السمع السياسي السعودي: خطأ الطريق ..

مقالات 24 يوليو 2006 0

ليست هذه هي المرة الأولى التي يرمي فيها الزميل جمال أحمد خاشقجي حجرا كبيرا في المياه الراكدة للسياسة السعودية. يُحدث من الأمواج والتساؤلات وربما من النتائج غير المعلنة ما لم يتوقعه أحد من عارفيه.
هذه المرة كتب وتحدث بصفته الجديدة المستشار الإعلامي للسفير السعودي في واشنطن وهي صفة ليست بسيطة في الأيام العادية فكيف إذا كان السفير هو الأمير تركي الفيصل رئيس المخابرات السعودية الأسبق، والذي لا تزال ظروف استقالته من المخابرات يحيطها الحيرة والغموض، رغم مرور أربع سنوات وأكثر على مغادرته للمنصب الأمني الأهم في المملكة العربية السعودية وتسلم أميرين كبيرين على التوالي المنصب نفسه وهما الأمير نواف بن عبد العزيز في البداية والأمير مقرن بن عبد العزيز الممارس الآن لمهامه.
يوم الأربعاء الماضي في السادس عشر من الشهر الحالي نشرت صحيفتا “النهار” و”المستقبل” التي لديها طبعة سعودية مقالاً للخاشقجي يعترف فيه نيابة عن المملكة أنها لم تتأخر وحدها وإنما دول عربية أخرى بإهمالها حالة “حزب الله” “الشاذة” تحديدا والتي استمرت سنوات تنتظر تدخلا عربيا قويا لحسمها، والولايات المتحدة تأخرت هي الأخرى ويجب أن تُحمّل مسؤولية صنع الأزمة الحالية بتجاهلها لعملية السلام. وكأن الصراع العربي الإسرائيلي سيحل نفسه بنفسه، إضافة الى طبطبتها الزائدة على كل حد على إسرائيل حتى أفقدتها الحكمة والمنطق السليم.
يشرح أكثر. “أخطأنا جميعا في عدم الضغط على سوريا، لحسم الموضوع وخلع هذا المسمار الذي أدمى خاصرة اللبنانيين ونشر القلق والتوتر بينهم.. وكان يمكن حله بصفقة وتفاهم مع إيران وسوريا والأطراف اللبنانية المختلفة. بالتأكيد لم يكن ذلك ليتم بسهولة. وإنما بعد مفاوضات صعبة وغضب ومسايرة وترغيب وترهيب. ولكن كل ذلك أرحم مما يعيشه لبنان واللبنانيون اليوم، وما يمكن أن يستعر ليشملنا جميعا”.
ينهي الخاشقجي مقاله بالدعوة الى تفهم الموقف السعودي الغاضب على غير عادته، والموقف الصريح ضد المغامرات التي كلفتنا الكثير خلال سنوات الصراع العربي الإسرائيلي: “لكن من الضروري أن نفهم أيضا أنه إذا كنت تتوقع كارثة، فالغالب أن هذه الكارثة ستقع إذا جلست تراقب دون أن تفعل شيئا”.
عمق الرسالة
لا شك في أن هذه اللغة تفوق عمقا ودقة في تشريحها للوضع في منطقة الشرق الأوسط في غياب “السمع السياسي السعودي”. تفوق ما جاء في بيان مجلس الوزراء السعودي منذ أسبوعين وبيان قبله نسب الى مصدر سعودي أيضا يتحدث بحدة غير مسبوقة وغير مبررة عن المغامرات غير المحسوبة ل”حزب الله” في لبنان ولحركة حماس في غزة.
الجديد في كلام الخاشقجي أنه من موقعه يوحي وكأن هناك همّة سعودية نحو خطة جديدة لسياسة المملكة في موقعي النزاع الأخطر والأكثر حرارة في المنطقة أي لبنان وفلسطين.
أكد ذلك حين ظهر الخاشقجي يوم الخميس الماضي على L.B.C مع الزميل مارسيل غانم في مواجهة بعيدة المدى. قصيرة المدة، مع النائب الشاب حسن فضل الله العضو في كتلة الوفاء للمقاومة. ثالثهما الأستاذ الجامعي والمعلق السياسي الدكتور فواز طرابلسي.
