“الربيع العربي من لبنان”- لندن، منسّقية “تيار المستقبل”، بيروت حرّرت العروبة من النظام السوري

محاضرات 19 فبراير 2012 0

السيّدات والسّادة

رفيقاتـي رفاقـي،

اسمحوا لي بداية بأن اعبّر عن سروري بأن أكون فيما بينكم، وانتم مشرقون بلبنانيتكم في مدينة الضباب الطبيعي والنور الديبلوماسي الصانع للاستراتيجيات والسياسات بهدوء، على كارثية بعض هذه السياسات من قبل نكبة فلسطين.

في أي حال، سعادتي أن أكون بينكم نابع من أن رفيق الحريري يجمعنا. في حضوره يجمعنا، وفي غيابه القسريّ على حضور دائم يجمعنا. وثمة في لقيانا هذا العام أحداث في العالم العربي استثنائية في رمزيتها التاريخية، أشعر جيداً أن رفيق الحريري مرتاح لها حيث هو عنيت ثورات الشعوب العربية، بنفس شبابي لافت، ثورات على أنظمة استبداد وقتل اكتسبت على مدى 40 عاماً شرعيتها من تغذية التطرف وقمعه في آن، ومن فبركة الإرهاب  والمفاوضة على رأسه في آن، ومن تسويق مشوه للاشتراكية والانخراط في تعميم الفساد واحتكار الثروات في آن، ومن رفع لواء القضية الفلسطينية وضرب مقومات صمودها بالتفتيت والمقايضة في آن، ومن ادعاء العروبة بعروبية تفوح منها رائحة الدماء واستقطاب أحلاف الأقليات المدمرة وانتهاك كرامة كل إنسان في آن، ثورات ربيعية صنعها أحرار عرب يتوقون إلى عروبة حضارية، وكم هي قلوبنا كبيرة نحن اللبنانيين أن نكون قد أطلقنا ربيع العرب من بيروت في العام 2005،

حيث كانت انتفاضة استقلالنا الثاني وثورة ارزنا على نظام القتل في سوريا. وكم هي قلوبنا كبيرة نحن اللبنانيين أن نكون قد أطلقنا من بيروت شرارة تحرير العروبة من النظام السوري، الذي صادر قضية فلسطين فارضاً من خلال هذه المصادرة مشروعية مفتعلة لبقائه، كما سعى بكل ما أوتي من إمكانات إلى ضرب الصيغة الميثاقية المسيحية-الإسلامية للبنان محولاً إياها إلى ورقة ابتزاز على المستويين العربي والدولي، نعم لقد انتصرنا في العام 2005 للبنان السيّد الحرّ المستقلّ الديموقراطيّ، لكننا انتصرنا أيضا للعروبة الحضارية التي يشكل عماد نهضتها المسيحيون والمسلمون.

أيها السيّدات والسّادة

رفيقاتــي ورفاقـــي ،

يطرح علينا الربيع العربي جملة من التحديات، وخصوصاً نحن اللبنانيين. يتمثل أولها بتمسكنا أكثر فأكثر بصيغة نظامنا الديموقراطي التعددي المستند إلى الشرعية الدستورية والشرعية التمثيلية للمؤسسات الوطنية بالاستناد إلى صناديق الاقتراع، وهذا يقتضي منا نضالاً مستمراً لتفكيك حاسم لبنية بيئة الاستقواء بالسلاح وتوسل وهجه بل حتى عنفه في تحقيق مكاسب سياسية، عنيت بيئة حزب الله العقائدية وارتباطاته الإيرانية. وقد دفعنا في نضالنا هذا، وسنستمر، شهداء أعزاء، ونحن نرفض التبديل في مسارات الممارسة الدستورية والذي ترسيه الحكومة اللبنانية الحالية، في خروج عن كل القواعد الميثاقية التي تحكم علاقة اللبنانيين ببعضهم البعض. ففي حين حسمت الشعوب العربية خياراتها لجهة إنهاء حالات حكم الشخص الواحد، والحزب الواحد، التوتاليتارية، وقد سبقناها إلى ذلك في لبنان،

يبدو أن هناك من صمم على التهويل علينا بالقبضات المرفوعة والحناجر المدوية، واستعراضات القوة المسلحة، وكأنه لم يع أن مسالك العبور إلى الدولة اتخذناها، ولا عودة لنا عنها ونرفض منطق الدويلات وأحلاف الأقليات، ونراهن على فلسفة المساواة في المواطنة من ضمن دولة مدنية عصرية هويتها قانون الحقوق والواجبات.

