“الحرِّيف”..

مقالات 20 مارس 2006 0

كنا في دمشق مجموعة قليلة من مساعدي الشيخ رفيق الحريري، ننتظر عودته من الغداء الأسبوعي التقليدي في منزل نائب الرئيس خدام في منتصف العام 92. الأجواء تتهيأ لتكليف الحريري برئاسة الحكومة قبل نهاية السنة. عاد الشيخ رفيق من الغداء فرحاً. ابتسامته ملء وجهه. سألته. خير إن شاء الله. ماذا تحمل في جيبك من عند “أبو جمال”.
قال وهو يغيّر ثيابه ليلبس الدشداشة المريحة للجلوس او النوم، “اتفقنا على أن يكون نبيه بري رئيسا لمجلس النواب”. أجبته “من انتم؟ هل هو قرار سوري جعلك تفرح. ام انك ساهمت في الاقناع”. لم يلتفت إليّ ولا الى سؤالي. قال ببساطة: “المهم ان “ابو مصطفى” سينتخب رئيسا للمجلس وأنا ارتاح للعلاقة معه”. تركته يرتاح قليلا، عدت إليه. أتنطّح لشرح موقف الشارع اللبناني من تسمية بري رئيسا للمجلس. قلت له: أولا أنت تعلم ان المسيحيين في اتجاه مقاطعة الانتخابات النيابية، وهذه التسمية ستزيد المشكلة معهم. في الوقت الذي تعتبر فيه المؤسسات الدينية المسيحية ان الرئيس حسين الحسيني اقرب لتفكيرهم وبالتالي اكثر قدرة على التفاهم معهم، مما سيضع النظام الجديد في حالة مواجهة تزيد تسمية بري منها بدلا من ان تنقص من حدتها.
ثانيا السيد حسين عضو طبيعي غير معلن في اللقاء الاسلامي الذي تعطلت أعماله بعد سلسلة اغتيالات بدءا بالرئيس تقي الدين الصلح الذي ألزم بمغادرة البلاد الى باريس حيث لاقى ربه بعد اسابيع قليلة. ثم اتى دور المفتي الشيخ حسن خالد الذي اغتيل بواسطة سيارة مفخخة. آخرهم النائب ناظم القادري الذي أطلق مسلحون عليه النار وهو يخرج من عند حلاقه في شارع فردان فأردوه شهيدا. الاستاذ نبيه كما هو لقبه الدائم لن يريح الجمهور السني المائل بمزاجه الى المقاطعة المسيحية.
ثالثا: لماذا انقطاع الأمل من التفاهم مع الرئيس الحسيني. اذا كان الأمر يتعلق بقانون سوليدير فقد انتهى الأمر على خير وأقرّ القانون. رغم المصاعب الظرفية التي عانينا منها مع الرئيس الحسيني حتى صدور القانون.
رابعا: المسألة الشيعية في بيروت بخير بسبب ادارة السيد حسين للموضوع. ما الهدف من نكء الجراح حول الصراعات العسكرية التي خاضتها حركة “أمل” في بيروت وتعريض أهلها للكثير من الاوجاع مع مجيء رئيس الحركة رئيسا للمجلس.
نظر إليّ الشيخ رفيق مليا وقال: بعض ما تقوله صحيح. لا جدال في ذلك. لكن الدنيا تتغير ولبنان مقدم على مرحلة جديدة مختلفة عن السابق. ربما أنت لا تريد الاعتراف بذلك ولكنها الحقيقة القادمة لا الرغبات الراحلة. الرئيس حافظ الأسد مقتنع بأن المرحلة المقبلة هي مرحلة مواجهة داخلية ومقتنع اكثر بأن “أبو مصطفى” ركيزة من ركائز هذه المواجهة لتثبيت التفاهم الحاصل بين سوريا والولايات المتحدة وجني أكبر كمية ممكنة من الارباح لصالح النظرة السورية الى الوضع اللبناني. ليس الآن وقت تسويات تبحث عمن يدوّر زواياها.
قبل ذلك وبعده، اضاف الشيخ رفيق: أنا أرتاح للتعامل مع بري. الكيمياء بيني وبينه على احسن ما يرام. وقد أثبت انه لاعب سياسي رئيسي في الوضع اللبناني. وجودي كفيل بمحو ذاكرة الحرب من ذهن جماعتك البيارتة. لا ينشغل لك بال، “الاستاذ” اقدر بكثير مما تعتقد على حلحلة الامور بعد انتخابه رئيسا للمجلس الذي يضم كل اللبنانيين مبدئيا وستطغى هذه الشخصية على كل ما سبق. بعدين يا أخي هو خفيف الدم. كيفما خاطبته تجد اللمعة الضاحكة في جوابه.
