الصلوات متعددة والقِبلة واحدة.. ( 2\2 )

مقالات 02 مارس 2009 0

الصورة الأولى من دافوس القرية السويسرية التي يعقد فيها سنوياً مؤتمر يحضره كبار المسؤولين في العالم، وكذلك كبار الاقتصاديين الدوليين والعرب أيضاً.

رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان يردّ على الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز في ندوة جمعتهما، واصفاً إياه بالخبير في قتل الأطفال في غزة، محدداً أنه سمع شخصياً من رؤساء وزراء اسرائيل أن لا متعة تضاهي متعة الجندي الإسرائيلي فوق دبابة يدخل إلى غزة.

الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى الحاضر في الندوة يسلّم على أردوغان مهنئاً بعد أن “تجاوز” محاولة الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون منعه من النهوض عن كرسيه “بشدّه” من جاكيتته، اعتقاداً منه انه ينهض لمغادرة القاعة.

أردوغان يعبّر بالعربية عن استغرابه، أمام رئيس الوزراء اللبناني السابق نجيب ميقاتي بقاء عمرو موسى داخل القاعة. يصر رئيس الوزراء التركي على مغادرة دافوس للعودة إلى أنقرة، رغم حالة الطقس السيئة. الساعة الثالثة صباحاً تسمح حالة الطقس بوصول هيلوكوبتر تحمله إلى أقرب مطار سويسري للمغادرة. يصلّ فجراً إلى أنقرة. حشود الآلاف من المواطنين الأتراك يستقبلونه ويفرشون الطريق من المطار إلى منزله بالورد الأحمر يميناً ويساراً. بعضهم ينفعل لما فعله رئيس وزرائهم في دافوس إلى حد تقبيل يديه كما ظهر في الصور.

الصورة الثانية من دافوس أيضاً وزراء خارجية تركيا وإيران والعراق في ندوة مشتركة، مع رجل أعمال فلسطيني ممثلاً القطاع الخاص بدلاً من رئيس وزراء السلطة الفلسطينية. مدير الندوة طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق.

حاول بلير مرات عدة وضع الوزير الايراني في خانة الاستجواب المحدد. هل توافق على صيغة الدولتين الإسرائيلية والفلسطينية لإنهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي أم لا؟

أخرج الوزير الايراني كل ما في جعبته من دبلوماسية ايرانية عريقة في الدوران حول الجواب. تحدث مرة عن حق الفلسطينيين المبدئي بالعودة إلى بلادهم. ثم يُبحر في وصف الدياسبورا الفلسطينية. الى ان يصل الى وصف المذابح التي يتعرض لها الفلسطينيون. وينهي أخيراً بالدعوة إلى “تغيير أدبيات”، وهما كلمتان لهما المعنى نفسه بالفارسية والعربية. التغيير في المخاطبة مطلوب من الإدارة الأميركية الجديدة.

لم يترك الوزير الإيراني للحاضرين فضلاً عن مدير الندوة، فرصة الإمساك بزلّة لسان أو انفعال او اعتراف بغير ما هو معلن من الموقف الإيراني من ظلم إسرائيل للشعب الفلسطيني.

يضحك بلير قبل أن يستسلم بعد ثلاث محاولات ويذهب بحديثه نحو رجل الأعمال الفلسطيني الذي يتباهى باتصالاته في الداخل الفلسطيني والخارج العربي، داعياً إلى سلام يريده الأطفال الفلسطينيون الموزعون على المستشفيات في مصر جراء الحرب الاسرائيلية الأخيرة على غزة.

 الصورة الثالثة في قمة الكويت الاقتصادية التي أعلن العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز من على منبرها تبرع بلاده بمليار دولار لإعادة إعمار غزة، و”تجميد” المبادرة العربية للسلام التي أعلنها في العام 2002 من قمة بيروت العربية، لتظهر بعد خطابه صورة المصالحة بين العاهل السعودي والرئيس السوري بشار الأسد بحضور أمير الكويت للدولة المضيفة والرئيس المصري وملك الأردن وأمير قطر وآخرين من المسؤولين العرب.

