العشاء التكريمي لاتحاد العائلات البيروتية على شرف الوزير المشنوق: بيروت تشهد على العربية السعودية مملكة الخير

كلمات 15 أبريل 2015 0

قرأت منذ سنوات مقالاً لكاتب مصري، قال فيه أن مصر تعيش منذ عشرات السنوات على مجد أنها أم الدنيا، لكنه بعد أن زار بيروت وأقام فيها لأسابيع لا يستطيع إلا أن يعترف بأن بيروت هي ست الدنيا.
إذا أردت الوطنية تجدها في كل زاوية من شوارعها.
إذا بحثت عن الدولة والنظام وجدت أهلها وعائلاتها أول الملتزمين.
إذا افتقدت الميثاق الوطني وجدته في جنباتها حيث ظهر وعاش، وصمدت معه وحدة الدولة والوطن رغم كل الحروب.
إذا حلمت بالحريات على أنواعها فبيروت هي المرتع والملجأ.
كل الفئات. كل الحزبيات. كل السياسات اعتادت أن تشترط على الدولة والوطن إلا بيروت.
البيروتيون وطنيون بدون قيد أو شرط. لبنانيون دون قيد أو شرط.
هم الدولة ومع الدولة أيا تكن أوجه القصور والتحامل أو التجاهل.
أهل ست الدنيا اعتبروا دائماً أن للوطن والدولة حقاً عليهم وواجباً يعرفونه ويعملون له لأن السلامة الوطنية هي مبتغاهم.
بيروت كانت وستبقى عربية الهوية، عربية الثقافة، عربية التاريخ وستبقى على عروبتها شاء من شاء وأبى من أبى.

نحن نتنفس اليوم مع غيرنا من المدن العربية هواء الحزم الآتي إلينا من عاصمة الحزم، من أرض العروبة والشجاعة المسؤولة.
مر زمن أيها الأخوة ظننا نحن قبل الخصوم أن العرب دخلوا سن اليأس وأن بطن العروبة الاصيلة جفت منابعه، وكاد كثيرون منا ان يسلموا بأن يتمدد من تمدد على حساب هويتنا ومصالحنا ودمائنا ومستقبل ابنائنا وحقهم في أرضهم ورزقهم، وأن يتطاول علينا من تطاول بالاغتيال والتحايل وانتحال كل صفاتنا وادوارنا وقضايانا وأولها قضية فلسطين حتى غدونا غرباء عن أنفسنا، يقعدنا التردد والارتباك وفقدان الثقة بالذات.
لكن بيروت اليوم، والرياض والقاهرة وعمان وابو ظبي والدوحة والكويت والدار البيضاء والمنامة والخرطوم وغيرها وغيرها وغيرها تعيش زمناً عربياً جديداً تاجه مملكة سلمان بن عبد العزيز ودرته مصر، التي نريدها ناهضة الى دورها الريادي ومسؤوليتها التاريخية برئيسها وقيادتها وجيشها وأهلها.
مملكة الخير كما أسمتها الأمم المتحدة تستعمل القوة للحفاظ على خير العرب ووحدة العرب واستقرار العرب ومجتمعات العرب ودول العرب.
لا قيامة للعروبة دون مصر والسعودية ولا توازن في المنطقة إلا بالسعودية ومصر. هما المعنيان والقادران على الحد من عاصفة الوهم الايرانية بعاصفة الحزم.
هذه بداية مسيرة الانقاذ. فلتبق الرياض، ولتبق القاهرة من أجل أن تبقى بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء أيضا وكل الحواضر العربية.

سمعنا قبل أيام كلاماً يتوعد المملكة العربية السعودية بالهزيمة وبتمريغ أنفها بالتراب، وأنا أقول من بيروت، من العاصمة التي عانت من صاحب الكلام ومن مدرسته، بقدر ما عانت من اسرائيل، ومن العاصمة التي لم تبخل عليها الرياض يوماً بكل ما يساهم في نهوضها وعمرانها وتألقها ورفاه أهلها من كل الطوائف.
أقول من هذه البيروت أن من سيمرغ أنفه بالتراب هو كل من احترف ثقافة العدوان والإلغاء وتزوير الارادات والتطاول على الشرعيات وكل من يعتقد أن زمن الاستضعاف سيدوم إلى الأبد.

