الحرب في ليلة صيف .. (2) إنما “المفاوضات” بالنيّات ..

مقالات 21 مايو 2007 0

أنهت كوندليسا رايس، وزيرة الخارجية الأميركية، زيارتها الى موسكو لتجري الاتصال الهاتفي الأول من طائرتها برئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة وتبلغه بأنها تفكّر في التوجه مباشرة الى بيروت، بعد ان اطمأنت الى الموقف الروسي من المحكمة الدولية المختصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري والمعروضة على طاولة مجلس الأمن الدولي.
بعد تشاور قصير حول التطورات المحيطة بمسألة المحكمة الدولية بدا على الرئيس السنيورة انه غير متحمس لزيارة رايس، هذا إذا صح التعبير في اللغة الدبلوماسية. أثنى الرئيس السنيورة على الزيارة المتوقعة لمساعدها دايفيد والش الى بيروت. بهذه الصيغة يكون رئيس الوزراء اللبناني قد اقترح تأجيل زيارة وزيرة الخارجية الأميركية الى العاصمة اللبنانية.
الوزيرة رايس المتنقّلة ما بين شرم الشيخ، حيث اجتمعت بوزير الخارجية السوري وليد المعلم، وموسكو حيث فشلت محادثات الدروع الصاروخية لأوروبا، ولكنها اكتفت بتحقيق هدنة كلامية بين المسؤولين في كل من واشنطن وموسكو. وفي طريقها الى واشنطن حيث تعد ملفات المفاوضات الأميركية الإيرانية على مستوى السفراء المقررة في الثامن والعشرين من الشهر الحالي في بغداد. الوزيرة المحاطة بكل هذه الاهتمامات تريد المجيء الى بيروت. لماذا؟
مساعد وزيرة الخارجية الأميركية ديفيد والش أجاب عن هذا السؤال في اجتماعاته المتعددة مع الزعماء اللبنانيين الذين لم يستثن منهم غير حزب الله .
أولاً: ترغب الإدارة الأميركية بالتأكيد مرة أخرى أو مرات أُخر، أنها تدعم الحكومة اللبنانية الحالية ورئيسها فؤاد السنيورة وأنها لا توافق على تقييد عمل هذه الحكومة ، كما صرح المسؤول الأميركي لحظة وصوله الى مطار رفيق الحريري الدولي.
بدا للوهلة الأولى ان الإدارة الأميركية تريد دعم حكومة مهددة أو على الأقل بدأ التفسّخ يصيب الجهات السياسية التي تشكّل العصب الاساسي لها. لم يكن الجو السياسي اللبناني مستوعباً لهذه الصورة قبل وصول الدبلوماسي الأميركي الى بيروت، ولا كان في وارد قادة الأكثرية التخفيف من دعمهم للرئيس السنيورة. لكن العناوين السياسية المطروحة للتداول تحدثت عن حكومة انتقالية محايدة تتولى إدارة الفترة الفاصلة عن انتخابات رئاسة الجمهورية. فإذا بالإدارة الأميركية ترد بهجوم سياسي مضاد يعتبر هذا العنوان المحايد مخططاً سورياً للانتقام من الخصم فؤاد السنيورة. أخذت حركة والش عندها شكل لملمة صفوف الأكثرية التي تضم عدداً من المرشحين لرئاسة الجمهورية وشدّ أواصر تحالف قياداتها، واستنهاض عناوينها السياسية. بعد التأكيد على عدم وجود صفقة في المفاوضات السورية الأميركية.
ثانياً: الوضع المسيحي. كان والش قد أجرى في الشهر الماضي محادثات مع مسؤولين كبار في الفاتيكان، أكد فيها على ضرورة استنهاض الوضع المسيحي اللبناني واعتماد البطريرك صفير ميزاناً سياسياً في مسألة رئاسة الجمهورية. وبعد اجتماعات مطوّلة عقدها صفير مع المسؤولين أنفسهم في عاصمة الكثلكة، تناول البحث فيها الوجود المسيحي في المشرق الذي ينحسر تدريجياً، خاصة بعد الاحتلال الأميركي للعراق، ولم يبق غير رمزية الوجود المسيحي في لبنان. عاد البطريرك صفير الى بيروت ليبلغ مجلس المطارنة بفحوى محادثاته. وليذهب الى رئيس الجمهورية العماد اميل لحود مشدداً على رفض الكنيسة لمبدأ الحكومتين في حال شغور الرئاسة دون انتخابات. وليشدد على رغبة أمراء الكنيسة الكاثوليكية في اجراء انتخابات وفاقية رئاسية عبر نصاب الثلثين اللازم لعقد جلسة الانتخابات.
