الدور المتجدد

مقالات 02 يوليو 2007 0

أعترف بأنني فوجئت بما سمعته ورأيته على شاشات التلفزيون من تصريحات وأنباء عن جولة العاهل السعودي الأوروبية والعربية الأخيرة.
كنت أتوقع -على قدر معرفتي- أن أسمع كلاما حادا يعبّر عن قدرة السعودية على فعل ما لا يستطيعه غيرها من الدول العربية. لكن الأجوبة على أسئلتي وتوقعاتي لم تأت إلا في العاصمة الأردنية، المحطة الأخيرة في جولة خادم الحرمين الشريفين.
تسرّعت في الاستنتاج وتعجّلت في الرغبة.إذ إنني كتبت رسالة إلى خادم الحرمين الشريفين أستنجد فيها بقدرته وخبرته وحكمته على ما يجري في لبنان وفلسطين والعراق. مصوّرا ما جرى على أنه انقلاب ثلاثي، يرعاه المشروع الإيراني في الدول الثلاث، لا قدرة لأحد على مواجهته دون خادم الحرمين الشريفين يقف في الخطوط الأمامية المقاتلة للإرهاب المتعدد الجنسيات المنتشر في مناطق النزاع العربي.
ليس لتقصير من العاهل السعودي أو إدارته السياسية لا سمح الله ولكن لهاجس لا يهدأ في نفس كل عربي مراقب لتطورات الأحداث في لبنان وفلسطين بالذات. ولرغبة لا تستكين في رؤية هذه النار تخمد قبل أن تمتد أكثر مما هي ممتدة.

ألحقت الرسالة، بحوار افتراضي بين العاهل السعودي والرئيس الإيراني، أظهر فيها حقائق في العلاقات العربية الإيرانية لن يجد أحد من الطرفين دبلوماسية في إعلانها. فإذا بالرئيس أحمدي نجاد يتجاوز ما تصورته من حوار وما افترضته من حقائق، ويعلن للمرة الأولى على لسان مسؤول إيراني على هذا المستوى أن حكومة الطوارئ التي شكّلها الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس في رام الله بعد انقلاب “حماس” على السلطة الوطنية في غزة. يعلن أنها حكومة “عميلة ومرتهنة”، محذرا دول المنطقة الخائنة وبعض التيارات من السعي إلى “رضا الاستكبار” و”المصالحة مع إسرائيل”.
كانت هذه هي المرة الأولى التي يوجّه فيها مسؤول إيراني اتهامات من النوع التقليدي،في حين اعتمد مشروعه السياسي سابقا على فروعه في لبنان وفلسطين والعراق لتصدير الاتهامات. مع العلم أنه سبق أن قال المرجع الإيراني علي خامنئي إن إيران ستحارب السياسة الأمريكية في لبنان.
لا يحتاج الأمر إلى كثير من التفسير والاجتهاد، لمعرفة أن المشروع الإيراني صار في وضع المواجهة بدلا من الدفاع عن انتشاره.
إلى أن كان حديث العاهل السعودي إلى صحيفة الرأي الأردنية، فهدأت الهواجس بعد طول اهتزاز. أوضح العاهل السعودي في حديثه ثوابت إدارته السياسية العميقة والمستقرّة في مناطق النزاع. كذلك الأمر في البيان السعودي -الأردني المشترك الذي أظهر ثباتا على الأسس التي لا تغيّرها الحرائق المفتعلة في المواقع العربية الثلاث.
ظهر العاهل السعودي في حديثه أنه خارج الصراع الفلسطيني وإن كان في عمق معرفة أسبابه المختلفة عن المتداول. إذ إنه حمّل التعنت الإسرائيلي وإصرار بعض القوى الدولية على عدم مساعدة الفلسطينيين وتعزيز التوافق بينهم. مما يعطي نظرته أفقا يتسّع لعودة الحوار بين “فتح” و”حماس” برعاية سعودية مباشرة أو عن طريق جامعة الدول العربية.

كان من الأسهل على العاهل السعودي أن يتبنى وجهة نظر الرئيس عبّاس والأرجح أنه ليس بعيدا عنها في رؤية ما حدث في غزة على أنه انقلاب. خاصة وأنه الراعي المطمئن لاتفاق مكة الذي لم يمض على إتمامه إلا ثلاثة أشهر. لكن خادم الحرمين الشريفين اختار أن يحفظ دوره ونصّه السياسي لما سيأتي من حوار، إذا كان هناك من حوار قادم، بدلا من الغرق في الاشتباك الذي تشجّعه بفجاجة مضمونها، التصريحات الأمريكية والإسرائيلية. مع الاحتفاظ بالثابت في هذا الموضوع وهو مبادرة السلام العربية التي تعكس رؤية العرب الحقيقية للسلام في المنطقة. كما جاء في بيان عمّان. مما يعني أنه إذا كان هناك من حوار فهو على قاعدة مبادرة السلام وليس أي نص سياسي آخر.
كذلك في العراق حيث أكد خادم الحرمين الشريفين على نقطتين، الأولى أنه لا يمكن تجاوز الوضع المأساوي دون الأخذ في الحسبان مصالح الأطراف المختلفة دون تجاوز أو افتئات. مما يعني عدم الاعتراف بكل النصوص المخالفة لطبيعة العراق ولاستقراره التي تعمل عليها الحكومة العراقية الحالية أو تعجز عن تغييرها.
من هنا إشارة بيان عمّان إلى رفض التدخّل الخارجي في الشأنين العراقي واللبناني في رسالة واضحة إلى الحكومة الإيرانية التي وجهت يوم الاثنين الماضي دعوة إلى خادم الحرمين الشريفين لزيارتها.
الجديد في بيان عمّان أنه يجمع في أسطره بين العراق ولبنان في الموقع نفسه، مما يعطي للأزمة في البلدين الطبيعة السياسية ذاتها، فالأطراف الخارجية المتداخلة في البلدين لها عنوان واحد هو المشروع الإيراني من جهة والتطرّف الإرهابي من جهة أخرى. بالطبع هناك فرق -حتى الآن- بين انتشار الاشتباك العسكري في البلدين – ولله الحمد – لكن الطبيعة السياسية للاشتباك ليست مختلفة.
استطاع العاهل السعودي أن يعيد رسم صورة مشروع الاستقرار العربي الذي حمل رايته في بيان عمّان والحديث الإعلامي دون أن يتأثّر بالاشتباكات الجارية في البلدين والتي يريد الطرف الرئيسي منها اعترافا سعوديا لا يريد ولا يملك العاهل السعودي أن يعطيه.

صحيح أن خادم الحرمين الشريفين نفى عن بلاده الرغبة في الوساطة أو السعي إلى منافسة، لكنه شرح أن الدور السعودي المحايد بين أطراف عربية مشتبكة، هو قضاء وقدر المملكة حين يشعر المليك السعودي بالخطر الداهم على أمته.
إذاً، ما زالت الجهوزية السياسية على حالها من النشاط، ولم تستجب لرغبة “المشروع” بالتسليم بوقائع هدم متبادلة.
جدّد خادم الحرمين الشريفين العهد بالاستقرار والدور الساعي إلى السلام. فاستحققت الاطمئنان.