العين التي تقاوم المخرز

مقالات 19 أكتوبر 2013 0

أدخل وسام الحسن الضابط المسلم القادم من توراتيج في الكورة، الى رئاسة جهاز أمني رسمي، أخذ من الجدل والخلاف السياسي ما يتجاوز استحداث وزارة سيادية لفريق لم يكتف بما لديه من سيادة على الوزارات مجتمعة، قاعدة جديدة في العلاقات بين النظام الأمني السوري والنظام اللبناني، هي انه لن يمر اعتداء لجهاز أمني رسمي سوري على اللبنانيين الابرياء من دون متابعة ومثابرة وعقاب لمن تولى المهمة السورية القاتلة، حتى ولو كان وزيراً سابقاً يتمتع بحماية النظام السوري وأذياله في لبنان فضلاً عن عطف فرنسي مخابراتي عريق.

هي المرة الأولى في لبنان وبعد قيام ثوَار الرابع عشر من آذار بإخراج الجيش السوري من الاراضي اللبنانية اثر ثلاثون سنة من الهوان الوطني والإنساني والشخصي التي يظهر فيها من يملك الجرأة على الوقوف بوجه آلة الموت. لقد قرَر وسام الحسن وجهازه الامني الذي لا يتمتع على الاطلاق بتغطية سياسية شاملة ، أنه العين التي تقاوم المخرز .

لذلك، لم يكن غريباً ان يتم اغتيال وسام الحسن على يد نظام مرشَح لجائزة القاتل العربي الأول بحق شعبه فكيف بحق ضابط من قرية وادعة في ظلال لبنانيتها.

لكن، ليس الاغتيال على قسوته الشخصية والعامة هو الخبر في ذكراه السنوية الاولى، بل إن عيناً أخرى زرعها وسام ومعه أشرف ريفي في جهازه الأمني هي عين الضابط عماد عثمان محاطاً بعشرات العيون الوطنية، التي أخذت على عاتقها شجاعة الدخول الى الأرض السورية أمنياً كما هو معلن في جبل محسن من صور بشَار الأسد وغيره من أساتذة الإغتيال في سبيل منع الوطنية اللبنانية في الانتشار .

دخلت عيون وسام لتعتقل واحداً من الذين ثبت ارتكابهم بالصوت والصورة وضع سيارتين مفخختين في طرابلس أمام مسجدين عند قيام صلاة الجمعة (محققا) مقتل 51 مواطناً وخمسمائة جريح.
ليس سراً ولا مفاجئاً القول بأن المخابرات السورية هي التي تفضَلت على طرابلس بأفضل ما لديها من أدوات القتل الجماعي .

سياسياً، فشل أصحاب الصور المنتشرة في جبل محسن في قطع نسل الوطنية من الجهاز الأمني الرسمي المتمسك والمتماسك بعيون وسام وباحتراف لا سابق له في دولة يصل الاختراق الأمني لأجهزتها الى أعمق بكثير مما يظهر. فشل من يريد لنا أن نستسلم. أن نغرق بأحزان وأحزان. وبقينا واقفين ولو كانت طيور الموت تحوم من حولنا.

هذا في السياسة . ماذا عن الشخصي ؟

بصراحة ، وصل جرح الاغتيال حتى العصب العميق . عصب الاصدقاء فكيف بالأهل . وأم حيدر التي تزداد رقة ونحافة وهدوء تسألني العذر انها لا ترى في السياسة ما يبرَر حرمانها من ولدها الأحب . بينما يختفي أبو حيدر ليداري دمعه .
وبصراحة أكثر، وصل جرح الاغتيال الى عصب الطائفة، “طائفة لبنان أولاً “، التي صارت لا ترى في كل شجاع الا شهيداً، من رفيق الحريري الى وسام الحسن (والحبل على الجرَار) كما يقال بالعامية .

يا وسام

كما كنت قبل عام من الآن، لا زلت . لا أقوى على الهروب منك . تحاصرني في كل شيء . في المبادئ ، في السعي ، في الوضوح ، في الوفاء لبلاد تغرق بدماء من يخلص اليها .

في موتك ما يدفعنا الى الاستمرار . ما لنا الا ان نكمل ، لنصل الى برَ ليس فيه سوى دولة تستحقنا ونستحقها . هكذا كنت انت وهذا أقل ما نحن فاعلون ، بعد سنة على غدر أصابك وأصابنا .
عام مرَ ، وسيمرَ آخر وآخر وليس لنا سوى الاستمرار في مقاومة القاتل .

ليس الوقت للحديث عن كثر ، من هنا وهناك . الوقت فقط للحديث عمَن يطعن بوطن آمنت فيه حتى الموت ، الاستشهاد . وطن ضحيت من أجل أن يكون ، على شاكلة ناسه الطيبين .
ليس الوقت للحديث إلا عمن يمنعون كل لبناني من الحلم ، قبل الحياة. هؤلاء قرَروا ان يجعلونا جميعا مشاريع موتى في رحلة بحثهم عن مزرعة ، فيها حقيقة واحدة ، البقاء للأقوى ، حاكمهم الديني أو السياسي ، لا فرق عندهم سوى أنهم باقون ولو ذهب الجميع .

هؤلاء يا وسام يبحثون عن الموت ، فيما انت كنت تبحث عن حياة لنا . هذا هو الفارق بين إنسان إنسان، وإنسان ليس له علاقة بالإنسان . لو شاهدت كما شاهدنا كيف يقتل السوريون الجرحى بدمٍ بارد، لعرفت عمّا نتحدث.

يا وسام،

كنت تشاركنا أحلامنا ، تصنع منها حقائق ، تسمع منَا، نسمع منك ، نسبقك في فكرة ، تسبقنا في أفكار، لكنك تخطيتنا جميعاً ، افتديتنا بروحك.
سقطت كل السياسة ، ولم يبق أمامنا سوى إنسانيتنا . لن نتركها ، سنتمسَك بها حتى آخر الروح . نحن وكما كنت تؤمن دائماً ، نستحق الحياة ، والوطن أيضاً ..