الحريري وضعوه في قفص الارتباك السياسي

مقابلات مكتوبة 15 أبريل 2010 0

مفكر سياسي قبل ان يصبح نائبا، وكاتب استراتيجي في تحديد الامور، طوال حياته بين السياسة والكتابة. رافق نائب بيروت نهاد المشنوق الكبار والافذاذ في رئاسة الحكومة، وفي مقدمتهم الرئيس الشهيد رفيق الحريري والرئيس تقي الدين الصلح. تولى مناصب اساسية في الصحافة اليومية والاسبوعية، لكنه كان يلتقط الاحداث على الطاير عربيا ولبنانيا.
خرج نهاد المشنوق من بيت سياسي عريق، وعمه كان وزيرا بارزا، هو الاستاذ عبدالله المشنوق ووالده عرف باتزانه السياسي. وحرصه على الابتعاد عن اضواء الشهرة.
تحاوره الصياد فلا تجده خائفا على لبنان، على الرغم من ان لا احد يدافع عن خيار رئيس الحكومة سعد الحريري، في ترميم العلاقات مع سوريا، ويرى ان الامور في لبنان سائرة نحو مزيد من الاستقرار، والمشكلة تكمن في قدرة اللبنانيين على الافادة من هذا الاستقرار، لاننا نعيش في مرحلة انتقالية من ادارة الصراع خلال خمس سنوات الى ادارة التفاهم والاستقرار.
لكن نهاد المشنوق يحذر من وجود ارتباك سياسي ترفضه سوريا، لان تجربة حكومة الوحدة الوطنية هي تجربة جديدة وصعبة جدا.
ويقول ان الملف الثاني الدقيق امامنا، هو المحكمة الدولية، وان الحديث عنها هو تضييع للوقت، ولاثارة شغب سياسي، والهاء الناس عن همومهم واخذهم الى ملف ليس من اختصاصهم.
ويعتقد ان الحكومة مرت وتمر في مرحلة تتخذ شكل نشاز سياسي، فهي تجربة جديدة علينا، اذ لا يمكن لمجموعة ان تواجه بعضها بعضا، أن تتفاهم على اولويات الناس هو الأولوية، لكنه يرى ان زيارة الرئيس الحريري لدمشق قريبا، ستكون خطوة الى الامام.
ولا يرى نهاد المشنوق غضاضة في اعتبار الانتخابات البلدية بروفة سيئة للانتخابات النيابية المقبلة.
ولكن في جرأة نادرة وصريحة يقول نائب بيروت إنه موضوع او وضعوه، في قفص الابتزاز فإما ان يوافق على مطالب السياسيين، او يوافق على تسوية تعرض صورته السياسية لاهتزاز جدي ودقيق.
اما في شأن تجربة الانتخابات النيابية العراقية، فيرى ان لا حل لازمة تشكيل الحكومة، الا بتشكيل حكومة على الطريقة اللبنانية.

وهذه هي وقائع الحوار:

البلد غارق في عدد من الملفات المصيرية وابرزها العلاقات اللبنانية – السورية، هل تبدو البلاد قادرة على الخروج منها بما يحافظ على اجواء الاستقرار فيه واستمرارها؟
– هناك عدد من الملفات المطروحة في البلد منها العلاقات اللبنانية السورية، وهو اكثرها استراتيجية ودقة وصعوبة وتعقيداً. ويجب ان يكون واضحا امامنا، ما اذا كان خيار هذه العلاقات اتخذناه من اجل الاستقرار في لبنان، ام اننا اقدمنا عليه مرغمين، وعلينا كقوى سياسية ان نحدد ذلك. لانه اذا كنا قد قمنا بالامر مرغمين عليه فلن تنجح هذه العلاقات، بينما اذا كنا قد اتخذنا خيار هذه العلاقات كونها جزءا من الاستقرار في البلد، فعلينا الدفاع عن خيارنا، لكنني لا ارى ان هناك من يدافع عن خيار هذه العلاقات.