أما التحدي الثاني، فيتمثل في قدرة لبنان على حماية النموذج الذي يمثله في التعددية الطائفية من ضمن إدارة خلاقة للتنوع يوحد فيها الاختلافات خيار المناصفة المسيحية – الإسلامية في الحكم، في حين بات جلياً أن الاستقواء بالسلاح بات يريد منه حزب الله إدخالنا في تعديل لاتفاق الطائف ببدء تلويح غير مباشر مع حليفه العماد عون، بضرورة الدخول في مثالثة، غير معلنة.

من هنا يربط خياره هذا مع النظام السوري وحلفائه في إيران، بالتخويف من صعود للإسلام السياسي، لكأنّ السنة، وخصوصاً اللبنانيين منهم، دعاة تطرف وإقصاء. والحقيقة أن حزب الله ، وما تنتهجه إيران في العالم العربي، لاستنفار العصبية الاقلوية، هو الذي يشكل خطراً على الشيعة أنفسهم، والمسيحيين أنفسهم. ولنسأل في هذا السياق رأي الليبراليين الشيعة بل حتى مرجعيات  فقهية دينية منهم، من السيد السيستاني في النجف إلى الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي، إلى وصايا الإمام الراحل محمد مهدي شمس الدين، وتراث الإمام موسى الصدر. ولنسأل في هذا السياق أيضا رأي مرجعيات دينية تاريخية مسيحية في لبنان من مثل الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير، والأبوين الراحلين ميشال الحايك ويواكيم مبارك والمطران غريغوار حداد.

ولنعد إلى الوثائق التي أصدرها الأزهر عن الحريات الدينية، والحريات السياسية، وحرية الفكر والإبداع، بما يحسم الجدل حول اعتدال محسوم المصادر فقهياً، وواضح المعالم في أي ” إستراتيجية سنية ” للحكم كما يحلو لبعض المغرضين توصيفه. فكفى لعباً على الوتر المذهبي البغيض فكلنا خلق الله على صورته ومثاله، ونرفض أي ذميّةٍ أو استتباع. خيارنا المحسوم كرامة الإنسان، وعدالة اجتماعية، وقدرة على الإبداع.

من هنا لا تعارض بين انتمائنا الإنساني الكوني، وفضائنا العربي الرحب، وولائنا الوطني الكامل. فلا يتقدم أي من الانتماء والفضاء والولاء على الآخر، بل يمسي ” لبنان أولاً ” موئل مصالحة بين شرعيتنا الإنسانية والقومية والوطنية، فهل يعي هؤلاء الباحثون عن فتنة لتبرير مشاريعهم التفتيتيّة إننا لن نسمح لهم باغتيال ربيع العرب وربيع لبنان ؟

أيها السيّدات والسّادة

رفيقاتــي ورفاقـــي ،

ما نعيشه في لبنان اليوم نأي بالنفس عن احترام  الدستور وميثاق العيش المشترك، يفرضه علينا حزب السلاح، وتواطؤ من رئيس حكومة خلافنا معه مبدئي على إرسائه سابقة قبول رئاسة حكومة وتشكيل حكومة تحت ضغط السلاح، وهذا ما لم ولن نقبل بأي اجتهاد في تبرير مشروعيته.

كما أن ما نعيشه في لبنان، نأي بالنفس عن احترام حقوق الإنسان المظلوم، من خلال التصاق بنيوي بالنظام السوري الذي يقتل شعبه، وتتابعون ذلك من خلال المواقف التي تبناها لبنان في المحافل العربية والدولية، فأي لبنان هذا الذي يفرضونه علينا اليوم خارجاً عن روحية توجهات الشرعيتين العربية والدولية وملتحماُ بنظام قاتل في سوريا؟

لقد كتب سمير قصير قبل استشهاده إن ” استقلال لبنان من ديموقراطية سوريا ” ونحن إلى جانب أحرار سوريا في النضال لإخراج سوريا من فم الأسد، وسيثبت التاريخ أن لا عودة إلى الوراء، لقد انتهت حقبة التسيّد بالدبابات الصدئة والشعارات القومجية الفارغة.

أيها السيّدات والسّادة

رفيقاتــي ورفاقـــي ،

أعلم في أعماقي الوجدانية أن رفيق الحريري مرتاح، وان دماءه الزكية لم تذهب سدىً، وهو يدعونا إلى المبادرة في صياغة مستقبل لبناني وعربي حرّ قوامه احترام كرامة كل إنسان، ودولة مدنية أساسها المواطنة.

وأدرك يقيناً إن نضالنا معاً سيحمل لنا مستقبلاً واعداً.

وشكراً.