الذكرى السنوية الاولى لاستشهاد اللواء وسام الحسن: لن يقدر أي سلاح على لبنان

كلمات 19 أكتوبر 2013 0

في ذكرى أربعين وسام وقفت في طرابلس الحبيبة لأوجّه رسائلَ قصيرةً ومحددة لبعض السياسيين . أكثرها لم يصل .
اليوم لن أفعل . سأتحدّث بكل بساطة عن الثوابت الواضحة .
ما اجتمعت مرة مع وسام إلا وكان الوضوحُ ثالثُنا . الوضوحُ في المعطيات، والوضوحُ في قراءتها، والوضوحُ في استشراف المستقبل . ومن له أذنان فليسمع .

لاحظت كثيراً، وأنا اتابع بدقة خطابات أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله، ان الكثير من الضعفِ يعتري معرفته بتاريخ لبنان. ومن هنا ابدأ.
نحن يا سماحة السيد مجموعة لبنانية مصابة والحمد لله بنوعين من الجهل.
الأول اننا نجهل اصول الاعتداء على الآخرين، وهي أصول أضاف حزبُك وسلاحُك اليها فصولاً نوعيةً، حتى بمعيار التجربة اللبنانية الدامية. لم يسبقك احدٌ من أمراء الحرب الى افتراض ان الاعتداء على الكرامة الوطنية للآخرين ليس حماية لهم وخدمة فحسب ، بل هو يومٌ مجيدٌ من ايام حزبِك وسلاحِك.

الثاني هو اصولُ الإحباط…
نسمع ، نقرأ، وتصلنا رسائلُ سياسية، وغير سياسية، تقول انظروا حولكم، وسارعوا، بناء على المتغيرات، والاتصالات والاتفاقات، والتفاهمات الحاصلة في المنطقة الى عقد اي تسويةٍ سياسية ترمى لكم على الطاولة. ويحدثونك بعدها، بوقاحة لا حدود لها، عن الاستنجاد بالخارج، والرهان على الخارج، فيما هم يستعجلون دقائق التقارب الإيراني مع الشيطان الاكبر سابقاً، لفرض معادلات جديدة في الداخل.
وانا اقول باسمكم وبكل وضوح، إِن كل التسويات في العالم، الحقيقي منها والوهمي، عاجزةٌ عن انتزاع اي مكتسبات في لبنان، خارج إطار الشراكةِ الوطنيةِ السليمة.
وليسمعوا بوضوح: لن يحصلَ شيءٌ في لبنان خارجَ كرامتِكم الوطنية وحقِكم الوطني. ونقطة على السطر.
على كل الواهمين، ان يعرفوا، أن خيارنا هو الصمود . الصمود حتى لو اصبحنا وحدنا في هذا العالم. الصمودُ السلميُ الوطنيُ النظيفُ القادرُ وحدَه على صناعةِ الحياة، وصناعةِ المستقبل . ونحن وحدنا تقريبا.
لن يجبرَنا احدٌ على الاختيار بين الحرب الاهلية و الإحباط. ثقتي بهذا الكلام بحجم الثقة بكم، بجمهور رفيق الحريري، ووسام الحسن ومن سبقَهُما ومن قد يلحق بهما لا قدر الله.
ومن لا يعجبُه هذا الكلام سيأتي الوقت الذي يتعلم فيه دروسَ التجربة اللبنانية.
فهذا اللبنان يا سماحةَ السيد، لم يولد مع المعادلة المسخ، معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” كي يُقال للبنانيين إن انتهاءَها يعني نهاية لبنان..
هذا اللبنان ولد قبل سلاحك بكثير، وسيبقى بعد سلاحك بكثير أيضاً. فلا داعي لربط مصير كل لبنان، بمواطنيه وطلابِه وأساتذتِه ونفطِه واقتصادِه وأمنِه وكهربائه بمصير معادلة، طرأت على الحياة الوطنية والسياسية اللبنانية بعد جريمة السابع من ايار، واتفاق الدوحة المشؤوم.
وبصراحة شديدة، إن ما تطالب به يا سماحة السيد ليس حكومة تتناسب مع الأحجام والأوزان النيابية، بل هي حكومة بأحجام الحقد، وأوزان الكراهية، التي راكمها أداء حزبك منذ 14شباط 2005 ولمّا يزل.
لو كانت هذه المعادلةُ وعداً صادقاً، لكان سعد الحريري اليوم رئيساً للحكومة وهو الرئيس الدائم للحكومة، لكنكم زوّرتم علناً إرادةَ الناس واعتديتم على خياراتِهم الوطنية والسياسية، بحكومة انتحال صفة. ألستم أنتم من أسقط أتفاق الدوحة ؟
وماذا كانت النتيجة! حكومة هي الأفشل على كل مستويات الحكم في تاريخ لبنان، وجرحٌ عميقٌ في الحياة الوطنية، وشَرخٌ أعمق في علاقات المكونات اللبنانية ببعضها البعض، وتكابرون اليوم بمحاولة لئيمة لتعويم اسباب الجروح والشروخ.
اليوم تريدون أعادة أتفاق الدوحة المشؤوم الى الحياة ، بحكومة اذعان لشروطكم وأوهامكم ..
الجواب :
لن نكون جزءاً من السياسة الايرانية ، لا في حكومة ولا في غيرها . خوّنوا ما شئتم وافعلوا ما شئتم أيضاً .
لن نكون جسر عبور الى حكومة مستسلمة لنظام قاتل كما هي حكومة تسهيل جرائم النظام السوري على اللبنانيين الحالية.
بوضوح أكثر . لا يمكنُ للرئيس المكلّف، ولا لرئيس الجمهورية، الاستمرار في الخوف من رد فعلِ السلاح على قرارٍ وطني، يحميه الدستور . فإما حكومةٌ للبنانيين . لا لصراعات لأحزابهم . وإما لا حكومة . هذه هي المعادلة ، وهذه هي المسؤولية التي يتحملانها أمام اللبنانيين وأمام الوطن . عليهما أن يوقفا سياسة رمي الأوراق أمام من توقّف عن انتظار جثة عند ضفة النهر .
عود على بدء ….
ان نجاحكم الوحيد يا سماحة السيد، هو في تأسيس اكبر نادٍ لإيواء القتلة في العالم كي لا اقول اكثر. من القديسين الخمسة، وهذه مناسبة لنبارك لكم بخامسهم والحبل على الجرار بإذن الله. ربما يسميهم وزراء في الحكومة؟ من القديسين الخمسة من مجموعة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وصولا الى حماية القديس الاكبر في دمشق الذي ارسل لنا عبواته الى قلب طرابلس بالجرم المشهود، وبالتدقيق المحترف، والجهود الجبارة لفرع المعلومات، لأخوة وسام الحسن ورفاق وسام الحسن…
لا ينسى الناس ان وسام الحسن كشف للمرة الاولى في تاريخ الجريمة السورية بحق لبنان متهَماً رئاسياً. وها هم رفاق وسام الحسن يكشفون للمرة الثانية حَلَقة جديدة من حَلَقات هذه الجريمة المتمادية، فيما حزبُك، يا سماحة السيد، يدفع بخيرة شباب الجنوب والبقاع لحماية القاتل والاعتداء على القتيل.
لو بقيت ذرة من فلسطين في عنوان هذا الحزب لانتشرت صور وسام من بيروت الى آخر قرية في الجنوب وفي البقاع حتى الهرمل بسبب دوره الاستثنائي في كشف شبكات التجسس الاسرائيلية.

