الحريري أم الظواهري؟

مقالات 05 سبتمبر 2007 0

نشرت الصحف البيروتية في صفحاتها الداخلية في الأسبوع الماضي كلاماً منسوباً للدكتور أيمن الظواهري الرجل الثاني في تنظيم القاعدة الذي يتزعمه السعودي أسامة بن لادن.
قال الظواهري في كلامه ان القرار 1701 المتعلق بنشر قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان هو سقطة تاريخية للقوى الإسلامية التي وافقت عليه وللدول العربية التي سعت إلى التصويت عليه في مجلس الأمن الدولي.
لم يعط الظواهري تفسيراً لبدائله عن القرار الذي حقق وقفاً للحرب الإسرائيلية على لبنان بعد صمود حققه حزب الله عسكرياً لمدة 33 يوماً في شهر تموز يوليو من السنة الماضية.
لكن من المعروف عن الظواهري انه ليس كثير الكلام أي انه لا يتبع قاعدة التعليق على الأحداث، بقدر ما يكون كلامه تحضيراً لمريديه وأتباع تنظيمه لفهم كلامه والتحضير لتنفيذ مضمونه في الوقت المناسب. وخاصة ان تعليق الظواهري على القرار الدولي يأتي بعد نجاح الأمم المتحدة في نشر حوالى 12 ألف جندي دولي على الحدود اللبنانية الإسرائيلية.
ما هي المناقشات التي تدور في الجبال على الحدود الباكستانية الأفغانية حيث يقيم أسامة بن لادن نجل أحد أكبر السلالات في المقاولات السعودية، والدكتور أيمن الظواهري الطبيب نجل إحدى العائلات البورجوازية الوطنية المصرية ومعهما من لا يستطيع المغادرة من أنصارهما؟
لا يبدو على الطبيب المصري انه يرغب في الكثير من الكلام في رسائله التلفزيونية التي تبثها الفضائيات العربية والعالمية. ولا تظهر عليه عواصف الاعتداد بما فعله تنظيمه، وهو الأشهر في العالم لسنوات طويلة من التاريخ بعد العمليات التي نفذتها القاعدة في شهر أيلول سبتمبر العام 2001 في نيويورك بواسطة عشرات من شبابها. أكثرهم من السعودية وأقلّهم من لبنان وغيره من الجنسيات العربية.
لا تزال صورة مركز التجارة العالمي في نيويورك ينهار من جرّاء اختراق طائرة ركاب مخطوفة له، هي الصورة المثلى والأكثر شهرة لإرهاب فردي يحدث في تاريخ العالم. للظواهري أسماء كثيرة وألقاب متنوعة وجوازات سفر متعددة، بحسب قول مصدر في المخابرات السوفياتية بعد سجن الطبيب المصري لمدة 6 أشهر في السجون الروسية بتهمة التحريض على أعمال إرهابية في الشيشان في العام .1996
سُجن قبل ذلك في مصر بتهمة المشاركة في اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات لأشهر فقط ثم أفرج عنه بعد ان أبدى تعاوناً معلوماتياً مع المخابرات المصرية على حد قول اللواء علاّم مسؤول الملف الإسلامي في المخابرات آنذاك.
إلا ان هذه الاتهامات لم تمنعه من احداث انشقاق في تنظيم الجهاد الإسلامي الذي ينتمي إليه ويسافر إلى السعودية ومنها إلى أفغانستان في العام 1980 وهو في التاسعة والعشرين من عمره حيث أسس مع بن لادن تنظيماً أطلق عليه اسم القاعدة الجهاد السلفي. الجهاد من حصة التنظيم الذي جاء به من مصر والسلفية هي عقيدة بن لادن. فكان الدمج على الطريقة الحديثة بين الشركات الكبرى. الظواهري من عائلة تمسك بالعلم والدين بين يديها. فوالده استاذ جامعي وجده لوالده كان شيخاً للأزهر الشريف. أما والدته فهي من عائلة عزام، والدها هو عبد الرحمن عزام باشا أول أمين عام لجامعة الدول العربية في الأربعينيات.