صدرت الأوامر. صار لا بد من التفتيش عن الصورة الجديدة التي رسمها الشيخ رفيق للاستاذ نبيه. عناصرها. ميزاتها. دفاعاتها. شيعيّتها، سنّيتها. مسيحيتها. عروبتها. لبنانيتها.
عدت بالذاكرة سنوات طويلة الى الوراء لأتذكر المحامي الشاب الطامح الى العمل العام يسبح في “السبورتنغ” حيث يلتزم صديقه الدائم المحامي محمد صعب الاهتمام به وتعريفه الى بعض الاصدقاء المحيطين دائما بصعب. اذ ان بيروتية صعب الظاهرة لهجة وحركة واحتجاجا ظريفا على الاحداث جعلت عددا من الاشخاص بينهم انا يفتشون عن محمد في أرجاء المسبح لسماع نوادره وتعليقاته.
لم يكن بري اقل انفتاحا من غيره وهو الشاب الوسيم القادم من باريس حيث أكمل دروسه في المحاماة. لكن همّه المقيم هو العمل العام والترشح للانتخابات وهما عنصران يفرضان على الراغب بهما انشغالات واهتمامات مختلفة.
أرسله أهله وهو صغير الى تبنين، قرية والده الذي يعمل في سيراليون حيث حقق ثروة من التجارة بالأرز ثم بالألماس. أقام عند عمة والدته الحاجة بديعة.
كاد بري ان يصبح رجل دين. إذ ظهرت عليه اهتمامات دينية في صغره فحفظ القرآن الكريم وهو في السادسة من عمره. بدأ تمرّده مبكرا رغم مناداة الناس له بلقب “الشيخ” نسبة الى لقب والده. عارض عمل المشايخ مبكرا واعتمادهم على تبرعات الناس فكتب قصة صغيرة بعنوان “الشيخ والدبس”. درس بداية في مدارس المقاصد في الجنوب قبل ان ينتقل الى مدرسة الحكمة حيث اكمل دروسه الثانوية. ثم انتقل الى الجامعة اللبنانية حيث نال شهادة الحقوق في العام 1963. وأكمل طريقه الى جامعة السوربون في باريس لاستكمال دروسه الحقوقية.
كان حضوره في الجامعة اللبنانية فاعلا ومؤثرا الى حد انتخابه رئيسا لاتحاد طلبة لبنان. اعتبر بري هذا الاختيار له الدرجة الأولى في سلم صعوده نحو العمل العام.
ما زال البعض من رفاقه يتذكرون الذهاب بصوته نحو الأعلى دفاعا عن قضية ما. ومن ثم التندّر على ما فعله بعد نزوله من على المنبر. حقق له حضوره السياسي ما تناقله التلامذة عن قربه من التيار القومي العربي في الستينيات، وكان هذا التيار بأحزابه وحركاته حاضراً بشبابه في ذلك الزمان.
ربما كان هذا هو الجانب المشترك الذي أخفاه عنا الرئيس الحريري خلال حماسته في دمشق لوصول بري الى سدة رئاسة مجلس النواب.
كان حضوره لافتا حيثما حضر، ولو من باب مخالفة القوانين. يروى على ذمة الراوي انه طرد مع زميله عاصم قانصوه من مدرسة الحكمة. هما يقولان انهما طردا لأسباب سياسية. غيرهما يقول انهما كان يتداولان مطبوعة “جمالية” حين ضبطهما الاستاذ الراهب.
ترشح في العام 68 الى الانتخابات. وأعاد الكرة في العام 72. لكن الزعيم الجنوبي في ذلك الوقت كامل الأسعد رفض ضمّه الى لائحته فانسحب من المعركة في المرتين.
هذا لم يمنعه قبل ذلك وخلال توليه رئاسة اتحاد طلبة لبنان ان ينتقد الشخصية الشيعية الصاعدة الإمام موسى الصدر. لكن حوارا لاحقا جرى بين الاثنين أقنعه بحركة المحرومين وقائدها الصدر.
اختفى الامام الصدر في العام 78 وبري مقيم في ديترويت حيث أهل زوجته الأولى ونصف سكان تبنين المهاجرين. عاد الى لبنان ليخوض صراعا داخل الحركة انتهى بإزاحة السيد حسين الحسيني وتسلمه رئاسة الحركة في العام 1980 بدعم من اتجاه سوري يريد دورا صداميا للحركة بينما يصر السيد حسين على دورها التوافقي بدعم من الشيخ محمد مهدي شمس الدين رحمه الله.
