“الساحر” جميل السيد ..وحكايات موجعة من الماضي

مقالات 22 يوليو 2005 0

تمهّلت في الكتابة عمّا قاله اللواء جميل السيّد لـ “الحياة”.
في المرّة الأولى قرأتها بالعرض كما يقولون. انتظرت أن تنتهي حتى أتمعّن بها. قلت لنفسي هذا كلام من الماضي وليس وقائع للاستكشاف. يكفيني حكايات من الماضي موجعة ومضنية ولا تخرج منها إلا باستذكار الغدر والتخلّي والإهمال، وتخسر ما بقي لك من الأصدقاء.
صرت أكره كلمة “كان”، سواء أكان الأمر يتعلق بي أو بغيري، فكيف إذا تعلق بوجعي.
قلت ايضاً هذا الرجل مارس حقبة من القسوة الامنية والسياسية وغدرت به الحقبة.
انا لا اعرف اللواء السيد. التقيته ثلاث مرات في 15 سنة.
الاولى في مكتب الرئيس الشهيد رفيق الحريري في السراي الحكومي في الصنائع حين استدعاني الرئيس الشهيد للتعرّف الى ضيفه في احدى المصالحات السورية التقليدية وليسألني اذا كنت اعلم ان لجميل شقيقين تعلّما على حساب مؤسسة الحريري، فأجبت انني اعلم ذلك. لم اكن قد تجالدت بعد على الطريق الامنية السورية “إفرح بخصمك”. لكنه نزل من عند الرئيس الحريري لتناول القهوة في مكتبي واقترحت عليه ان يترك الجيش ولنصدر صحيفة يومية سوياً ما دام يحب القفز على ملعب الإعلام.
المرة الثانية كانت اثناء قيامه بواجب التعزية في والدة قريب لي من الجيش. كانت ازمتي الشخصية مع الامن السوري في أوجها عام 1998. قال لي رداً على سؤال انه ليست لديهم اية معلومات او تعليمات عن هذا الموضوع وان الامر محصور باللواء غازي كنعان.
المرة الثالثة كانت في مكتب المدير العام للأمن العام في وساطة لصديق سوداني يريد تمديد اقامته. رفضها بداية لنجيب ميقاتي وزير الاشغال، ثم لوزير الداخلية الياس المر. وقبلها بعد تدخل الزميل الصديق شارل ايوب.
صحيح انني لا اعرفه. لكننا عشنا سوياً لسنوات طويلة من الصراع السياسي والإعلامي.
هو في موقع السلطة وأنا في موقع الدولة. هو في موقع القوة وأنا في موقع الشرعية.
والفارق كبير بين مسؤولية الدولة وشرعيتها وبين مفهوم القوة والسلطة النابع من الحصانة الدائمة السورية لمديرية المخابرات في الجيش الذي كان نائباً لمديرها. كنا نستيقظ كل صباح على عناوين الصحف. نفتّش ونسأل أين اعتدى العقيد السيد اليوم وبقلمه او بقلم المحرر السياسي.
رحم الله الرئيس الحريري، كان لسنوات يرفض مبادلة العمل بالمثل. مرة اخرى مصلحة الوطن؟
يبدأ السياسيون نهارهم في السراي الحكومي ويكملونه في مديرية المخابرات. او العكس. المهم تحضير ألغام المساء وطرق توزيعها.
حين سمح الرئيس الحريري لمكتبه الاعلامي بالرد مباشرة، كنت ألملم اغراضي للسفر الى المنفى الباريسي.
يقول اصدقاء اللواء السيد عنه انه ذكي ومغرور.
الخيط رفيع بين الصفتين. فذكاء الانسان لا يحسب له دائماً بل يحسب عليه في معظم الاحيان.
عرفت قبله مديراً للمخابرات. كان لمّاعاً في اصعب الظروف واكثرها سوداوية. ذكاؤه يشعّ كما البرق. ولا مرّة لامسه الغرور. ولا مرّة مرّ بقربه. لماذا؟ ربما لأن السيد متهم بالوطنية السورية والآخر مشبع بالوطنية اللبنانية.
أنا لا اوافق اصدقاء السيد على توصيفهم. لنأخذ عهد الرئيس لحود مثلاً. سبع سنوات حتى الآن. كمية لا تُحصى من الاخطاء. اعتداء لا يتوقف على عقول الناس.
