الطائفة النووية (2)

مقالات 01 مايو 2006 0

لو تم جمع الخطب والأحاديث التي أدلى بها السيد حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله لأمكن جمع صفحات كثيرة تؤلف كتاباً، كلماته مطولة لكن عناوينه قليلة وقليلة جداً.
يتكلم السيد نصر الله في اتجاهين، الأول يوحي وكأنه يناقش بناء الدولة اللبنانية من جديد. يحدد أسسها. يدعو نادرا الى نصرة مفهومها. يتفهم طبيعتها السياحية. يناقش حركة حكومتها. يترك لمعاونيه ونواب حزبه أن يشددوا على دورهم المشارك في القرار أياً كانت طبيعة القرار وأياً كان عددهم.
الاتجاه الثاني هو التسمية ثم الايحاء والتكرار دون انقطاع بأن في الأفق مؤامرة عنوانها قرار مجلس الأمن الدولي 1559 بمشاركة مسؤولين لبنانيين يظهر دورهم أحيانا ثم يختفي حسب الظروف والأحوال.
بطل هذه المؤامرة تيري رود لارسن معاون الأمين العام للأمم المتحدة المسؤول عن تطبيق القرار .1559 المستمع الى السيد نصر الله يحتار في فهم كلامه عن أهمية الحوار الوطني في تحديد دور لبنان الدفاعي في وجه الاعتداءات الاسرائيلية وأشكال المواجهة. هل تستوجب بقاء سلاح المقاومة؟ هل هناك نافذة في الأفق لاندماج ما دون الإلغاء بين الجيش والمقاومة؟
السؤال الأهم هو هل ان للحزب قرارا مستقلا الى درجة القبول بما تتوافق عليه الغالبية العظمى من اللبنانيين؟
في الاتجاه الأول المتعلق بالدولة اللبنانية أسساً وحركة وحكومة لا شك بأن كلام معاوني الأمين العام ونواب الحزب يترك الكثير من التساؤلات حول المطلوب من الطرح الشيعي بالمفهوم الطائفي للتركيبة اللبنانية.
هل المطلوب فقط اعتبار الفيتو لوزراء حزب الله وحركة أمل بديلا للثلث المعطل غير المتوفر لهذه القوى السياسية، وبالتالي اعتبار كل القرارات السياسية ملزمة بالتشاور والمشاركة منعا لنقل الصراع الى خارج الحكومة والمؤسسات الدستورية. أم أن هناك بحثاً عن صيغة جديدة لا تسمح توازنات القوى الحالية بطرحها تعطي ممثلي حركة أمل وحزب الله حجما سياسيا دستوريا يعوّض الفيتو السوري المفقود داخل مجلس الوزراء ويستغني عن الثلث المعطل. وذلك انسجاما مع الحجم السياسي لهلال الأزمات في المنطقة والذي يعطي ايران الحليفة الاستراتيجية لحزب الله اليد الطولى في المنطقة حتى الآن.
لا شك أن الانطباع الأول عن كلام الرئيس حسني مبارك عن موالاة الشيعة في الدول العربية لإيران هو انطباع سلبي، رغم محاولات معاونيه شرح كلامه وتلطيفه فكانت النتيجة مزيدا من طغيان الفكرة نفسها على كلام المعاونين. إلا أن لكلامه فضلاً على من يعنيهم بقوله لأنه طرح موضوعا على طاولة البحث لم يعد من الجائز تجاهله وكأنه غير صحيح أو غير وارد.
صحيح ان كلام الرئيس مبارك تناول المجموع دون أن يفرّق بين من يتمسكون بعروبتهم وبين من يجدون في ايران مرجعية سياسية ودينية لهم. إلا ان تجربة العراق السياسية والأمنية والمذهبية جعلت من كلام الرئيس المصري إنذارا للجميع بأن هناك مشكلة لا بد من علاجها بالحوار. بالتنمية الغائبة عن بعض المناطق في الدول النفطية الغنية. بالاعتراف أصلا وبداية بأن هناك مشكلة للعلاج قبل أن يصبح العلاج الوحيد المتاح هو الذراع الأمنية التي لم يثبت نجاحها في حل أي مشكلة من المشاكل المطروحة على طاولة المنطقة.
كلام السيد نصر الله في هذا المجال يؤكد على ان التغيير لا يكون إلا عبر المؤسسات، وما يسري على رئاسة الجمهورية الرافض لتبديل من على رأسها إلا بالمؤسسات الدستورية يسري على باقي المواقع والسلطات. لكن لماذا إعطاء انطباع الرغبة في الإمساك بسلطة لا يملكها أحد وسط هذا الاستنفار العام لدى الطوائف اللبنانية؟
هناك من يقول ان إكثار السيد نصر الله من خطبه وتصريحاته يقصد به لجم المتطرفين من جهة وطمأنة القلقين من جهة اخرى. ويضيف أصحاب هذا القول ان ما نراه من تطرف أو من قلق على الوجوه هو جزء قليل من الحقيقة الكبيرة التي تختفي حين يظهر السيد على المنبر.
