الحِمْلُ الكبير ..

مقالات 24 سبتمبر 2007 0

كانت الساعة الخامسة بعد ظهر الأربعاء الماضي حين دخلت الى دارة وليد جنبلاط في بيروت. تتضارب الأسئلة في ذهني بعد الرسالة العلنية التي كتبتها له أحثه فيها على الاجتهاد في صيانة الهدنة المرتبكة التي تعيشها البلاد.
ماذا يريد وليد بك تماماً؟ ما هي مشكلته مع انتخاب رئيس للجمهورية وسطي الاتجاه، وفاقي التفكير، ليشغل مكاناً شاغراً بنهاية ولاية الرئيس الحالي، فلا يتغير شيء مما نعرفه ونعيشه غير امتلاء المقعد الشاغر؟ كيف تستطيع إدارة البلاد أن تستمر دون مشاركة شيعية جدية في المفاصل السياسية. هذا إذا اعتبرنا البطريرك صفير كفيلاً لا بديلاً للتمثيل المسيحي؟ ألا يعرف وليد بك أنه ليس هناك من تسوية في المنطقة ولا حوار بين قوى الاشتباك الإيراني السوري من جهة والأميركي من جهة أخرى، وأن الحد الأدنى من الملاءة السياسية عبر انتخاب رئيس جديد للجمهورية أرحم بالبلاد والعباد من الفراغ؟ أم أنه يرى ما لا يراه غيره. وأن هناك نقاطا جدية يتم التفاوض حولها في الحوار الفرنسي السوري؟ ألا يعلم وليد بك أن جمهور رفيق الحريري المندفع معه في مواقفه، يرى في مبادرة الرئيس نبيه بري خطوة نحو الأمام ولو في استقرار مؤقت، ما لم يكن هناك من بديل على طاولة الحياة اليومية للناس؟ كيف وهو الأحرص على الحضور المسيحي في السلطة السياسية يريد أن ينتخب الرئيس الجديد بنصاب مختصر، معظم مسيحييه منتخبون بأصوات المسلمين؟
من يستطيع التآلف مع قلقه وتوتره؟ كل الدول الصديقة لقوى الرابع عشر من آذار منفتحة على مبادرة رئيس المجلس النيابي. مصر والسعودية من الجانب العربي وأوروبا من الغرب والسفير الأميركي يدخل ويخرج على المبادرة وعلى الرئيس بري مستكشفاً، مهدداً، يدور حول نفسه، فلا هو مؤيد، ولا هو رافض. فما هو الذي يجعل وليد بك متردداً إن لم يكن ناكراً لوجود المبادرة أصلاً؟ كيف يحمّل الرئيس المقبل مهامّ سياسية ليست من مسؤوليته أصلاً. أم سينتظره عند أول مفترق سياسي لينذره بأنه تجاوز صلاحياته؟ أين المثل الصالح في ما فعله والده في العام 77 حين وقف في وجه تسوية عربية دولية قضت بدخول الجيش السوري الى لبنان ودفع حياته ثمناً لهذا الرفض؟ الى متى سيستمر في دفع سعد الحريري نحو التمايز عنه إذا استمر في أسلوبه الصادم حين يكون اللقاء مع الآخرين هو الهدف؟ كيف يمكن إقناعه بأن الرئيس بري في الانتخابات الرئاسية، غيره في المحكمة الدولية. وان لبنانيته في الانتخابات أعمق بكثير من التزامات تجاه محكمة دولية يمكن أن تطرح مصير النظام السوري على طاولة البحث؟
****
من باب اللياقة السياسية تجنب وليد بك ذكر الرسالة العلنية التي نشرت في السفير منذ أسبوعين. لكنه فتح الباب أمام مناقشة مضمونها. إذ ان لي عند سيد المختارة ميزة القدرة على الحوار المكشوف دون حذف لسؤال أو تدوير للزوايا الحادة. كان النقاش في منتصفه عندما أبلغه أحد العاملين معه عن حدوث انفجار في سن الفيل. أمسك بالهاتف وطلب الوزير غازي العريضي والنائب وائل أبو فاعور. ما إن رد أحدهما حتى علم أن الانفجار استهدف النائب أنطوان غانم وأن حالته خطرة.