ربما لان الجميع يعتقدون انهم ارغموا على هذا الخيار؟
– لان الجميع يعتقدون ذلك، ويتصرفون على اساس ذلك الاعتقاد، انا لا ألقي اللوم على احد، لكن ما اود قوله، انه ليس من الضروري ان ندفع ثمن محاولة اقامة علاقات بين لبنان وسوريا، اكثر من السنوات الخمس التي عشناها، فلكم مرة سندفع كمواطنين ثمن هذه العلاقة؟

مفارقة الصبر
هل تشعرون في كتلة المستقبل النيابية، انكم مرغمون على هذه العلاقة ام منسجمون مع الواقع الذي يحتم اقامتها؟
– نحن مقتنعون بان هذه العلاقات، جزء من الاستقرار في لبنان، وهذا امر واضح من خلال اجتماعات الكتلة. وتطور هذه العلاقات، جزء من الاستقرار في البلد شئنا ذلك ام ابينا، لذلك لم يكن لدينا اي تردد في اقامة هذه العلاقات بشكل سليم وطبيعي، في اي وقت من الاوقات. لكن هذه المسألة تبدو انها ليست بالامر اليسير والجهد فيه مطلوب من الطرفين اللبناني والسوري. فسوريا دولة مركزية قوية، وتحقق ارباحا في كثير من الملفات في المنطقة، وبالتالي عليها ان تصبر علينا لاننا مجموعات سياسية.
لماذا لا تصبرون انتم عليها؟
– نحن نفعل ذلك ولا نتصرف بقلة صبر وتسرع، بل بطريقة طبيعية، ناشئة من حجم الازمات التي عاشتها العلاقات بين البلدين في السنوات الماضية.

خيار لا انذار
رئيس الحكومة سعد الحريري اعرب اكثر من مرة عن اشمئزازه من عدم تجاوب كتلته مع الخط الذي اتخذه بترميم العلاقات مع سوريا، وانذر باعادة النظر بتحالفاته وصداقاته مع كل فريق في كتلته اذا لم يسيروا بما ذهب اليه؟
– انا لم اسمع اي من ذلك، ولم أره مشمئزا او ينذر احدا، بل هو يقول ان هذا خيار سياسي اتخذته، وهو يشرح اسبابه ويطلب من الناس وكتلته وحلفائه واصدقائه السياسيين تفهم هذا الخيار ومساعدته في ذلك. فانا لم أرَ او اسمع هذا الاشمئزاز.
ولم تقرأه؟
– ما يهمني ما يقوله هو، وسعد الحريري لم يكن مشمئزا في الاجتماع، بل شرح الموضوع واسبابه، وطلب دعم خياره، وكل الحضور كانوا داعمين له، ربما هناك نقاش حول الاسلوب، وتطور هذا الخيار ونتائجه، لكن ليس هناك من معارض جدي لخيار اقامة علاقات لبنانية – سورية طبيعية. حتى حلفاءه من القوات اللبنانية والحزب التقدمي الاشتراكي والكتائب، اي القوى الرئيسية الثلاث المتحالفة معه، غير الشخصيات في ١٤ اذار جميعهم داعمون علنا لهذا الخيار. هذه المسألة ليست بهذه البساطة التي ترغب بها وتريدها، هي تحتاج الى وقت وجهد ونتائج. الكثير من الناس ينتظرون النتائج، وباعتقادي لن تظهرسريعا، فهي تحتاج الى وقت. السوريون غير متقبلين فكرة الحاجة الى وقت، ويعتبرون ان ما يصدر عنا هو ناجم عن توتر وارتباك، وهم لا يقبلون ذلك في العلاقة معهم. هذا لا يعني ان الحق الى جانبهم، انما هذه هي وجهة نظرهم في الأمر.

ارتباك سياسي
هناك ملاحظات عند فريق ثالث يقول: لا السوريون وحلفاؤهم يتقبلون هذا الواقع، ولا الرئيس سعد الحريري وحلفاؤه يتقبلون ذلك، لتجاوز المرحلة الماضية، والانتقال الى اخرى جديدة؟
– ثمة ارتباك، وهذا امر طبيعي بعد خمس سنوات من الحروب السياسية والكلامية والحدودية وغيرها. ولكن هذا الارتباك لا يعبر عن رغبة بالتراجع عن خيار اقامة العلاقات الجيدة، لأنه خيار استراتيجي لا عودة عنه.
اما بالنسبة الى الكلام عن سوريا وحلفائها، انا لا اضع مسألة الحلفاء في الحسبان، واهتم بالنص السوري وتصرفه تجاه لبنان في الفترة التي تلت زيارة الرئيس الحريري لدمشق لغاية الآن.
الواضح ان هناك ارتباطا من جهة الرئيس الحريري وحلفائه، ورفضاً لهذا الارتباك من قبل السوريين.