إنه زمن عربي جديد لن نسمح فيه بتباكي قائد كل الحروب والاشتباكات المذهبية في المنطقة، “على أطفال اليمن” فيما هو يرعى ويرشد ويبارك ذبح أطفال سوريا والعراق، وكأن هؤلاء لا يدخلون في حساباته الا متى كان بالإمكان صرف موتهم في معادلات النفوذ والهيمنة وتزوير الواقع والوقائع.

وأقول بكل ضمير مرتاح، إن عاصفة الحزم التي تقودها المملكة العربية السعودية، هي لتحرير كل مستقبل العالم العربي، من براثن السطو الايراني على كرامته ومقدراته وخيارات شعوبه، في الوقت نفسه الذي تدعو فيه إلى مناخات طبيعية للحوار والحلول السياسية. وهنا في الحقيقة، أستغرب التزوير في مطالبة محور الممانعة بالحلول السياسية في اليمن عبر الساسة والاعلام ، كأن الانهيار الحاصل لم يكن وليد خروج جماعة ايران من المبادرة الخليجية التي رعتها دول مجلس التعاون للحل في اليمن، ثم الانقلاب على كل أسس الحل السياسي المتفق عليه.

أما ما يعنينا في لبنان فإننا كفريق سياسي يستمد شرعيته من استشهاد الرئيس رفيق الحريري، والرمزية السيادية والوطنية للرئيس سعد الحريري، نرفض رفضاً قاطعاً وتحت أي مسمى من المسميات وفي أي ظرف من الظروف وبأية وسيلة من الوسائل، نرفض الاساءة إلى مملكة الحزم والعروبة وإلى الأشقاء العرب الذين ما تأخروا يوما عن نصرة لبنان وحمل قضاياه. ولأكون بغاية الصراحة، وبعيدا عن تفاصيل الانقسام السياسي في البلاد، لا نقبل ولا نوافق على المساواة المفتعلة بين مملكة الخير وأخواتها ودورهم في لبنان وبين ايران والنظام السوري ودورهما. فلا مساواة بين من تقوم كل سياساته الأمنية والسياسية والعسكرية على ضرب الهوية اللبنانية الجامعة وتدمير الدولة وخلخلة النظام السياسي فيه، وبين من لا يريد للبنان الا الخير للدولة وجيشها وقواها الأمنية قولا وفعلا”.

اسمحوا لي ان اتخفف من كل المجاملات لأقول كلاماً في غاية الوضوح. في هذا الزمن العربي الجديد سقط الوهم القائل بأن التطرف الشيعي هو الدواء والعلاج لمحاربة التطرف السني كما حاولت ايران ان تقدم مشهد مكافحة الارهاب وكادت ان تنجح. ولعل ما حصل في تكريت في العراق من اعمال نهب وسرقة واعتداء في أعقاب دخول قوات الحشد الشعبي اليها، حتى أضطر آية الله سيستاني إلى التدخل لردعهم عن غيهم ، هو خير دليل على بطلان هذه النظرية وسقوط هذا الادعاء.

وها نحن في لبنان ما نجحنا في مواجهة الارهاب الا بإعادة التوازن الى النصاب الوطني، وأوكلنا الى المؤسسات الشرعية ان تتقدم هذه المعركة التي تحققت فيها نتائج نوعية، ونحن مصرون على توسيع نطاقها على عموم مساحة الوطن ليشعر الناس ان ليس ثمة ارهاب بسمنة وارهاب بزيت. فالشذوذ المذهبي والوطني ليس حكرا على طائفة مهما حاول البعض تزوير الوقائع والتنصل منه. فأنتم الموجودون هنا تشكلون العمود الفقري للوطنية اللبنانية الصافية ومن غير المسموح لأحد في لبنان او خارجه ان يضعكم موضع امتحان او مساءلة في وطنيتكم واعتدالكم. فطائفة جمهور رفيق الحريري هي لبنان اولا واخيرا بكل ما تعنيه هذه العبارة من أصالة وانتماء وطنيين، وبكل ما تعنيه من حضور عاقل ومسؤول في حاضر لبنان ومستقبله.