بدا المستشار السعودي هادئا، جدياً، واثقاً من نفسه. عارفاً بما ينتظره. مستخفاً بالكلمات الحادة التي يسمعها عن الموقف السعودي. معترفاً بأخطاء سياسة بلده. واعداً بأن أسلوب التعامل مع الوضع المستجد في لبنان وفلسطين سيتغير. متهماً دون تأكيد “حزب الله” و”حماس” بإيصال الوضع في البلدين المعنيين الى ما هو عليه من تدمير.
الأهم في ما قاله على الشاشة الصغيرة أنه بدا عصرياً. حديثاً. يختار الكلمات القادرة على الوصول الى العقل العربي لا إلى العاطفة المتأججة هذه الأيام. إذ ليس من الطبيعي على التاريخ السعودي أن يعترف مسؤول كبير أم صغير أن حكومته أخطأت سياسياً وأنها تعمل على تصحيح هذا الخطأ.
صديق لبن لادن!
الخاشقجي الذي كان رئيساً لتحرير “الوطن” السعودية إبان الغزو الأميركي لأفغانستان صديق حميم لأسامة بن لادن السعودي المنشق عن بلده وسياستها. كتب مقالاً ندد فيه بسياسة الإسلاميين السعوديين فعزل من منصبه ثم أعيد الى العمل في صحيفة إنكليزية تصدر في جدة قبل أن يصطحبه معه الأمير تركي الفيصل الى لندن حيث عيّن الامير سفيرا ثم الى واشنطن حيث هو الآن مستشار إعلامي له.
النائب فضل الله الانسيابي الكلام عادة. المنطقي الحجة غالباً. جنح نحو مخاطبة جمهور “حزب الله” كلمات ومفردات تعبوية لا علاقة لها بمخاطبة سعودي يقيم في واشنطن ويتحدث عن خطأ سياسة بلاده. متجنباً تسمية المملكة بالاسم بقرار من قيادته. بدا فضل الله مهدِّداً يستعمل أسلحة مستقبلية في وقت مبكّر دون إسنادات واقعية في السياسة. تحدث عن الحرب في الوقت الذي يرسم فيه الخاشقجي خريطة أولية للحل. الحلول السلمية ليست من مفردات النائب فضل الله.
حاول الدكتور طرابلسي إعادة الحوار الى عقاله وهو الذي يملك الحجة المنطقية لتفنيد السياسة السعودية فلم ينجح. إذ أن الزميل مارسيل غانم كان فرحاً بما يطلق حوله من مفرقعات سياسية.
أن تأتي متأخراً..
لا أعرف ما إذا كان المستشار الخاشقجي اطلع على ما نشرته “السفير” منذ أشهر من تساؤلات أولها عن “السمع السياسي السعودي” وآخرها أن ما جاء في البيانات السعودية صحيح من حيث الهدف مع الاعتراض على الأسلوب لكن القرار جاء متأخراً خمس عشرة سنة. وما بينهما من استنجاد ومناداة للعاهل السعودي على عرض الصفحة الأولى، دون أن نسمع جواباً من أحد إلا ما جاء على لسانه كتابة وقولاً منذ أسبوع.
هل يصح القول الشهير “أن تأتي متأخراً خير من أن لا تأتي أبداً” على السياسة السعودية الجديدة المفترضة وغير المؤكدة حتى الآن؟
هناك معطيات جديدة ومتعددة لا بد من التدقيق في مضمونها قبل وضع التصور الجديد للسياسة المفترضة، مرة أخرى.
المعطى الأول أن القوى المعنية بالتطورات في لبنان وفلسطين هي قوى تغييرية، جذرية، شابة، لديها من الحيوية فضلاً عن الإيمان بما تفعل الكثير. لا تعترف بالسلام مع إسرائيل، حصلت على تمثيل شعبي ورسمي عبر الانتخابات ما يجعل التعامل معها مختلفاً كلياً عن مفاوضة قوى ثورية متمردة تضع يدها على جزء من الأرض دون حيثية دستورية. وقد أخطأت الأدبيات السياسية السعودية في الحديث عن حركة “حماس” الحاصلة على غالبية في الانتخابات التشريعية، مما يجعل الحكومة الفلسطينية في أسوأ الأحوال أكثر مشروعية من الحكومة السعودية. فكيف لمن ترك زعيمها خالد مشعل أن يغادر السعودية خائباً لآماله أن يدعي مشروعية أكثر منه ومن حركته.
