الحوار بالمدمِّرات…

مقالات 03 مارس 2008 0

لا يزال هناك في دمشق مَن هو هادئ التفكير، موضوعي التحليل. يريد أن يقول إنه يعرف في باطن عقل الرئيس بشّار الأسد، فيشرح انها القمة العربية الاولى التي تعقد في دمشق منذ أن كانت سوريا جمهورية عربية. وأن الرئيس الأسد لن يضيع رئاستها عليه ولن يحرم عاصمة بلاده من أن يسجّل في تاريخها حدث عربي بمثل هذه الأهمية. ويفسّر موقف رئيسه انه تعوّد اللعب السياسي على حد السيف لا لكي يجعله منشطرا الى نصفين، بل لكي يذهب حتى ما قبل اللحظة الأخيرة في مفاوضاته، فيقفز الى الجهة الآمنة من القرار ويحقّق الحدّ الأدنى من شروطه السياسية.
هذا على الرغم من أنه للوهلة الأولى تبدو الأبواب مغلقة دون التسوية اللبنانية. مرة تحت شعار محدودية القدرة على الضغط على الحلفاء في لبنان. ومرات بحثا عن محاور يستطيع أن يضمن ما يعد به. وهو حتى إشعار آخر الرئيس الأميركي الجديد الداخل الى البيت الأبيض في أواخر السنة الحالية. أو في الحد الأدنى السعودية التي ما زال مليكها على موقفه من انتخابات رئاسية لبنانية قبل موعد القمة.
ما لم يتحقق واحد من هذين الحوارين تبقى الأمور على حالها في البلدين لبنان وسوريا. أو كما يقال في مصر عندما يحتل واحد منزلا أو عقارا يذهب المالك الى النائب العام للشكوى فيصدر قراره ببقاء الأمور على حالها وعلى المتضرر أن يلجأ الى القضاء . هذا لا ينتقص من الرفض الاميركي المعلن على لسان ديفيد ساترفيلد.
أين القضاء في الشكوى من الموقف السوري؟
عدد الاجتماعات التي عقدت في الأسبوعين الماضيين كافٍ لملء جدول أعمال عربي لمدة سنة على الأقل.
قام الرئيس المصري حسني مبارك بزيارة الى السعودية والبحرين حمّل بعدها سوريا مسؤولية مباشرة في تعطيل الانتخابات الرئاسية في لبنان. لحق به العاهل الأردني عبد الله بن الحسين ليركز في حديثه عن زيارته الى واشنطن حيث هو الآن وأهمية تهدئة الوضع الفلسطيني الداخلي تمهيدا لأجوبة يريد الحصول عليها من الرئيس الأميركي عن إعلان الدولة الفلسطينية.
في الرياض ايضا عقد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي وأبقى على قراره بشأن حضور أعضائه القمة دون إعلان، مشدداً في بيان المجلس على أهمية الانتخابات الرئاسية اللبنانية. وبعد غد الاربعاء يعقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعهم في القاهرة للبحث في الموضوع نفسه.
المعلومات الواردة من الرياض تفترض إن دولا أربعاَ هي السعودية والكويت والإمارات العربية والبحرين ستتغيب عن القمة على كل المستويات، بينما تعمل قطر وعُمان على حضور من الصف الثاني، خاصة أنه ليس من عادة السلطان قابوس حضور القمم العربية.
الحساب السعودي يفترض حتى الآن غياب سبع دول، أربع منها خليجية، ومصر والأردن والمغرب من شمال افريقيا بعد الإعلان عن اكتشاف مجموعة إرهابية تسمّى بخلية بلعيرج نسبة الى مؤسسها مرتبطة حسب التحقيقات الأولية بحزب الله اللبناني.
ليس بالضرورة أن يكون الحساب السعودي دقيقا. لكن الأدق أن القيادة السعودية لا تألو جهدا ولا تترك اتصالا إلا وتقوم به من أجل عدم انعقاد القمة في موعدها وفي مكانها قبل تحقيق شرط الانتخابات الرئاسية اللبنانية.
هل يأخذ نهر الدم الفلسطيني المباح للجيش الإسرائيلي في غزة حقه من القرار العربي أم يعود الزمن العربي الدولي إلى عام 1990؟
****
وجد الرئيس صدّام حسين نفسه وحيدا بين العرب بعد احتلاله الكويت في العام 1990 ونشوء مجموعة سياسية عربية سميت حينذاك بإعلان دمشق، ساهمت أطرافه وأولها سوريا في تحالف دولي بقيادة الأميركيين حرّر الكويت من الجيش العراقي.
تم اجتماع دول إعلان دمشق بديلا من قمة عربية لم يكن من الممكن انعقادها بسبب الغياب العراقي.
الفارق بين الحالتين العراقية والسورية، أن دول إعلان دمشق عملت على إخراج الجيش العراقي من الكويت ونالت سوريا جائزتها باستعادة دورها في لبنان. بينما دول إعلان الرياض من القاهرة تريد وقف التمدّد الايراني عبر سوريا الى المنطقة العربية. من هنا يمكن فهم إحضار المدمّرات الأميركية الى الأفق اللبناني وان كانت خارج المياه اللبنانية الإقليمية.