لم يكن الرئيس الحسيني من دعاة الالتزام بالسياسة السورية في الشأن الداخلي اللبناني. ولم يؤيد أفكار تحالف الأقليات الذي ساد في تلك الفترة. ولا كان يقبل ومعه الشيخ شمس الدين بارتباط شيعة لبنان بالنظام السوري مما يعقّد علاقاتهم بالطوائف الأخرى ويجعلهم في موقع المراهنة الحادة على سياسة ليس بالضرورة ان تكون على صواب.
هذا لم يمنع ان الرئيس الحسيني نفّذ الكثير مما أرادته القيادة السورية خلال رئاسته للحركة ومن ثم لمجلس النواب. ولكنه كان دائم التبرّم والتمرّد في بعض الأحيان على قاعدة انه يعرف في خيرهم وصلاحهم أكثر منهم.
حين حان وقت الصدام. صدر القرار باستبعاده من مواقعه بالتدريج واحتفاظه بمقعده النيابي في احسن الاحوال. ساعد على ذلك ان طابع الحكمة التي أضفاها الحسيني على شخصه حرمه من القدرة على استجلاب دور شعبي لنفسه.
وصل بري الى رئاسة الحركة وجاءت معه عواصف الحروب. بعد خمس سنوات تجاوز فيها الاجتياح الاسرائيلي مع كثير من البيانات ومقاومة محدودة أدت الى استشهاد عدد من مقاومي الحركة، دخل بري في ما سمي بحرب المخيمات لمدة سنتين. اعطت هذه الحرب الشرعية السورية بشكل حاسم للرئيس الجديد للحركة فانضم ممثلا للشيعة الى وليد جنبلاط وإيلي حبيقة لتوقيع الاتفاق الثلاثي. أكد الاتفاق الثلاثي على التنسيق الكامل بين سوريا ولبنان في كل القضايا العربية والاقليمية والدولية وعلى إعادة تسليح الجيش اللبناني والتفريق بين الصديق الحقيقي والعدو الحقيقي. أسقط سمير جعجع، بالتفاهم مع الرئيس امين الجميل، الاتفاق مدعومين من اللقاء الاسلامي الذي يرأسه المفتي الشهيد حسن خالد. لم يكن دور رفيق الحريري معلنا في ذلك الوقت لكنه كان مشاركا وداعما لهذا الاتفاق دون فاعلية قادرة في تلك الايام على إقناع زعماء اهل السنة بمضمونه.
ما إن انتهت حرب المخيمات حتى اشتعلت حرب اخرى في شوارع بيروت هذه المرة بين حركة “أمل” والحزب التقدمي الاشتراكي تحت شعار حرب العلم نسبة الى رفض الاشتراكيين رفع العلم اللبناني.
حقق الاشتراكيون تقدما بارزا على الحركة فما كان من الجيش السوري الا ان تدخل لوقف النار وإعادة مقار “أمل” الى محازبيها.
مرة اخرى تبدأ الاشتباكات مع “حزب الله” في ضواحي بيروت. دخل الجيش السوري طالبا من الجهتين إخلاء منطقة الاشتباك.
التزم الطرفان ودخل الجيش السوري ليحل محلهما. ذهب الرئيس بري الى دمشق لاجئا لمدة تسعة اشهر مراقبا للتطورات من هناك ومحرّكاً لمجموعات حركته المسلحة. شهدت الحركة في تلك السنوات انقسامات عدد من القيادات العسكرية المعترضة على المنحى الصدامي الذي تتخذه الحركة في وجه كل القوى الأخرى.
لكن هذه الانقسامات زادت من تصميم بري على سياسته. إذ لم يعد عنده غير خيار المراهنة الحاسمة على الاتفاق الثلاثي الذي رعته سوريا. بينما يعمل الرئيس الحسيني بالمقابل على اتفاق الطائف. عيّن بري وزير دولة لإعادة إعمار الجنوب، ووزيرا للعدل ثم وزيرا للموارد المائية والكهربائية. في كل المراحل كان همه جنوبيا. انشأ مجلس الجنوب وأشرف على عمله لمدة عشرين عاما. أعاد تأهيل وتطوير البنية التحتية في كل مناطق الجنوب. طرقات. مياه. كهرباء. مدارس. مستشفيات. حتى قيل إن زعامة بري الجنوبية هي الزعامة الأعلى كلفة من خزينة الدولة.