أغلق الهاتف، وقال حالته خطيرة معناها أنه توفي. لا حل ولا تسوية مع النظام السوري. يريدنا كلنا شهداء. تقول لي إن علينا أن نحمي إنجازاتنا. كيف نفعل وهو يريدنا شهوداً على جنازات رفاقنا إذا لم نقع في قبضة إجرامه فنصبح شهداء .
لا ضرورة لوصف ماذا حصل لأسئلتي. سقطت كلها أمام نبأ الاغتيال. وسقط معها الضوء من مبادرة أو الرغبة في تسوية داخلية مؤقتة. لم يعد هناك من مجال لإكمال الحوار. فصرت حاسباً للنواب الأحياء. وصار جنبلاط يلملم أوراقه متمتماً ومتأهباً للجنازة التي لا بد من معركة بعدها. تركت الصنائع متوجهاً مباشرة الى قريطم حيث الدار تتسع لقوى الرابع عشر من آذار، وحيث صدر سيد الدار يفترض أن يتسع لكل القوى السياسية اللبنانية بما فيها الخصوم. إلا أن التوقيت لم يكن مناسباً لهذا الاستنتاج الواقعي. فسعد الحريري يحملق في شاشة التلفزيون وحوله مساعدون وأصدقاء، بحيث لا يلحظ من دخل ومن خرج من الغرفة التي يجلس فيها. مشاهد الدمار الذي سببه الانفجار في سن الفيل وأسماء الشهداء الذين سقطوا صدفة أو عن قصد تتوالى أمام الأعين. فتعيد الى الذاكرة ما لم ينسَ من صور الانفجارات ونتائجها المتكررة منذ أقل بقليل من ثلاثة أعوام وحتى الآن.
****
يحين وقت الإفطار. ينزل الزعيم الشاب محاطا الى قاعة الدعوات الكبرى التي أوجدها والده الشهيد موازية لقريطم الصغير الجميل منذ 14 سنة. هي المرة الأولى منذ سنوات التي أشهد فيها إفطاراً. التقليد هو نفسه. الحضور البيروتي يصفق مرحباً. إنما الجديد هو الدعاء الذي ينطلق عفوياً من الحاجات والسيدات الحاضرات. حمى الله شبابك. الله يحميك. أنبياؤه وأولياؤه يلفونك بمحبتهم .
بهدوء ومحبة وصدق ودفء يتلون دعاؤهن. إذ ان نبأ اغتيال النائب أنطوان غانم ماثل في ذاكرتهن.
يتحدث الحريري عن جبن النظام السوري أمام الإسرائيلي وشجاعته في اغتيال الأبرياء العزل، ويؤكد على استمرار الحوار.
يعود الى طاولته بعد الكلام، فتوقفه حاجة، والدة واحد من الشهداء الشباب الذين قضوا مع الرئيس الحريري. تبرز من عنقها سلسلة ذهبية فيها صورة ولدها الشهيد. ربيته سنوات وهو يتيم. أناجيه كل ليلة. صورته تحت مخدتي وفي عنقي. هل ستأخذ لي بثأره. أنت زينة شبابنا. أجبني رعاك الله وحماك .
تكمل الحاجة كلامها وحدها. تريد أن يسمعها الجميع إنما بصوت هادئ.
يقترب منها سعد حابساً دمعته ليطمئنها بكلام الله الذي يمهل ولا يهمل. فيعلو صوت والدة أخرى لشهيد آخر ويختلط الكلام باللوعة والقهر.
ينتهي الإفطار بتقليد جديد. أسراب من الصبايا والشباب يريدون صورة مع الشيخ سعد. ولكل منهم حكاية أو رغبة أو حاجة. وهو يبتسم. يقبّل من كان منهم صغيراً ويربت على كتف الكبار. وهذا تقليد جديد على حد معرفتي. فكل الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و35 سنة يرون في الزعيم الشاب صورتهم ومثالهم. أي يرون فيه ما هو عليه وليس وريثاً لوالده. أما من فاق منهم هذا العمر فيتطلعون إليه على أنه الوريث الشاب للشهيد الكبير رفيق الحريري يوالونه عند الملمات وهي دائمة هذه الأيام ويناقشونه حين يهدأ الحزن على وجهه، فيقتنعون بما ليس لهم من رغبة في الاقتناع به.
