“التغيير في العالم العربي والعلاقة مع سوريا”: الضمانة في الديمقراطية وحدها، افتتاح المكتبة العتمة في سعدنايل

محاضرات 17 سبتمبر 2011 0

الخير يلزمه زرع والزرع لكي يُثمر يلزمه وقت وصبر وجهد، أنا متأكد بأن أهل المنطقة هنا هم أهل خير مثلما هم أهل قبضايات بالسياسة، وقبضايات بالخير أيضاً، ومحبون لبعضهم البعض، ويتابعون أمور بعضهم البعض، ويرون حاجات بعضهم البعض. والدليل ان مجموعة من الشباب استطاعت تأسيس هذه الرابطة، وواضح من نشاطاتها انها تُبنى حجرة حجرة ورويداً رويداً والدقة والصبر يجعلان البناء أكثر صلابة، وتمتد جذوره في الأرض ويصل الى كل الناس المحتاجين. وكانت مُحّقة عندما قالت ان الخير لا يُشبه فئات الدم، ليس فيه لا ألف ولا باء، والخير هو لكل الناس ومن كل الناس. ومن هنا أوجّه التحية الى الأستاذ شوقي عزازي والأستاذ عمر حلبي والأستاذ منيف شوباصي والأخت دعد على الجهد الذي يبذلونه، لأن هذه المكتبة هي التي توصل الى كل الأماكن.
لقد أتينا مع الإخوان، مع الدكتور عاصم والدكتور طوني والإخوة النواب والأخ أيوب، أتينا من زيارة شباب من قوى الأمن الداخلي الذين تمت محاولة اغتيالهم منذ يومين في المستشفى. هؤلاء الشباب إن شاء الله نطمئن عنهم قريباً، ولكن أريد أن أقول ان هؤلاء الشباب يفدوننا جميعاً، وهؤلاء مسؤوليتنا جميعاً، ولكن هؤلاء الشباب يؤكدون أيضاً وجودكم هنا وعاطفتكم تجاههم، وعاطفة أهل الضيعة التي رأيتها في المستشفى، تؤكد انه لا يوجد عقل منا يرضخ للإرهاب أياً كان مصدره ومهما كان سلاحه، وسواء كان داخل الحدود اللبنانية أو خارج الحدود اللبنانية. هذا يجب أن يكون واضحاً من سعدنايل ومن كل البقاع ومن كل لبنان، بأنه مهما حاولوا، وهم حاولوا كثيراً بدءاً من “فتح الإسلام” في طرابلس وصولاً الى شباب استشهدوا هنا في البقاع، وفي كل بلدة لبنانية دفاعا عنا وعن لبنانيتنا وعن عروبتنا وعن إيماننا، وهذا يؤكد دائماً استمرار الحياة واستمرارنا على قناعاتنا وصدقنا وإخلاصنا بما نُفكّر به. وبالنتيجة هو عقلكم وهو ضميركم وهو قناعاتكم التي تنتصر، والإرهاب يتراجع مهما حاول الإيحاء بأنه قادر، إنما هو قادر فقط على القتل، ولا يستطيع أن يُقنع أحداً منا بأفكاره ولا بأي شيء من اتصالاته، ولا بأي شيء من رغباته وأهدافه، فمهما قتل من هؤلاء الشباب، وإن شاء الله أن لا يُقتل أحد، ويبقى الجميع بخير، ولكن هذه الأجهزة الأمنية اللبنانية تُعبر عن وطنيتنا، تحفظ أمننا ونحن جميعا معها، ونحن سنبقى نواجه الإرهاب، ومهما رأينا من دم لا يعتقدّن للحظة بأننا نُسلّم بمنطقهم أو نُسلّم بعقلهم أو نُسلّم بقوتهم.