اقرب شخص الى الرئيس لحود نظرية وممارسة هو اللواء السيد. فمن يتحمل مسؤولية هذه الاخطاء؟
اذا كان هو في غير هذا الموقع فليقل ذلك او ليوحي به وهو خير من اوحى. لم يفعل ذلك لأن من يبحث عن الديكتاتورية العادلة كما جاء في حديثه وهو يناقش العدالة وانما يتمسك بالديكتاتور وهذا ما حصل فعلاً. وهو التعبير الذي استعمله السيد في توصيف محاصرة مكتب الوزير فؤاد السنيورة بسبب خطأ ارتكبته سكرتيرته. الا اذا مسّ الامر كرامته الشخصية. عندها يتخلى عن كل شيء حتى عن اسراره. ألم يقل في العام 1999 لصديق له اعلامي جاءه يعزيه بوالد زوجته: “لقد دفعنا دماً ثمن مجيء لحود الى رئاسة الجمهورية. هل يعتقد نفسه حافظ الاسد؟”.
أين الدم؟ دم من؟ لا جواب.
تلك الايام كان الرئيس لحود يُقسم بأعزّ ما لديه انه لن يبقيه في منصبه. الى ان جاء الاعزّ على الاثنين من دمشق وتسهلت الامور بينهما.
اتهمه الرئيس لحود في تلك الايام بخيانته في صناعة قانون العام 2000 للانتخابات الموجهة ضده وضد حلفائه. وعدد المصادر الداعمة مادياً لهذا المشروع.
تباهى اللواء السيد امام اصدقائه بأنه يتحدى من يتهمه بالتدخل في ادارات الدولة لمصلحته الشخصية أو لمصلحة مادية. ويضيف أما المال السياسي فلا أحد بريء منه. فلماذا اتهامي وحدي؟ ويلقي بالنكات الجارحة عن رئيس الجمهورية. بالطبع كان الكلام يصل الى الرئيس لحود. ويندم فيها على الساعة التي صنع من هذا الرجل اسطورة امنية في البلد، فاذا به مساعداً عند اللواء غازي كنعان.
السيد يرد بأنه هو صانع الرئيس.
من صنع من؟
لا يهم طالما ان الصناعة ليست لبنانية.
جاء اللواء كنعان الى منزل الرئيس لحود في بعبدات يسأله هل تريدني ان افقد عيني، وان افقد اذني؟ اذا اردت لي العودة الى دمشق فلك ان تقبل جميل السيد.
استمع الرئيس لحود الى كلام كنعان وبـقـي صامتـاً حتى خرج وبـدأ بالشكوى يضربني السيد بالامواس في ظهري ويريدونه ان يبقى. شيعي في الامن العام؟ قلنا حاضر. نأخذه حيثما نذهب ليطمئنهم. ماذا يريدون أكثر من ذلك؟
يقول ان الرؤساء الثلاثة لم يتفقوا والأمن السوري على ازاحته. لو حصل ذلك لكان وضع على الرف من زمان.
ليسمح لنا، لأن هناك جانباً واحداً يحمي وهو نفسه يزيل الغطاء. ولو كان اللواء غازي كنعان جدياً في اقالته لما طلب من الرؤساء الثلاثة، لحود والحريري وبري، مقاطعته، ففعل اثنان وتمنع واحد هو الرئيس لحود. بل لكان استصدر من دمشق امراً بازاحته يبلغ الى الثلاثة والى كل البلد فيقاطعه معظمها في ذلك الحين لاسباب سورية. اما الباقي فلا يحتاج الى تعليمات. انه مقاطع في الاساس.
اما وأن هذا لم يحدث فإن اللواء كنعان كان يتعمد تأنيب احد ابناء نظامه على انفلاشه الاجتماعي وغيره. والا فما معنى ان يتصل اللواء كنعان بقصر اللواء السيد في البقاع ليتأكد من أن العسكري الذي يجيب يبدأ بالقول “قصر اللواء السيد نعم”. بوخر على حد تعبير اللواء كنعان.
لقد بنى السوريون نظاماً امنياً في لبنان وليس نظاماً سياسياً، وبالتالي فلن يتخلوا عن أحد اعمدته ولو داخله قليل من الغرور يعالج بالطريقة المناسبة.