هذه مناسبة لأتوجه معكم بالشكر الى الجيش اللبناني وقيادته وقوى الامن الداخلي وشعبة المعلومات وبقية الأجهزة الأمنية والعسكرية على ثباتها في معركة انتصار لبنان على الارهاب.

هذه معركة مستمرة وهدفها لا يحتمل التأويل وهو الانتصار للبنان الدولة ولمنطق الاعتدال، وان كان من نواقص وثغرات فالعلاج يكون بمزيد من الإصرار على فرض الخطة الامنية التي أتعهد انها ستغطي كل شبر من لبنان.

نحن مستعدون للصبر على كل شيء إلا على هذا الفهم أو ذاك للوطنية والمواطنة ومصلحة الوطن وبقاء الدولة والنظام. لذلك فقد تجاهل الرئيس سعد الحريري كل النكسات والإخلالات بالوعود والعهود والإتفاقيات.

لقد تجاهل لكنه لم ينس، لأنه قدم وما يزال اعتبارات السلام الوطني، والسلامة الوطنية، وعيش الخمسة ملايين لبناني ولبنانية. لقد اعتبرنا جميعاً أن شهداء الوطنية اللبنانية وعلى رأسهم الرئيس رفيق الحريري، إنما بذلوا دماءهم من أجل وطنهم، ومن أجل كرامتهم، وأن هذا الوطن الغالي يستحق التضحيات والمزيد من التضحيات. نحن لا ننتظر التقدير ممن صنعوا هذا الواقع الفظيع كله، بل ننتظره ونلاقيه منكم أنتم بيروتيون وصيداويون وطرابلسيون وشماليون وبقاعيون ولبنانيون على كامل مساحة الوطن.

إن الثابت الأول في اعتبارنا هو الثابت الوطني. وقد قدمنا في سبيله الشهداء دون أن يعترينا خوف أو وجل أو تردد.

أما الثابت الثاني الملازم للأول فهو ثابت الإنتماء العربي. فلا وطنية بدون هوية وانتماء. ومن أجل هذا الثابت ناضل آباؤنا وأجدادنا واستشهدوا من أيام جمال باشا، والى استقلال لبنان، والحروب من أجل فلسطين ومقاومتها، واستشهاد الرئيس رياض الصلح، والرئيس رشيد كرامي، والى استشهاد الرئيس رفيق الحريري.

لقد قاتلونا على وطنيتنا، وقاتلونا على عروبتنا، وهم يقاتلوننا اليوم بسيف الانقسام الديني والمذهبي والانساني. لكننا كنا وسنبقى وطنيين وعرباً ومسلمين، وقبل ذلك وبعده سنبقى بشراً. قبلنا دور الشهيد، لكننا لا نقبل دور القاتل أو الجلاد أو الخائن أو المتطرف.

وهنا أقول لأهلنا الذين يدعون للاحتشاد يوم الجمعة المقبل، أين المسؤولية في الكلام الذي تسمعونه عن أرزاق وعيش مئات الاف اللبنانيين في دول مجلس التعاون الخليجي؟

أين الوطنية حين يلصقونكم بالدكتاتوريات القاتلة والمجرمة وكأنكم منهم؟

أين الجغرافيا والتاريخ حين تصبح العروبة مرادفة للاستخفاف؟
أقول لأهلنا، لن تربح عاصفة الوهم طالما هناك نبض في القلب السعودي ويد تلبي النداء في القاهرة.

مرة أخرى يا أهلنا ليس ما تسمعونه من الأوهام هو القول الفصل، بل إن العروبة العميقة والوطنية المسؤولة والتاريخ الأصلي يكتب هذه الايام في عين التينة.
تحية للرئيس نبيه بري على كل ما سبق من أوصاف تظهر الشدائد والملمات أنها حبل الخلاص لمن أضاعوا تاريخهم مقابل حفنة من الأوهام”.

تكريمكم لي هو تكريم لبيروت، ست الدنيا، هو تكريم لبغداد المنصور والرشيد،
هو تكريم لصنعاء وعدن، جنة العرب، وتكريم لدمشق، عاصمة الأمويين، الحرة قريبا،
وهو قبل كل شيء تكريم لعاصفة الحزم العربية، شكرا اتحاد الجمعيات العائلات البيروتية شكرا للاخ والصديق الدكتور فوزي زيدان، وشكرا لكل ابناء بيروت.