بما ان الحديث ينتقل من مكان الى مكان، هناك عدّة مواضيع أود أن أتحدث عنها، ولكن سأبدأ بموضوع له علاقة بما سمعتموه في الآونة الأخيرة من كلام سيدنا البطريرك الراعي، سواء المتعلق بخوفه من التغيير في سوريا، او خوفه من التغيير في العالم العربي وقلقه، أو لست أدري ما إذا قلت تلميحه او اتهامه للمسلمين في لبنان وأهل السُنة والجماعة، بأن هناك احتمال بأن يتحالفوا مع الإسلام المُتشدّد المقبل في العالم العربي.
أنا لن أدخل في نقاش لأن كلام البطريرك الراعي ذو شقين، كلام يتعلق بهذا الموضوع، وكلام يتعلق بالسلاح وبمنطق السلاح وبربطه بالتوطين أو بأي عملية سلام إقليمي.
أنا سأتحدث بالتدرُج:
في الموضوع الأول أنا أقول ان حركة التغيير في العالم العربي في مصر وتونس واليمن، وفي كل مكان، وحالياً في سوريا لم يُثبت ولا لحظة ان طابعها أو جمهورها أو مُحرّكها ولا القادرين فيها هم ملتزمين بأي تنظيم إسلامي، مع احترامي لكل التنظيمات، هذه حركة ثورية شعبية عربية خرجت من الناس، من كل الناس بدون استثناء، وإذا كان المثل الأكبر وهو المثل الدائم مصر، فالأقباط في مصر هم طليعة الثورة، وهم الذين بدأوا بالثورة، وهم من شاركوا فيها منذ اللحظة الأولى، وبالعكس، ربما تصرّفوا خارج إرادة كنيستهم التي كانت تتحدث في وقت من الأوقات بضرورة الإستقرار والحفاظ على النظام وعدم الإندفاع والتهور. وثبت ان الشباب الذين نزلوا الى ميدان التحرير هم محقّون، وهم من يستطيعون التغيير، وهم طليعة الثورة العربية في كل مكان.
السؤال لماذا نحن لم نتعوّد على هذا الموضوع؟ ولماذا لا نُصدّق بأن هذه الثورة هي ثورة شعبية عربية خرجت من الناس حقيقة؟ لأن كل ذاكرتنا قائمة على الإنقلاب العسكري، وان ننام ونستيقظ لنجد ان جيشاً استلم السلطة، أزاح أشخاص وأتى أشخاص مكانهم، وبالتالي من خلال وعينا وذاكرتنا منذ خمسين سنة، لم نتعوّد بأن هذا النظام يأتي شعب ويُغيّره، ولكي نتعود على ان الشعب يُغيّر ويعيد تركيز المؤسسات، ويبدو ان الإستقرار هو السمة الأولى للحياة السياسية والإجتماعية في أي بلد، مثل مصر أو تونس أو كل البلاد التي تشهد ثورات، لكي نتعوّد على ذلك، فهذا سيستغرق وقتاً، ولكن لا يجب أن ينشغل بالنا ولا للحظة، لأنه مهما استغرق ذلك من وقت، ومهما ظهرت القلاقل والإضطرابات والمشاكل، ولكن بالتأكيد هذه الثورات شعبية، ونريد أن تنتصر بالديموقراطية وبالإنتخابات، وليس بقلع شخص والمجيء بشخص آخر، وليس بين ليلة وضحاها يمكن أن ننتظر ان نظاما جديداً سيظهر، أو ان مجموعة الإدارة السياسية للبلد ستظهر وكأنها بصورتها الطبيعية. بمعنى ذهب وزير داخلية وأتى وزير آخر، وذهب وزير خارجية وأتى آخر، كلا هذا لن يظهر لأنه إذا ظهر لا تكون ثورة شعبية، هذا الشخص الذي سيظهر في موقع المسؤولية سواء كان رئيساً أو أعضاء مجلس نواب أو حكومة سيظهر نتيجة انتخابات، وهذه الإنتخابات هي التي تُعبّر عن رأي الناس، ولكن هذه الإنتخابات تستغرق وقتاً. لذلك أعتقد ان سيدنا البطريرك استعجل بالإستنتاج، لأنه لو انتظر قليلاً كان سيتبيّن له ان هذه الثورات ثورات شعبية وهي ليست ثورات دينية، وليست ثورات تبحث عن تطرّف أو تسعى لجعل التطرّف هو واجهة الدولة أو البلد، والدليل انه حصلت انتخابات في مجالس الجامعات المصرية بعد الثورة، في كل الجامعات المصرية فتبيّن ان الإخوان المسلمين حصلوا على نسبة 21 بالمئة في انتخابات الجامعات المصرية، بمعنى ان هناك 79 بالمئة من ممثلي الجامعات المصرية ويُعدّون بالملايين من الشعب المصري، لا ينتمون الى تنظيم ديني، بل ينتمون الى الوطن المصري، الى الديموقراطية المصرية والى الشعب المصري والى الناس مثلنا، ناس من كل مكان ومن كل اتجاه ومن كل صوت ومن كل تفكير، قادرة على التعبير عن رأيها.