في المرة الاولى التي اشتكى فيها الرئيس الهراوي للرئيس حافظ الاسد العقيد السيد يومها، قال له الرئيس الاسد “طوّل بالك، للشباب مهمة لم تنته بعد، وبعدها سنرى ما يمكن فعله”.
ما هي هذه المهمة؟
العام 1994 دعاني اللواء غازي كنعان الى مكتبه لشرب القهوة. وبالفعل بعد أخذ ورد عن اوضاع البلاد، دخل مداورة في حديث دار بينه وبين الرئيس الحريري حول ضرورة اعتقال الدكتور سمير جعجع. وان الرئيس الهراوي خائف على ما تبقى من مسيحيته. وهم يتعاونون مع وزير الدفاع محسن دلول الموافق على العملية العسكرية. انما الامر يحتاج الى موافقة الرئيس الحريري وهو، على رغم مراجعته ثلاث مرات من قبل كنعان وعبدالحليم خدام فإنه لم يوافق وهذا يسبب ارباكاً كبيراً في الجيش.
لم اقتنع. قلت ان الرئيس الحريري حاول جهده اصلاح الامور بين ايلي حبيقة والدكتور جعجع. وهو لن يتراجع عن موقفه لأنه لا يتعب من الحلول السياسية كما ان هذه العملية ستجعل الجيش بديلاً عن المسيحيين وهو ما سيربك الوضع في البلاد وفي الحكومة ايضاً.
قال: حاول جهدك. وانتهت المقابلة. لم افعل ولم افتح السيرة للرئيس الحريري إلا في وقت متأخر.
ومثل أفلام السينما وصل الجيش الى غدراس ومجلس الوزراء مجتمعاً ووزير الدفاع يحاول تبرير موافقته. وانتهى الفيلم بالأمر الواقع. اعتقال الدكتور جعجع.
المقطع الثاني من الفيلم صنعوه في دمشق وعنجر. ما القصة؟
محققون يحتاجون الى دفع مادي وتشجيع معنوي لاكمال التحقيق بالأسلوب المطلوب. رفض قاطع من الرئيس الحريري. لن أنتقل من الجيش الى القضاء. ازدادت الاشتباكات مع الرئيس الحريري.
هل يريد اللواء السيد اعادة فتح ملف محاكمة الكنيسة؟ كيف يتجرأ على عقول الناس أن الدكتور سمير جعجع رفض تسليم الأسلحة والقبول بمساواته بايلي حبيقة لذلك حدث له ما حدث؟
لم يقل السيد ان حبيقة رحمه الله أصبح اختراقاً سورياً داخل الجسم المسيحي. وان الاتفاق الثلاثي احتواه وضمه بديلاً لجعجع المؤيد لاتفاق الطائف.
لماذا؟
لأن اللواء السيد يتفاخر بأنه ضد الطائف وبالتالي الدستور. وهو النص الوحيد المعترف به لبنانياً وعربياً ودولياً. هذا هو السر الأساسي الذي كشف عنه رجل المهمات الملتبسة في الأمن اللبناني. وهذه ليست المرة الأولى التي أسمع فيها هذا الكلام. سمعته نقلاً عن مسؤولين سوريين كبار يتمنون لو أن للبنان رأساً واحداً يمسكونه فيرتاحون ويرتاح لبنان.
هذا هو مغزى الديكتاتورية السورية العادلة التي جاءت في نص حديث السيّد.
اذا كانت كل التعبئة التي تولاها السيد طوال الخمسة عشر عاماً الماضية قائمة على هذا المنطق، فهذا سر لم أكتشفه حتى الآن.
في العام 1995 تسممت مياه لبنان وتلوث هواؤه وكنا نصطبح كل يوم ببراميل النفايات وبخبير على التلفزيون يهددنا بأن الآتي أعظم. اذاً أزمة اقتصادية. حرب سياسية. خطورة بيئية على الحياة أطفالاً وكباراً.
كلها اشاعات طبخت في مديرية المخابرات.
الهدف الحل هو اميل لحود رئيساً للجمهورية الذي نجح في حجب كل هذه الأزمات عن الجيش بما فيها الأخطار البيئية.
بعد التمديد للرئيس الهراوي عادت الأزمات الى جواريرها. الا الحرب على الطائف.
