الطائفة النووية.. ( 1 )

مقالات 25 أبريل 2006 0

لم ينتقص الجمهور المحدود المشارك في ذكرى عيد المولد النبوي الشريف من خطابة السيد حسن نصر الله ولا من حدّته عند الضرورة وليونته للإيضاح والتأكيد.
عرقه تصبب بكثرة نتيجة انفعاله وكثرة دروعه وحدّة المواضيع التي أراد بها استباق الثامن والعشرين من الشهر الحالي موعد الجلسة الاستلحاقية للحوار بين الزعامات اللبنانية المقررة لمستقبل قرارات المجتمع الدولي في لبنان وليس لمستقبل بلدهم فقط. هذا إذا كان بالإمكان اعتباره منفصلاً عن كل التطورات اللاحقة به والمحيطة بجغرافيته والملتصقة بكل طائفة من طوائفه. افترض دون علم أن محدودية الجمهور وتلون ملابس الحاضرين بمن فيهم السيدات كان مقصوداً من قبل القيادة السياسية للحزب. فلم تكن تنقص صورة الحزب عند الكثير من اللبنانيين جمهوراً حديدياً موحد اللباس واللون والشعار والعلم. ولا بد من الاعتراف بأن في هذا القرار دقة في قراءة معاني التوقيت. فالمناسبة دينية جامعة وليست سياسية حتى تستوجب مضموناً في الشكل في مواجهة العدو الاسرائيلي.
من حيث المبدأ طرح الامين العام لحزب الله الموضوعين الباقيين على طاولة الحوار المنتظر يوم الجمعة المقبل. والارجح انهما سينتقلان الى طاولة التاريخ من ساحة النجمة.
الموضوع الاول هو رئاسة الجمهورية وسط الفراغ الذي يعيشه هذا المنصب رغم الوجود الدستوري للعماد اميل لحود. ووسط الاساءة المؤكدة التي يحققها هذا الفراغ للبنان بجميع مواطنيه وليس لفئة دون اخرى.
السيد نصر الله يعلم ذلك وأكثر، لكنه يرى في رئيس الجمهورية الحالي حاجزاً سياسياً لم يحن بعد وقت إزالته من الواقع اللبناني.
دعا القوى السياسية المعارضة لاستمرار الرئيس لحود في موقعه الى التعايش والتعاون معه طيلة ما تبقّى من ولايته دون الأخذ في الاعتبار العوامل النفسية والحزبية والفئوية. وإلا فعلى من يملك الثلثين من مجلس النواب أن يغيّره برئيس جديد غير متفق عليه ولن يتفق عليه.
كل هذا ضمن المؤسسات الدستورية حيث المسار الطبيعي لأي تغيير في الرئاسات والقوانين التي تسيّر حياة المواطنين.
فجأة يرتفع التصفيق مرة واثنتين وربما أكثر عند ذكرى اسم الرئيس لحود على لسان سماحة السيد من جمهوره الملتزم بسحره الخطابي إن لم يكن كله ملتزماً بالحزب الذي يتسلم أمانته العامة.
كيف لجمهور أن يلتهب تصفيقاً لرئيس ممدد له ومختلف على وجوده مع جمهور آخر كبير ايضا من اللبنانيين؟
إذا كان الجواب بأن الرئيس لحود التزم دعم المقاومة خلال قيادته للجيش ومن ثم في رئاسة الجمهورية، فالسيد نصر الله يعلم أن هذا الوصف غير دقيق إذا لم يكن غير صحيح.
أولاً: العماد لحود جاء وفق معادلة مثلثة الى قيادة الجيش ورئاسة الجمهورية. هو وأجهزته الأمنية في زاوية المثلث. أما زاويتاه الباقيتان فعليهما سوريا التي كانت موجودة عسكرياً وسياسياً في لبنان وحزب الله الذي كان يقوم بعملياته العسكرية البطولية في وجه الاحتلال الاسرائيلي.
إذاً العماد لحود كان ينفذ دفتر شروط سورياً أتى به الى الموقعين. ولا يعبّر عن قناعته فقط حتى لو كان مقتنعاً.
ثانياً: الرئيس لحود ممدّد له وبالتالي فهو فاقد لشرعية شعبية تحتاجها المقاومة أكثر مما تحتاج لحود في وضعها الحالي. حتى مع اعتباره حاجزاً سياسياً.