النقطة الثانية التي سأتحدث عنها بأنه أياً كان النظام في أي بلد عربي وخاصة في سوريا، وأياً كانت علاقة هذا النظام بالمسيحيين المواطنين السوريين الذين يعيشون في سوريا، أياً كانت التقديمات أو الضمانات، فهي ليست أكيدة ولا صحيحة، ولكن طالما انها تعتمد على نظام ديكتاتوري فردي، فهي ليست ضمانات ولا تؤسس للإستقرار ولا تعيش ولا تستمر.
الضمانة الوحيدة الحقيقية لكل الناس هي الديموقراطية، هي الإنتخابات وقدرتها بالتعبير عن رأيها، وهي في حقها باختيار ممثليها في صندوق الإقتراع ، والديموقراطية لا تكون بأن شخصا يعطيك الضمانة، الدنيا فيها حياة وموت، وأنا هنا أتحدث بأسوأ الإحتمالات. فكيف يمكن أن أقبل بضمانة من شخص، كل أهمية ضمانته انه هو الذي يعطينا إياها. ولكن ماذا وإن أعطاني إياها، وبالتالي إذا لم يكن النظام ديموقراطياً لا يعطيني ضمانتي ولا حريتي ولا حقي بالتغيير، لا يكون عندي أي ضمانة حتى لو كنت مسيحياً أو سريانياًٍ أو ارثوذكسياً أو مارونياً أو مسلماً، أنا مواطن لا أحد يستطيع إعطائي ضمانات إلا ضمانة النظام الحر الديموقراطي، وبالتالي من يبحث عن ضمانات في نظام ديموقراطي، يكون بذلك يظلم المسيحيين والمسلمين على السواء، ولا يكون يظلم المسيحيين فقط ولا المسلمين فقط، وأعتقد ان هذا الأمر يستحق المراجعة بشكل جدي من قبل سيدنا البطريرك وكبار رجال الدين المسيحيين، وباعتقادي انهم إذا غلّبوا عقلهم وضميرهم، وغلّبوا الديموقراطية سيجدون ان الجواب الوحيد والضمانة الوحيدة هي المواطنية التي تستند الى الحرية، وبالتالي ما هي أهمية المواطنية بدون حرية؟ هل يكون ذلك بأن الواحد يأكل ويشرب ويذهب الى عمله ويعود الى منزله فقط، بدون مؤاخذة هذا نصف إنسان، والإنسان لا يستكمل إنسانيته إلا بالحرية وفي حقه بالتعبير وبأن يقول رأيه، والمسيحيين هم قلب هذا الجسم، فهل سمعتم بأن جسماً يعيش بدون قلب؟ وبالتالي هذا الجسم لا ينمو ولا يكبر ولا يكون بصحته إلا إذا كان قلبه يعمل جيداً.
