الجرأة على الخطأ .. ( 4\2 )

مقالات 09 أكتوبر 2006 0

في حاشية الرؤساء حسب التعبير القديم، أي معاونيهم بحسب الوصف الجديد. هناك متخصصون بالفشل وآخرون بالنجاح. دعاة اعتدال وداعمو تطرف. عروبيون أو غربيو الهوى. قساة في الكلام وفي التصرف ولطيفو اللسان والحركة. تنفيذيون ومنظّرون. منهم المختص ومنهم أيضا الفرِح باختصاصه في كل أمر. يعقدون اجتماعات سرية يقررون فيها مصائر كبار الدولة. واحد ينال حظوة الهمس في إذن الرئيس وآخر يكتب رأيه وينتظر القرار من صاحب القرار. واحد يصحو على القرب من الرئيس ولا يتركه إلا بعد إغلاق باب غرفته لينام. وآخر يتسلل بين قيلولة وأخرى لكي ينجو من عيون حاسديه من رفاقه المتطرفين.
كل هذه الأوصاف غير دقيقة المضمون ولا صحيحة في دورها الذي يلبس الأشخاص المعاونين لأي رئيس. الهدف من هذه الأوهام حماية الرئيس من أخطائه وحفظ صورته الوهمية عن تجرده وحياده ونزاهة تفكيره وأنه يقف على مسافة واحدة من كل الاتجاهات والآراء في مجتمعه وبيئته ومحيطه. وأن كل ما يُقال خطأ أو يُرتكب نزقاً هو بسبب هذا المعاون أو ذاك وأن الغضب والعقاب والنفور والتمرد من المعترضين على صياغة أو على قرار يجب أن توجه إلى المعاون الذي تبنى جرأة التطرف ورفض الاعتدال وعرّض البلاد والعباد الى ما لا تُحمد عقباه.
المهم أن تبقى صورة الرئيس خالية من الشوائب. عفيفة اللسان. عادلة القرار. يتغلب فيها حب الوطن على أي اعتبار آخر.
هذه ليست صورة من الماضي العربي. بل هي صورة الحاضر والمستقبل وطالما هناك رؤساء وملوك وأمراء ومعاونون لهم. للتاريخ الذي لن يكتب أن ينصف صورة حاكم أو يظهر حق واحد من المعاونين.
الأسد: الاستثناء
رئيس عربي واحد استثنى نفسه من هذه القاعدة هو الرئيس بشار الأسد. فالرئيس السوري يحرص منذ ثلاث سنوات على الأقل وهي نصف المدة التي أمضاها في القصر الرئاسي وريثاً لوالده المؤسس في التاريخ والجغرافيا العربية حافظ الأسد. يحرص الرئيس الشاب على أن يكون سقف كلامه ومدى حركته وإعلانه لرفض ما لا يقبله أعلى بكثير وأقوى دوياً من أي من معاونيه سواء أكانوا في الحكومة أو في الحزب الحاكم أو في محيطه العائلي الممسك بالسلطة.
تسمع لنائبه فاروق الشرع الآتي من عالم الطيران التجاري كلاما يخرق فيه جدار الصوت السياسي في لبنان وسوريا وربما في العالم العربي.
يلملم وزير الخارجية الدبلوماسي المحترف وليد المعلم كلماته التي تقع من فرط الضجة التي يثيرها كلام الشرع ويعيد تركيبها لتتلاءم مع مهمته لا مع رغبته. مع وظيفته لا مع دوره. فترى كلامه مرة يذهب في اتجاه الطبيعي والضروري لدور وزير الخارجية. ومرات ترى في كلامه عناصر تفجير لا تنسجم مع رغبته في نجاح مهمته.
تصرخ الدكتوره بثينة شعبان بالإنكليزية والعربية على وسائل الإعلام المتاحة والمباحة حول موقف سوريا من القضيتين المركزيتين لنظامها: النزاع العربي الإسرائيلي ولبنان وتتهم الإعلام دائما بتجاهل ما تعتقد أنه الأهم من القضايا المطروحة.