يعلن حضور المدمّرات عن حقيقتين تريد الإدارة الأميركية تأكيدهما. الاولى ان الوجود العسكري الأميركي هو الضابط للحركة العسكرية للدول المحيطة بإسرائيل وأن هذا الوجود البحري رمزي يقصد به منع أي أعمال عسكرية من النوع التي هدّد بها الأمين العام لحزب الله بعد اغتيال الشهيد عماد مغنية في دمشق.
نقلت مصادر دبلوماسية عربية عن السفيرة الأميركية الجديدة في بيروت أنها نقلت الى الرئيس نبيه برّي رسالتين بعد خطاب السيد حسن نصر الله. أولاهما ان إدارتها تعتبر التهديدات التي وردت في الخطاب الأول موجّهة إليها والى حلفائها في العالم، وأنها ستتّخذ التدابير الملائمة لمواجهة هذا التطور. أما الرسالة الثانية فهي أنها لا تعتبر ما جاء في الخطاب الثاني للسيد نصر الله كافيا للإيضاح ما دام القرار الدولي ,1701 هو الذي يرعى الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
الحقيقة الثانية التي يراد من الوجود العسكري الأميركي تأكيدها أن السياسة الأميركية الفعلية والمستمرة بدعم حلفائها الشرعيين العرب، في ما يتطلعون اليه من ضغوط على سوريا، لن تتوقف. بدا هذا واضحا في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي صدر الأسبوع الماضي متحدثا عن دور سوريا وإيران في تسهيل وصول السلاح الى حزب الله في لبنان والى القواعد العسكرية الفلسطينية الموالية لسوريا والمقيمة في معسكرات على الحدود بين البلدين.
النتيجة الطبيعية لما ورد في تقرير الأمين العام للأمم المتحدة هو البحث مجددا بما سبق أن ورد في مفاوضات مجلس الأمن الدولي عن نشر قوات دولية على الحدود اللبنانية السورية.
****
كيف تواجه سوريا هذا التحالف الجديد العربي الدولي لسحب الخط الايراني من سياستها؟
نشرت مؤسسة الشرق الأوسط الأميركية نص محاضرة ألقاها الدكتور ألون لايل رئيس اللوبي الإسرائيلي للسلام مع سوريا والمدير العام السابق للخارجية الاسرائيلية. روى لايل انه في كانون الثاني من العام 2004 قام الرئيس بشّار الأسد بزيارته الأولى الى تركيا وطلب من قيادتها القيام بدور الوسيط بين بلاده واسرائيل للوصول الى تسوية بشأن الجولان المحتل.
وأوضح المسؤول الإسرائيلي السابق، الذي عمل مستشارا للشؤون الخارجية لرئيس الحكومة ايهود باراك، إن الأتراك استعجلوا الموضوع وطلبوا منه حضورا دبلوماسيا اسرائيليا لجلسات المفاوضات. إلا أن رئيس الوزراء السابق (ارييل شارون) رفض إرسال دبلوماسي إسرائيلي الى المفاوضات وقال ان هذا يغضب الأميركيين، فيما كانت وزارة الخارجية الإسرائيلية تدعمها ضمنا ، حسب لايل الذي قال ايضا ان هذه المحادثات غير الرسمية أفضت الى اتفاق على معظم الأمور، بما فيها الشؤون العسكرية ومواضيع الحدود والمياه والجدول الزمني لتنفيذ الاتفاق .
لكن كل هذه المفاوضات، حسب لايل، بقيت حبرا على ورق، وكان لا بد من تطبيقها على الأرض.
وأوضح لايل أن السوريين أصروا، في آذار 2007 عبر الأتراك، على وجود الأميركيين أثناء المفاوضات. وعندما ذهب رئيس الوزراء الاسرائيلي( ايهود أولمرت) للقاء (الرئيس جورج) بوش، قال له الأخير ان لإسرائيل الحرية في إجراء مفاوضات مع سورية، إلا أن الولايات المتحدة غير مستعدة للمشاركة فيها .
وأضاف: ثم جاء مؤتمر انابوليس ولم يحصل أي تغيير في الموقف الأميركي . وعن القنوات الخلفية اليوم بين سوريا واسرائيل، قال المسؤول الاسرائيلي السابق إنها مقطوعة باستثناء رسائل متفرقة بين الاثنين عبر تركيا.
وختم بالقول انه جاء الى واشنطن لأنه يعرف أن العقبة في طريق السلام الإسرائيلي السوري هي في العاصمة الأميركية، وانه جاء ليصرخ وليحاور أعضاء الكونغرس ويقنعهم بضرورة التوصل الى اتفاق سلام مع سوريا، فقلما ترى اسرائيل أعداءها يطالبون بالسلام .
آخر أخبار لايل أنه اجتمع أثناء وجوده في العاصمة الأميركية الى السفير السوري عماد مصطفى. وبحثا في إمكانية دفع عجلة السلام مع سوريا. النفي السوري للاجتماع صدر عن السفير السوري في الأمم المتحدة في نيويورك.