الولادة الثانية للخطاب بعد المصالحة، صورة الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس المخابرات السعودية ضيفاً على الرئيس السوري في قصر الشعب في دمشق حاملاً من مليكه رسالة تُعلن دون تصريحات تفعيل المصالحة التي تمت في الكويت. تبعت اللقاء زيارة لوزير الخارجية السوري وليد المعلم الى السعودية، وصفها وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بأنها إيجابية جداً. الاستثناء في تصريح الفيصل أنه المسؤول السعودي الأخير الذي قابل الرئيس السوري وأعلنت من بعده أزمة في العلاقات بين البلدين مع كل أسلحتها قبل مصالحة الكويت. سبقت زيارة الأمير مقرن بن عبد العزيز زيارتان قام بهما رئيس المخابرات السورية إلى الرياض. وتقول مصادر سعودية موثوقة إن المسؤول الأمني السوري حمل في زيارتيه قراراً جدياً في تنسيق أمني، ظهرت نتائجه سريعاً في معلومات حول أفراد ومخططات لتنظيمات إرهابية تستهدف الأمن السعودي.

البند الجامع للصور الثلاث التركية والإيرانية والسعودية هي الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة الذي فشلت بنتيجته الحكومة الاسرائيلية الحالية في تحقيق أي مفعول سياسي لهذه الحرب إلا عبر انتخابات إسرائيلية أوصلت بنيامين ناتنياهو زعيم حزب الليكود اليميني الى منصب المرشح لتشكيل الحكومة الجديدة بالتفاهم مع جهة أكثر تطرفاً “إسرائيل بيتنا” حتى الآن.

تركيا تسعى من صورة دافوس إلى شرعية فلسطينية بعد إدارتها الطويلة للمفاوضات السورية ـ الاسرائيلية غير المباشرة. وصورة وزير الخارجية الإيراني توضح هدف حكومته من انفتاح الإدارة الأميركية الجديدة على حوار معها يتجاوز التعابير التي اشتهرت بها الإدارة الأميركية السابقة أي سياسة الجزرة والعصا.

****

ولكن ما الذي دفع العاهل السعودي إلى هذا التغيير في سياسته العربية، وربما الدولية أيضاً؟

يصف واحد من أعضاء العائلة السعودية الحاكمة الملك عبد الله بأنه نادراً ما يغضب، ولكنه إذا فعل غضب طويلاً. وربما في هذا الوصف إجابة على سؤال انقطاع الحرارة في خطوط الاتصال السعودية ـ السورية.

نسب الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية السعودي إلى التقدم الذي أحرزه الملف السياسي اللبناني في عودة الحرارة الى العلاقات بين دمشق والرياض. وظهر واضحاً في البيان المشترك الصادر عن زيارة وزير الخارجية السوري الى الرياض أن الاتفاق جرى على ضرورة استقرار الأوضاع في لبنان مما يسمح بإجراء انتخابات نيابية طبيعية وهادئة بعد ثلاثة أشهر من الآن.

بالطبع لا يمكن احتساب هذا “النسب” في الحساب السعودي فالخطوات الرئيسية في لبنان تمّت بعد انفتاح فرنسي على دمشق كسر فيه الرئيس ساركوزي حاجز المقاطعة الأوروبية للنظام السوري. وما يمكن أن يضاف إلى الرصيد السعودي حمله معه وزير الإعلام السعودي الجديد عبد العزيز خوجة بعد عمل دبلوماسي استمر أربع سنوات. فما الذي طرأ فجأة على العاهل السعودي وجعله يتجاهل غضبه في الانفتاح على مصالحة عربية تسبق انعقاد القمة العربية في أواخر الشهر الحالي في العاصمة القطرية؟ بل وفي القول ـ على حد تعبير الفيصل في باريس ـ ان الخلافات دفنت الى الأبد في حفرة عميقة.

زرت جدة في شهر تموز من العام الماضي. التقيت فيها عدداً من المسؤولين السعوديين. بعضهم مخوّل بالحديث وأكثرهم قادر على معرفة دقيقة بالخارطة السياسية السعودية. الهدف الرئيسي من الحوارات التي جرت، كان معرفة طريقة التعامل مع السياسة الإيرانية في المنطقة المعارضة لفكرة الدولتين حلاً للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي والداعمة للحركات المقاومة المسلحة في لبنان وفلسطين، والساعية من خلال مواجهاتها الدولية إلى إقرار حقها في الحصول على تقنيات نووية هدفها المعلن إنتاج الكهرباء، بينما الاستنتاج السياسي من وراء هذه التقنية الاعتراف بإيران قوة إقليمية كبرى في المنطقة يمتد نفوذها من ساحل البحر الأبيض المتوسط حتى مياه الخليج العربي.