يصلك نادراً همس حول موقف العقيد ماهر الأسد القائد في الحرس الجمهوري وشقيق الرئيس. وتسمع بشكل أكثر ندرة همساً خفيفاً من اللواء آصف شوكت رئيس المخابرات العسكرية وصهر الرئيس الشاب.
تلمح دون أن تسمع صوتاً للأستاذ في العلوم السياسية ووزير الدولة هيثم سويطحي المداوم في الرئاسة.
يدقق الوزير اللواء محمد ناصيف في كل كلمة يقولها ويتأكد من وصولها إليك بما يعنيه. يستعمل هدوء حركته وحكمة أفكاره لكي تستخلص أنت ما هو غث وما هو سمين من كل ما تسمعه أو تقرأه في النص السياسي السوري.
يأتيك كلام الرئيس الأسد لتكتشف دون لبس أو إبهام أن كل ما سمعته من قبل هو كلام معتدل ولطيف وهادئ يراد منه التمهيد لما ستسمعه لاحقا من حدة أقل ما يقال فيها إنها نجحت في خلق تكتل عربي فضلاً عن الغربي لا يريد أن يسمع أن لسوريا دورا يتجاوز حدود العزلة التي تعيشها.
كيف للرئيس السوري أن يستخلص من العدوان الإسرائيلي على لبنان والانتصار العسكري للمقاومة أن يقف على منبر يصف فيه زعماء عرباً بأنهم أنصاف رجال. أنصاف المواقف. وأن قوى 14 آذار اللبنانية أو بعضها هي نتاج إسرائيلي؟
إذا كان هناك من معلومات يملكها عن هذا الموقف العربي أو ذاك. عن هذا الطرف اللبناني أو ذاك. فهي للاستعمال السياسي عند الضرورة القصوى وليست للمنابر حيث التعبئة في غير محلها.
لماذا اعتقدت الإدارة السياسية السورية أن باستطاعتها استعادة المفاوضات المباشرة مع الأميركيين نتيجة لهذه الحرب؟ وفق أي موازين قوى واستناداً الى أية معايير؟
هل اعتقد منظّرو هذه الإدارة أن الحرب التي شنتها إسرائيل على لبنان تهدف الى دفع الإدارة الأميركية الى التفاوض مع سوريا؟ إذا كانت أوروبا وأميركا رفضتا التفاوض مع إيران رغم معرفتهم بالمرجعية الحاسمة ل حزب الله في طهران فكيف لنفس الجهات بأن تقبل بدور سوري ولو سياسيا وعن بعد في لبنان؟
إن المشروع الأساسي للإدارة الأميركية منذ صدور القرار 1559 وخروج الجيش السوري من لبنان هو عزل سوريا ولبنان عن التأثير العراقي الإيراني. وإذا كان هذا المشروع لم تتوفر له سبل النجاح لا في سوريا ولا في لبنان فهذا لا يعني أن القائمين على إدارته قرروا مد يدهم الى الطرف السوري أو الطرف الإيراني لمباحثتهم في الشؤون اللبنانية أو حتى في مسألة هضبة الجولان السورية المحتلة.
من أين للرئيس السوري أن يتذكر أن الحكومة اللبنانية لا تملك صفة تمثيلية كافية للوفاق في لبنان وأن على اللبنانيين تشكيل حكومة وفاقية تمثل جميع اللبنانيين وقادرة على ما هو مطلوب منها؟
زيارة سوريا المؤجلة عمداً
لا شك أن رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة أخطأ عمداً في عدم تلبيته الدعوات الثلاث التي تلقاها لزيارة العاصمة السورية بصرف النظر عن مشروعية حجة استباق الزيارة بجدول الأعمال. لكن هذا الخطأ لا يقابَل بكلام للرئيس السوري حول مشروعية حكومة لبنانية لا تستمد شيئاً من دستوريتها من القرار السوري. فلماذا التذكير بما لم يعد متوافرا من قدرة. والتفكير بما ليس واقعيا في ميزان القوى المحلي والعربي والدولي. بحيث يصبح انكشاف الموقف السوري أكثر سهولة من اكتشاف نقاط الضعف في الحكومة اللبنانية.
