الصلاة مع سيرين …

مقالات 04 فبراير 2008 0

يصدح اللبناني معين شريف بصوته الآتي معه من اليمّونة جارة بعلبك حيث للصوت مدىً لا يحدّ ولتمايل أكتاف الرجال سحر لا يقاوم وللضيافة أصول لا يمحوها الزمن.
حين تراه على الشاشة في كليب حديث، تبدو على معين غبار الطريق من قريته الجميلة وكأنه أتى أمس. فهو لا يتآخى مع الحداثة ويفضّل الأصالة التقليدية في أغانيه فيجعل من كلماتها إضافة ولو محدودة للذاكرة. ينتهي معين من غنائه لتطل صبية متوسطة العمر والشكل تغني بكلام لا أفهمه وبلحن لا أذكره. فجأة تظهر على الشاشة عبارة حان الآن موعد صلاة العصر لتنقطع البرامج الفنية، مقدمة لشيخ يتلو أذان العصر بصوته.
الزمان، بعد ظهر يوم ثلاثاء والشاشة هي روتانا الموسيقى حيث تتوالى عليك الأغنيات دون توقّف مع صور أصحابها. تغري الأغنيات بكلماتها باعثي الرسائل الظاهرة على شريط الدردشة، بالمزيد من الهجوم الطبيعي في رسائل الغرام المنتقلة من بلد الى بلد، تحثّ المستمعين على إيجاد نصيبهم في الدنيا عن طريق الشاشة.
الألوان الدائمة خضراء وحمراء. الأخضر التزاما باللون السعودي التقليدي الظاهر على العلم، وفي كل شعارات المملكة القابضة التي تملك التلفزيون كواحد من نشاطاتها الإعلامية. والأحمر ربما استحسانا لقدرته على إثارة العين المتابعة للشاشة فلا تملّ من الرتابة في الألوان.
انتهى الأذان، لتحتلّ الصبية اللبنانية سيرين بجمالها وصوتها الشاشة. هي تلعب دور القادمة من قريتها الى قرية حبيبها تبحث عنه عاقدة الحاجبين، تظهر ثيابها عرض منكبيها حيث تنحدر تحتهما مساحة مضيئة بلون الثلج الأبيض. تضيف الى ثيابها اللاتينية ما يحدّد جسمها وتذهب للبحث عن الحبيب. تجده فترقص معه متمايلة. تلتصق به راقصة للفلامنكو الذي يحتفل بعيده السنوي هذه الأيام في مدينة اشبيلية الاسبانية، بأحمره الساحر الجمال. يلتصق بها من خلفها كما تقتضي الرقصة ويصالح أجمل ما فيها بينما هي تستمرّ في غنائها وتمايلها على راحات يديه.
لم تلتقط عيناي بداية ما أراه، اذ انها المرة الاولى التي ألتزم فيها مشاهدة هذه القناة لدقائق طويلة. ليس في ما شاهدت أي تفلّت أخلاقي، بل أداء تفترضه الأغنية وألحانها، وثياب المغنيّة وحبيبها محتشمان بمقدار الالتزام بالحداثة. لكن ما دخل الأغنية التي سبقت أذان العصر والأخرى التي لحقت بالصلاة.
هل هي الاغنية تشجيع على الصلاة أم انها طاردة للايمان. لا هذا ولا ذاك، بل هي التزام مبدئي وبدائي بتقاليد تحث الوسائل الإعلامية السعودية المرئية والمسموعة على إعلان وقت الصلاة تذكيرا لمن أخذه عمله وانشغل به، أو على الطريق يقود سيارته ويسمع الراديو فيها.
أضافت روتانا الموسيقى تقليدا جديدا ببث أذان الصلاة في أوقاتها الخمسة بعد أغنية تنبهر بمؤدّيتها. تهزّك الاغنية من سفر عينيك الى ما تراه على الشاشة فتقوم لصلاتك.
لا أدّعي المرجعية ولا الإفتاء ولا حتى الإمامة في الصلاة ولو من باب الأكبر سنا بين المصلّين. لكنني ما فهمت شيئا مما رأيته إلاّ تنفيذا لتقليد إيماني سامي الهدف في المكان الخطأ، وبطريقة فولكلورية ادعائية للإيمان تضيّع ثواب الأذان ولا أعرف ما اذا كانت تحفظ ثواب الصلاة مع سيرين.
ذكّرني هذا برواية عن الرهبان اليسوعيّين الذين يعتمدون التورية في قولهم والسرية في فعلهم. الرواية تقول ان مؤمنا سأل راهبا ما اذا كان يحقّ له التدخين وهو يصلّي. أجابه الراهب اليسوعي بأنه يحق له الصلاة وهو يدخّن.
هل تمارس روتانا موسيقى سياسة الرهبنة اليسوعية فتدمج الصلاة بالأغاني؟
الجواب عند الأمير الوليد بن طلال.