الذكرى السنوية الثانية لاستشهاد اللواء الحسن: لن نقبل بتحويلنا إلى قادة صحوات لفرض الأمن على قسم وحيد من اللبنانيين

كلمات 18 يناير 2014 0

الشكر أولاً لصاحبي الدولة الرئيس بري والرئيس تمّام سلام على تكليفي بتمثيلهما في هذه المناسبة. لكنني لا أحمّلهما مسؤولية ما سأقول حين يكون النص أقرب الى القلب من غشائه تاركاً لهما أن يتقدّما عليّ في نص الرصانة والعقل والمنطق .
نلتقي مجدداً على دمعة سعد الحريري. الدمعة هنا وساماً. يحاصرنا فائض الحزن من كل حدب وصوب. يرسم حدوداً للبنان بإتساع القدر.
قدرنا أن نلتقي على وجع. نعصر احزاننا لنتوضأ بها. نهزج بمواويل الزيتون العابق في بتوراتيج. نعرّج على ضريح الرفيق، ونعود دائماً الى مربع الحياة لنحرم دعاة ورعاة مربعات الموت من رفع أنخاب الشؤم.
تغيب التفاصيل ويبقى الجرح. هي ذاتها عبوة الحقد استهدفت قبلك رفيق الامل، الشهيد رفيق الحريري كأنما ارادوا بكما النيل من الامل والامن والامان، تماماً كما استهدفوا رجالات ربيع لبنان ليمنعوا ربيع الشام وكل العرب.
كيف لي يا وسام أن أغفر لك ما حييت أنك إنشغلت بهمّ حماية اللبنانيين، كل اللبنانيين، ولم تحم نفسك. كيف لي يا نسر بتوراتيج أن أغفر لك كيف أخليت سماءنا لأسراب الغربان.
ستظل حاضراً في كل زاوية من زوايا الحياة، في الصداقة وفي السياسة وفي الامن وفي الدولة.
عمي ابو حيدر، العزيزة آنا ومازن ومجد ومحمود احمد صهيوني
اريد ان اطمئنكم جميعا أننا على قاب قوسين أو أدنى من اكتشاف جريمة اللواء الشهيد وسام الحسن، لقد حصلنا على الصورة ويبقى الحصول على الصوت، وهذا الامر سيعلن في الوقت المناسب
وانا مسؤول عن كلامي، الحقيقة ستُكشف وستعرفونها كلكم، وأقول للقتلة مهما فعلتم واينما ذهبتم او صعدتم الى أعلى الابراج، ولو ذهبتم الى ابعد الاماكن، سنطالكم سنطالكم سنطالكم وسنقتص منكم بالعدل والقانون.
لم يكن وسام الحسن رجل أمن وحسب، بل كان رجل دولة ، ترك بصماته في تفاصيل مؤسسة قوى الامن الداخلي عامة وشعبة المعلومات تحديداً، حيث من موقعي اليوم في وزارة الداخلية والبلديات أمر بطيفه كل لحظة، في قصة نجاح هنا وفي إنجاز هناك وفي كفاءة أشرفَ على تنميتها او آلية عملٍ على وضعها، أو حداثة كان سباقاً اليها، قبل أن تأخذه الشهادة الى حيث يسكن الانقياء الانقياء.
صحيح أن وسام الحسن هو، بهذا المعنى، شهيد الدولة الصعبة حيناً، والممنوعة أحياناً كثيرة، لكنه في كل حين شهيد الدولة الممكنة والاكيدة. الدولة التي آمن بها وعمل من موقعه على ترسيخ مؤسساتها، ورَبَط تجربته فيها بكل ما له علاقة بالكفاءة والنجاح والسمعة الطيبة.

فالدولة، كما كانت في تجربة وسام، هي الايمان بها وبفكرتها أولاً، قبل وضع الشروط عليها. والدولة هي تراكم الجهود الساعية لحمايتها وتطويرها وليس التعالي على ضعفها او تقصيرها او قصورها، واستسهال النيابة عنها والقيام بمقامها.