كل هذه العواصف والحروب لم تمنعه من الزواج مرة اخرى. لكن بهدوء. فقد استطاعت السيدة رندة عاصي بري المطلّقة ايضا ان تخترق حواجز اجتماعية وخدماتية لم يكن لغيرها ان يحققها في الجنوب. كذلك أنشأت علاقات وثيقة مع عدد من السيدات الأول في العالم العربي. يقال الكثير عن حركة السيدة رندة في الاوساط الشيعية وهذا طبيعي لكل من يعمل. لكن بالتأكيد استطاعت السيدة رندة بقدراتها الذاتية ان تقدم صورة حديثة عن المرأة التي تبرز في مجال مساعدة المعوقين وتخفي دورها السياسي وراء زوجها وتشرف على مهرجان فني سنوي يقام في صور وإن كان لا يزال في بدايات إتقانه.
رافقت الرئيس الحريري مرات قليلة في زياراته الى الرئيس بري في منزله. ومرات اقل الى مجلس النواب. لا انكر ان لمعة ذكائه الطريفة تأسر محدّثه وتبقي في ذاكرته طرفة لا ينساها. الانطباع الآخر الذي كوّنته انه يقوم بدور الحاجز أمام الكاسحة التي تسمى برفيق الحريري. فهو يحد دائما من اندفاعه لكن بهدوء. ولو اضطره الامر ان يظهر ان ما هو مطلوب منه اكثر بكثير مما يفعله. لم يعلن الرئيس بري ولا مرة تمرده على القرار السوري. لكنه يعطي الانطباع دائما بأنه غير موافق على جدول الاعمال السوري. صحيح انه لا يواجهه. لكنه في الوقت نفسه لا يتبنى التصدي دفاعا عن هذا الجدول خاصة اذا تضمن ما لا يمكن تسويقه في الشارع اللبناني.
سرى لسنوات طويلة اعتقاد بأن كلمة السر السورية تقبع في درجه. وهذا صحيح الى حد كبير. غير انه لم يتباه ولا مرة باقتنائه لكلمة السر. يترك لغيره الكلام ويتولى هو التنفيذ عندما يحين الوقت.
اعترض علناً على التمديد للرئيس الياس الهراوي ثم التزم بالقرار عندما حانت الساعة. لم تعرف عنه علاقته الطيبة مع الرئيس إميل لحود ولم يبدِ أي حماسة علنية للتمديد له. لكنه نفذ ايضا جدول الاعمال في الوقت المحدد.
يلبس الثوب التشريعي عندما يريد. ويتقاسم مع السلطة التنفيذية مكاسب الوظائف حين يحين وقت التقاسم.
يحتار السفراء العرب والاجانب في التعامل معه. يفترضون انه الوجه السوري للسياسة اللبنانية فيفاجأون به يتحدث بلغة لبنانية صافية.
دخل منزل الحريري معزيا بكبيره الشهيد على أنه منزل صديق عزيز. دون ارتباك. دون افتعال. داومت عقيلته أياماً طوالاً الى جانب عائلة الشهيد بحزن صادق.
شاعت أنباء كثيرة عن تدهور علاقته بالقيادة السورية بعد اغتيال الرئيس الحريري لأنه لم يتبنّ الدفاع الأعمى عن السياسة السورية في لبنان. فإذا به يتمّم انتخاباته النيابية متحالفا مع “حزب الله” ومنتخبا للدورة الرابعة رئيسا لمجلس النواب ومرمماً علاقاته مع القيادات المسيحية.
كيف تمكن من تحقيق ذلك وفوقه رئاسة الحوار الوطني اللبناني؟
كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يطلق عليه لقب “الحرّيف”. وهو تعبير مصري يطلق على من يجيد أعمالا متنوعة ومختلفة بطبيعتها بعضها عن بعض.
هذا “الحرّيف” ترك الجميع يتمادون. مجموعة 14 آذار بثأريتها. مجموعة 8 آذار بصدامها وهجومها على المجموعة الأولى. الشائعات بمطلقيها ونتائجها. المبتعدين على هواهم.