لم تكن السلفية بمفهومها الديني المتزمّت هي الخلاف الوحيد الذي تسبب بالانشقاق في حركة الجهاد الإسلامي المصرية، بل إيمان الظواهري بأهمية التزام العمل الإسلامي العالمي وليس الاكتفاء بالعمل على قلب النظام المصري فقط لصالح نظام إسلامي يقيم الحق والعدل ويحقق التقدم والازدهار على حد النصوص السياسية لحركة الجهاد.
كل هذه المعطيات الشخصية والعامة تجعل من كلام الظواهري إطارا لنظرته إلى ما يجري في المنطقة. مع ما يعنيه ذلك من استعدادات لا بد انها تجري في مكان ما من لبنان وربما في أكثر من مكان للتعامل مع كلام الظواهري على انه دعوة لتغيير الواقع الذي أوجده قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1701 المتعلق بانتشار قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان.
****
في معلومات الأجهزة الأمنية اللبنانية، ان هناك تزويداً متجدداً لتنظيم القاعدة بالعناصر بينها القادم من السعودية والامارات العربية وسوريا، وبالطبع هناك لبنانيون وفلسطينيون. إذ ان القاعدة الأساسية لحضور وانتشار العناصر العربية هي في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
غير ان الأهم في كلام الظواهري انه تجاهل الدخول في أزقة البشاعة التي تتسبب بها الخلافات بين أهل السنّة والطائفة الشيعية من المسلمين اللبنانيين، تحت عنوان الحاجز الشيعي دون تشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي المختصة باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
لا شك أن هذه الخلافات وعنوانها أي المحكمة تصل بأخبارها إلى الجبال الأفغانية أو الباكستانية حيث قيادة تنظيم القاعدة. وأن كثيراً من الجدل يدور حولها. خاصة أن قبائل الهزارة الأفغانية الشيعية ساهمت مع القوات الأميركية الدولية في إسقاط نظام طالبان الحليف لتنظيم القاعدة في أفغانستان.
ولا شك أيضاً ان أسامة بن لادن السلفي الإسلامي يملك من الآراء الحادة في موضوع الخلاف السنّي الشيعي ما يكفي لإمداده بالوقود المعنوي والفكري. لكن الظواهري بالتنسيق طبعاً مع بن لادن اختار الجنوب مدخلاً للحديث عن الوضع اللبناني. ليس بسبب طبيعة الجنوب الديموغرافية حيث الطائفة الشيعية هي الأغلبية بل لأن الجنوب هو المنطقة الحدودية مع إسرائيل ومن يكن له هناك موقع قدم أو وقع كلمة أو حصة من القرار يستطع ان يوصل رسالته إلى كل لبنان وإلى كل العرب وإلى قلب العواصم الدولية. من هنا جاءت مقاربة الظواهري صاحب فكرة التأثير الإسلامي الدولي للموضوع اللبناني. إذ انه يعبّر عن رفضه للتحالف الشيعي مع الاحتلال الأميركي في العراق قولاً وفعلاً ويتعامل مع لبنان باعتباره الدولة الحدودية لإسرائيل وبالاعتراف بأهمية الرصاصة التي تطلق في الجنوب على الصعيد العربي والدولي. في الوقت الذي يترك فيه للقوى الأخرى من محلية وعربية فرصة الامساك بجمر الخلافات السنّية الشيعية اللبنانية. إذ انه ليس هناك من فرصة أفضل لتمدّد القاعدة وانتشار تأثيرها، من فرصة الحدة في العلاقة الإسلامية الإسلامية.
من خلال هذه الحدة ينتشر التعصب المتقوقع على أهله وبيئته ومذهبه. فيختفي الانفراج الضامن والمحتوي لاستقرار المسلمين وقدرتهم على إدارة شؤونهم في البلدان التي يعيشون فيها. خاصة حين يكون هناك تنوّع بين مذاهب المتعايشين.