والدولة هي ما نفعله الان هنا.. وهي ليست مادة للحنين والرومانسية. فقوى الامن الداخلي ليست مجرد ارشيف للأحداث او ذاكرة للدولة اللبنانية في عزها، بل هي جهاز كفوء وشجاع ومسؤول ويملك من الإمكانات البشرية أولاً ما لا ينبغي تجاهله في سبيل تعزيز قدراتنا الأمنية.
وهنا دعوني اتوجه بالمباشر الى قوى الامن الداخلي. أنتم يا رفاق وسام الحسن أثبتم في كل تفصيل من تفاصيل الاعصار الذي يضرب المنطقة ولبنان، أنكم شركاء اصليون في تثبيت معادلة الامن والامان. وشركاء اصليون مع الجيش وسائر القوى الامنية في دفع ضريبة مكافحة الإرهاب وبعضكم اليوم يتشارك مع جنود الجيش اللبناني تجربة الاحتجاز المُرّة على أيدي تنظيمات ارهابية.
لقد عملت جاهداً بدعم من دولة الرئيس تمام سلام، وبالتعاون مع وزير الدفاع سمير مقبل وقائد الجيش العماد جان قهوجي، لرفع مستوى الشراكة بين المؤسسات الأمنية ولا ادعي هنا اننا حققنا الكثير في هذا المجال، مما يمكن استثماره لصالح أمن أفضل وأكثر عدلاً، وهو ما لم يكن ممكناً لولا الكفاءات الاستثنائية التي واكبت خطة التكامل والشراكة، اولا من الجيش وثانيا من قوى الامن الداخلي.
أما في السياسة فاسمحوا لي ببعض الرسائل القصيرة، فما سأقوله هو اول الكلام وليس آخره ومن له أذنان فليسمع بوضوح.
لست من هواة تفجير المؤسسات وخصوصا الحكومة ولا من محبي التراشق السياسي. وأنا في طليعة من يسعون الى تجنب إثارة اي سجال خلافي داخل مجلس الوزراء، لكن الملفات الخلافية تتراكم ومقابل سعينا الدؤوب لعدم إنفجارها داخل الحكومة ثمة من يعمل على تفجيرها خارج الحكومة. اللواء ريفي كان سباقا في هذا الموضوع قبلي.
تعلمون أنني حين سُمّيت وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس سلام قلت منذ اليوم الاول في كلام علني انني سأكون وزير كل اللبنانيين ساعياً لحماية أمن الجميع وفارضاً شروط الأمن على الجميع. بهذا التوجه وضعنا خطة أمنية متكاملة تؤمن اكثر من الحد الأدنى من شروط الأمن والأمان في لبنان في لحظة تتخبط فيها المنطقة بعواصف لا تنتهي . لقد دافعت عن هذه الخطة الأمنية وحميتها بصدرالرئيس الحريري وكتلة المستقبل قبل صدري من كل أشكال المزايدات التي طاولتها من بعض الأصدقاء قبل الخصوم، وعملت على توفير البنية التحتية السياسية والنفسية لنجاحها قافزاً فوق معظم الحواجز التي تمنع التواصل الجاد والمجدي لمصلحة لبنان، مؤمنا بان الأمن وحدة لا تتجزأ ولا يحتمل المقاربات الحزبية الضيقة.
للأسف ثمة من رغب في فهم هذا الموقف وفقا لهواه معتقداً انني تركت انتمائي السياسي خارج حرم الوزارة من اجل ان أعلن انتساباً سياسياً جديداً او انني اتخفف من اثقال الحزبية السياسية لأغراض خاصة، فقرر هذا البعض ان يكتفي بجني ثمار الخطة الأمنية بما يوافق مصالحه الأمنية والسياسية دون ان يساعد على انجاحها بشكل عادل وشامل يطمئن كل الناس. بل ساهم سلوكه في زيادة مشاعر الاحتقان والتوتر والغبن وهي كلها مكونات لإنتاج بيئات خصبة للتشدد والتطرف والشذوذ الوطني، النتيجة هي دفع هذا البعض بالخطة الأمنية في مكان ما الى إفراز نتائج معاكسة لما أردته بصدق ومسؤولية.