ثالثاً: إذا كان هناك من يستأهل التصفيق لدى جمهور حزب الله فهو القادم من مواقع اخرى سواء في الدولة أو خارجها دون دفتر شروط ومع ذلك التزم الدفاع عن المقاومة وسلاحها منذ ذلك الحين وحتى الآن.
رابعاً: ألا يرى السيد نصر الله أن تعبئة جمهور حزبه على مثل هذا العنوان استفزازي لمن يتهم الرئيس لحود عن بيّنة أو عن اندفاع بالمشاركة في اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
كيف يستطيع السيد نصر الله أن يجمع بين نصه الاسلامي الوحدوي الرائع والصادق في ذكرى عاشوراء الماضي وعيد المولد النبوي الشريف وبين عنوان سياسي يهلل له مسلمون ويلعنه مسلمون آخرون. وكلاهما لا ينقصه الحجم ولا التأثير؟
لا ضرورة للعودة الى تصريحات رئيس كتلة المستقبل النيابية سعد الحريري على باب قصر الرئاسة الفرنسي عن المقاومة، ولا عن دقة تعابير رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة على باب البيت الأبيض. بل سأستنير بكلام البطريرك صفير في عيد الفصح حين قال ان الرئاسة الاولى تكاد أن تفقد بريقها وهيبتها لكثرة ما دار حولها من جدل يضر بها، ولا يزيدها ألقاً واحتراماً، مما يخلخل ركائز الدولة ويزيدها ضعفاً وهزالاً.
هل يعيد تصفيق جمهور حزب الله ما افتقدته الرئاسة الاولى على حد تعبير البطريرك صفير؟ بالطبع لا. إنما هناك خط رفيع بين السياسة وضروراتها وبين الوحدة الاسلامية وإلزاميتها يعرفه السيد نصر الله جيداً وهو خير من يعبّر عنه حين يريد.
هذا لا يعني مطالبة سماحة السيد بإكمال أغلبية الثلثين لانتخاب رئيس جديد. فهو لن يفعل ذلك لأسباب خيرية. وأولوياته المختلفة عبّر عنها في العنوان الثاني لخطابه.
عدّد أحرف كلمة المقاومة المكتوبة بدماء آلاف الشهداء والآهات والعذابات، طالباً تفهّم غضبه وانفعاله لأننا نتحدث عن دماء بشر وليس عن شركة تجارية أو بنك .
حدّد مضمون الاستراتيجية الوطنية الدفاعية بأنها للدفاع عن كل لبنان شعباً وخيارات. أنهى هذا العنوان بالقول انه لا يمكن حماية لبنان باتفاقية هدنة ولا بضمانات دولية.
إذاً كيف نحمي لبنان؟
هناك عدة نماذج في العالم العربي لحماية الدول نفسها من الاعتداء الاسرائيلي.
النموذج الاول هو معاهدة سلام مع اسرائيل. وقد وقّعت مصر هذه المعاهدة بعد انسحاب اسرائيل من كل أراضيها المحتلة. كذلك فعلت المملكة الاردنية بعد أن أصبحت الضفة الغربية مسؤولية الفلسطينيين. وهذا غير وارد في لبنان. إذ انه الدولة العربية الاخيرة المطلوب منها التوقيع على مثل هذه المعاهدة حتى لو انسحبت اسرائيل من كل أراضيها المحتلة، لأسباب إقليمية، اذ ان لبنان بعد سوريا في هذا البند ولأسباب داخلية ايضا.
النموذج الثاني هو اتفاق فك الاشتباك الذي عقد بعد نجاح تحالف عسكري سوري مصري في حرب العبور في العام 73 مع ضمانات دولية، وهو ما تعيشه سوريا منذ العام .1974
لبنان موقّع لاتفاقية الهدنة منذ العام .1949 لكن اسرائيل لم تلتزم بها في كثير من الحالات.
بعض الخبراء يقولون ان جزءاً من الحماية السورية قائم على طريقة تسليح وتدريب جيشها والباقي على الضمانات الدولية.
الرئيس سليم الحص يقول ان لبنان متخصص في المقاومة وسوريا متخصصة في الصمود وبذلك أوقع الظلم بالبلدين لو خطر ببالهما تبادل الادوار كجزء من الخريطة الجديدة للعلاقات بين البلدين!