كيف يمكن للعلاقات العربية الفارسية على حد تعبير الرئيس الأسد أن تبحث في حديث صحافي أو من على منبر خطابي. هذه مسألة شديدة الحساسية والتعقيد للدول الكبرى في المنطقة العربية وبحثها لو كان هناك من رغبة لا يكون إلا ضمن غرف مغلقة قادرة بسماكة جدرانها على حماية ما سيقال داخلها. فكيف إذا كانت الإدارة الأميركية ومعها الاتحاد الأوروبي تعتبران إيران ودورها من الأخطار الكبيرة في منطقة الشرق الأوسط؟
للسعودية حدود مع العراق طولها 900 كيلومتر يجري تهريب السلاح عبرها في اتجاهين. الأول الى عناصر تنظيم القاعدة التي يقيم نجل رئيسها أسامة بن لادن في طهران حسب معلومات الأجهزة الأمنية السعودية. الاتجاه الثاني هو المناطق الشرقية من السعودية التي تقطنها غالبية شيعية.
الرئيس المصري حسني مبارك يتحدث عن خطر التشييع بين المصريين.
الملك عبد الله الثاني لا يعرف من أين يتحسّب لتهريب السلاح الى الداخل الأردني. رغم ذلك فهو يستعمل أدق التعابير وأكثرها توازنا في مسألة النزاع العربي الإسرائيلي.
أين الاحتضان السوري الفعال لهذه المخاوف بحيث يصبح الحديث عن أهمية الثقل الإيراني في النزاع مع إسرائيل مقنعا؟
الهدوء ليس مستقراً
إن متابعة دقيقة للنصوص السياسية للرئيس الأسد لا توحي بأن الهدوء الذي ساد حديثه الى صحيفة الأنباء الكويتية دائم ومستقر رغم إعلانه رغبته بعودة القمم المصرية السعودية السورية. لكن لماذا هذا التصاعد في الحدة والجرأة على الخطأ منذ 3 سنوات وحتى اليوم؟
لا شك بأن النظام السوري مصاب بخيبة أمل من السياسة الأميركية في الشرق الأوسط في الوقت الذي أصبحت فيه الأرض السورية المحتلة هي الوحيدة المحتلة من الأرض العربية فضلاً عن مشكلة مزارع شبعا اللبنانية والمحدودة التأثير نسبيا. خيبة الأمل هذه قديمة لم تولد مع الرئيس الشاب بل يمكن اعتبارها قديمة ومتقلبة منذ أيام الرئيس حافظ الأسد. تشهد على ذلك مؤلفات الدكتور هنري كيسنجر وزير الخارجية الأميركي الأسبق والأشهر ودنيس روس مساعد وزير الخارجية الأميركي في عهد الرئيس كلينتون.
إن النظر الى خريطة أولويات العمل السياسي السوري الحالي توضح أنها تتضمن نفس الأولويات التي وضعها الرئيس الأب، أي الساحتين الفلسطينية واللبنانية. وفي الوقت الذي حقق فيه الرئيس الشاب تقدماً في تحالفاته على الساحة الفلسطينية، خرج الدور السوري من لبنان بقرار دولي بعد أن بدا لوقت طويل أن النظام السوري شريك في عملية تحرير الأراضي اللبنانية المحتلة دون رغبته. إذ أن التحرير الذي تحقق في العام 2000 بفضل المقاومة وعملياتها المستمرة حقق دون إرادة الإدارة السورية فصل المسارين اللبناني والسوري في تسوية أزمة المنطقة. لذلك يبدو الرئيس الشاب أكثر علانية وحدة ورغبة ومتابعة لدور المقاومة والحفاظ على سلاحها باعتبار أن صلة الرحم بين الأراضي السورية المحتلة والمزارع اللبنانية المحتلة ستنقطع إذا تخلت المقاومة عن سلاحها.
المشروع الإمبراطوري
أما في مسألة العلاقات مع إيران فإن الرئيس الشاب اندفع نحو علاقات بدت فيها سوريا الطرف الضعيف في مشروع إمبراطوري.