لكن القلق والتطرف ليسا حصرا في جمهور حزب الله بل ان جمهور رفيق الحريري الشهيد يملك من الاسئلة أكثر بكثير مما ينال من الأجوبة سواء بحضور سعد الحريري أو في غيابه فماذا نفعل بهؤلاء؟
دماء الرئيس الحريري شهيدهم بالمعنى السياسي لا تزال على الأرض. والصراع في وجه مجموعتهم في السلطة أعلى صوته بكثير مما يستطيعون تحمله فيزدادون احتقانا. بصرف النظر عما إذا كانت المجموعة الوارثة للسلطة من رفيق الحريري على حق او على باطل. حددوا لهم هدفين، الأول إسقاط النظام السوري ردا على الاغتيال. الثاني إنهاء التمديد للرئيس إميل لحود تعويضا عن عجزهم عمّا لا طاقة لهم عليه أي الخيار الأول.
الواضح من الجلسة الأخيرة للحوار ان الطائفة النووية لا توافق على تغيير الرئيس الحالي بصرف النظر عن الاسماء المطروحة على الطاولة أو أنها لا تجد ان الوقت قد حان لهذا التعويض المطلوب. أليس من بندٍ للمقايضة في ساعات الحوار الطويلة بين النائب سعد الحريري والسيد نصر الله. ألا يعرف كلاهما ان البحث في بند سلاح المقاومة هو دون أفق في هذه المرحلة. وأنه اذا كان للتاريخ ان يحكم هذا الحوار فسيحفظ سلاح المقاومة الى حين توقيع معاهدة سلام سورية وبعدها لبنانية مع اسرائيل؟
نأتي الى بند المؤامرة الذي يشع في سماء حزب الله كلما تحدث ممثل لإحدى الدول العظمى عن تنفيذ القرار 1559.
ليست غريبة الرغبة الدولية في تنفيذ هذا القرار الذي يسحب السلاح من حزب الله ويمد سلطة الدولة على كامل الأراضي اللبنانية جنوبا. ولكن لا يجوز اعتبارها قضاء وقدرا يسعى لبنانيون آخرون الى تنفيذه. ولهذا المفهوم عدة مبررات.
الأول ان الحوار بين القيادات اللبنانية لا يوحي حتى الآن ان القوى الراغبة في تنفيذ القرار 1559 قادرة على ما ترغب به. ولو كانت قادرة فالعناصر الاساسية فيها مثل سعد الحريري تؤكد على الحوار والتفاهم سبيلا وحيدا للعمل سواء على المستوى الداخلي أو في العلاقات مع الدول الخارجية.
الثاني: ان المساعي الدولية التي قام بها النائب الحريري او حتى الرئيس السنيورة انصبّت على استمهال الدول العظمى لإكمال تنفيذ القرار عن طريق الحوار.
الثالث: ان الدول العظمى نفسها وبالتحديد الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا تعلم ان هذا القرار مرتبط بأزمة المنطقة. وأن عليهم ان يختاروا مكانا على خط طهران دمشق للإجابة عن سؤال سحب السلاح قبل الوصول الى بيروت. فلماذا هذه الحدة في القلق؟
رابعا: إن على حزب الله الذي أعلن تحالفه مع سوريا قيادة وشعبا منذ الثامن من آذار في العام الماضي ان يطلب من سوريا مراعاة موافقته على تبادل التمثيل الدبلوماسي بين بيروت ودمشق و تحديد الحدود بموافقة الدول المعنية. هذا مع العلم ان الأمين العام للأمم المتحدة أبلغ رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ان هناك طرفا ثالثا لا بد من الحصول على موافقته قبل الشروع في تحديد الحدود في منطقة مزارع شبعا المحتلة وانتقال المنطقة اللبنانية من المزارع من القرار 242 الى القرار .425 والمعروف ان اسرائيل المحتلة للمزارع هي الطرف الثالث المطلوب موافقته.
السيد نصر الله حاول الالتفاف على موافقته على تحديد الحدود بعد إعلان الموقف السوري الرافض للعلاقات الدبلوماسية التي تحتاج الى أجواء هادئة كما هي الحدود على حد التعبير السوري.
رد عليه الرئيس برّي بحكمة وإنصاف الممسك باستمرار الحوار بالقول أنه لا يحق لأي من المتحاورين نقض ما يصدر من قرارات.
إذا عدنا الى أزمة المنطقة. فما العمل؟
السيد نصر الله يقول انه يخاطر بحياته وبعمامته حين يستمر في حضور جلسات الحوار فلماذا لا يخاطر بأقل من ذلك بالذهاب الى دمشق والبحث في العلاقات اللبنانية السورية بعيدا عن البندين المتعلقين بأزمة المنطقة أي سلاح المقاومة و تحديد الحدود؟ ألا يعتقد أن الانفراج في العلاقات اللبنانية السورية يساعد الحوار والمتحاورين والمواطنين على نتيجة أفضل من التي يملكونها هذه الأيام. وهل هناك أفضل منه للقيام بهذا الدور وهو الحليف الموثوق المسدّد علنا لما عليه من إعلان تحالف لا ينفك؟ وبهذا يسجل أمام الجمهور الآخر ان حرصه على التحالف مع سوريا مفيد للبنان اكثر مما هو رد سلبي على هذا الجمهور واتجاهاته.