الحمد لله الذي زادنا السيّد علماً عن الطائف بأنه اتفاق لانهاء الحرب وليس لبناء السلام. الا يلاحظ اللواء السيد أن السلام اللبناني موجود وبقوة منذ سنوات وموجود بصدق منذ انسحاب القوات السورية من لبنان؟ الا يلاحظ السيد أن عملية الاغتيال السياسية التي تحدث في لبنان لا تهدف الا القضاء على هذا السلام، وان الشعب اللبناني حدد مرتكبيها سياسياً على الأقل؟
أترك المناقشة العلمية لاتفاق الطائف الى حلقة مقبلة.
الغرور؟
التقيت اللواء السيّد في منزل وليد جنبلاط معزياً بوالدة زوجته. رأيته والزميل عماد الدين أديب صامتاً في البداية منتحياً جانباً في الصالون.
أليس هو نفسه الذي تبادل الخدمات معه كما جاء في احدى حلقات حديثه. لقد أنقذه وليد بك فماذا قدم له في المقابل؟ حتى ولو كان المقابل يستأهل فهل ذكره تكريماً للبيك أم اعتداءً عليه؟ وكذلك سماحة السيد نصرالله؟ هل تبادل الخدمات معه؟
في الحلقة الأولى يتحدث عن تدارك الوضع الذي خلفته جريمة اغتيال الرئيس الحريري، ويقول: “أنا من الذين تحدثوا مع رئيس الجمهورية ووزير الداخلية”. الا يعرف كلمة “اقترحت”؟
المهم ان تدارك الوضع بعد الجريمة ليس من مسؤولية الأمن العام الا اذا طلب منه ذلك. مسؤولية الأمن العام هي جمع المعلومات عن التخطيط للجريمة قبل وقوعها. والكلام عن أن الخطأ وحده يجعل الأمن العام يقع على معلومة ما تدل على التخطيط هو اعلان فشل للمهمة الأمنية – السياسية المكلفة بها هذه المديرية. وبالتالي فلماذا استغراب المطالبة باستقالته؟ الا اذا كان المطلوب منه هو التحليل، على قاعدة انه مركز دراسات وليس جهازاً أمنياً. ثم يبدأ بالنظريات حول شريط أبو عدس. السيد بيتر فيتزجيرالد، رئيس لجنة تقصي الحقائق الدولية التابعة للأمم المتحدة زار اللواء السيّد في مكتبه وتحدث معه تحديداً عن موضوع الشريط. سأله عن الاجراءات التي اتخذها الأمن العام بين الاتصال الأول الذي تلقاه مدير مكتب تلفزيون “الجزيرة” في بيروت من مجهول تحدث فيه عن وجود شريط على شجرة مواجهة للأمم المتحدة وبين الاتصال الأخير. وهذا الأمر أخذ وقتاً طويلاً.
الاجابة كانت لا شيء، نحن نعمل في السياسة ولا علاقة لنا بمتابعة الاتصالات حتى لو أبلغنا منذ الاتصال الأول.
كل ما فعلناه هو الاستماع الى الأستاذ غسان بن جدو مدير مكتب “الجزيرة” في اليوم التالي لاذاعة الشريط.
الانتحاري المفترض “ولا افترض انني أضيف شيئاً لمعلومات اللواء السيد” جرى فحص الحامض النووي لبقاياه وكذلك لأهل أبو عدس فتبين انه ليس من العائلة. فلماذا يناور اللواء السيّد ولمصلحة من؟
انسانية الحريري؟
اكتشفها اللواء السيد بعد خمسة عشر عاماً من التشهير وحملات التحريض بوحشية سياسية ليس فيها شيء من الانسانية.
لا أحسد العاقل الموزون المقدّم وسام الحسن على شهادته في هذا الموضوع. أنا متأكد من أنه كان ينقل بدقة الرسائل بين الطرفين. ولكنه حمّل ضميره في ردود اللواء السيّد.
ليس عن زيت الزيتون. بل عن زيت الخروع الذي كان يشرب منه الرئيس الحريري من سياسة اللواء السيد وزملائه ورؤسائه. أما الصديقان فيصل سلمان ومحمد شقير فالأول له الشفاعة والثاني له المحبة.
هل انقلب السحر على الساحر حتى يقول اللواء السيد ان اللواء الحاج تلقى إيعازاً بفتح الطريق حيث وقعت جريمة الاغتيال.