لا يوافق الظواهري بحسب عارفي طريقة تفكيره من زملاء وأصدقاء ومتابعين في بيروت والقاهرة، لا يوافق على اعتبار ما يجري في لبنان نتيجة أو تقليداً لما يحدث في العراق لاختلاف الظروف والاحوال بين البلدين. لكنه حسب المصادر نفسها يعتبر ان تخلي المسلمين من غير الشيعة عن قتال إسرائيل هو الذي أوصل إلى الاشتباك الذي نعيشه في لبنان، فضلاً عن ان الحرب الاخيرة بين حزب الله والجيش الاسرائيلي، جعلت الحزب يطلب من المعادلة اللبنانية ثمناً لصموده العسكري، لا تستطيع هذه المعادلة اعطاءه اياه، بصرف النظر عن الحق والباطل في هذا الموضوع.
هذه هي المقاربة الاسلامية السلفية الاولى من هذا الحجم، للصراع اللبناني الدائر داخلياً هذه الايام.
****
للأنظمة العربية مقاربات اخرى. أُولاها للملك عبد الله الثاني الذي كان رائداً في اعلان الهلال الشيعي في منتصف العام .2005 وكانت هذه هي المرة الاخيرة التي يتحدث فيها العاهل الاردني حول هذا الموضوع.
تبعه الرئيس حسني مبارك بالحديث عن ولاء الشيعة العرب لايران في كل الدول التي ينتمون إليها، وذلك في حديث عن إمكانية تدهور كبيرة للاوضاع في حال انسحاب الجيش الاميركي من العراق.
حاول سليمان عواد، الناطق باسم الرئاسة، لاحقا تجميل ما قاله الرئيس المصري، الا ان التفسير لم يكن موفقاً.
في الاسبوع الماضي دخل العاهل السعودي عبد الله بن عبد العزيز على خط الحديث عن الموضوع الشيعي، بعد ان عمل طويلا، بالتنسيق مع الايرانيين، على الحد من آثار الصراع، سواء في لبنان او في العراق.
قال لصحيفة السياسة الكويتية ان ما يجري هو استغلال للدين وتأجيج للصراع بين السنة والشيعة، لكننا نأخذ هذا الامر على محمل الحذر، وليس على محمل الخطر. اننا نعلم عن عملية التشييع والى أين وصلت. لكننا نرى ان هذه العملية لن تحقق غرضها، لأن اكثرية المسلمين الطاغية التي تعتنق مذهب أهل السنة لن تتحول عن عقيدتها. وليس هناك من يقدر على النيل من سلطة الاغلبية التاريخية .
بالطبع، لا يخدم كلام العاهلين السعودي والاردني والرئيس المصري افكار السلفيين او المتشددين. إذ ان الانظمة المذكورة تعمل لاستقرار بلادها ودوام حكامها، بينما ل القاعدة افكار اخرى لا تحتاج الى شرح وتوصيف.
البارز في حديث العاهل السعودي انه يقول هذا الكلام في الوقت الذي يستقبل فيه المبعوث الايراني علي لاريجاني بشكل شبه دوري في الفترة الاخيرة، ما يعطي لكلامه مضمون النصيحة للدولة الايرانية، إن لم نقل التنبيه. إذ انه يقول في حديث ل السياسة انه نبه المبعوث الايراني الى مخاطر التدخل في شؤون الدول العربية، مشجعا انعقاد مؤتمرات التقارب بين المذاهب الاسلامية. آخر مؤتمر عُقد في الدوحة، العاصمة القطرية، وشهد نقاشاً حاداً بين الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي وآية الله تسخيري، الامين العام للمجمع العالمي للتقريب بين المذاهب، ومقره طهران.
****
القرضاوي شدد على وقف التبشير الشيعي المبرمج ضد السنّة، بحسب تعبيره، وأعلن عدم موافقته على قول آية الله تسخيري بأن التبشير الشيعي فردي وليس منظماً، قائلا ان التبشير الشيعي هو امر مبرمج وترصد له ميزانيات، وله برامجه العملية .
تساءل القرضاوي عن الفائدة من التبشير بمذهب في بلد خالص للمذهب الآخر، غير الاستفزاز ومنع التواصل وتأجيج نار الفتن. ما الذي سيفعله المئات او الآلاف وسط مئات الملايين اذا ما تحولوا عن مذهبهم غير التسبب بقطع العلاقات كما حدث بين السودان وايران .