العلم الفلسطيني العِمّة السوداء
ثانياً: هل سبق لعمّة سوداء وهو اللون المعتمد لرجال الدين الشيعة المنتسبين إلى أهل البيت هل سبق لهذه العِمّة أن خرجت صور لابسها أياً يكن من الأزهر الشريف في القاهرة دعماً ل”حزب الله” ولأمينه العام السيد حسن نصر الله في صمودهم في وجه العدوان الإسرائيلي. فضلاً عن التظاهرات المنتشرة في كثير من العواصم الإسلامية تحمل الصور نفسها وتنادي النداء نفسه. لماذا؟
بكل بساطة لأن من يحمل العلم الفلسطيني ويقدم الدم لأجله يصبح الأول لدى الجمهور الإسلامي. هل حان وقت السؤال. من أعطاه هذا العلم؟
ببساطة أكثر. هو أخذه بنفسه. وجده مرمياً على أرض السياسة الأميركية في المنطقة التي اعتقدت أن اجتياحها واحتلالها للعراق هو البديل الناجح ولو لسنوات للسلام الفلسطيني الإسرائيلي، فإذا بالاحتلال الأميركي للعراق يصبح مطية للمشروع الإيراني المنطلق من الحدود المشتركة بين العراق وإيران التي شهدت حرباً لعشر سنوات. وجعلت آية الله الخميني يقول بأنه يشرب السم بموافقته على وقف إطلاق النار مع العراق.
سنوات طويلة مرت على التدريب والتسليح والتجذير ل”حزب الله” في لبنان. سنوات أطول عرفت مزيداً من العمق للتحالف الإيراني السوري. لم تكن هذه رغبة سورية فقط. بل هي حاجة أكثر من أي شيء آخر. إذ كيف للحاكم السوري الجديد أن يتحالف مع سياسة عربية مسلّمة بالقدر الأميركي رغم الحفاظ على الشكليات في العلاقات بين دمشق من جهة والقاهرة والرياض من جهة أخرى.
دمشق في الميزان السعودي
سوف يقول العاهل السعودي أو من حوله أن السعودية احتضنت الرئيس الأسد الشاب وحرصت على أحسن العلاقات مع نظامه. كذلك سيفعل الرئيس المصري حسني مبارك بتحذيره وتوجيهه نحو ما يضمن سلامة نظامه. لكن للنظام السوري روزنامة أخرى تقول إن هناك أرضاً سورية محتلة وأن التحالفات الأميركية العربية لم ولن تستطيع أن تأتيه بضغط على إسرائيل يحقق له استعادة أرضه. وجد على الجانب الآخر تحالفات سياسية مع قوى مغايرة يعلن من خلالها اعتراضه على السياسة الأميركية المهملة له والمتجاهلة لدوره ولحقه في استعادة الجولان المحتل. هذه القوى فوق ذلك كله غير مكلفة على الطريقة الحسابية لتجار دمشق حتى الآن. ورغم فولكلورية الدعوة التي وجهها نائب وزير الخارجية السوري وممثل بلاده في الأمم المتحدة فيصل المقداد أن سوريا على استعداد للتعاون في تهدئة الأمور في لبنان. فلا يمكن اعتبار هذه الدعوة الدبلوماسية إلا جزءاً من عملية كسب الوقت المشهور بها النظام السوري وتحالفاته الإيرانية واللبنانية والفلسطينية.
كيف مات عرفات؟
لماذا اغتيل الحريري؟
ثالثاً: رجال المشروع العربي المعتدل المتفهم للسياسة الأميركية في المنطقة مبعثرون لا يستطيعون الدفاع عن مشروعهم أمام جمهورهم الذي عرفهم وجرّب سياستهم لسنوات طويلة دون نتيجة تذكر.
هكذا الحال في فلسطين المحتلة التي يعود فيها السؤال كيف مات الزعيم التاريخي ياسر عرفات وليس من جواب جدي ودقيق.
لم تستطع تجمعات حركة “فتح” على اختلاف أبطالها الصغار أن تقدم للشعب الفلسطيني إجابات أكيدة على تساؤلاته. لا بمعنى السلام وتداعياته ولا حتى في الشأن الداخلي.