سأكمل المصارحة بأمرين.
أولاً، لا يوجد عاقل في هذا العالم يظن للحظة ان بإمكان اي جَهد عسكري او سياسي ان يعيد الاسد الى حكم سوريا بعدما خلعه شعبُها. فهذا الشعب الصامدُ الصابرُ والمنتصرُ يعلم ان الجائزةَ الوحيدة التي يستحقها سفاح دمشق هي جائزة نوبل للقتل الكيماوي، وغير الكيماوي. فهل يريد حزب الله ان يكون وصيفا اول في حفل توزيع هذه الجائزة او ان توزع الجائزة مناصفة بين الاثنين؟
ثانياً: ثمة من يحاول بإصرار خبيث، تصوير أهل السنّة في لبنان أنهم جماعة تكفيرية مجنونة ربطاً ببعض تفاصيل مشهد الثورة السورية. وهنا دعونا من الكذب والتهويل وصناعةِ الخوفِ الوهمي .
الم تلاحظ يا سماحة السيد ان كل محاولات التسلح في لبنان وفضلك كبير في هذا، وكل محاولات تضخيمها اعلاميا وسياسياً، لم تنتج قائدا عسكريا او سياسياً واحدا تتجاوز مشروعيتُه شارعاً او زاروبا او حارة؟؟
هل تعلم لماذا؟ لان الناس… نعم الناس يا سماحة السيد… الناس التي تارة ترميها بتهمة خدمة المشروع الاميركي، وتارة ترميها بتهمة العمالة لاسرائيل… الناس لم تغادر مشروع الاعتدال والتسامح وأصولَ العيش ِالواحد وأفضل تجربة في طرابلس بعد الانفجار. تحية لأهل طرابلس لتوازنهم واعتدالهم؟
انت خاطبت أهلنا الشيعة في عز حرب تموز بان ثمة من يريد إعادتهم ماسحي أحذية على تلفزيون الجزيرة !!! فهل سمعت ان من تتهمهم بالرغبة في اعادة الشيعة ماسحي أحذية ياكلهم السمكُ على شواطئ اندونيسيا، لان عبَارتهم عبرت بهم الى الموت، بدل ان تأخذَهم الى بلد لا يمنع لقمةَ العيش فيه السلاحُ وسلطانُ السلاح!!*

أعود اليك يا وسام. الى مدرسة رفيق الحريري التي شكلت أوضح عنوان للنجاح في التجربة اللبنانية، وأعاهدُك ان المستقبلَ لهذه المدرسة شاء من شاء وأبى من أبى…
كل واحدٍمن جمهورِ رفيق الحريري صنع نجاح هذه التجربة. واليوم انتم تصنعون الصمودَ لحمايتها.

ولا يزايدن عليكم أحد…
سينتصر الوطن الذي تريدون، والوطن الذي تستحقون.
أما وأننا نعيش اليوم مع الشعب السوري اعمق معاني وحدة المسار والمصير، اختم كلمتي بعبارة المسرحي السوري الراحل سعدالله ونوس التي قُرأت يوما على كل مسارح العالم بتوقيت واحد.
إننا محكومون بالأمل . وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ

عشتم وعاش لبنان.

*ملاحظة متأخرة:
أخطأت بكلمتي في الذكرى السنوية الأولى لاغتيال اللواء وسام الحسن تحميل السلاح غير الشرعي فقط مسؤولية “عكار المنكوبة”، والأصح أن الاهمال التاريخي للدولة، وتقصير زعامات المنطقة على مدى عشرات السنوات، وأخيراً السلاح، هي العوامل التي سبّبت النكبة الانمائية التي تعيشها عكار فاقتضى التوضيح..

.