استمع والش الى ثوابت البطريرك صفير الوطنية في اجتماعه الأول على الأرض اللبنانية، وتفهّم على حد قول قيادي في الأكثرية ضرورة مبدأ التوافق على الرئيس الجديد. هناك من يفترض ان باستطاعة البطريرك ومعاونة الفاتيكان جذب عدد من نواب المعارضة المسيحيين الى صف التوافق على الرئاسة.
استدعى والش العماد عون الى مقر السفارة الأميركية في عوكر ووجه له مجموعة من الاسئلة والاستفسارات حول موقفه من الرئاسة والوضع المسيحي اللبناني وبالطبع تحالفه مع حزب الله. لكنه لم يستطع ان يسحب منه صفة المرشح للرئاسة. إلا ان والش قال في احدى اجتماعاته مع قيادات الأكثرية ان استمرار العماد عون في تحالفه مع الحزب سيحرمه حتى من صفة المرشح.
بدا المسؤول الأميركي انه في الوقت الذي يسعى فيه لإعادة النصاب السياسي الى الأكثرية فإنه ميّال لمبدأ التوافق عبر نصاب الثلثين لجلسة الانتخاب.
أظهر والش قناعة مبدئية بما سمعه من الرئيس نبيه بري حول حسمه لانعقاد الجلسة الانتخابية الرئاسية، ورغبته الصادقة أي بري في التوافق اللبناني عبر التنسيق السعودي الإيراني المؤثر تدريجياً على مسار القوى الرئيسية الأساسية في الوضع اللبناني. لم يتردد الرئيس بري في التأكيد على دعمه لاتفاق الطائف والدستور اللبناني أمام ضيفه الأميركي مخالفاً بذلك ما ينقل عن قيادات حزب الله والتيار الوطني الحر، مما جعل والش يبدي اعجابه بما سمعه من بري أمام قيادات الأكثرية، خاصة فيما يتعلق بالقرار الدولي ,1701 الراعي لانتشار القوات الدولية في الجنوب.
ثالثاً: حذّر والش من الرفض السوري للمحكمة الدولية والذي قد يأخذ أشكالاً أمنية. بعد ان أكد ان المحكمة ستقر قبل نهاية هذا الشهر في مجلس الأمن الدولي. ودعا الى دعم دور الجيش اللبناني وبادر الى زيارة قائد الجيش في مكتبه لاظهار هذا الدعم والاستعلام عن دوره في المناطق اللبنانية المختلفة.
بالفعل ما ان مرت أيام قليلة على مغادرة المسؤول الأميركي بيروت حتى اندلعت اشتباكات بين فتح الاسلام ، التي يتهمها قادة الاكثرية بالعمل مع المخابرات السورية، وبين الجيش اللبناني في طرابلس.
لم تكن هذه الاشتباكات مفاجأة للمعنيين الأمنيين والسياسيين، بقدر ما كانت تأكيداً على التزام حزب الله نتائج التنسيق السعودي الإيراني الرافض لأي فتنة داخلية. فانتقل العمل الى طرابلس حيث ليس هناك من جمهور للحزب.
رابعاً: أكد المسؤول الأميركي لقادة الأكثرية وخاصة للرئيس السنيورة ان إدارته تعمل بشكل حثيث مع الحكومة الإسرائيلية على سحب جيشها من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ووضع هذه الأراضي اللبنانية في عهدة قوات اليونيفيل الدولية الى حين المفاوضات السورية الإسرائيلية حول الجولان.