قد لا تكون هذه الصورة صحيحة من الداخل. لكن انطباع الخارج خفّض الى الحد الأدنى من شعبية هذه العلاقات. ورغم كل المحاولات لشرح هذه العلاقة على أنها البديل لخروج مصر من النزاع العربي الإسرائيلي وأن إيران تريد من حركتها دعم حركات المقاومة الإسلامية في وجه الاحتلال الإسرائيلي. رغم هذه المحاولات فإن الصورة العربية والدولية أسست لقناعة بأن الدور العربي في المشروع الإيراني هو طريق للعبور الى الحدود مع إسرائيل حيث كل الأطراف الدولية تلتقي لتتفاوض أو لتتحاوب فتضمن إيران مقعداً شرعياً لها على طاولة المنطقة.
هل يمكن اعتبار كلام الرئيس الأسد عن الزعماء العرب مفيداً لما ورثه من أولويات سياسية. أم أنه يتعمّد الخروج عن القواعد التي عرفها في السنوات العشر الأخيرة من حياته؟
البعض ممن يعرفه عن قرب يقول إنه قرر اتباع سياسة ثورية يتجاوز فيها إرث أسلوب والده بعد اللحظة الأولى من إحساسه بأن هناك قرارا دوليا يحضّر لإخراجه من لبنان في العام .2004 واعتبر أن كل من وصفه من زعماء عرب ولبنانيين هم شركاء في هذا القرار.
انتهز فرصة نهاية الحرب الاسرائيلية على لبنان بانتصار المقاومة ليقول ما يخبئه في صدره منذ عامين.
البعض الآخر يقول ان الاعلام يحاسب الرئيس الشاب على ما انتهى إليه والده حين جعلت منه خبرته ومعرفته ودرايته في اوضاع المنطقة المفاوض الاول للجميع، وباعتراف الجميع. بينما لو عدنا بالتاريخ الى بدايات الرئيس الأسد الأب لوجدنا ان هناك تشابهاً كبيراً بين ما اعتُبر في ذلك الحين اخطاء الأب، وما يُعتبر الآن اخطاء الابن.
الفارق الوحيد والاساسي ان أوراق التفاوض على الملفات التي توحي دمشق بإمساكها بها ليست في يد الادارة السياسية السورية بكاملها، او على الاقل لا تقبض على الجزء المقرر منها.
اللعب على ملاعب الآخرين
النقطة الوحيدة المماثلة بين العهدين ان اللعب على طاولة سياسة المنطقة لا يتم داخل الأراضي السورية المحتلة، بل على الساحات العراقية والفلسطينية واللبنانية، مع الفارق بين احجام التأثير. وهنا مكمن الضعف. فما كان مقبولا من الأب الذي خاض حرب تشرين في العام 73 وتمسك بمشروعية نظامه منها، ليس متاحاً للرئيس الشاب الذي يصعب عليه اقناع اللبنانيين والفلسطينيين بأن تدخله في شؤونهم هو لصالحهم السياسي المستقبلي.
هذه إشكالية سيصعب على الادارة السياسية السورية الخروج من براثنها لفترة طويلة، برغم كل المحاولات لتبرير استمرارها، وفي ظل اجواء دولية معاندة في مقاطعتها لسوريا حتى تنفيذ جدول الاعمال الاميركي.
لذلك، لم يكن نبأ صحيفة معاريف الاسرائيلية بأن شعبة الاستخبارات العسكرية الاسرائيلية باتت ترى احتمالات نشوب حرب مع سوريا اكبر من ذي قبل، مع العلم بأن الحديث في سوريا عن الخيار العسكري ما زال في طور أفكار ولم تُتخذ خطوات عملية في هذا الاتجاه.
الصبر على ولايتي بوش وشيراك..
الذين يعرفون دائرة الصبر السوري او ما يمكن تسميته سوق شراء الوقت ، يقولون ان هذا لن يحدث قبل انتهاء ولاية الرئيس الفرنسي جاك شيراك وربما ولاية الرئيس جورج بوش في اوائل العام ,2008 إذ ان الحروب يُقصد منها الاستنتاج السياسي، اي عودة سوريا الى مقعدها في طاولة المفاوضات. وهذا غير متاح ولا عملي في ظل ولايتي الرئيسين بوش وشيراك. هل يمكن اقناع النظام السوري بأن أمنه السياسي في لبنان لا يتحقق عن طريق الجرأة على الخطأ بعد خروج أمنه العسكري؟ وهل يمكن ان لا يكون على علم بمخاطر الحرب الاهلية بين الفلسطينيين والاطراف الجاهزة للتشجيع عليها، فلا يكون عائقاً عبر حليفه وضيفه خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، دون تشكيل حكومة وحدة وطنية تستلزم التنازلات من الطرفين؟
السراي الكبير مليئاً
للمرة الاولى أذهب الى السراي الحكومية منذ خروج الرئيس الشهيد رفيق الحريري منها. وجدتها مزدحمة بالضيوف والأفكار والمداولات، وقبل ذلك مليئة وممتلئة برئيس الوزراء فؤاد السنيورة.