كانت المرة الاولى التي يسمع فيها جمهور القرضاوي الواسع جداً، حديثاً حاداً عن السُّنة والشيعة. فما الذي اوصله الى هذه الدرجة من العلنية الحادة؟
في تاريخ القرضاوي انه انتسب الى تنظيم الأخوان المسلمين، وهي عادة خريجي الأزهر اللامعين في مجالهم. ثم مارس التدريس بعد حصوله على الدكتوراه من كلية اصول الدين، ثم الى السجن في عهد الرئيس عبد الناصر بسبب ميوله الاسلامية. فذهب الى قطر مديراً لكلية الشريعة، ثم عميداً لكلية الدراسات الاسلامية.
في قطر التي يعيش فيها منذ العام ،1961 أشرف القرضاوي على العديد من المطبوعات المتخصصة. ثم مارس الفتوى عبر برنامج اذاعي الى ان اصبح برنامجه في تلفزيون الجزيرة ، عبر برنامج الشريعة والحياة ، بعد ذلك، الاول في العالم العربي، بحيث ان هناك احصاءات تقول بأن 40 مليون مشاهد يتابعونه اسبوعياً ويأخذون بفتاويه.
له حوالى المئة من المؤلفات، بينها ما هو مسرحي وشعري، فضلاً عن الديني.
الأهم في شخصية القرضاوي قدرته على الإقناع. لذلك، فإن حضوره انتشر ليطاول معظم المؤسسات الاسلامية في العالم. ويمكن اعتباره من اكثر الشخصيات الاسلامية تأثيراً في الاخوان المسلمين في جميع انحاء العالم. معتدل. يؤمن بالوسطية الميسرة بغير تفريط ولا إفراط. متحرر من التقليد والعصبية المذهبية. متفاهم مع العصر من دون التخلي عن التراث الاسلامي المعتمد على الكتاب والسنّة.
تحولت كل هذه المزايا الى اشتباك كلامي في مؤتمر التقارب بين المذاهب. فلا بد من ان تكون الامور وصلت الى حد لا يستطيع معه رجل دين في الثمانين من عمره، باتزانه وبتأثيره، ان يسكت عنها؟ لا بد من الاعتراف اولا بأن هناك برنامجا للتشيع تشرف عليه وتموله الهيئة الدينية الايرانية الرسمية. وهذا يحدث في مصر والسودان وتونس وسوريا. ومهما قيل عن الارقام التي توصل إليها المبشرون، فهي زهيدة نسبة الى الانزعاج الذي تسببه هذه الخطوة في المؤسستين الدينية والرسمية في الدول المعنية. تعبّر عن ذلك صحيفة الاهرام العربي اسبوعيا في نشرها للردود وللرسائل على الطريقة المصرية ذات الصوت المدوّي.
رجل دين لبناني خبير في الشؤون الايرانية قال ل السفير ان المؤسسة الدينية الرسمية الايرانية تقوم بجزء يسير من التبشير، لكن الشيرازية، نسبة الى المرحوم آية الله شيرازي، هم الذين يتولون هذه الدعوة ويشجعونها ويمولونها. لكن الاسوأ، بحسب قول رجل الدين، ان الادارة المعنوية والمالية لهذه العملية تتم من بيروت بمعظمها وليس من طهران. لذلك، فإن تأثير بيروت وما فيها من اجهزة دينية وأمنية وسياسية مرتبطة بطهران، هو الاساسي وهو المثمر.
يدور الحديث في كل العواصم ويعود الى بيروت. لقد صارت العاصمة اللبنانية منطقة مصدرة للأزمات بعد ان كانت مستوردة لها منذ نشوء الجمهورية اللبنانية في العام 43 وحتى اليوم.
من هنا فهم الضغط الذي بُذل وسيبذل من قبل النظام العربي الواحد، ما عدا سوريا، ومن قبل النظام الدولي مجتمعا، لوقف صناعة الازمات اللبنانية وتصديرها الى الخارج عربياً ودولياً.
****
ما لم يقله العاهلان الاردني والسعودي والرئيس المصري والشيخ القرضاوي، ان هناك ثلاث مناطق فراغ في الاعتدال العربي السنّي حدثت خلال السنين الثلاث الماضية، في الوقت الذي تشهد فيه المنطقة هجمة سياسية شيعية يجري الحديث عنها بشكل مذهبي.