كان يعلم ان الجميع سيعودون الى طاولته عاجلاً أو آجلاً. أليس القرار 1559 هو جدول اعمال اللبنانيين هذه الأيام؟ أليست المؤسسات الدستورية هي الإطار اللازم لتنفيذ القرار؟
تبنى المبادرة العربية وجلس في مكتبه ينتظرهم. جاؤوا الواحد تلو الآخر الى طاولة أعدّها وصوّرها وحدّد تاريخ الجلوس إليها قبل ان يعلن أحد موافقته على الحضور. ظلم فريد مكاري نائبه في رئاسة المجلس من دون وجه حق، إذ ليس لآباء الشهداء مقاعد على الطاولة وإلا لما اتسع المجلس بكامله لهم. وظلم الشيخ فريد نفسه بالحدة التي اعتمدها لمواجهة الموضوع.
هو الوحيد القادر على محاورة نسر المختارة من موقع الشراكة الطويلة السابقة. يعلن نفسه فريقاً ثم يترأس بحياد. يعتمد النفس الطويل والإحاطة المعترضة للمواجهة حين يحتد الحوار. يظهر لكل طرف جانباً يريحه أو يعِد بالراحة.
كل من على الطاولة خرج معجباً. ضاحكاً. مقبلاً على الجلسة المقبلة شوقاً لدولة “الفريق” رئيس الحوار. من لا يعرفه مسبقاً مثل الدكتور سمير جعجع يبتسم بمجرد سماعه اسم الرئيس بري ويأخذ في سرد الروايات عن مهارته الحوارية.
أنهى البنود الأولى. التحقيق الدولي والمحاكمة ذات الطابع الدولي. السلاح الفلسطيني خارج المخيمات. لبنانية مزارع شبعا التي أخذت الكثير من جهده وخرائطه ومطالعاته. كذلك فعل وليد جنبلاط. فصدر القرار المكتوب بعناية فائقة والذي يحقق غرض لبنانية المزارع دون أن يستفز القيادة السورية. بقي البندان الرئيسيان. الأول رئاسة الجمهورية والثاني سلاح المقاومة.
من حيث المبدأ الرئيس بري غير مستعجل على إنهاء الحوار ولو أخذ اسابيع كثيرة او أشهراً قليلة.
هو يعلم ان هذين القرارين الاستراتيجيين يحتاجان الى أكثر من طاولة الحوار التي يجلس إليها القادة اللبنانيون.
رئاسة الجمهورية ليست مسألة محلية، ولو أراد هو إعطاء هذا الانطباع بالسؤال عن عدد المرشحين على الطاولة. وهو يعلم ايضا ان مرشح التحدي أياً يكن لن يصل الى قصر بعبدا.
ينقل عنه الزميل نبيل هيثم في كتابه “أسكن هذا الكتاب” أنه اعترض على اسماء المرشحين التي كانت تنتقل في نهاية عهد امين الجميل من بكركي الى دمشق والسفارتين الأميركية والفرنسية، وأنه قال بأن لا انتخابات رئاسية قبل الوصول الى الوفاق الوطني. وان لا قيمة لا لرئيس الجمهورية ولا لأي مركز آخر. وان أي رئيس جمهورية يتم انتخابه وسط هذه الحالة سيحترق ولن يكون اكثر من مدير للأزمة.
كيف يمكن التوفيق بين هذا الكلام عن الوفاق وبين الدور الخارجي في انتخابات الرئاسة الحالية؟
يقول الرئيس بري لمحيطه انه مهّد بهذا الحوار لقاعدة هادئة من الحوار حول الوفاق. ولا يعتبر ان باستطاعته او باستطاعة غيره ايصال رئيس جديد دون الأخذ بعين الاعتبار الصراع المحيط بلبنان، مع اعترافه الأكيد بوجود أزمة رئاسية.
سلاح المقاومة اكثر تعقيدا من الموضوع الرئاسي. لكن يمكن القول ان الأرض مهّدت لحوار هادئ حوله او حول السياسة الدفاعية للبنان على حد وصف “حزب الله”. رغم الطبيعة الاقليمية الحادة للحوار حول السلاح. ورغم المطالبة الدولية الملحة لحسم هذا الموضوع.
الرئيس بري يبدي تفاؤلا وإعجابا بالسياسة الايرانية هذه الأيام. فهل عادت كلمة السر الى درجه؟
المراهنة على “الحرّيف” تزداد. الحاجة الى حياده النسبي ايضا. يبقى عليه ان لا يستعجل النتائج على طريقة محاوريه. هو لم يفعل سابقا ولن يفعل لاحقا. يصف الشيخ نامي الخازن كبير ظرفاء آل الخازن الحوار بأنه يشبه لعبة من يربح المليون. كلما كبرت الجائزة صعُب السؤال. فيطلب المتسابق الاستعانة بصديق. من هو “الصديق” في الحلقة المقبلة من الحوار؟