ليس من السهل ابداً ملء مكان كان فيه رفيق الحريري. هذا حضور يعجز عنه الكثيرون. قال اللواء سامي الخطيب، وزير الداخلية الاسبق للرئيس الشهيد، لقد كبّرتَ الكرسي الى درجة ان من سيأتي بعدك سيجده كبيراً عليه. ضحك الرئيس الحريري وأجاب هو كبير بأهله وليس بمن يجلس عليه . من يعرف السرايَ من قبل ويدخلها، لا يجد المقعد شاغراً بل يمتلئ بقدرة على الاعباء وحكمة تعرف حجم لبنان وقدراته فلا تبالغ ولا تقلّل.
مع فارق المهام، يمكن القول ان المجتمع السياسي الاسلامي اللبناني استطاع ان يثبت قدرته على ملء الفراغات مع الرئيس نجيب ميقاتي حين شكل حكومة الانتخابات، ومع الرئيس فؤاد السنيورة الذي يترأس حكومة الأزمات.
يبدأ النقاش بالصحن اليومي، اي السياسة السورية. يُظهر الرئيس السنيورة حرصاً جدياً على العلاقات اللبنانية السورية الجدية والسليمة، ويؤكد انه ليس من مصلحة لبنان ان توضع سوريا في الزاوية عربياً ودولياً، ثم يستغرب منها انها تستعمل اظافرها دفاعاً حتى عن خطئها.
حاولتُ بقدر ما يسمح حجم لبنان ورئاسة وزارته ان أناقش هذه الحقيقة حيثما ذهبت، مشيراً بإصبعه الى اصغر عقدة لتحديد الأحجام.
كلهم يريدون بادرة حسن نيّة فلا يجدونها. المانيا وايطاليا اكثر الدول الاوروبية استعداداً لهذا المفهوم. لكن من يبادر بحسن نيته؟ نحن اول المستفيدين من انهاء العزلة الدولية لسوريا. لذلك لن اترك جهداً اقوم به في هذا المجال.
المحكمة الدولية
كيف تكون هذه مصلحة لبنان، وسوريا تعارض مباشرة او مداورة او عبر حلفائها، انشاء المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس الحريري؟
المحكمة ذات الطابع الدولي ليست شأناً لبنانياً، بل هي قرار دولي نتابعه نحن عن بعد. لا احد يستطيع الوقوف في وجه مثل هذا القرار.
قرار المحكمة والقرار 1701 صنوان مترافقان، لو ضعف احدهما لأصيب الثاني. لذلك أنا لست قلقاً على صدور قرار المحكمة ذات الطابع الدولي، وبطبيعة الحال على تنفيذ القرار .1701 لا تزال تردنا حتى الآن طلبات للمشاركة في قوات الطوارئ الدولية، ما يوضح مدى اهمية هذا القرار للمجتمع الدولي. الحكومة اللبنانية حتى لا اقول أنا وسعد الحريري هي التي طلبت واستمهلت مصرّة على ان نزع السلاح مسألة تخضع للحوار الداخلي وللتوافق. ولم يكن من السهل الحصول على هذا التفهم من المجتمع الدولي، مع العلم بأن النقاط السبع التي اعلنتها في مؤتمر روما تنص على حصر السلاح والسلطة بالدولة اللبنانية، كما نص اتفاق الطائف. وهي النقاط التي وافق عليها وزيرا حزب الله في مجلس الوزراء .