النموذج الثالث هو ما يدعو إليه الأمين العام لحزب الله من صيغة لبنانية تأخذ في الاعتبار بقاء سلاح المقاومة في يد أبناء الحزب الى موعد غير محدد عنوانه استمرار الاعتداءات الاسرائيلية بما فيها الطلعات الجوية.
الحقيقة في لبنان هي غير ما ورد في النماذج الثلاثة. هناك أطراف في لبنان وعلى رأسهم حزب الله يرون أن على الدولة اللبنانية مباشرة أو مداورة مساندة الصمود السوري بإبقاء السلاح مرفوعاً في وجه اسرائيل الى حين تحرير الجولان السوري المحتل وتوقيع سوريا معاهدة سلام مع اسرائيل.
يكمل أصحاب هذه النظرية بالقول ان لبنان مدين لسوريا بهذا الدور وإلا فلا سلام بين البلدين. فماذا نختار؟ تعويض لبناني عن دور ضائع في الصراع العربي الاسرائيلي فنحصل على ما نريده من جار متعب هو سوريا. أم نفعله وسط الفوضى العارمة عليك.
ماذا نفعل بالقرارات الدولية؟
نستعمل نفس اللغة الخشبية التي رد فيها المندوب السوري في مجلس الأمن على الرئيس السنيورة؟ ترسيم الحدود وتبادل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين موضوعان سياديان لا علاقة للقرارات الدولية بهما. وأين؟ في نفس القاعة التي صدرت عنها القرارات الدولية.
هذه هي الحقيقة التي يهرب الجميع من قولها، والتي يجب أن تكون نصب أعين أي حوار أياً تكن أطرافه ومهما كانت نتائجه.
بالتأكيد لا يمكن تحقيق إجماع وطني حول هذا العنوان. وما كان يصح عن دور لبنان الغائب عن الصراع العربي الاسرائيلي قبل دخول الجيش السوري الى لبنان وتسهيل عمل المقاومة في البلدين، لم يعد بالإمكان تطبيقه الآن. فلبنان قام بواجبه وأكثر في هذا النزاع والاغلبية الساحقة من اللبنانيين لا تعترف بأنها مدينة لسوريا بهذا الدور. هل يستطيع السيد نصر الله إقناع هذه الغالبية الاسلامية المسيحية بغير ما تعتقده في هذا الموضوع؟
أسهل أنواع الحوار هو الاشتباك. إلا ان قيادة الحزب تعتمد التشابك بدلاً من الاشتباك. تبدأ بالتعبئة على أن هناك استفراداً واستئثاراً بالسلطة يعملون على وقف مفعولها لتأمين مشاركة جدية لهم في السلطة.
تكمل طريقها نحو الورقة الاصلاحية التي تطرحها المسؤولية. يرحب السيد نصر الله بالورقة ثم يقضي على ما جاء فيها بما يحقق تعبئة شعبية في وجه تنفيذها. ثم يكمل الشيخ نعيم قاسم نائبه بالقول ان الحزب مع الاصلاح الاقتصادي ولكن ليس على حساب الفقراء والقطاع العام.
هل يُقصد من هذا الكلام التوغل أكثر فأكثر نحو الهجوم على الهيكل السياسي والدستوري للبنان المسمى باتفاق الطائف؟
وليد بك يقول ان التغيير في ميزان قوى الطائف سيؤدي الى هجرة الاقليات واعتبر الطائف مدروساً جداً في التوزيع.
الزميل جورج غانم دعا في محاضرة ألقاها في جامعة الكسليك الى ضرورة وضع اتفاق جديد بين اللبنانيين يأخذ في الاعتبار القوى الجديدة على الساحة. هو لم يسمها لكنه قصد القوة الشيعية.
التجربة اللبنانية توضّح بشكل لا لبس فيه ان الاقتراب من التغيير السياسي في ظروف غير مستقرة يؤدي من حيث الضرر السياسي الى ما تؤديه الحرب الاهلية من أضرار.