لا مقارنة ولا اعتذار
وحلفاء سوريا ماذا عنهم؟
– انا لا اسجل عليهم بمعنى العلاقات اللبنانية – السورية، لان هذه العلاقات مسألة اعمق من ان تتأثر بتصريح لفلان او رأي لفلان من هؤلاء الحلفاء.
هل سنصل الى ما وصل اليه النائب وليد جنبلاط من اعتذار او عدم اعتذار قبل الذهاب الى سوريا، وهل هي تطالب كتلة المستقبل ان تعتذر عن ما صدر منها منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري من اتهامات بحقها؟

خيار استراتيجي
ليس هناك مقارنة بين الوضعين، سعد الحريري رئيس الحكومة اللبنانية، وذهب بهذه الصفة الى سوريا للمرة الاولى، وسيقوم بذلك في الايام المقبلة بهذه الصفة ايضا، وليس هناك من طلبات من هذا النوع.
ومسألة وليد جنبلاط لها طبيعة مختلفة، ولا اعتقد ان المطروح في العلاقات بين الحكومتين اللبنانية والسورية مسألة شخصية او اعتذارات او كلام مختلف عما سمعناه في الزيارة الاولى للرئيس الحريري.
اعتقد ان ثمة تفاعلا لم يتم بعد الزيارة الاولى، وهذا ليس سببه موقف حلفاء سوريا، انما موقفنا نحن، ويجب ان نعترف بأن هذا خيار استراتيجي وتطبيقه ليس سهلا، ولا يتم بسرعة، ويحتاج الى الوقت، ويجب منحها هذا الوقت، بينما السوريون غير موافقين او يقبلون بالارتباك وان الامور تحتاج الى وقت.

تجربة جديدة وصعبة
هل تعتقدون كنائب في كتلة المستقبل النيابية، ان تجربة حكومة الوحدة الوطنية وصلت الى طريق مسدود، ام انها ستستمر بين الارتباك والنجاح؟

– هذه الحكومة هي ايضا تجربة جديدة، وليس لها علاقة بالطبيعة السياسية للبلد، ولا بنتائج الانتخابات النيابية التي جرت في حزيران ٢٠٠٨. وهذه ايضا تجربة صعبة جدا.

المطروح امامنا هو ثلاثة ملفات، العلاقات اللبنانية – السورية، المحكمة الدولية والاداء الحكومي، وماذا حققت خلال الاشهر الاولى من عملها. كل ملف من هذه الملفات اعقد من الآخر. تحدثنا عن مشاكل ملف العلاقات اللبنانية – السورية، ولكنني اعتقد انه خيار استراتيجي لا عودة عنه، على الرغم من كل ما تراه وليس من السهل التراجع عنه.
اما المحكمة الدولية فالكلام عنها هو تضييع للوقت، واثارة شغب سياسي، والهاء للناس، واخذهم الى مناقشة ملف ليس من اختصاصهم ولا في مقدورهم التأثير عليه، كذلك البحث فيه غير مفيد. في هذا الملف هناك شغب سياسي اكثر مما فيه من الوقائع.

كان يجب ان نتعلم خلال السنوات التي مضت، ان المحكمة الدولية قرار دولي، ومناقشته تتم في مجلس الامن الدولي، لا في شوارع بيروت واعلامها ومن قبل سياسييها. ومن يساهم في هذه المناقشة، يكون كمن يؤدي الى اثارة المزيد من الشغب، اكثر من خدمة الاستقرار في لبنان، وكل من يتحدث فيها، انما يقوم بمخاطبة جمهوره اكثر مما يخاطب اللبنانيين مجتمعين. والمدعي العام دانيال بلمار قال ان كل ما اثير حول المحكمة ليس دقيقا، وغير مجد طرحه في الاعلام وعلى السنة السياسيين. والمحكمة تقوم بعملها ضمن نتائج كثيرون لا يعرفونها، كيف اذا نعلق على شيء مجهول؟ هناك معلومات اشار اليها السيد حسن نصرالله، بأن مجموعة من الناس جرى استدعاؤهم للاستماع اليهم كشهود. وهذا امر تم في السابق مع عدد كبير من اللبنانيين، وجرى ايضا مع عدد اهم واكبر في سوريا، لقد نسينا ان رئيس لجنة التحقيق السابق سيرج براميرتز استمع الى رئيس الجمهورية العربية السورية بشار الاسد بصفته شاهدا، والى الرئيس اللبناني السابق اميل لحود فما الغريب اذا في الموضوع؟