فلسطين: الكلمة المفتاح
نعود الى الاساس، اي الموضوع الفلسطيني. لا يتركني الرئيس السنيورة أكمل كلامي. هذه الكلمة المفتاح مع رئيس وزراء بريطانيا والمستشارة الالمانية ورئيس الوزراء الاسباني وكوندليسا رايس ورئيس الوزراء الايطالي. لا حل في المنطقة من دون حل دائم للوضع الفلسطيني. لا أتذكر أياً منّا كان يسبق الآخر في استعمال التعبير. حتى مع الرئيس الروسي بوتين على الهاتف استعملت التعابير نفسها. هناك تفهم دولي اكيد لهذا المفهوم. الى اين يصل. لا اعرف الاجابة الآن .
اخرج من السراي اكثر أمانا، ليس بسبب التطورات بل لاطمئناني الى ان من يراقب هذه التطورات لا تنقصه الدراية والدقة، لولا العادة الموروثة عن الرئيس الحريري، او الاصيلة في الرئيس السنيورة التي تجعله يحمل القلم ويقرأ في كل ورقة واقفاً او جالساً او سائراً خارج مكتبه لاستقبال الضيف القادم.
الأمر الوحيد الذي جعلني قلقاً، هو مسألة المحكمة الدولية. هل هناك مفاوضات سرية تؤخر اتمام نظامها؟
المصدر القضائي الموثوق يقول انه ليس هناك من مفاوضات سياسية مع اي جهة اقليمية تؤجل انشاء المحكمة، بل ثمة اعتراض جدّي من قبل ثلاث دول على تعبير الجرائم ضد الإنسانية الوارد في المسودة. وهو يعطي المحكمة حق رفع الحصانة واستدعاء اي مسؤول سياسي للمثول امام المحكمة.
الدول هي الصين وروسيا والولايات المتحدة الاميركية.
الصين بسبب علاقتها الاقتصادية بإيران، الحليفة لسوريا. وروسيا بسبب خوفها من هذه السابقة التي يمكن لأي نظام مستقر في الشيشان ان يستعملها في وجه روسيا المتهمة باغتيال عدد من قادة المعارضة الشيشانية. اما الولايات المتحدة فهي تتحفظ عن هذا البند تفهما للموقف الروسي.
المسودة اعتمدت نظام الانكلوساكسوني القائم على ان يكون المحقق هو المدعي العام نفسه، وهذه ليست نقطة خلاف مع احد. لذلك لن يستغرق إقرار الصياغة الجديدة غير اسابيع قليلة إلا إذا تأجل الامر الى ما بعد التسلم والتسليم بين الامين العام الحالي والامين العام الجديد في منتصف الشهر المقبل.
يعود القلق مرة اخرى حين تدخل عين التينة حيث الرئيس بري يرطن بكل اللغات تبرماً وتأففاً من الاحاديث والتصريحات والخطابات. يصل به التوتر الى درجة استعمال الترحيب الشهير للرئيس شارل حلو للصحافيين أهلاً بكم في وطنكم الثاني لبنان ، في وصفه لأصحاب الخطابات.
لكنه لا ييأس. يحاول الحوار ثنائياً وثلاثياً، بدلاً من الطاولة الجامعة لتعذّرها.
يعوّل الرئيس بري كثيراً على المسعى السعودي، إذ لا دواء من الداخل. ولا تهدئة ما لم تعد الرطوبة الى العلاقات السعودية السورية. إذ ان صفة الاعتدال المتوفرة في السياسة السعودية والترفع عن المطامع الشخصية يجعلان من هذا الدور ضرورة للبنان وحاجة لسوريا.
تاريخ الدبلوماسية السعودية يقول بأنه لو لم يكن هناك استعداد مسبق لما تم تحديد موعد زيارة الرئيس بري الى المملكة بالسرعة القصوى كما حدث، مع العلم بأن الزيارة مؤجلة من بداية الحرب الاسرائيلية على لبنان.
سمي الرئيس بري بصفات كثيرة في الاشهر الماضية. لكنه يتخذ هذه الايام صفة الحاضنة التي تهدئ المتوترين، وتغْني المحتاجين سياسياً، وتغنّي لكل منهم اغنيته حتى ينام…
ماذا عن الجرأة العربية على الخطأ؟
(يتبع)