الطـريقــة ” الميقـاتيــة”

مقالات 17 أبريل 2008 0

لا يعرف الكثيرون ان عائلة الميقاتي الطرابلسية هي في الأصل عائلة دينية، وان اسمها جاء من وظيفتها الاسلامية. “فالمواقتة” هم العلماء الذين كلّفوا منذ مئات السنين بمسؤولية توقيت الصلاة في المسجد الكبير في عاصمة الشمال.
لم يكتف رجال العائلة التاريخية الجليلة برمزيّتها قبل اختراع الساعات وتطوّر الالكترونيات في مراقبة بزوغ الفجر وانتصاف الظهر وغروب الشمس وهبوط الليل وقت العشاء، بحسب التعبير الديني .
لم يكتف رجالها بهذا الدور بل تطوّرت بهم الايام من المهمة الموكلة اليهم من أولي أمر المسلمين الى البحث والتدقيق والتعمق في المسائل الدينية، حتى ظهر منهم علماء كانوا دائما في واجهة العائلة مهما تنوعّت أعمال الآخرين من رجالها. فصار العلم هو صفة العائلة وصارت العِمَة هي لباس متقدّميها على مدى الازمان.
يجمع بين افراد هذه العائلة رابط السمعة الحسنة. وهي سمة من سمات العديد من عائلات طرابلس المدينة الأخيرة المحافظة بتشدّد على شاطئ البحر الابيض المتوسط. اذ ان ما حولها من قرى ودساكر تضاهيها في المحافظة الاجتماعية التاريخية. وتؤاخيها في المذهب الديني فتجعلها أمينة على نفسها وعلى اهلها.
يهبّ اهلها لنصرة مفاهيمهم العربية تظاهراً وهتافاً وفوضى. يذهب بعضهم الى اقصى الدين التزاما وتطرفا. تفتح جبهتها حين تنتشر الحروب على الجبهات اللبنانية. تثور في وجه الدولة وادارتها فتعلن العصيان ويصل بعض ساكنيها الى باب اعلان الامارة الاسلامية. ثم بكل هدوء تذوب كل هذه الظواهر لتعود المدينة الى انغلاق بيوتها وعائلاتها على بعضها بعضاً، وتنتصر الوداعة المحافظة على كل ما عداها من طباع.
شهدت المدينة التي أسمّيها “بزاد الخير” منذ ان وعيت على المسألة العامة، في الاسبوع الماضي ظاهرة مفاجئة من حيث الشكل، طبيعية في مضمونها العام، منسجمة مع حياة المدينة وأهلها.
المفاجأة ان يعقد مؤتمر عربي سياسي في طرابلس تحت عنوان “الوسطية” في الحياة العامة للعالم الاسلامي. اما الطبيعي فهو ان تكون الوسطية في كل أمر، سمة حياة المدن المحافظة على تراثها وعلى استقرار اهلها.
لكن الانسجام الذي حصل بين المدينة و”الوسطية” والمدعوين من خارج البلاد الى المؤتمر، تحقّق لأن الداعي نجح في كل مجال عمل فيه فقرّر العودة الى جذور عائلته ليضع عِمَّة على رأسه، فيصبح شيخاً “للوسطية” اللبنانية.
نجح الرئيس نجيب ميقاتي في مجال العمل الخاص بفضل الله اولاً ثم دعاء المرحومة والدته جارته السريّة في الحياة ورفيقة تفكيره الصامت اليومي بعد وفاتها، بانياً نجاحه على أسس وضعها ولا يزال يرعاها شقيقه الاكبر طه الذي يصلح بابتسامته أخطاء الآخرين ويكثر من تعفّفه بالابتعاد الدائم عن علنية كل ما يقوم به قبل أن ينسبه الى شقيقه. لكن حنينه دائماً الى عمِّة العائلة على رأسه في فيحائه كما يصر على تسمية مدينته، جعلته يقرّر ان تجربته في الحياة العامة ولو قصُرت تستأهل العمل على استمرار نجاحها بالقاعدة الشرعية الداعية الى الاعتدال لا التطرّف، والى التسامح لا الأحقاد ، والى السعي للبناء، لا الهرولة نحو الخراب.