الايعاز تعبير دقيق، لا هو أمر، ولا هو تمَنٍّ. هو ممن يملك رتبة أعلى ولكنه لا يملك حق الأمر المباشر.
هل يشير اللواء السيد الى رئيس الجمهورية الذي طلب في الليلة نفسها وفي مجلس الوزراء من الوزير ياسين جابر تولي هذا الأمر، فاعتذر جابر لأنها ليست من اختصاصه. كيف يجزم بأن وزير الداخلية سليمان فرنجية لم يكن على علم بما حدث في موقع الجريمة ولا يعلم بما حدث في مجلس الوزراء؟
أم ان احقاده تفجّرت مجدداً على من بقي في القصر الجمهوري بعد خروجه من السلطة؟
الرئيس لحود؟ مصطفى حمدان؟ رستم غزالة؟
في الحلقة الثانية يتحدث عن القرار 1559 الذي سيُدخل الى لبنان مناخاً جديداً مغايراً بصورة جذرية لمرتكزات المرحلة السابقة مما يؤدي الى المسّ بمناخ الأمن والاستقرار في لبنان.
هذا صحيح. لكنه لم يذكر ان الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعث برسالة خطية الى الرئيس السوري بشار الأسد قبل صدور القرار يُحذر منه ومن مضمونه ويدعو الى التنسيق في مواجهته.
بالتأكيد يعلم عن ذلك؟ أليس هو علاّم الغيب؟
لماذا لم يفترض ان معرفة الرئيس الحريري بالقرار تهمة كبيرة؟ وان تقويم القرار سورياً يعني خروج الجيش السوري؟ وان الفراغ يستوجب فراغاً آخر؟ وإلا فما الحكمة من رنين الأواني المستطرقة؟
“شرحنا الموضوع الاقتصادي للحود مرة ومرتين وثلاث مرات ولم يقتنع. جاء جميل السيد بطلب من الأخوان أقنعه بالأمر خلال ربع ساعة. اعتمدناه ترجماناً بيننا وبين لحود”.
الكلام للرئيس الحريري لمن سمّاهم السيد المقربين غير المقتنعين بصوابية العلاقة بين الإثنين.
هل يخاف أن يقول انه يعلم بالجلسات الثلاث السيئة الذكر بين الرئيس الأسد والرئيس الحريري منذ نهاية العام 2003 حتى نهاية العام 2004؟
هل يخاف أن يقول انه وضع يده لفترة طويلة على السياسة الخارجية وعلى وزارتها وسفاراتها.
كل هذا تحت شعار رغبته في ترؤس الوفد اللبناني الى مفاوضات مفترضة مع الاسرائيليين لم تحدث. اسألوا السفير زهير حمدان أمين عام الخارجية المتقاعد السابق اللبق، المُحترف والمحترم.
هل يخاف ان يقول انه المخطط الرئيس لأحداث السابع من آب/ اغسطس العام 2001 بأمر من رئيس الجمهورية الخارج غاضباً من كنيسة دير القمر بعد تعرّض المصلين له بالكلام. وانه ترك التنفيذ لغيره. وجلس يتفرّج على العملية من الجبل على التلفزيون.
هل يخاف أن يقول انه هو الذي أرسل سيارة المطاردة لسمير قصير لأشهر وأشهر بشهادة قائد سرية حرس رئاسة الحكومة وبشهادة المسؤولين في أمن وليد جنبلاط، حتى يتبرّأ منها؟
هل يخاف أن يقول ان الشيخ بيار الضاهر كبير الإعلاميين التلفزيونيين العرب استُدعي على أيامه الى مديرية الاستخبارات وحقق معه لمدة 14 يوماً مع السماح له بالنوم في منزله؟ وكذلك الاعتداء الكلامي على عبدالرحمن الراشد رئيس تحرير “الشرق الأوسط” آنذاك. ووليد شقير وجهاد الزين وغيرهم.