ولماذا اعتبار طلب الاستماع الى شهود من حزب الله هو امر استثنائي؟ اضف الى ذلك ان السيد نصرالله، وضع قواعد لعمل المحكمة، أو كما يسميه المحامون ربط نزاع مشروط، ارى فيه كلاما سياسيا، ليس له علاقة بعمل المحكمة. وقد سمعنا كثيرا من هذا الكلام السياسي، ولم اشعر ان المحكمة غيرت مسارها وطبيعة عملها والوقائع التي في حوزتها، والتي لا اعرفها، بسبب هذا الكلام. لذلك فان الحديث عن المحكمة، لا يؤدي اي غرض في مسألة الاستقرار في لبنان، ولا يهدف الا الى اثارة مزيد من الشغب السياسي، الفرق الآن هو ان هذا الشغب يتم في موضوع حساس جدا. وليس هناك فائدة من طرحه في الاعلام. واذا كان هناك من مفاوضات ما بشأن هذه المسألة، فان اللبنانيين هم آخر من يستطيعون التفاوض ومعرفة طبيعتها، فعلام الخلاف اذا؟

اما الملف الثالث وهو الحكومة، فان هذه الحكومة بطبيعتها تتخذ شكل نشاز سياسي، هي تجربة جديدة علينا، وهي لم تأت نتيجة الانتخابات، ولا بسبب تفاهم عميق بين القوى السياسية. لان هذه الحكومة هي عبارة عن قوى سياسية تخاصم بعضها اشد الخصومة، دخلت الى قاعة مجلس الوزراء، وجلست مع بعضها البعض. ليس من السهل اعتبار ان هذه الحكومة قادرة على تنفيذ اولويات الناس، بصرف النظر عن خلافاتها السياسية. لا يمكن لمجموعة مواجهة بعضها بعضا، ان تتفاهم على اولويات الناس، فهم مختلفون في السياسة. والمحاولة التي تقول بالفصل بين التفاهم السياسي، وتنفيذ مطالب الناس، لن يكتب لها النجاح.

زيارة الحريري لدمشق

هل تعتقدون ان الزيارة المرتقبة للرئيس الحريري لدمشق، ستفتح الباب المقفل في وجه العلاقات اللبنانية السورية الجيدة؟

– بالطبع هي خطوة الى الامام، بغض النظر عما اذا كانت ستفتح الباب واسعا، امام تحسين هذه العلاقات. لان النصوص المتعلقة بالاتفاقيات بين البلدين والتي ستناقش موجودة على الطاولة، ويتم نقاش بنود ونقاط محددة، بعضها لصالح لبنان على حساب سوريا وبعضها الآخر لصالح سوريا على حساب لبنان. انا لست مطلعا عليها، لكن المهم اننا نناقش نص محدد وواضح، ومجرد الجلوس الى طاولة التفاوض حوله، هو خطوة الى الامام، لانه يسمح للبنانيين بالتعبير عن تحفظاتهم، ويتيح للسوريين الادلاء برأيهم بصراحة في هذه النصوص.

بروفة سيئة للانتخابات النيابية

امامنا بضعة ايام سيتقرر خلالها مصير امور كثيرة كالانتخابات البلدية، هل سنواجه قانونا هجينا كما يقال، ام سنواجه حلولا سياسية عبر تأجيل الانتخابات الى شهر آخر؟

– الانتخابات البلدية مؤجلة لمدة شهر لاسباب تقنية في مجلس الوزراء. لن تجري الانتخابات البلدية الا على اساس القانون القديم، اذا جرت. يجب الا نضيع وقتنا بالقول، اننا نحتاج الى ثلاثة او ستة اشهر لمناقشة تعديلات على قانون الانتخابات البلدية لا علاقة لها بالبلديات، انما هي برأيي بروفة للانتخابات النيابية وليست البلدية. اذ ان فيها نوعا من الفولكلور بان تجري انتخابات باعتماد نظام الاقتراع النسبي في قرية فيها الف صوت. اعتقد ان هذا الكلام ليس جديا وهو بروفة سيئة السمعة للانتخابات النيابية.