هذا الجانب الشرعي، أراده “الشيخ نجيب” مدخلا للبنانيّة منفتحة حاضنة لمفاهيم مشتركة بين تنوّع اللبنانيين ديناً وسياسة. ليقول في افتتاحه المؤتمر ان “الوسطية” تدعو للواقعية السياسية الداعمة لبناء الدولة بدلاً من الارتهان لشعارات رنّانة جعلت كل طائفة رهينة لعجز هذه الشعارات عن التحقّق.
سمع من الأب الدكتور انطوان ضو كلاماً يذكّر بالبناة الأوائل للبنان الفكرة قبل ان يصبح دولة وللبنان الروح قبل ان يتحدّد جغرافياً وللعالم الاسلامي الذي يسكنه عرب من كل الطوائف، بحسب تعبير الدكتور ضو.
لم يستغرب الإشكاليات التي طرحها النقيب رشيد درباس حول المقاومة، جاعلا من تجربتها فخرا للعرب ومن مستقبلها طاولة للتباحث في ضمان بيئة صديقة لمفاهيمها، محدداً عدد الإشكاليات بثلاثة. مستنداً التفسير الديني الموثّق والمعمّق للوسطيّة في كلمة الدكتور محمد نديم الجسر.
لا أعرف ما اذا كانت عِمّته تحمّلت دروساً بسيطة أدلى بها منتدون في اصول المخاطبة وآداب الحوار، او اذا كان صدره اتسع لما سمعه من وقائع حول مواجهة دون حوار بين شرعية عربية رسمية ومشروع سياسي ايراني تولّيت شرحه مطالباً الوسطيين بالحكم للحق فيه ولو بالقول حين يعزّ الفعل.
كل هذا بإدارة سمِحة، خفيفة الظل، ظريفة التعبير، من السيّد محمد علي أبطحي النائب السابق لرئيس الجمهورية الإيرانية والحامل الدائم للعِمّة السوداء على رأسه. والقادم الى طرابلس بأفكار وآراء لو أعلنها لسقط الكثير من الشعارات التي شارك هو في إدارتها لا صناعتها خلال الولايتين الرئاسيتين للسيد محمد خاتمي في إيران.
بدا المؤتمر وكأنه استعادة لمجد القدامى من علماء “المواقتة”. يأخذ الرئيس نجيب ميقاتي ما يحتاجه من تاريخهم ليؤسس مقعدا للطريقة “الميقاتية” في العمل العام.
لم تشغله تفاهات الرد على العلم بالجهل، ولا افتعالات التافهين في وجه رقيّ الندوة والمنتدين. لم تردّه عن الاهتمام “بمريديه” وكلامهم ولا شغلته الحداثة التي يعمل في صلبها عن تثبيت عِمّته الجديدة على رأسه. فصار “للمواقتة” طريقة بعد ان كانت صفة وصار للعمل العام شيخ بعِمّة، يهدف واضعها إلى الواقعية السياسية دون تفريط واليسر في الدين دون غلوّ والعدل ولو بالقول حين يستحيل الفعل على حد تعبير “الشيخ نجيب”.
ليست الرغبة في الوصف والقول والتوّقع بعيدة عما كتبت. لكن التراكم في المصداقية من طبائع النبيل طه التي لا بد أن “الشيخ نجيب” أخذ منها الكثير. والشجاعة في الدعوة هي من قواعد الدعاة في الإسلام. ان لم يفعل تكون فريضة حجّته السنوية ناقصة. هو لا يقبل شكاً بإيمانه فكيف بعد ان اصبح شيخ طريقة؟…
نهاد…