ماذا قدمت إسرائيل لهذا المنطق المعتدل؟ المزيد من العناد الدبلوماسي وقصف يومي على المناطق الفلسطينية. كيف إذاً يمكن القول إن السياسة الأميركية تستطيع التقدم في أي أرض عربية. وكيف يمكن لمن لا يتمايز عنها أن يدعي لنفسه دورا ما؟
معدل السن في الإدارتين السياسيتين العربيتين المعنيتين بالفاعلية العربية تاريخياً هو 75 عاماً. هل لهذه الإدارة أن تواجه حيوية. مغامرة. شابة. مقاتلة. تمسك بعقيدتها وترفع العلم الفلسطيني بدءاً من طهران وصولاً الى جنوب لبنان.
يمكن الآن معرفة أسباب اغتيال الرئيس رفيق الحريري. لقد ترك اغتياله منذ سنة ونصف تقريباً فراغاً لم يتمكن أحد من ملئه رغم كل المحاولات.
بدت القوى التي انتخبت على حساب اغتياله عاجزة عن المبادرة في كل أمر جدي يطرح عليها. ولولا تاريخية الزعامة للنسر الجارح في المختارة وليد جنبلاط لظهرت القوى المجتمعة حول تاريخ 14 آذار وكأنها رواية سياسية من الماضي تتذكرها ولكنك لا تجدها.
فتح وليد بك بيوت الجبل للاجئين من أهل الجنوب متحدثاً عن بطولاتهم وصمودهم رغم خلافه السياسي الواضح مع حزب الله، ورفضه تحويل لبنان ساحة صراع لإيران وسوريا.
أكد بذلك حكمة عروبته وحمى منطقاً يلوذ به ولو في وقت متأخر للنجوم التلفزيونية لقوى 14 آذار.
بيروت والشمال: غياب تام
مجموعة الشمال السياسية تتصرف على أنها معنية بمعرفة ما يحدث على شاشة التلفزيون باعتبار أن الهجوم الإسرائيلي يحدث على دولة بعيدة القربى والجغرافيا.
مجموعة بيروت السياسية تعتبر أن المدينة معزولة عما يحدث على بُعد خمس دقائق في السيارة هذا إذا كانت المجموعة نفسها لا زالت على إقامتها في العاصمة. لا صوت لهم. لا حس. لا خبر. لا زيارة. لا تضامن. لا حملة جمع تبرعات. لا وجود حيث الإقامة واجب لا خيار.
النائب سعد الحريري رئيس كتلة نواب تيار المستقبل يخرج من الباب السعودي ليدخل في الباب الفرنسي فإذا بكلاهما دوّار يكرر نفسه ويدل على الاتجاه الخطأ. لا يبدو أن النائب الحريري يعلم مدى الضرورة لوجوده بين أهله في مثل هذه الأحوال. مع الاعتراف بصعوبة العودة الى بيروت وليس استحالتها.
وحدها السيدة بهية الحريري تحنو بعينها وقلبها وما ملكت يداها على اللاجئين الى صيدا من الجنوبيين فتحفظ لنفسها ولدار أهلها حق التمثيل السليم والأكيد لأهلها اللبنانيين من كل صوب أتوا.
منطق الدولة حاضر في السنيورة
منطق الدولة يتنقل بين مقرين: الاول في السرايا الكبير مقر اقامة الرئيس فؤاد السنيورة حيث يحاول دون نجاح كبير التوصل الى وقف لاطلاق النار يأخذ في عين الاعتبار مصالح الاطراف المتقاتلة. الطرف الاميركي الراعي للهجوم الاسرائيلي يطلب من منطق الدولة اكثر بكثير مما بقدرتها. الطرف الاخر الممثل ب”حزب الله” يطلب التطابق التام مع موقفه وهو ما لا يستطيع منطق الدولة ان يتبناه.
المقر الاخر هو دارة رئاسة مجلس النواب في عين التينة. يجمع الرئيس بري في حركته صفات “المندوب السامي” على حد وصف سعد الحريري له. فبين اتصال أمني واهتمام اجتماعي يدخل مفاوض غربي كبير ليجد ان رئيس المجلس يحرص على الخطي من الكلام بدلا من الشفهي دون تسجيل. ثم يلعب دور المترجم في نهاية اليوم. يترجم ما سمعه من الايرانية الى الانكليزية الى العربية وبالعكس فإذا بحصيلة اليوم تتحول الى طرفة يحكيها ويؤكد على عدم نشرها.