غادر والش بيروت بعد زيارة ظنّ أنّه أكد فيها رئاسة السنيورة للحكومة. أعاد النصاب السياسي الى قوى الأكثرية. استنهض دور بكركي بعد الاستفسارات التي وجهها للعماد عون. كرّس وفاقية انتخابات رئاسة الجمهورية. حسم قيام المحكمة الدولية. وعد باستمرار المسعى الأميركي بشأن الأراضي اللبنانية المحتلة.
****
هذا على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. ماذا عن البحر الآخر لأزمة المنطقة، أي الخليج العربي؟
لا يزال هناك في الخليج قادة يراهنون على غلبة عقل البازار الايراني على لغة العقيدة الغالبة هذه الأيام على اللغة السياسية والدينية الايرانية.
يستشهد هؤلاء ان القيادة الدينية الإيرانية الممثلة بالمرجع الأعلى آية الله خامنئي، تجاوزت محظور التفاوض مع الأميركيين الذي سيطر على الأداء السياسي الإيراني منذ قيام الثورة عام .1980
أعلن خامنئي في لقاء حاشد مع رجال الدين وأئمة المساجد تأييده لمحادثات أمنية مع الجانب الأميركي تذكّر واشنطن بمسؤوليتها في تحسين الأوضاع الأمنية في العراق .
سبق كلام خامنئي زيارة، هي الاولى من نوعها منذ قيام الثورة، للرئيس الايراني الى الامارات العربية المتحدة حيث الجالية الايرانية هي الأكبر والتعاون التجاري هو الأشمل.
حافظ نجاد على أدبياته السياسية في هذه الزيارة وأدان السياسة الاميركية والوجود العسكري الاميركي. لكنه اعطى انطباعاً بأن بلاده تسعى لطمأنة الدول العربية المجاورة لإيران وأنها تسعى الى أحسن العلاقات معها، وأن التواصل المباشر هو افضل من الترجمة الاميركية للدور الايراني في المنطقة التي تحذّر منه وتعمل على التعبئة في مواجهته. لم تكن هذه هي الزيارة الاولى لنجاد الى دولة مماثلة، بل سبقتها زيارة رسمية للسعودية وتلتها زيارة لعمان.
هل اطمأنت دول الخليج؟
الحكومة الكويتية اعلنت عن تشكيل هيئة طوارئ من وزارات الداخلية والاعلام والنفط والبيئة والصحة والدفاع المدني والمطافئ والجمعيات. في خطوة هي الأولى من نوعها في دول الخليج، لمواجهة احتمالات الحرب بين الولايات المتحدة الاميركية وإيران، برغم إعلان الكويت رفضها حرباً أميركية على إيران.
بدأت الصحف الكويتية تنشر مقالات ذعر من انتشار الذرات النووية كما حصل في تشرنوبيل الروسية، إذ ان مفاعل بوشهر الايراني يبعد عن الشاطئ الكويتي 150 ميلاً، بينما يبعد المفاعل عن طهران 500 ميل.
في السعودية استعرض الملك عبد الله قوات من الجيش السعودي في قاعدة تبوك، الاكبر بين القواعد العسكرية السعودية، لكنه لم يتناول الموضوع الايراني في كلمته بل اجل ذلك الى اليوم التالي الذي عقدت فيه قمة خليجية اعطيت صفة التشاورية، في وقت لم يكن مقرراً فيه عقد قمة. البيان المشترك دعا الى حل سلمي لأزمة البرنامج النووي الايراني. إلا ان الأهم جاء على لسان الامين العام لمجلس التعاون الخليجي الذي قال إن القادة بحثوا وقائع زيارة نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني الى المنطقة.
تشيني اعلن عن نيته زيارة دول الرباعية العربية، لكنه بدأ بزيارة بغداد التي يُعلَن عن زيارات المسؤولين الاميركيين إليها بعد حصولها لأسباب أمنية.
****
قيادي خليجي شاب قال ل السفير إن تشيني أراد من جولته في السعودية والامارات ومصر والاردن التأكيد انه ليس هناك من صفقات في الحوار الاميركي الايراني المرتقب، وان ادارته ستسعى في مرحلة لاحقة الى ضم الدول المعنية لهذه المفاوضات في حال توصلها الى تراجع إيراني عن مشروع التخصيب النووي.