ظهر من هذه الحوارات أن هناك تيارين يناقشان أفكارهما دون صراع. كلاهما يرفض المواجهة الدولية المسلحة لإيران، وكلاهما أيضاً يسعى إلى ضوابط لحوار عربي ـ دولي ـ إيراني يحفظ للدول العربية حقها في إدارة سياساتها وصراعاتها أيضاً.

التيار الأول يقول إنه لا بد من تماسك النواة الصلبة العربية أي مصر والأردن والسعودية، فضلاً عن دول مجلس التعاون الخليجي وروسيا إذا أمكن. وبالطبع يحتسب الاتحاد الأوروبي من هذه المجموعة للضغط بكل الوسائل الدبلوماسية على الحكومة الإيرانية للإقلاع عن مشروعها النووي مقابل الاعتراف بدور له بحدود واضحة في المنطقة.

التيار الثاني لا يمانع في هذا التوجه، لكنه من باب الواقعية يدعو إلى كسب سوريا طريق الإمداد العربي الوحيد للسياسة الإيرانية. وذلك بمختلف الوسائل السياسية والاقتصادية.

لم يكن دعاة هذا التيار يعتقدون بإمكان الفصل بين سوريا وإيران إلا من ضمن صفقة كبرى دولية لا يبدو أنها متاحة في ذلك الوقت وحتى الآن. لذلك لا بد من العمل تدريجياً على عودة سوريا إلى الصف العربي ولو من باب الموازنة في علاقاتها بين أهلها من العرب وبين السياسة الإيرانية، بدلاً من اندفاعها في اتجاه واحد ولو بدعم عربي محدود.

****

التطورات التي حدثت بين قمة دمشق ولقاء قطر التشاوري وقمة دول مجلس التعاون الخليجي وقمة الكويت بعد الحرب الإسرائيلية على غزة أظهرت التالي:

أولاً: إن مجلس تعاون دول الخليج ليس منظومة سياسية موحدة في مواجهة ما تتعرّض له المنطقة من “مخاطر”. حتى مفهوم المخاطر مختلف عليه داخل المجلس. فسلطنة عُمان لا ترى في السياسة الإيرانية خطراً على العرب. و”الامبراطورية” القطرية تريد دوراً فيه هامش كبير من الحرية لاتخاذ ما يناسب دورها من سياسات. ودولة الامارات العربية عندها من المشاكل ما يكفيها من انتكاسات اقتصادية ووافدين يزيد عددهم عن المواطنين مرات عدة. لم يبق إلا الكويت التي يحاول أميرها قدر المستطاع البقاء على تضامن مع السياسة السعودية.

ثانياً: الحرب الاسرائيلية على غزة أظهرت ضعفاً بنيوياً في الدور المصري وبات النظام المصري بحاجة إلى دعم دولي للاحتفاظ بواقعه السياسي والجغرافي على الحدود مع قطاع غزة الفلسطيني. أما الأردن فعلى الرغم من تماسك وضعه الداخلي فإنه لا يستطيع الاستمرار في دعم سياسة دولية لا تأخذ في عين الاعتبار حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة. في الوقت الذي تتصاعد فيه شعبية المنطق الإسلامي الأصولي القائل بالاتجاه إلى المقاومة المسلحة في وجه الاحتلال الاسرائيلي بدلاً من المفاوضات الدبلوماسية التي لم تؤد إلى أية نتيجة.

ثالثا: ظهور فشل الادارة الاميركية في تحقيق أي من تعهداتها بالضغط على اسرائيل لتنفيذ حل الدولتين. وقد نقل عن وزير الخارجية السعودية في اجتماع مغلق مع أعضاء مجلس الشورى السعودي أن بلاده لن تغير من سياستها، بسبب الضغوط الاميركية، موضحاً “أننا لسنا دولة تابعة”. ونقل عضو في مجلس الشورى عن الوزير الفيصل ان العاهل السعودي أبدى اعتراضه مباشرة أمام الرئيس بوش، متسائلاً عما فعلته الادارة الاميركية بعد مؤتمر أنابوليس.

بالطبع لم يغير الاعتراض من السياسة الأميركية ولا فعل ذلك وصف العاهل السعودي القوات الأميركية في العراق بأنها قوات احتلال. لذلك كان لا بد من استباق نتائج الانتخابات الإسرائيلية والتوجه نحو المصالحة العربية بدلاً من انتظار نتائج الحركة الدبلوماسية للإدارة الأميركية الجديدة، والتي ستمضي وقتاً طويلا في حوارات ليست مؤكدة نتائجها سواء في الصراع العربي ـ الإسرائيلي أو تجاه السياسة الإيرانية في المنطقة.