المنطقة الاولى هي فلسطين. حاصرت اسرائيل الزعيم التاريخي للفلسطينيين ياسر عرفات منذ العام 2002 حتى العام 2004 في رام الله وانتقل الى باريس ليموت على سرير مستشفى فرنسي بمرض مجهول حتى الآن، فكانت حركة حماس هي البديل العملي.
ومهما قيل عن الرئيس عرفات فإن أحدا لا يستطيع إنكار قدرته على ضبط الوضع الفلسطيني باعتباره الزعيم الوطني لكل الشعب الفلسطيني.
المنطقة الثانية هي لبنان، حيث أودى انفجار زنته 1800 كيلوغرام بالرئيس رفيق الحريري الذي حقق تاريخية زعامته اثر اغتياله.
خسر لبنان جبلاً من القدرة على الاعتدال في سياسته والاعتداد بلبنانيته والسهولة في الانسياب بين الأزمات، مهما بعدت العواصم القادرة على المساعدة.
المنطقة الثالثة هي العراق. من الطبيعي الحديث عن ديكتاتورية صدام حسين وتعصبه لكل من يواليه، وتخليه الى حد القتل لكل من يعاديه. لكن هذا لم يمنع أن العالم العربي السني تعامل مع إعدامه بشكل دراماتيكي أدى الى اعتباره شهيدا للأمة العربية.
نشرت السفير مقالاً للزميلة سحر مندور في الثاني من هذا الشهر تعبّر فيه عن مفاجأتها من كثرة الرسائل الالكترونية على تلفزيون فضائي تناجي صدام حسين وتنتصر له.
لا شك في أن هناك فوارق واضحة وكبيرة بين المواقع الثلاثة التي فرغت في مقاعد الزعامات السنية المعتدلة. لكن هذا لا يمنع أن الفراغ قد حدث وأن نتائجه بدأت تظهر على بقية الحكام العرب، إما تململا أو تصديا.
هل هذا يعني استمرار هلال الأزمات على حاله؟
لكل من مناطق الفراغ توازن قوى مختلف عن الآخر.
ما زالت الحرب العراقية الداخلية في نشوتها، وما زال قادتها، على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وقومياتهم، يتصرفون في دنيا الأحلام القديمة. قالت لي سيدة عريقة في فهمها لبغداد وطهران: كل الذين في بغداد اليوم من المسؤولين عادوا من الخارج. لا يعرفون العراق ونسوا حاجات أهله. اتركهم للوقت إما أن يُقصيهم أو يعيدهم الى أهل العراق لا الى مغتربيه .
في فلسطين، ما زال الاتفاق بين حماس و فتح في بداياته. لا بد من الصبر على المغامرة السياسية التي قام بها العاهل السعودي فجعلت من المستحيل ممكنا، ومن الحرب سلاما.
إن صورة الاجتماع في مدينة مكة المكرمة بين القادة الفلسطينيين والملك عبد الله يعلنون اتفاقهم، هي صورة تاريخية في إتمامها، وليس في حدوثها فقط.
أتى دور لبنان. منذ سنتين اصطف الإسلاميون على مختلف صفاتهم وانتماءاتهم خلف سعد الحريري بطريقة مختلفة تماما عن علاقتهم بوالده، إذ إنه كان واضحا لكل أهل السنة أنهم يتعرضون لهجمة باغتيال الحريري لا يعادلها الاهتمام بالصراع العربي الإسرائيلي. فالخطر، بحسب رأيهم، لا يتهددهم كأشخاص بل كعقيدة ووجود سياسي. حقق لهم الحريري الابن إنجازات سياسية ما كان يخطر ببالهم أنها ستتحقق في غياب والده، بصرف النظر عن الحروب أو الاشتباكات التي سببتها هذه الإنجازات.
تولى وليد جنبلاط، الزعيم السني بالإعارة في ذلك الحين، الإشراف على تنفيذ القرار 1559 الذي أخرج الجيش السوري من لبنان. وأكمل الحريري الابن مهمته في أواخر العام 2007 مع فؤاد السنيورة في تنفيذ القرار 1701 .