تشيني كان وزيراً للدفاع في عهد الرئيس بوش الأب الذي أخرج صدام حسين من الكويت، وهو يسيطر على السياسة الخارجية الاميركية منذ عام 2001 وحتى الآن، رغم كل الضربات التي وجهت لرجاله في الادارة الاميركية.
لم يطمئن القيادي الخليجي لما سمعه من تشيني، اذ ان المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية اعلن في نيويورك تايمز ان ايران تمتلك بدرجة كبيرة للغاية المعرفة بشأن كيفية التخصيب. وأوضح ان ايران زادت من سرعة برنامجها حيث ركبت اكثر من 1600 جهاز طرد مركزي وتنوي تشغيل 3000 جهاز طرد بحلول الشهر المقبل، ولا بد من العمل على منعها من الوصول الى الانتاج الصناعي.
القيادي الخليجي نفسه قال إن هناك صراعاً بين سياسة وزيرة الخارجية كوندليسا رايس الداعية الى سياسة الاستيعاب، التي تعلمتها من تدريسها للتجربة الروسية الاميركية، وبين تشيني الوحيد في الادارة، لكن إذن الرئيس بوش مع الدعوة الى ضرب إيران.
لذا يفترض ان يكون تشيني جاء الى المنطقة لتهيئة الأجواء لعمل عسكري وللحصول على دعم لهذا التوجه.
يعتقد تشيني ان لدى معظم الدول العربية مخاوف تجاه ايران تكفي لإقناعها بالتعاون مع اميركا في هذا الاتجاه، ولأنه يدرك انه يصعب إقناع هذه الدول بالتعاون لضرب ايران ما لم يحدث تحرك على صعيد الصراع العربي الاسرائيلي فسيحاول الإيحاء بأن الادارة الاميركية جاهزة لبدء محادثات جادة هذه المرة، وفي هذا السياق يتعين فهم المناورات الجارية الآن ل تسويق المبادرة العربية في سياق سياسة كسب الوقت لا اكثر.
رافق زيارة تشيني تعيين الجنرال دوغلاس ليوت، قيصرا للحرب في البيت الابيض، الموكل بالتنسيق مع وزارتي الخارجية والدفاع وقادة الجيوش الأعلى منه رتبة. وهو سيستمر في عمله كمساعد لمستشار الأمن القومي ستيفان هادلي. واشنطن بوست قالت عن الجنرال دوغلاس بأنه موهوب بامتياز ويملك شخصية قيادية عسكرية.
هل نجح تشيني في مهمته؟ وزير الدفاع الاميركي قام بزيارة اسرائيل والعراق والاردن ومصر في الشهر الماضي، ووزيرة الخارجية تنتقل من اجتماع الى آخر في المنطقة وحولها، ونائب الرئيس يقف على بارجة حربية يهدد بالويل والثبور وعظائم الامور، قد لا تؤدي هذه الوقائع الى نجاح محادثات بغداد في الثامن والعشرين من الشهر الحالي ولا الى تفاهم مسؤول الملف النووي الايراني علي لاريجاني مع منسق الشؤون الدولية في المجموعة الاوروبية خافيير سولانا في اجتماعهما المقرر في نهاية هذا الشهر، خاصة بعد تصريح الدكتور البرادعي.
في الوقت الذي يعلن فيه الجيش الاسرائيلي عن تدريبات على سيناريو حرب واسعة باعتباره المعني بالخريطة السورية اللبنانية.
سمع تشيني في جولته في الدول العربية، اعتراضا على التخصيب النووي، تأكيداً على عدم استعمال الجيش الاميركي لأراضيها منصة لضرب ايران، ورفضاً لفكرة العداء مع ايران أو التحالف معها، ورفضاً اكبر لمجاورة دولة نووية .
ما نشهده الآن، هو مفاوضات تعتمد على النيات وليس على الوقائع التي تقول إن مصالح الدول الكبرى ستتغلب على النوايا الطيبة الخليجية الصغرى…