خطة “الوطن العربي”
رابعاً: الشائع في أدبيات الاعتدال العربي ان “حزب الله” افتعل المعركة مع الجيش الاسرائيلي حين اختطف جنديين من جنوده لمبادلتهما بالاسرى اللبنانيين. الحقيقة الاكيدة ان حجم العملية الاسرائيلية لا علاقة له على الاطلاق بخطف الجنديين. وحتى رد الفعل الاسرائيلي على خطف الجندي الاسرائيلي في الضفة الغربية لفلسطين لا يعادل مطلقا حجم العملية الفلسطينية.
الرئيس بري اعلن في الثاني من ايار الماضي ان لدى اسرائيل بنكا من الاهداف تريد ضربها في لبنان دون ان يعلن مصدر هذه المعلومات.
لكن مجلة “الوطن العربي” التي تصدر في القاهرة نشرت في الثاني عشر من شهر حزيران الماضي موضوعاً عنوانه “الخطة” يتحدث عن خطة عسكرية اقرتها الحكومة الاسرائيلية بالتفاهم مع الادارة الاميركية تهدف الى حرب تدريجية تبدأ ب”حزب الله” وتكمل نحو سوريا ومن ثم ايران.
البداية من “حزب الله” حسب قول المجلة مرده توافق سائر الاجهزة العسكرية الاسرائيلية والاميركية على ان الخطر الذي قد تثيره ضربة لايران يأتي من حزب الله. لذلك لا بد من التخلص منه عسكرياً.
حرب أوهام
خامساً: في اليوم الثاني عشر للحرب الاسرائيلية على لبنان يبدو الجيش الاسرائيلي يخوض حرب اوهام ضد أهدافه السياسية والعسكرية.
الهدف الاول: هو تجريد “حزب الله” من سلاحه بعد هبوط معنوي حاد في صفوف مقاتليه وجمهوره. بقي السلاح على حاله وارتفعت معنويات الجميع في لبنان وفي كل العواصم العربية. جواد النجل الثاني والوحيد للسيد نصر الله بعد استشهاد هادي.. جواد يخوض المواجهة مع اسرائيل.
الهدف الثاني: تدمير البنية التحتية العسكرية للحزب. لا يبدو ان هذا الامر تحقق فضلا عن ان خطوط الامداد السورية لم تنقطع رغم ضرب كل الممرات المحتملة بالطيران.
الهدف الثالث: هو ايجاد نظام جديد سياسي في لبنان بعد الفشل الاميركي الذريع في العراق. هذا لم ولن يحدث لكل الاسباب التي ذكرت سابقاً.
إذا لا نتائج عسكرية ولا سياسية حتى الآن للحرب الاسرائيلية على لبنان، ما عدا تدمير البنية التحتية للوطن اللبناني بعد ان عانينا الكثير في سبيل تنفيذها.
روزنامة لارسن بيد بري
بدا واضحا منذ المرة الاولى لمحاولات عقد مجلس الأمن الدولي انه لن ينعقد ما لم تشعر الادارة الاميركية انها تمسك بالمضمون السياسي للقرارات المطلوبة. اي ان هناك عناصر على الأرض اللبنانية تساعد على تنفيذ ما جاء فيها.
الامين العام للامم المتحدة وضع إطاراً واسعاً من 5 نقاط اولها نقل الجنود الاسرائيليين الى عهدة الحكومة اللبنانية ووقف اطلاق النار. ثانيها قيام قوة دولية موسعة لحفظ السلام على الجانب اللبناني، ثالثها تأسيس اطار للدول المانحة لدعم اعادة الاعمار والتنمية للبنان. رابعها آلية من الاطراف الاقليميين والدوليين لمراقبة تنفيذ الاتفاق. خامسها تنظيم مؤتمر دولي لوضع جدول زمني محدد وسريع التنفيذ الكامل لاتفاق الطائف وتنفيذ تعهدات لبنان بموجب قراري مجلس الأمن 1559 و1680. كالعادة انتدب الامين العام وفداً يمثله من ثلاثة اعضاء لزيارة لبنان واسرائيل للبحث في مضمون اقتراحاته.
ترأس الوفد فيجاي نامبيار مستشار الامين العام للشؤون السياسية وضم تيري رود لارسن الموفد الدولي لتطبيق القرار 1559 ودي مستورا.
