الرئيس الأسد الشاب في حديثه الى الزميل غسان شربل وكأنه يريد من قادة الدول العربية الرئيسية الانضمام الى وجهة نظره القائلة بأن لا خير يرتجى من السياسة الاميركية في المنطقة. بينما حركة “حماس” و”حزب الله” لا يحتاجان الى من يقنعهما بهذه السياسة. وإذا كان الاثنان اي الفرع اللبناني والفرع الفلسطيني لا يريان اسرائيل في خريطتهما إلا مواقع قتال بما في ذلك حدود 48 الدولية المعترف بها، فإن حليفهما في دمشق لا يستطيع إلا ان يرى الجولان المحتل موقعاً للمقاومة المحقة في سبيل استرداد أرض محتلة. وإلا فإنه سيصبح كمن يضع قدماً في النار والاخرى في الحرارة. تحترق الاولى بسرعة ويقضى على الثانية إنما على مهل.
يعود روس في مقاله الى تبسيط الامور بطريقة غير محترفة على غير عادته. فهو يدعو مصر والاردن الى دمج قواهما لاقناع الرئيس محمود عباس بتشكيل حكومة طوارئ دون مشاركة حماس وإنشاء قوى أمنية محترفة بقيادة مدعومة منه.
يتجاهل روس ان فلسطين مشكلة في كل بلد عربي وانها منذ لحظة احتلالها سبب للتغيير في العالم العربي وانها ستفعل ذلك الآن. وأن ما نراه على السطح من هذا التغيير هو بداية ليس إلا.
بمفهوم الدولة الأمة دخلت إيران إلى العراق لحماية حدودها أمناً وسياسة فأمسكت بمفاصل الحركة السياسية في بغداد. وأرسلت مندوبيها الى العواصم العربية لتشاور لا لتشارك. بالقراءة الإيرانية لمشروعها الإسلامي تحالفت طهران مع دمشق لتصل الى الحدود مع إسرائيل عبر رعايتها لحزب الله في جنوب لبنان. نالت الجائزة الكبرى مؤخراً حين وضعت يدها إلى جانب الممسكين بالعلم في الأراضي الفلسطينية المحتلة فأصبحت شريكاً أكيداً في القضية المركزية للعالم الإسلامي.
العراق الأغنى بشراً. ماءً. نفطاً. علماً وثقافة. لبنان الأكثر تحرراً وإشعاعاً بين الدول العربية. فلسطين الواقعة في موقع القلب من كل مسلم.
تنوع لا مثيل له لمشروع لا يعرف حداً لامتداده.
إن الدول العربية تنقسم الى ثلاثة اقسام الآن، اولها غائب عن السمع، ثانيها غائب عن الوعي، وثالثها محايد، هذه الدول تفتقد الى مفهوم الدولة الأمة القادرة على الإحاطة بما حولها على انه جزء من داخلها وليس دخيلاً عليها. وبالتالي فليس لها دور غير المتلقي لما يحدث حتى على حدودها. هذا هو تفسير الموقف السعودي الملتزم بالموقف الدولي الرافض لدعم حركة حماس مالياً بناء على طلب خالد مشعل حين قام بزيارتها. فكانت ايران هي البديل رغم عدم قيامها حتى الآن بالتنفيذ العملي للدعم المادي.
وهذا هو تبرير الوساطة المصرية التي لا تعترف حتى الآن بمدى قدرة قوى التغيير على القرار. ذهب مسؤول سوري الى القاهرة ففوجئ حين قابل الرئيس مبارك انه اقرب الى منطق الافراج عن الجندي الاسرائيلي على أمل مؤجل بالافراج عن المعتقلين الفلسطينيين. عاد وهو محبط على ما يعرفه من سياسة مختلفة تربى عليها سنوات طوال من حياته.
غير ان ما لم يلاحظه روس ان قوى التغيير في مصر لا تنحصر بالاخوان المسلمين الذين يجلسون على 28 بالمائة من مقاعد مجلس الشعب. وان رغبة التغيير في السعودية لا تلتزم حدود “الفئة الضالة”، وهي الصفة التي تطلق على المجموعات التكفيرية السعودية.
إن حدود هاتين الدولتين ليستا حدوداً جغرافية لا تتأثر بما يجري خارجها. بل هي حدود سياسية تبدأ في الضفة الغربية وتمر في بيروت وتكمل نحو غزة ولا تنتهي في شوارع الرياض والقاهرة.
ولن ينفع هذه المرة الاختباء خلف عنوان التنمية الداخلية التي تستنفد كل الجهود على حد التعبير الرائج للمسؤولين في البلدين.
ستطول الازمة المنظمة على عكس الشائع. وسيجد الحكام العرب انفسهم امام ما هو مرسوم لهم اي العزلة التدريجية عن مشاعر شعبهم.
أما في غزة فلن يتغير شيء. اجتمعت دزينة من الاولاد الفلسطينيين في جنازة لمقاتل فلسطيني شاب. اقترب منهم صحافي انكليزي. سألهم: هل تعلمتم شيئاً من قتل محمد ماهر شاهين. اجابوا كلهم بصوت واحد: نعم. نريد ان نكون استشهاديين ايضا.
ألا يعني هذا الكلام ان الفلسطينيين يحاصرون اسرائيل؟