أذهب الى بنشعي حيث الجواب الأنسب لمثل هذه الاسئلة. شاليه الصيد الكبير الذي يعيش فيه الوزير الاسبق سليمان فرنجية مليء بالزعامة رغم ان خشبه من الداخل والخارج لا يوحي إلا بحسن الذوق في اختياره.
يحاول سليمان بك تبرير أو تفسير حدته في الاجابة على النائب سعد الحريري فلا يجد المبررات المناسبة لمثل هذه التعابير بعد الانتخابات. لكن الانتخابات لا تزال هناك، بخيرها وشرّها، وإن كان لا ينقص الشاليه وصاحبه الحضور السياسي والشعبي في منطقته رغم فشله في الانتخابات الأخيرة. تشعر من كلامه بأنه يخاصم الحريري الابن ليلاقيه اذ ان بينهما الكثير من الاصدقاء المشتركين الذين لا يزالون يلتقون بعيدا عنهما.
البك الشاب صديق لآل الأسد أباً عن جد كما يقولون بالعامية، وهو لم يتراجع عن نصرتهم قيد أنملة في كل الظروف، وهي عادته في الإقدام الشرس حتى لو كان الحديث عن البنغو. عندما تجد ابنه باسل ينتقل من حضنه وهو الولد الصغير الجذّاب الى بندقية صيد الخنازير تعرف أكثر كيف تتربى الشدّة في هذا البيت.
تبادره بالسؤال ألا تجد انه من الأفضل لسوريا ولبنان البحث عن صيغة ثنائية للعلاقة بينهما مواربة لأزمة المنطقة؟
يجيب بصراحة وبسرعة: لا أعتقد ذلك. الأجواء ليست مهيأة في البلدين. هناك الكثير من الخطوات التي لم تتحقق بعد لفتح الباب. لقد حاول الرئيس الأسد في السنتين الأوليين من عهده أن يعطي ما يطلب منه دوليا وفي كل اتجاه. فإذا به لا يحصل على أي مقابل. لماذا تريده أن يستمر في هذه السياسة؟
إنني أتحدث عن اتفاق ثنائي نهرب فيه من خطوات دولية غير منتظرة وليست لصالح سوريا. ماذا نفعل عندئذ؟ من يضمن بقاء الوضع على ما هو عليه سواء بالنسبة الى دمشق أو الى طهران؟
يعيد البك الشاب كلامه: سوريا لن تسهّل قيام نظام سياسي معادٍ لها على حدودها. ونحن لا مصلحة لنا بالقيام بهذا الدور. كان السفير الاميركي عندي على الغداء حين سمع باعتذار سعد الحريري الى السعودية والمبادرة العربية. لم يصدّق. اعتبرها تجاوزاً لسياسة يقررها هو. تأكد هاتفياً من أكثر من مصدر عن دقة الخبر. كيف لهذه السياسة أن تتجاور وسوريا؟ لا يمكن. هؤلاء يلعبون بمصير لبنان لا بمصير سوريا.
ألا تعتقد أن للسيد نصر الله كلمة لا ترد في دمشق في مجال العلاقات بين البلدين؟
هناك تركيبة أمنية وحزبية وحتى رئاسية لا تسمح بوصف الكلمة التي لا ترد . مع العلم أنه تربطني علاقة صداقة حميمة بالسيد وتقديري له كبير.
سأقول انني طالبتك بهذا الدور بين دمشق وبيروت ورفضت.
ضحك البك الشاب وقال: أنا ايضا تُرد كلمتي عندما يتعلق الأمر بالسياسة الاستراتيجية لسوريا. وأنا لست في موقع صاحب الدور بين البلدين.
تخرج من عنده وأنت متأكد مما تقرأه سياسياً. تتذكر التواريخ. تجد أمامك ثلاثة: الأول الحوار الأميركي الايراني. الثاني تقرير لارسن هذا الاسبوع أمام مجلس الأمن الدولي. الثالث تقرير برامرتز رئيس لجنة التحقيق الدولية في منتصف شهر حزيران المقبل.
يؤكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن لصديق لبناني أن تقريره لن يمر أمام مجلس الأمن من دون إنذار لسوريا كحد أدنى. بينما تنقل مصادر سورية معلومات عن عدم الارتياح لجلسة الرئيس الأسد مع رئيس لجنة التحقيق الدولية.
تبقى طريق دمشق بيروت مقفلة سياسياً. ماذا عن الطائفة النووية؟
موعدها مختلف عن المواعيد الثلاثة الواردة أعلاه. يقال في اوائل السنة المقبلة تذهب صفة النووية عنها وتبقى الطائفة في حضن أهلها. والعلم عند الله.
انتهى