يعرف سعد الحريري المدى الذي وصله التطرف السني في أوساط جمهور والده في المدن والمناطق، لذلك فهو لا يتردد يوميا في تبني الشعار الأهم لهذا الجمهور وهو حفظ الهوية السنية ، سواء أكان ذلك في تناول مباشر ل حزب الله وقياداته، أو بنقل الهجوم الى سقف أعلى، محملاً سوريا وإيران مسؤولية ما يحدث في لبنان.
لا يمكن القول إن هذا الخيار السياسي كان خياره، لكنه وجد نفسه في مواجهة تعبئة شعبوية على الجانب الآخر، لا مجال لمجاراتها إلا بمثلها. وهكذا كان. تجاوز سعد في هذه السياسة، جمهور والده، وأصبحت الاستجابة لندائه واجبا على أهله، لا رغبة فقط.
في المقابل، تتدرج الإجابات بطريقة لا تأخذ في الاعتبار الواقع العربي المحيط بلبنان إلا النظام السوري.
****
لم يجد السيد حسن نصر الله نفسه محرَجاً بالإجابة عن شكوى العاهل السعودي من التشيع، بالقول إن الأعداد التي يتحدثون عنها بسيطة ولا قيمة لها، فإننا نستطيع أن نطلب من وحدات الإنتاج زيادة الولادات فيتحقق للطائفة الشيعية خمسون ألف ولد.
بصرف النظر عن طرافة المخاطبة في مثل هذا الموضوع، إذ إن الخلق لله وليس للبشر وإن كان تحقيقه يتم عن طريقهم، بصرف النظر عن هذا الجانب، فإن السيد نصر الله يعلم أن النظام العربي الواحد مستنفر لحصر الأضرار اللبنانية مهما كلف الأمر داخل الحدود اللبنانية. فهل باستطاعة السيد نصر الله منع هذه اللغة من إحداث أضرار في الجسم الشيعي العربي أينما توزع؟
لا أحد ينكر أهمية الفتويين اللتين أعلنهما الأمين العام ل حزب الله على المنبر بتحريم السلاح على الداخل اللبناني وتحريم قتل المسلم لشقيقه المسلم.
هذا الكلام بالتأكيد جدي وسليم وبنّاء، لكن أين نذهب بصورة يوم الثلاثاء العامة، وبصور يوم الخميس أمام جامعة بيروت العربية؟
هل نمنع الصور من الخروج على الفضائيات كحالة اعتداء واضحة وصريحة على المالين العام والخاص وعلى المواطنين المسلمين الذين تُطلب منهم هوياتهم على حاجز الإضراب العام؟
ماذا ينتظر السيد نصر الله من طائفة يُشتم رئيس وزرائها يوميا ويخوَّن ويُتهم بالتواطؤ مع العدو لمدة شهرين؟ هل ينتظر أن لا تنتصر له. وإذا ما انتصرت يصبح الرئيس السنيورة مذهبيا لاستقباله مؤيدين له في السرايا الكبيرة؟
ألا يعلم السيد نصر الله أن لا مجال لانتصار في لبنان، لأن هناك مصالح حيوية واستراتيجية لعدد كبير من القوى العربية والدولية تمنع هذا الانتصار، مهما كلف من أبرياء لبنانيين.
إن المحكمة ذات الطابع الدولي هي العنوان الرئيسي لهذه القوى ولمصالحها، مترافقة مع القرار .1701 وتحت هذين العنوانين يمكن لأصحاب المصالح من القوى العربية والدولية أن تفعل ما لا يفعل لتحقيقهما ولو أدى ذلك الى تدمير لبنان العصي، الجميل ، كما يسميه السيد نصر الله.
لذلك، فإن على السيد نصر الله أن يقرر أيهما أفضل لمشروعه: لبنان المعتدل الهادئ المتفهم لحاجات الآخرين، العاقل في توازناته، القوي بحجته، وهو ما يمثله سعد الحريري بصرف النظر عن الهنّات الهينات؛ أم قراءة الظواهري للبنان، المنقسم، المصدّر للفتن، الداعي الى التكفير، فينتهي اللبنانيون مهاجرين… ولو إلى أفغانستان.
الجواب عند سيد الكلام.