ينتقل الحريري الى مكتبه مصطحباً معه ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في لبنان بدرسون ويغلق الباب عليهما. كيف ترسخ زعامة يبدأ نهارها بقراءات مختلفة بين الحلفاء لمبادرة الرئيس بري، وتمسي باغتيال النائب أنطوان غانم العائد الى بيروت منذ أيام قليلة فقط وينتهي إفطارها بأمهات يضعن صور شهدائهن الشباب في أعناقهن، ينشدن الثأر.
لا ينتهي المساء باجتماعات مع دبلوماسيين دوليين يريدون رئيساً جديداً في قصر بعبدا مهما كلف اللبنانيين ذلك من دماء. من ذا الذي تطاوعه عاطفته قبل عقله، أن يقترح على الحريري السكينة والهدوء والتعقل والاعتدال وافتراض الخير في خصوم والوطنية في غيرهم من الخصوم في نهار مثل يوم الأربعاء الماضي؟ حيث الصباح ينافس أوسط النهار، والمساء يدفع بما سبقه من أنباء سيئة الى الخلف. ومثل ذلك اليوم أيام وأيام عابقة بالدمع والحزن وغليان الأنفس الذي يقف على باب الانفجار وأحيانا لا يقف.
****
لو تطلع الحريري الشاب بعد أقل من ثلاث سنوات على اغتيال والده لوجد التالي:
أولاً: أن في قوى الرابع عشر من آذار من الموزاييك السياسي ما يجعل من الحفاظ عليها أمراً مكلفاً للغاية. وفي كثير من الأحيان يجد أن الجهد المبذول للحفاظ على هذا التجمع السياسي يذهب في غير الاتجاه الذي يريده أو يعمل عليه. لا شك في أنه يعلم بأمر الكلام المتداول عن سيطرة هذه المجموعة أو تلك على الاتجاه السياسي لقوى الرابع عشر من آذار. لكنه متأكد من قدرته على ضبط الاتجاه عند الضرورة القصوى. لذلك فهو يتجاهل كل ما هو متداول ويركز على استمرار التماسك.
لا يمكن للحريري أن ينسى حتى لو أجبرته الظروف على ذلك، وهو ما لم يحدث، أن هذه القوى بكبيرها وصغيرها، ضعيفها والقادر فيها، النظري والعملي. كل هؤلاء ساهموا في حركة شعبية جعلت عواصم العالم تنظر إليها على أنها المستقبل المطلوب للوطن اللبناني. ومهما ظهر من صعوبات فإن اعتمادها لا يزال ساري المفعول.
كذلك الأمر بالنسبة للعلاقة اللصيقة سياسيا مع وليد جنبلاط. ليس سهلاً على من يعرفون جنبلاط منذ سنوات طويلة أن يلاقوا حركته من كثرة سرعتها وأحياناً تسرعها. فكيف للزعيم الشاب القادم من الأسوار السعودية أن يفعل ذلك بسرعة دون تسرع؟ لا شك في أنه لولا رغبة الحريري الحاسمة والنهائية بهذا التحالف اللصيق مع جنبلاط، لكان الكثير مما تحقق سقط في امتحان التسرع.
حمل الحريري معه زاده السعودي من الصبر والتأني، وجعله نبراساً له في حركته السياسية. فبدا وكأنه ينتظر من سبقه أن يعود الىحيث يقف بدلا من ان يتسرّع ليسبقه تحت شعار القدرة على الإمرة.
فعل ذلك مع التكتل الطرابلسي الذي قرر موازاة انتمائه الى قوى الرابع عشر من آذار بتبني غالبية الثلثين لنصاب انتخاب رئاسة الجمهورية.
في البداية سكت الحريري عن اعلان التكتل الطرابلسي رغم الشكوى الكبيرة من حلفائه وخاصة جنبلاط بأن الوزير محمد الصفدي ورفاقه تخلوا عن ورقة مهمة في التفاوض.
