العزّ لرزّ عرسال

قالـوا عنه 25 مايو 2016 0

tar-1-199-620x330

المصائب لا تأتي فرادى في عرسال، وكل مصيبة توازي، أو تكاد، حربًا أهلية مرفقة بكامل مقومات انفجارها، الثابت الوحيد يكمن في صمودها الأسطوري، فيما يتحرك المتغيّر من صدمة إلى أخرى، شيء أشبه بقدرٍ يلاحق أولئك الهاربين من الموت إلى الموت.

يجمع العقل الأمني والسياسي، في لبنان والمنطقة، على أن سقوط عرسال كان حتمية لا يرقى إليها الشك أو الجدل، وأن الانزلاق نحو الهاوية لا يعدو كونه تطورًا طبيعيًا لمسار تعقيدات ومعضلات تصب جميعها في خانة الانهيار المؤكد. ولذلك كانت الصدمة المركبة التي أنتجتها عرسال، والتي تكمن في حفاظها على رشاقة استثنائية رغم الرقص المجنون والمتواصل على السراط، الأمر أشبه بجدلية فكرية تعاند قانونين الفزياء، وكل ما توصل إليه علم السياسة والاجتماع.

لم تُثبت أي منطقة في لبنان انتمائها لمنطق الدولة والمؤسسات كما فعلت عرسال في الانتخابات الأخيرة، كانت عروسة تضجّ بالحلاوة والحياة والألق، دخلها وزير الداخلية نهاد المشنوق وكأنه عريس طال انتظاره، استقبلوه بالأرزّ والزغاريد، وحضنوه بقلوهم التواقة نحو عدالة تزيح الجبل القابض على صدروهم، كانت رسالتهم بالغة الدقة واستثنائية المشاعر: نحن أهل الدولة وبعض روادها، لم نبحث يومًا عن المتاعب، لكنها ما برحت تلاحقنا نحن البائسون الباحثون عن مُنصف أطال الغياب.

تستحق عرسال أن تخلد هنيهة في ضميرنا، أن نرفع لها القبعات، أن نصرخ بكل أصواتنا دفاعًا عن آخر شبر من مسيرة أحلامنا، أحلامنا التي تقلصت من دولة بكامل أناقتها إلى مجرد عيش كريم، نبحث خلف كل جدار عن ربط نزاع وعن نأي يفوّت أفولنا العظيم، ندراي برموش عيوننا كل معضلات الكوكب، وننام بعيون مفتوحة على هدير حرب رحلت ولم ترحل، نتحسس ما بقي من رمقنا وفتات عزيمتنا، لقد أُصبنا جميعًا في مقلتنا، وبات الشيب يغزو كل مكامن استمرارنا وحيويتنا وأملنا السحيق بغدٍ لا بد أن يكون أفضل.

حكاية عرسال هي حكاية كل فرد منا، هي حكاية هذا البلد الذي ولد عنوة بعد مخاضات مستحيلة، هناك يدفعون باللحم الحي لقاء انسانيتهم ووطنيتهم وحرصهم النهائي على الهوية والكيان، سيتجاوزون النفق المستجد كما تجاوزا ما قبله، لا مكان للرضوخ أو الاستسلام في معركة قضم الأصابع بين الدولة والدويلات، هم أعلونها وبالفم الملآن، نحن إلى جانب الدولة كنا، وفي صلبها سنبقى، وليسمع العالم، كل العالم: قبل زيارة نهاد المشنوق كان العز للرز فقط، وبعدها بات العز محصورًا برز عرسال.