لم تكن مجرد استعارة لغوية حين تحدثت عن مربع الموت مسمياً الأحياء والبلدات والنواحي بأسمائها. فالمربع كما تعلمون شكل هندسي متساوي الأضلاع، وما ذكرته من مناطق في هذا المربع، متساوية، في انتساب بعض الشذّاذ فيها الى ثقافة الإخلال بالأمن والأمان والجريمة وثقافة الاعتداء. لكن ما حدث أن الخطة الأمنية تحوّلت الى مسار لمحاسبة بعض المرتكبين في لبنان من لون واحد وصرف النظر عن البعض الآخر، لان حزباً سياسياً يوفر الحماية ولان جهازاً رسمياً تفتقر رئاسته للصفاء الوطني في مقاربة الموضوع الأمني. وصار واضحاً أن المطلوب تحويلنا الى صحوات لبنانية على غرار الصحوات العراقية. والصحوات لمن لا يعرف، هي البيئة العشائرية السنية التي شمرت عن زنودها وانخرطت انخراطاً حاسماً الى جانب الحكومة العراقية في الحرب ضد تنظيم القاعدة، في حين استمر التهميش السياسي والوظيفي والإنمائي بحقها حتى الإلغاء، ثم كان ما كان من انهيارات حصلت في العراق من الموصل الى الأنبار وصولا الى أبواب بغداد.
وهنا اسمحو لي ببعض مما يجول في خاطري. أقول بشجاعة ومسؤولية وبعيداً عن الاجتهادات السياسية المتخاصمة، رحم الله الشهداء الذين سقطوا في جرود بريتال، فهم لبنانيون سقطوا على ارض لبنانية دفاعاً عن وطنية الارض، أقول هذا لنتمكّن من التعالي معاً على الجراح، والاستماع بصفاء، ولكن من دون أن نسقط في فخ التكاذب .
بالتفصيل أكثر ، في كل مرة أتحدّث فيها عن خاطفين في بريتال أو مزوّرين في النبي شيت، أوما يفوقهما في حي الشراونة في بعلبك. يأتيني الجواب الحزبي: لا سلطة لنا ولا قدرة لنا ولا حتى معلومات تساعد على فرض الأمن، “الفاعلون يهربون الى الجرود التي لا نعرف أوّلها من آخرها ” .
يكتمل الجواب من الجهاز الرسمي بأقل أو أكثر من التبريرات .
فجأة تصبح الجرود أرض معركة فيها متاريس ودشم ومقاتلين يشارك فيها حزبيون بمساندة من الجهاز الرسمي نفسه ولو عن بعد .
دققت الكبير ، الكبير ، والكثير من الأبواب ولكن دون نتيجة، خاطبت الأكبر من العقول . منعاً لليأس وتجنّباً للإنفجار أو التعطيل . ولكن دون نتيجة .
ذهبت الى فخامة الرئيس سليمان مرات طالبا حصانته الوطنية،
وذهبت مرات ومرات الى الضمانة الوطنية في رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري
وفي كل مرة كان يوافقني على ما اقوله،
ذهبت الى التوازن الوسطي في وليد بك، وناقشت مرات مع الضمير العسكري الوطني العماد ميشال عون في الموضوع نفسه، لكن لا نتيجة.
لذلك أقول بأعلى صوت ممكن، وفي حضرة روح وسام الحسن، لن نكون على رأس تجربة مماثلة لتجربة العراق ولن نقبل بتحويلنا الى قادة صحوات متخصصين في فرض الأمن على قسم من اللبنانين فيما القسم الاخر ينعم بالحصانة الحزبية. يعني بالدارج شراكة بين بعض القطاع الخاص والقطاع العام بالأمن ضد جزء من اللبنانيين!! جوابي البسيط والواضح: هيك ما بيمشي الحال.ليسمع الضباط لانهم اكثر مني خبرة.
ولمن يتذرعون بنقص الإمكانات لتبرير التقاعس والازدواجية في تطبيق الخطة الأمنية، أعلن على الملأ ما تعهدت به في الاجتماعات الرسمية من استعداد لمناقشة اي ترتيب على مستوى العديد والعدة لسد الثغرات المزعومة. ولدينا في الوزارة بشهادة رئيس الحكومة وقادة الاجهزة الامنية اقتراحات عملية جاهزة للتطبيق اذا ما توافرت الإرادة الوطنية والمسؤولية الأمنية لتصحيح الخلل في تطبيق الخطة الأمنية وهو ما حذرت منه مراراً وبهدوء في اجتماعات رسمية عدة خلال الأشهر القليلة الماضية.