هل يخاف أن يقول انه أرسل دوريات الأمن العام لمداهمة محلات Virgin التي يملك جهاد المر جزءاً منها ويديرها، دعماً لمفاوضاته وتهديداته لغابي المر وميشال المر، والتي انتهت بإقفال الـ “أم تي في” برعاية شريكه المدعي العام التمييزي عدنان عضّوم؟
“المشاكل تكمن في ممارسة هذه العلاقة”، الكلام للواء السيد عن العلاقة مع سورية. من كان باستطاعته تجاوز الأمن أو القضاء في علاقته مع سورية حتى تكمن المشكلات في الممارسة. لا أحد يتقدم على ضباط الأمن في الاشكالات ولا في الممارسات. ليترك العلاقة للبنانيين والسوريين وهم يتكفلون ببعضهم. وليعف الله القيادة السورية من الحاجة الى مثل هذه العلاقات الأمنية. إلا اذا كانوا يعتبرون تجربتهم في الـ 25 سنة الماضية ناجحة؟ وليتوقف اللبنانيون عن الغرف من بحر الوفاء لدى آل الأسد؟ ألا يكفي هذا “الوجه البشع” للعلاقات بين البلدين؟
الوفاء؟
جريء كلام اللواء السيد عن أن وفاء آل الأسد وراء التمديد للرئيس لحود.
في كلامه احتقار لعقول الناس وللمتابعين، وتصغير لوفاء آل الأسد. إذ ان سورية ليست جمعية خيرية ولا آل الأسد مشايخ طُرق.
الدكتور بشار الأسد رئيس دولة معني بحماية سياسته في سورية وفي لبنان وهو يتخذ قراراته على هذا الأساس. ولا يهمه المعارضين للتمديد أو المتحمسين له.
اللواء السيد يعلم أكثر مني أسرار التمديد فلا لزوم للعودة اليها.
كم هو بريء في نظرته الى العلاقات بين الرئيس الشهيد رفيق الحريري وبين المسؤولين السوريين. كم هو عفيف اللسان. طاهر القلب. ساعٍ للخير. استعان باللواء حكمت الشهابي والنائب السابق للرئيس السوري عبدالحليم خدام الغائبين عن الساحة اللبنانية منذ سبع سنوات ليؤكد حسن العلاقة. وتذكر المقدم وسام الحسن شاهداً على ما لم يقله او يعرفه. ونِعْم البراءة!
الحمد الله اعجبه من البشر ثلاثة. واحد صاحب مصرف هو موريس الصحناوي. سماه وزيراً “وأنجز ما يُنجزه الآخرون في فترة قصيرة”.
اللبنانيون لم يروا هذا الإنجاز. ربما انجز للواء السيد ما لا نعرفه.
عصام فارس، لا طلب شخصياً له في السلطة. يستأهل الرئيس فارس اكثر من ذلك مديحاً ويمتلك مزايا اكثر يُحكى عنها. ليتحمل فارس وحده مديح السيد.
الرئيس سليم الحص اتى به من الماضي ليتحدث عنه. الجواب للرئيس الحص.
لم اكتب هذا الكلام بسبب خروج اللواء السيد من السلطة، بل لأنه تحدث الى “الحياة” طارحاً مفاهيم وقيماً واجتهادات ووقائع كان لا بد من التصدي لتفسيرها وتوضيحها وتقويمها والبحث عن الحقيقة في وقائعها. ولو تحدث وهو في الإدارة لكان الجواب هو نفسه.
اشتكت جيزيل خوري، الصديقة المفجوعة بزوجها سمير قصير من الصديق غسان شربل لمنحه اللواء السيد منبراً للحديث، وكذلك فعل الصديق الدائم للشهيد سمير قصير، الياس خوري. مع العلم ان الحلقات سُجّلت قبل استشهاد سمير. وقالت جيزيل إن زوجها الشهيد تلقى مكالمة تهديد من اللواء السيد يبلغه فيها انه سيتولى امره شخصياً. الجواب: جيزيل طلبت مني مقابلة وانفرجت اساريرها لأنني وافقت. الكلام للواء السيد.
لا شك في ان كثيرين أُعجبوا بما قاله اللواء السيد، اسلوب شيق، كلام مصقول، تماسك في الأحداث. ألم يصفوه بأنه “الخبير في محو الآثار”؟
ساحر يقف على المسرح يُخفي الحقيقة وأدواتها ويجعل جمهوره يُصفق. الفرق هنا ان احداً لم يصفق إلا استهجاناً وأُسدلت الستارة.
رحم الله رفيق الحريري الذي منّت عليه السماء بالشهادة قبل ان يقرأ مذكراته بقلم جميل السيد.