الشاهد الوحيد ..

مقالات 02 يوليو 2007 0

ليس جديدا على جورج غانم في LBC العمل على وثائقي سياسي، فهو فعل ذلك عن شارل حلو وكمال جنبلاط وكميل شمعون وربما عن غيرهم. فقدّم أحسن ما يمكن ان يقدمّه باحث سياسي لبناني يريد من الشخصية اللبنانية، أيا تكن، أحسن ما عندها ومن وقائعها يجرح ولا يُدمي.
أعطى لكل شخصية من هؤلاء الثلاثة أفضل ما عندها، وبالتأكيد تغاضى عن بعض ما عندهم.
صوّر كمال جنبلاط على انه حكيم من حكماء الهند، وجعل من كميل شمعون رئيسا غربيا يعمل في المشرق، وقبلهما أتى بشارل حلو صاحب التجربة الفنيّة في السياسة اللبنانية القادر بالمداورة على ما لا يستطيعه غيره بالمباشرة.
أصبح جورج غانم راوية سياسية لبنانية من الدرجة المشوّقة باستمرار. حتى جاء بفيلمه الوثائقي الأخير عن الشيخ بيار الجميّل. اذا به يختصر تاريخ مسيحيي المشرق بين بيت الكتائب في الصيفي وبين مسقط رأس الشيخ بيار الجميّل في بكفيّا، حين يؤكّد ان الكتائب هي الحزب المسيحي الأول والأقوى في المشرق العربي.
اختصر تاريخ لبنان بمسبّبات وجوده الأصلية، لا بما استجدّ عليه من اضافات في الأدوار وفي الأحلام. فتصاغر الحاضر بكل ضجيجه واعداده وطوائفه أمام الحقائق الأولى، التي ما أن غابت عن القدرة حتى تحوّل لبنان الى ساحة صراع دائمة لمن يستطيع اليه سبيلا.
استطاع الراوية السياسية أن يعيد سرد رواية تاريخ لبنان بدقة تجرح العين والذاكرة وتنعش عناوين صارت شائعة اليوم ومنتشرة دون ان نتذكّر نسبها الأصلي، فنشعر بالأيام تصفع أوهامنا وربما تفعل فيها أكثر من ذلك.
وضع الراوية السياسية الجيل الذي عرف أو راقب العمل السياسي في ال25 سنة الماضية أمام حقيقته: كلا على حدة مع مثيله في الفيلم الوثائقي، ومجتمعين في العناوين السياسية التي أضاعت أحلامنا ولا زالت.
مخيفة قدرة الراوية السياسية على استخلاص النتائج مما ترى في الشيخ بيار .
يضيء في الذهن حرائق لا تنطفئ، وفي العقل أوهاماً لا تمحى. ولكنه قبل ذلك وبعده يعيد الحقائق الى نصابها الأصلي.
جعل من صور الشيخ بيار تاريخ المنطقة بحروبها وسلامها وعروبتها، حتى رأى غالبية من اللبنانيين في مؤسس الكتائب صورة سياساتهم التي أهانوها لسنوات طويلة وآن لهم أن يكرّموها.
ليس هناك من نص سياسي مرئي استطاع برمزيته أن يختصر تاريخ المنطقة العربية في حقبة معيّنة من خلال شخص واحد هو الشيخ بيار ، بصرف النظر عن الموقف التاريخي أو الآني للمتفرّج على وثائقي لشخص أثار في حياته وحياة حزبه وبيته اشتباكات وارتكابات وخصومات لا زال بعضها يعيش حتى اليوم.
خلق الراوية السياسية من الشخص الرمز الذي تدور الأسئلة كلها حول مشرقيّته، فاذا بالأجوبة لا تزيل عنه عروبة خاصة سادت بعده في كبرى العواصم العربية.
أتى بشهود من كل الأعمار وكل الحقبات. جعلهم يتحدّثون. كلّ عن ما يعرف وما شهد في أجيال ثلاثة من آل الجميّل. لكنه بالتأكيد لم يسمعنا كل ما سمع. اختار منها الكلمات التي يريدها. لأنه أراد أن يكون الشاهد الوحيد على صورة مسيحيي المشرق، الذين ما زالوا حتى اشعار آخر تاريخ لبنان.