****
لا تثبت هذه القنوات فعاليتها. وإلا فما تفسير تدمير الطيران الإسرائيلي للمنشأة العسكرية في دير الزور شمال سوريا، واغتيال القائد في حزب الله عماد مغنية في العاصمة السورية؟
ذهبت الإدارة الأميركية الى أبعد من ذلك، فقد نقل مصدر دبلوماسي عربي في واشنطن عن مسؤول أميركي ان المخابرات الأميركية طلبت من الحكومة التركية عدم الموافقة على شراء رجال أعمال أتراك خمسين بالمئة من شركة الاتصالات السورية التي يملكها رامي مخلوف القريب من الرئيس الأسد، وذلك قبل إصدار القرار بمصادرة أمواله في الولايات المتحدة الأميركية.
صحيح أن سوريا ليست وحدها في هذه المواجهة، لكن حليفتها ايران ليست بأفضل حال منها. نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية نبأ في الثاني والعشرين من شهر شباط الماضي ان الإدارة الأميركية سمحت للوكالة الدولية للطاقة الذرية أن تواجه ايران بدليلٍ على البرنامج العسكري النووي الايراني وجد في أرشيف كومبيوتر أحد الخبراء الايرانيين العاملين في المشروع الايراني. وينتظر أن يكون هذا الدليل على طاولة مجلس الأمن الدولي هذا الأسبوع للبحث في عقوبات جديدة على ايران.
قد يكون في الإدارة الأميركية من يعتقد بتحييد سوريا عن الصراع الأميركي الإيراني ولو بواسطة المدمرات الأميركية. أو أن هناك من ينتظر نتائج الانتخابات الايرانية في الثاني عشر من الشهر الحالي. كل هذا لم يمنع الرئيس بوش خلال جولته الأخيرة في دول الخليج من الدعوة الى الاستعداد للحرب. فقد نقلت مصادر لبنانية عن الديوان الأميري في أبو ظبي أن الرئيس الأميركي تحدّث الى رئيس دولة الإمارات عن حتمية الحرب على الشيطان الإيراني والتحضير لذلك. كما انه طلب منه توطين الفلسطينيين المقيمين في دولة الإمارات منذ أكثر من 15 سنة.
حاول الشيخ خليفة بن زايد في أبو ظبي ورئيس وزرائه في دبي الشيخ محمد بن راشد أن يشرحا له أن الإمارات ليست مهيأة إلا لمزيد من البناء لا للحروب. سمع الرئيس الأميركي قبلاً من العاهل السعودي عن ضرورة تسوية سياسية للعلاقات مع ايران. لكن الكاوبوي الأميركي بحسب المصدر اللبناني لم يتحدّث إلا عن الحرب.
الرئيس الايراني لا يعير اهتماما لهذه الوقائع الأميركية، بل يذهب الى بغداد لتأكيد حقوق بلاده في السياسة العراقية توازنا مع الدور التركي العسكري المستجد. فللمرة الأولى منذ الاحتلال الأميركي للعراق وافقت الإدارة الأميركية على السماح للقوات التركية بالقيام بعملية عسكرية محدودة لمطاردة أنصار حزب العمال الكردستاني في جبال كردستان. بعد تردّد طويل سببه رفض الحكومة التركية استعمال القوات الأميركية لقاعدتها في تركيا للانطلاق نحو العراق في العام .2003
كذلك في دمشق لا ترى القيادة السورية هذه الوقائع تهديدا لسياستها. بل ينتقل الزوار اللبنانيون عنها أنها ترى في المرشح الأميركي باراك أوباما، داعما للمفاوضات الإسرائيلية المباشرة وتنتظر من المرشح الجمهوري جون ماكين لو فاز أن يلتزم مساهمته في لجنة بايكر هاملتون الراعية للحوار بين واشنطن ودمشق وطهران.
****
خلال أقل من سنة تتظهر توقعات ريشارد هاس الباحث السياسي الليبرالي الأبرز في أميركا ورئيس مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك. كتب هاس منذ أشهر عن نهاية الحقبة الأميركية في مجلة الفورين أفيرز ، موضحا أن النفوذ الأميركي في المنطقة يبقى الأول بينما الدور الأساسي للتحالفات الأميركية المحلية. تركيا عسكريا في العراق. تحالف الشرعية العربية الرسمية في مواجهة التمدد الايراني عبر سوريا. السلطة الفلسطينية في الضفة.
التوقع الثاني لهاس، انه لا يجوز الاستخفاف بقدرة الرئيس بوش في الأشهر الأخيرة من ولايته، فوالده قام بعملية عسكرية في الصومال قبل ثلاثة أشهر من مغادرة البيت الأبيض. بينما تتراجع حظوظ توقعات الأمني السوري الكبير الهادئ الذي يفتش في باطن عقل الرئيس الأسد عن تسوية لقمة عربية يحضرها رئيس لبناني منتخب في دمشق.
هل هناك من يسأل عن الانتخابات الرئاسية اللبنانية؟