ظهر ذلك واضحاً في التقرير الذي أعدّه مجلس العلاقات الخارجية الاميركي بالتعاون مع مؤسسة بروكينغز بعد سنة ونصف من عمل عشرات الخبراء الشرق الأوسطيين، تحت عنوان استعادة التوازن في الشرق الأوسط. يقول التقرير إن الرئيس أوباما سيواجه مجموعة من التحديات المعقدة والخطيرة التي تستوجب اهتمامه المباشر: السياسة الإيرانية، الانسحاب العسكري الاميركي من العراق، حكومة ضعيفة في فلسطين، عملية سلام متعثرة وسياسة أميركية مشوهة السمعة.

هذه العناوين لا توحي ان باستطاعة الادارة الجديدة في واشنطن تحقيق تقدم، حتى على المدى المتوسط في المنطقة. فلماذا لا تستبق السياسة السعودية ما هو آت من مصاعب؟

رابعاً: لا بد من التركيز على الايجابيات التي تحققت في الوضع اللبناني. فنتائج الانتخابات النيابية المقبلة لن تحمل تغييراً جدياً في موازين القوى الداخلية. ولماذا التوّرط في مظهر المشاركة السعودية المباشرة. من هنا جاء تعيين السفير السعودي في لبنان وزيراً للإعلام قبل ثلاثة أشهر من الانتخابات. صحيح ان الملك عبد الله يريد مكافأة سفيره في بيروت على نجاحه في مهامه. لكن لا يمكن فصل توقيت تعيينه وزيراًَ عن القرار في مداراة الدور السعودي المباشر في لبنان، والاكتفاء باستعمال خبرة السفير خوجة، ولكن من منصبه الجديد في الحكومة السعودية.

أما المحكمة الدولية المختصة بجرائم الاغتيال السياسية وأولها الرئيس رفيق الحريري والتي دعمت السعودية قيامها، هذه المحكمة استقر وضعها وأصبحت في عهدة القضاء الدولي، وصار بالإمكان تركها تعمل دون دعم سياسي لا تحتاجه.

خامسا: بدا واضحاً ان التقدير السعودي للدور الروسي المجاور لإيران غير دقيق. فروسيا تفاوض على التقنية الايرانية النووية بقدر ما تتحملها. فهي لا تريد جاراً نووياً، ولكنها لا تريد ايضا دولة جارة مثل ايران صديقة للولايات المتحدة. لذلك فهي تلعب على التوازنات. تلتزم تنفيذ اتفاقاتها مع ايران بشأن المفاعلات النووية، ولكن ضمن قدرتها على الاستفادة من “محدودية” التنفيذ في مفاوضاتها مع واشنطن.

سادساً: اعتبر العاهل السعودي انه قام بواجبه تجاه ايران في الشكل وفي المضمون. في الشكل حرص على تكريم الرئيس الايراني في المناسبات التي التقاه فيها، وهي مشاركة الرئيس نجاد في القمة الاسلامية مشاركاً، وفي قمة مجلس التعاون في السعودية ضيفاً، وفي فريضة الحج التي دعاه إليها. كذلك لبى العاهل السعودي الطلب الإيراني بتغيير المندوبين في المفاوضات بين البلدين فصارا وزيري خارجية البلدين بعد أن كانا رئيس مجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان وعلي لاريجاني كبير المفاوضين الإيرانيين سابقا في الملف النووي سابقاً. على الرغم من “ارتياح” العاهل السعودي لشخصية لاريجاني.

أما في المضمون فقد صارح العاهل السعودي الرئيس الايراني بموقف بلاده من مسألة التخصيب النووي الايراني، ودعاه إلى تأجيلها بدلاً من الإصرار عليها في ظل أزمة دولية لا تستطيع إيران ان تطلب من جيرانها العرب مشاركتها فيها.

لم يؤد هذا الموقف إلا إلى المزيد من التأزيم. فالسعودية تتهم ايران بأنها تأوي عدداً من المطلوبين السعوديين العائدين من افغانستان، والذين يشاركون في تنظيم عمليات أمنية داخل السعودية.

صار واضحاً للقيادة السعودية ان ايران لا تبحث عن تفاهمات اقليمية بقدر ما تريد إقراراً دولياً بدورها السياسي والنووي، ولو على حساب جيرانها من العرب.