وبدل ان نضع قانونا اقرب الى منطق الانتخابات البلدية وضعنا قانونا هو اقرب الى الانتخابات النيابية. وسمعت ان وزير الداخلية كان اقتراحه يرمي الى حصر اعتماد النسبية في الدوائر الكبرى، لكن المناقشات داخل مجلس الوزراء افضت الى ان يصبح القانون هجينا، لا يحقق نتائج جدية. وبصراحة لا استطيع التصديق ان الانتخابات البلدية واقعة الشهر المقبل، ولا ارى اننا على ابواب الانتخابات. والواضح ان هناك تأجيلا لا اعلم مداه.

هناك فرق بين ان تكون مبدئيا، تؤكد على اجراء الانتخابات في موعدها الدستوري، وان تكون واقعيا، لانه بحسب الواقعية السياسية، من الواضح ان هذه الانتخابات ستؤجل. لكن لا اعرف الى متى، فلا الجو السياسي او التعبئة او الحركة، تشير الى حصول الانتخابات البلدية. بالطبع ستحصل هذه الانتخابات لكن السؤال متى؟!

في الملف الداخلي المتعلق باولويات الناس، والانتخابات احدها، لا تستطيع ان تحقق فيه شيئا على قاعدة الفصل بين التفاهم السياسي والاداء الحكومي. لانه اذا توافر التفاهم السياسي يحصل الاداء الحكومي، واذا تعطل، يغيب الاداء الحكومي.

رئىس حكومة في قفص الابتزاز

هل تعتقدون ان الحكومة توصلت الى اخراج التعيينات من سجن المحاصصة؟

– لا اعتقد انهم توصلوا الى آلية لغاية الآن. واعتقد ان رئىس الحكومة موضوع الآن في قفص الابتزاز، اما ان يوافق على مطالب الجهات السياسية المخاصمة له في الانتخابات النيابية التي جرت بكل رغباتها المحقة منها وغير المحقة، او يهددونه بتجميد كل الامور. هكذا ارى الصورة، واسأل اذا ما كان باستطاعته ان يقوم بالتسوية بين الامرين. لكن اذا فعل هذه التسوية فان صورته السياسية ستتعرض للاهتزاز الجدي. واذا لم يقم بالتسوية فسيكون قد جمد الاداء الحكومي، وهذا ما يحصل، اذ انه في كل امر يحتاج الى جولات من المفاوضات فقط، للوصول الى نتائج طبيعية لها علاقة بقدرة الحكومة على خدمة الناس. وبعد هذه الاشهر من عمر الحكومة، ليس هناك من اتفاق حول اي من الملفات الرئىسية.

ايران لم تعد اللاعب الاساسي

بالانتقال الى الوضع في المنطقة ثمة من يعتقد ان ما جرى في الانتخابات العراقية من فوز لقائمة اياد علاوي، يشكل نذيرا لتغيير ما في المنطقة، ما هو رأيكم؟

– بالتأكيد ان نتائج هذه الانتخابات، وما يحصل بعدها يؤكد على ان ايران لم تعد اللاعب الرئيسي الوحيد في العراق، وان هناك مشاركة عربية الزامية حصلت. وهذا ما يعبر عنه الموقف السعودي، والسوري والتركي. وزيارة وفد من جماعة مقتدى الصدر للسعودية للمرة الاولى، يؤكد ان العراق الآن تحول الى ساحة مفاوضات عربية – ايرانية.
في الزيارة التي كنت فيها مع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى تركيا منذ اسبوعين، سمعت من المسؤولين الاتراك كلاماً يعبّر عن رغبتهم في تشكيل حكومة عراقية. تكون كحكومة وحد وطنية على الطريقة اللبنانية. لأنهم يعتبرون استبعاد اياد علاوي عن رئاسة الحكومة، يعتبر بطريقة ما عن استبعاد كثير من السنة وقليل من الشيعة عن المشاركة كما ان استبعاد نوري المالكي عن رئاسة الحكومة، هو استبعاد لكثير من الشيعة وقليل من السنة عن المشاركة. الأمور معقدة لذلك يعتبر الاتراك ان حلها لا يتم الا عبر مشاركة الجميع على الطريقة اللبنانية.