قيل ان اعلان التكتل جاء نتيجة لاتصالات سورية مع الصفدي. بينما دعا السفير السعودي في بيروت الى مراعاة التكتل والصفدي أيضا. مما أعطى انطباعا ان لإعلان التكتل غطاء سعوديا، إلى أن جاء اغتيال النائب الكتائبي غانم ليظهر ان لا غطاء سعوديا لسياسة الوزير الصفدي. وأن الارجح هو الاحتمال الأول. فلم يعد لصبر الحريري من مكان وخرج النائبان محمد كبارة وقاسم عبد العزيز عن موقف التكتل وأكدا على حضورهما لجلسات الانتخاب الرئاسي أيا كان النصاب.
الموقف الصابر نفسه تحكّم بعلاقة الحريري مع البطريرك صفير، الغطاء المسيحي الجدي والفعال لقوى الرابع عشر من آذار. اتخذ البطريرك ومعه المطارنة الموارنة مواقف متناقضة ومفاجئة منذ أشهر حتى الآن. مرة في الحديث عن أسلمة البلد وأخرى في الاجتهاد حول النصاب لانتخاب الرئيس. من أغلبية الثلثين وأكثرية مطلقة الى الثلثين أو أكثرية مطلقة.
صبر الحريري صامتا على مواقف البطريرك مقدرا رعايته لجميع المسيحيين، لأنه يعلم ان سيد بكركي سيعود الى الموقع المشترك بينهما في الوقت المناسب.
من هنا، يرى الحريري في تماسك قوى الرابع عشر من آذار درجا سياسيا لا يستعجل الوصول الى أعلاه، بل أكثر من ذلك يرتاح على واحدة من طبقاته كلما شعر بالتعب او أحس باهتزاز بعض من هذه الطبقات.
ثانيا: يشعر الحريري انه انتظر كثيرا من الرئيس نبيه بري ولم ينل إلا القليل. ويرى الكثير من علامات التساؤل حين يصل الحوار الى حزب الله . فهو أعطى الكثير من وجهة نظره في الداخل اللبناني، وأكثر في الخارج العربي والدولي حين كانت الرياح الدولية كلها معادية او معارضة في الحد الأدنى للحزب وسياسته العسكرية.
سرت الكهرباء بحرارة بين بري والحريري منذ البداية، رغم ما يقوله رئيس المجلس عن تراجع الحريري عما سمي باتفاق الرياض منذ أقل من سنتين. لكن الحريري لم يذهب ولا مرة بعيدا في مواجهة بري ولا تخلى عن الرغبة بالتواصل معه. فهو يعرف مدى عمق الصلة بين والده الشهيد وبين رئيس مجلس النواب. لذلك فهو يتوقع منه الكثير دائما ويحتار أكثر في النظرة اليه. إذا كان شريكا كاملا في المراهنات الخارجية للمعارضة فما الفائدة من المراهنة على مواقفه. أم ان بري يريد المساعدة لسرقة هامش من الحركة السياسية في الداخل اللبناني وبالتالي لا بد من تفهم ظروفه لإبعاده عن نار حلفائه.
يعرف الحريري كما يعرف الرئيس بري أن النظام السوري لا يريد انتخابات رئاسية دون حوار مباشر مع الإدارة الأميركية بما يجعل من حصول الانتخابات إنجازاً لا يتحقق دون الاتفاق بينهما. فمن سيقدم أولاً؟
ليس هناك من جواب حاسم حتى الآن، رغم استمرار الحرارة الشخصية في نظرة كل منهما للآخر.
للعلاقة مع الحزب وقائع أخرى أكثر اشتباكا وارتباكا. اذ ان الحزب ينظر بريبة ولو بنسب مختلفة الى قيادات قوى الرابع عشر من آذار منذ حرب تموز الإسرائيلية على لبنان. مما يجعل الاجتهاد في العلاقة مع الحزب مسألة صعبة ومعقدة. إذ كيف يمكن وضع قواعد سياسية مشتركة مستقبلية مع الحزب في الوقت الذي يتهم فيه حليف الحزب أي النظام السوري باغتيال نواب من الأكثرية لافقادها نصاب النصف زائدا واحدا؟
يفصل الحريري بقدر ما يستطيع بين الحزب والنظام السوري. لذلك تبنى قبل الاغتيال الأخير ان يتضمن البيان الوزاري المقبل بند حق المقاومة في الدفاع طالما ان هناك أراضي لبنانية محتلة. رغم معرفته بما سيسببه هذا التبني من مناوشات على ساحة قوى الرابع عشر من آذار. وعلى الجانب الآخر نقلت مجموعة من قادة الأحزاب المعارضة عن السيد حسن نصر الله في الأسبوع الماضي، استعداد قيادة الحزب لفتح صفحة جديدة في العلاقات مع الحريري باعتباره الأكثر تمثيلا والأقل إساءة على حد تعبير القياديين المعارضين.