أجاب دبلوماسي ايراني على هذا الكلام بالقول إن الرئيس نجاد يعتبر العاهل السعودي زعيما إسلاميا كبيرا وصادقا في عروبته وحريصا على حق الفلسطينيين في أرضهم. لكنه في كل مرة التقى فيها الرئيس الايراني كان يحدثه عن إعجابه بالسيد خاتمي “الرئيس السابق”، وعن صداقته “بالشيخ” رفسنجاني الى حد رواية أنه استقبل ابنته فاطمة الناشطة في العمل الاجتماعي وطلب إليها إبلاغ والدها بالحفاظ على صفته رئيساً سابقاً بدلاً من الترشح لمناصب أخرى. هذه الصياغة في الحوار و”الكلام الدبلوماسي الإيراني” لم تساعد في تعميق العلاقات بين الملك والرئيس مما جعل العلاقات تذهب نحو مزيد من التدهور. وهو ما حدث في الاجتماع الأخير الذي عقد بين وزيري خارجية البلدين في مجلس النواب اللبناني بعد حضورهما لجلسة انتخاب الرئيس ميشال سليمان. بالطبع لا يمكن تبرير إحراق متظاهرين لمكاتب الخطوط السعودية منذ أسابيع في طهران ضمن هذا السياق.

****

أمام كل هذه المعطيات قرّر العاهل السعودي إعادة النظر في خريطة سياسته الخارجية العربية أولاً مراكماً على موقفه في قمة الكويت من تجميد المبادرة العربية السلمية. فكانت عودة الحرارة إلى خطوط الاتصال السعودي ـ السوري.

تقول مصادر دبلوماسية عربية موثوقة إن النقاش بين دمشق والرياض لم يعد يتناول تبادل الزيارات بين العاهل السعودي والرئيس السوري، فكلاهما طوى ملف الخلاف ولم يعد من حاجة الى لقاء بينهما كمؤشر على الوفاق. إلا أن السعودية تريد لهذا الوفاق أن يكون ثلاثياً بمشاركة مصر.

الرئيس المصري يريد دعما سوريا معلنا للدور المصري في الحوار الفلسطيني الهادف الى تشكيل حكومة وحدة وطنية، وسوريا تريد ان تكون قطر رابعة الوفاق العربي باعتبارها الدولة المضيفة للقمة العربية المقبلة. فهل تتحقق الرباعية الجديدة؟

المسألة تجاوزت المبدأ. البحث هو في التوقيت وجدول الأعمال. فسوريا دعمت الجهد المصري في الحوار الفلسطيني باعتراف وزير الخارجية المصري، والسعودية لا تعارض المشاركة القطرية. بل ان العاهل السعودي رد على أحد معارضي الدور القطري من معاونيه بالقول إن السعودية “لا تحتاج الى مزيد من التيجان على رأسها”. أما جدول الأعمال فهو الاتفاق على كيفية التعامل مع مسألة السلام في المنطقة في القمة العربية المقبلة. إذ لا يكفي تجميد المبادرة العربية ولا إلغاؤها دون الاتفاق على صياغة بديلة وسط تدفق في المبعوثين الأميركيين إلى عواصم المنطقة ولا بد من قراءة استراتيجية جدية وجديدة أميركية للصراع العربي ـ الاسرائيلي لتستطيع تحويلها إلى وقائع ملموسة. حتى الآن رسم الرئيس الأميركي الجديد صورة زاهية ومنمّقة لكفاءة مبعوثيه إلى المنطقة، دون ان يحملهم خريطة سياسية في خطوطها التعامل مع “حماس” في فلسطين، والضغط الفعلي على نتنياهو للاعتراف بحل الدولتين وحسم الخيارات في الحوافز للحوار مع ايران وحجم العقوبات في حال الرفض الايراني الحوافز الاميركية. لذلك استبق العاهل

السعودي الفراغ المقبل لسنة على الأقل في الداخل حيث بدا ان قراراته الاساسية في تغيير كبار المسؤولين في القطاعين الديني والقضائي فضلاً عن التعليم، تمت بعيدا عن ضغط الادارة الاميركية المشغولة بما يكفيها من ملفات، وبقرار استراتيجي حول إعادة لم الشمل العربي. فهو يعلم أن الصلوات متعددة في المنطقة، لكن القٍبلة واحدة، وهو خادمها.