المحطة الاولى كانت عند الرئيس السنيورة الذي استمع إليهم دون ان يستطيع وضع إطار محكم لما يريدونه.
المحطة الثانية عند الرئيس نبيه بري الذي اعتقد انه سمع ما يغريه في كلامهم حين اتوا على ذكر تحرير مزارع شبعا وتلال كفرشوبا. لكنه اختصر الحديث بعرض وقف اطلاق النار مقابل مفاوضات سريعة حدها الزمني الاقصى شهر لعملية تبادل الاسرى. وحين اصر الوفد على انتقال الاسرى الى عهدة الدولة اللبنانية ترك الامر غامضا الى حين الحصول على جواب من اسرائيل. غادر الوفد عين التينة على وعد باللقاء في اليوم التالي لاكمال المفاوضات.
أحجار السنيورة
ظهر اليوم التالي وصل الرئيس السنيورة الى عين التينة دون موعد. استقبله الرئيس بري ليسمع منه تعبيراً دبلوماسياً اعجبه. قال الرئيس السنيورة ان الوفد الدولي يعطينا حجارة لكي نعيد بناءها.
فبين وقف اطلاق النار وعقد مؤتمر دولي لحل شامل للنزاعات في المنطقة يأتي الاسيران الاسرائيليان وترسيم الحدود والعلاقات الدبلوماسية مع سوريا وكأنها حجارة ضائعة الموقع. فماذا نفعل؟ ماذا نقبل وماذا نرفض؟
نسّق الرئيسان بري والسنيورة موقفيهما على اساس ان الوفد سيقوم بزيارة عين التينة في اليوم نفسه.
دخل الوفد الى الرئيس بري. بدا على كلاهما الحذر. رئيس الوفد هندي التهذيب. دي مستورا لا يتحدث احتراما لرئيسه. لارسن يستمع ويتحدث هذه المرة.
وقف الرئيس بري وتناول دفتراً من على طاولته ليضعه على ركبته، قاطع لارسن وطلب منه اخراج روزنامته من جيبه حتى يكون الحديث مفيداً.
احمر وجه لارسن قليلاً لكنه اخرج من جيبه أوراقه ليقرأ عليه مقترحات سمع الكثير من الرئيس السنيورة عنها لكنها لم تتضمن ما سال لعاب بري عليه سابقاً وهو الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
عادت المفاوضات الى السطر الاول. الاسرى مع الحكومة اللبنانية احتمال وارد. وقف اطلاق النار امر اكيد. ومن ثم المفاوضات حول باقي البنود.
كان الرئيس بري واضحا بأنه يتبنى هذا الاقتراح لمدة 24 ساعة. بعدها لاسرائيل ان تتحمل نتائج رفضها.
غادر الوفد عين التينة في طريقه الى اسرائيل. جاء الجواب في اليوم التالي من اسرائيل. سلبي. سلبي. سلبي.
لم يبد على الرئيس بري انه تفاجأ بالجواب. فمن اين يأتي الجواب الايجابي. عضو في الكنيست يعلن ان السعودية تحث اسرائيل على الاستمرار في عملياتها حتى نزع سلاح “حزب الله” واسرائيل تتردد.
سيعود الوفد الدولي. ستأتينا وزيرة الخارجية الاميركية ستجتمع الدول الكبرى ومعها مصر والسعودية بدعوة من ايطاليا يوم الاربعاء المقبل. لكنهم لن يجدوا خطوة للبداية غير ما اقترحه الرئيس بري. وقف اطلاق النار وتبادل الاسرى. استعجل الامير سلطان من باريس الامير سعود الفيصل من واشنطن بالإعلان عن قوات دولية على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
أحسن وصف للحالة الاسرائيلية اليوم هو ما قاله سائق تاكسي اسرائيلي “اشتقنا الى الايام القديمة. حين كانت الحروب حقيقية. وليس سنوات الانتفاضة الرمادية المتعبة حيث لا أبيض ولا أسود. حين كانت القوات العسكرية تواجه بعضها البعض بدلاً من صغار الشباب المزنرين بالمتفجرات ومن صف طويل امام حواجزنا ينتظر في الحر ولادة امرأة فلسطينية”
هل هناك ابلغ من هذه الرسالة عن طموح اسرائيلي لن يتحقق؟