هل هذا يعني امكانية الوفاق على مبادرة بري؟
الباب الحريري مفتوح للحوار. أما الوفاق فهو مسألة تعتمد على مضمون الحوار وهو ما لم يظهر بعد.
ثالثا: لا شك ان سعد الحريري خسر حليفا دوليا لا بديل لقدرته وحركته ونشاطه وعاطفته هو الرئيس جاك شيراك. اذ مهما قيل عن الجهات التي عملت لتحقيق المحكمة الدولية فإن للرئيس الفرنسي السابق الدور الأول. بينما الرئيس الجديد نيكولا ساكوزي لم يستطع ان يحقق الحوار مع النظام السوري ولا اعتمد سياسة سلفه في المواجهة مع النظام نفسه. فأخذت السياسة الخارجية الفرنسية أشكالا من الفوضى بدلا من القدرة على الفعل.
أما الادارة الأميركية فإن لسفيرها في بيروت القدرة على تجاوز الأصول والأعراف والتقاليد بما فيها السورية لاطلاق أوصاف من التقدير والمديح على المرشح نسيب لحود كافية لحجب الوفاق عن شخصه. بصرف النظر ما اذا كان نسيب لحود يستحق ما وصف به من مزايا أم لا. إذ إن الرئيس حافظ الأسد قال في الأهرام المصرية في العام 95 إن الشعب اللبناني يرغب في التمديد للرئيس الياس الهراوي. وبالتالي لا بد من الاستجابة لرغبته. هذا لا يمنع ان الحريري حقق من الرصيد الدولي في السنوات الثلاث الماضية. ما يجعله واثقا من قدرته على الاتصال والتنسيق مع العديد من الجهات الدولية في أوروبا وروسيا. وهو بالتأكيد سيجد مساحة مشتركة مع الرئيس الأميركي عندما يلتقيه في الأسبوع الأول من الشهر المقبل، وستكون هذه المساحة أقرب الى التفهم الأميركي للخصوصية اللبنانية. إذ انه ما لم يكن هناك تغيير واسع لموازين القوى في المنطقة، لا يطلب من لبنان وحده ان يتحمّل رغبة أميركية بتغيير منفرد يودي بما تبقى من تماسك داخلي.
يلبي هنا الحريري الرغبة السعودية بالحفاظ على الهدنة المرتبكة التي يعيشها لبنان، وبالمسعى الحثيث الذي يطالب به العاهل السعودي من وفاق اللبنانيين ولو على الحد الأدنى.
لا يترك السفير السعودي عبد العزيز خوجة زيارة او تواصلا إلا ويقوم به بما يريده مليكه. لكنه يحرص ان يكون سعد الحريري على صلة واحتضان لكل ما يساعد على تحقيق هذا الهدف. وهو في هذه السياسة يؤكد رعاية سعودية دائمة لرسوخ زعامة الحريري. مع ما يعني ذلك من استقرار للوضع اللبناني.
هل في هذه الصورة ما يُطمئن جمهور رفيق الحريري؟
لا بد من الاعتراف بأن سعد الحريري يقف في النقطة الأصعب في الصراع الاقليمي الدائر في المنطقة. وكلما جنح نحو تفهّم أعمق للصيغة اللبنانية، تهبّ عليه رياح الصراع. مرة من واشنطن في السياسة وأخرى في الأمن من دمشق. انما في كل مرة يخرج من امتحان الاعصار أكثر خبرة مما سبقه من امتحانات.
هذه المرة مطلوب منه الاجابة على السؤال الأصعب. كيف يحافظ على ما أنجز حتى الآن بالحد الأدنى من الخسائر، او بقليل جدا من الأرباح؟
تعوّد سعد الحريري الحمل الثقيل على ظهره منذ 3 سنوات. ولا ينحني من كان معه دعاء أمهات الشهداء إلا أمام الوفاق.