هذا كان قبل الحديث عن القوة النووية السلمية التي تسعى ايران لإضافتها الى هلال الازمات. فكيف بعد الحديث عن القوة النووية القادمة؟
يقول وضاح شرارة في كتابه دولة حزب الله لبنان مجتمعاً إسلامياً ان الثورة الايرانية الخمينية وجدت شيعة لبنان في حال صدام بين الفلسطينيين وبين حركة أمل في أعقاب انهزام المسلحين الفلسطينيين أمام الحملة الاسرائيلية في العام 1978 وغياب السيد موسى الصدر، بينما حركته تستعيده ولو على نحو يباين حالها الاولى دوراً متعاظماً في النزاعات السياسية والعسكرية اللبنانية. وقد رأينا أن غياب الصدر آذن بترك الحركة الشيعية نهباً للسياسات الاقليمية التي دخلت عليها السياسة الايرانية وأدخلت معها الى هذه السياسات تناولاً للجماعات لا يقبل منها بأي استقلال، ولا يرضى بأقل من اندماجها في الجسم الايراني وفي ما فيه مصلحته واحتياجه. وإذا كانت سياسات اقليمية اخرى تتذرع بالعروبة الى استتباع أجزاء من اللبنانيين وضمهم الى مراميها وغاياتها قبل استتباعها الدولة اللبنانية كلها، فالسياسة الايرانية في مرحلتها البطولية الأولى عن طريق التشيع الإمامي أو الاسلام الحاد العداء لكل ما يقتسم معه دالّة ولو رمزية على المسلمين، ليست أقل إلحاحاً في طلبها الولاء التام والالتحاق .
انتهى كلام وضاح شرارة. الآن عادت شعلة الثورة الايرانية الى التوهج مرة اخرى تحت عنوان الملف النووي في مواجهة رفض أميركي.
لا شك بأن القيادة الايرانية الجديدة حققت 3 اختراقات رئيسية. الاول في موسكو والثاني في بكين والثالث في العراق حيث طلبت الادارة الاميركية الجلوس الى طاولة المفاوضات مع ايران للبحث في الوضع العراقي. لكن الوضع العام لا يزال في إطار الاسئلة وليس الاجابة على أي من التساؤلات حول نهاية الملف النووي.
ماذا عن حزب الله وسلاحه في لبنان؟
هناك قراءة اخرى للصراع في المنطقة تقول ان السمة الغالبة على الصراع هي الشرق أوسطية بدل التعبير المتداول عن النزاع العربي الاسرائيلي. بعد أن بدا أن الدين هو عنوان المقاومة في لبنان وفلسطين.
يستدلون على ذلك بالمؤتمر الذي عقد في تركيا في العام 97 حول المياه والذي حضره عن لبنان الدكتور بطرس لبكي نائب رئيس مجلس الانماء والاعمار مما أثار أزمة حينها في بيروت ودمشق. ويستكملون الاستدلال بالمؤتمر الاقتصادي الذي عقد في الدوحة العاصمة القطرية بغياب لبنان وسوريا والسعودية حيث تقرر تأسيس مصرف برأسمال 25 مليار دولار.
الطاولة الثالثة المطلوب الجلوس حولها تتعلق بالاسلحة النووية. المدعوون هم باكستان والهند واسرائيل والدول العربية.
ماذا عن ايران؟
حتى الآن ايران غير مدعوة ما لم تسلّم بوقف المعرفة عن الاسلحة النووية. إذ ان اسرائيل تعتبر ان الخطر في المعرفة أكثر من الحصول على سلاح نووي. وهي تعتبر ضرب المفاعل النووي العراقي في العام 1981 هو الذي حال دون حصول العراق على سلاح نووي في العام .1991
ايران تعتبر دعوتها دون معرفة بدايات تكوين السلاح النووي إضعافاً لحضورها على الطاولة ليست ملزمة بقبوله.
إذاً الصراع هو على من يملك أوراقاً أكثر جدية على الطاولة الشرق أوسطية.
وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أثبت بقدرته الحكيمة على الدعوة المبكرة الى منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع وزير الخارجية البريطاني جاك سترو، لكن الرئيس الايراني الاسبق هاشمي رفسنجاني أجابه من طهران بأن نجاح الحوار مع واشنطن قد يفتح الطريق أمام التطرق الى مواضيع اخرى، مؤكداً المصير المشترك مع سوريا واستمرار التعاون بينهما في لبنان والعراق وفلسطين.
هذا يعني ان لا حوار عربيا ايرانيا قبل نتائج الحوار الايراني الاميركي. مما يجعلنا جميعاً رهائن الطائفة النووية التي تتزعمها ايران.
التسمية ليست لي. بل هي خلاصة حوار ديني علماني حول الطائفة الشيعية بين السيد هاني فحص والوزير السابق الدكتور محمد عبد الحميد بيضون بشهادة علي اسماعيل الممثل الشرعي والوحيد للعقار الشيعي على حد تعبير الدكتور بيضون.
يتبع