التفاهم العريض والكبير

الا يخشى ان ينعكس هذا الحوار العربي – الايراني على لبنان، خصوصاً انه قد يبدو ان التفاهم السعودي – السوري الذي حصل في لبنان شكل مقدمة لتفاهم مماثل بين البلدين في الموضوع العراقي؟
– هذا التفاهم بالتأكيد ارسى قواعد جديدة للعبة السياسية العراقية في الداخل العراقي، والقوى نفسها التي التقت في لبنان لايجاد ما تراه من استقرار. موجودة في العراق، والرئيس الاسد كان واضحاً في كلامه بدعوة العرب الى مزيد من الانخراط والحضور في الساحة السياسية العراقية.
هناك مؤشرات تفاهم تركية – سعودية – سورية واوروبية الى حد كبير برضا اميركي على اعادة تشكيل المشهد السياسي في العراق بطريقة مختلفة عن السابق. واعتقد انه لغاية الآن ان الايرانيين لم يوافقوا ولا زالوا في مرحلة التمرد على هذا التوافق، والمسألة معقدة وتحتاج الى وقت، لأن المشهد العراقي ليس اقل تعقيداً من المشهد اللبناني، وبالنهاية امام الايرانيين خيار وحيد هو القبول بما يجري، وميزان القوى في العراق، لا يعطي الايرانيين القدرة على الرفض المطلق، وفي نهاية الامر سيقبلون.

يجب ان نشير الى ان تجربة الانتخابات العراقية هي تجربة ناجحة، لأنها جرت باعتماد النسبية بقوائم مفتوحة لا كما هي الطريقة القديمة قوائم مقفلة لقد حصل معهم في العام ٢٠٠٥ كما حصل في لبنان عام ١٩٩٢، اذ اجروا الانتخابات بقوائم مغلقة، ما جعل السنة يعجزون عن الترشح فقاطعوا الانتخابات، وفي لبنان، قاطع المسيحيون الانتخابات في العام ١٩٩٢. اما الآن في العراق فقد شاركت كل القوى السياسية والطائفية، والنسبة المعلنة هي مشاركة ٦٠% من لوائح الشطب، وهذه نسبة عالية جداً، والوصف المجازي التركي للدكتور اياد علاوي، ليس بالدقيق لأنه حقق تقدماً في مناطق صعبة جداً، مثل كركوك، التي هناك نقاش كبير تم حول عروبتها، وقد اعطته اكثر من نصف اصواتها، كما ان بغداد التي فيها تنوع سياسي، على الرغم من ان اكثرية الناخبين من الشيعة اعطت قائمة علاوي نسبة عالية من الأصوات.

اعود الى القول ان نتائج الانتخابات العراقية، اظهرت انتهاء الانفراد الايراني في العراق، وانه لم يعد هو القاعدة، ويجب ان نسجل هنا دوراً كبيراً للرئيس الاسد وسوريا، لأنه حريص على ان يكون الوضع في العراق مستقراً، اذ لا يستطيع النظام السوري ان يحتمل الى جانبه وجود نظام اكثري مواجه للأقليات بشكل يومي. وارى ان الرئيس الأسد وعد ووفى في هذا الاطار في العراق.

ويقال ان في سوريا، والعراق هناك مليون ونصف المليون ناخب عراقي، هذا ليس كافياً وحده للحل، انما هناك خريطة سياسية معقدة للوضع العراقي تابعتها القيادة السورية بدقة واستطاعت تحقيق نتائج جدية.

سائرة نحو الاستقرار

يعني ليس هناك خوف على لبنان من انعكاس ما جرى في العراق؟

– لا واعتقد ان الامور في لبنان سائرة نحو مزيد من الاستقرار المشكلة هنا هي قدرة القوى السياسية اللبنانية على الاستفادة من هذا الاستقرار، لتحقيق اولويات الناس. واعتقد انه ما يمكن تسميته بقوى المعارضة السابقة، والموجودة الآن داخل الحكومة، ليست في اجواء الاستفادة من هذا الاستقرار لغاية اللحظة.
ويجب التأكيد على اننا نعيش في مرحلة انتقالية من ادارة الصراع، خلال السنوات الخمس الماضية، الى ادارة التفاهم والاستقرار، هذه المرحلة الانتقالية لها طبيعتها ومشاكلها، والناس تحتاج الى وقت لتتعود عليها فهناك أناس خصوصاً في اوساط المعارضة لا يزالون يعيشون في احلام الصراع القديم، ومنهم من اعترف مبكراً بضرورة الاستفادة من هذه الأجواء.