لا أنكر هنا النقص الذي تعاني منه كافة الأجهزة الأمنية، وهو ما استدعى هبتين سعوديتين كريمتين بدأت تأخذ احداها الطريق الى التنفيذ بمواكبة حثيثة من الرئيس سعد الحريري، كما استدعى دعماً اميركياً واوروبيا مشكوراً، ولكن لنقل الأمور بصراحة. ان تعثر الخطة الأمنية يعود لأسباب سياسية وليس للنواقص التي نعرفها جميعاً. فالنقص يكون على كل الناس كما ان اكتمال الإمكانات يستفيد منه كل الناس.
هناك فريق من اللبنانيين يعتقد أن قدراته أكبر من لبنان لكنه لا يستطيع أن ينكر الآن أن كلفة باهظة يتحملّها كل اللبنانيون لأنه أصغر من المنطقة وأزمتها وكوارثها .
وهنا لي رأي قد لا يعجب البعض، ولا أقوله مجاملة، بل من موقع التعامل المسؤول مع الامر الواقع.
في خطاب القسم قال فخامة رئيس الجمهورية ميشال سليمان ان نشوء المقاومة، كان حاجة في ظل تفكك الدولة، واستمرارها كان في التفاف الشعب حولها، وفي احتضان الدولة كياناً وجيشاً لها، يعود إلى بسالة رجالها، وعظمة شهدائها إخراج المحتلّ ، إلا أن بقاء مزارع شبعا تحت الاحتلال، ومواصلة العدو الاسرائيلي لتهديداته وخروقاته للسيادة، يحتم علينا إستراتيجية دفاعية تحمي الوطن، متلازماً مع حوار هادئ، للاستفادة من طاقات المقاومة، خدمة لهذه الإستراتيجية. تحدث فخامة الرئيس يومها عن المقاومة بلغة الماضي كي يعبر بها الى مستقبل أفضل لكل اللبنانيين ومنهم المقاومة واهلها. وها نحن اليوم بلا استراتيجية دفاعية وبمقاومة أدماها التفرد ويكاد يخنقها دخان الحريق المذهبي في المنطقة. ومن روح هذا النص الوطني المسؤول أسأل: ماذا لو وضع حزب الله امكانته منذ بدء الازمة في سوريا بتصرف الدولة اللبنانية لتقررهي متى تستعين به وأين وكيف وبأي حدود، بدل التفرد بالقرار ، هل كان وضعنا أفضل أو أسوأ؟ وهل كنا اليوم نتناقش في ما نتناقش به بعد أحداث بريتال التي لا يوجد ما يوحي بأنها لن تتكرر في بريتال أو في غيرها؟
إن الصراحة والمسؤولية توجب أن أقول بوضوح، إن مواجهة الارهاب لا تتم الا بركيزتين. ركيزة الدولة وركيزة الاعتدال اللبناني الوطني، بسنته وشيعته ودروزه ومسيحييه. وبوضوح أكبر، أقول لا يحارب التشدد المذهبي بتشدّد مذهبي آخر .
أختم بالقول أنه لا أمن دون توازن . ولا استقرار دون عدل . ولا سياسة دون مصارحة .
قلت ما قلت بحثاً عن أمن سياسي مشترك بين كل مناطق الاضطراب والارتكاب ، لقناعتي أننا جميعاً، دون استثناء، لا نملك ترف المواجهة فيما بيننا .
هذا أول الكلام وليس آخره. لأننا نريد حماية لبنان وكل اللبنانيين من الزلازل والحرائق وأن نحمي شهادة وسام الحسن وبقية الشهداء.
علي بعد ان اشكر الصديق مرسال غانم على كلمته التي فيها ليس وفاء فقط بل صدقا وانسانية لاتغيب عنه في كل الكلام الذي يقوله.
عشتم . عاش الشهداء . عاش لبنان .