أعود وأؤكد مرة أخرى، نحن كمجموعة سياسية تُمثّل شريحة وطنية، ولكنها في الأساس الممثل الأول والرئيسي لطائفة كبرى من المسلمين، لن نقبل بأي نظام أو أي قانون انتخابات لا يُطمئن المسيحيين ويُرضيهم، وبالتالي الموضوع ليس مطروحاً في لبنان.
إذا تبيّن من كلام الآخرين عدم دقة بمعرفة الوضع العربي، فبالتأكيد يجب أن يكون واضحاً تماماً بأن الوضع في لبنان بهذا المعنى، من جهتنا وجهة غيرنا، غير خاضع لأي تهديد أو إرهاب، ولن نقبل من أحد إلا بأن يكون قانون الإنتخابات الذي هو قاعدة أي نظام سياسي، مُطمئنا للمسيحيين بشكل كامل وعاقل ومنطقي.
إذاً نحن لسنا مرشحين للتحالف مع أحد، ولن نتحالف مع أحد إلا بما يعطي هذا القلب لهذا الجسم الكبير، المزيد من الصحة والعافية والدم النظيف، وكل ما يؤسس لحياة وطنية سليمة للجسم والقلب.

الموضوع الثاني الذي حُكي عنه حول موضوع السلاح و”حزب الله” وربط وجود السلاح بتنفيذ القرارات الدولية، وعودة الفلسطينيين وعودة اللاجئين، أنا لن أتحدث عن الفلسطينيين فهم يتحدثون عن أنفسهم أكثر مني بكثير، ولكن أنا أكيد بأن الفلسطينيين قبل جميع اللبنانيين لن يقبلوا إلا بحق العودة، فلماذا نبحث عن مزايدة عليهم وكأننا نوجّه إليهم اتهام، أنا لا أوجّه لهم اتهام، ولا يجوز لأي لبناني أن يوجّه لهم الكلام حول موضوع عودة اللاجئين، وكأن هناك اتهام لهم بأنهم يشجعون أو يرغبون بالبقاء في لبنان، فهذا ليس صحيحاً وسأعطي مثل على هذا الكلام: منذ عام 1948 حتى العام 2001 كان للفلسطينيين حق التملّك في لبنان، قانونيا كان يحق لهم التملك، ولم يتملكوا.
الموضوع الآخر الذي أود التحدث عنه وهو مثار نقاش منذ أشهر طويلة، منذ تكليف الرئيس ميقاتي بتشكيل الحكومة، هو الوضع الحكومي: هناك بعض الناس منا ومن أهلنا ومن جماعتنا تحت الرغبة بالإستقرار والحياة العادية واليومية، يقولون انه يجب إيجاد صيغة من صيغ التعايش مع هذه الحكومة، صيغة سياسية، ولكن هل هناك من يستطيع تنظيم حياته مع حرامي، فالحياة لا يمكن أن تنتظم إذا كانت قاعدتها السرقة، هذه حكومة الأكثرية المسروقة منكم، ألم تنزلوا أنتم وصوّتم في الإنتخابات ووضعتم الأوراق في صندوق الإقتراع؟ وأعتقد أنكم لم تضعوا هذه الأوراق لكي تصلوا الى هكذا سياسة. وبالتالي هذه الأكثرية مسروقة من أصواتكم، هذا بند أول، والبند الثاني هذه الحكومة تضم مُشتبه بهم باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، فيها ممثلين سياسيين لـحزب ينتمي اليه أفراد أربعة، لكي أكون دقيقاً في النص، مُتهمين من قبل المحكمة الدولية باغتيال الرئيس رفيق الحريري، فكيف يمكن أن أعيش مع هكذا حكومة أو أن أعترف بهكذا حكومة أو أن أتعامل مع هذه الحكومة؟.
أنا أعتقد انه سيتبيّن مع الوقت ان كل الكلام عن إمكانية الحياة السياسية، وأنا هنا لا أتحدث بشكل شخصي، الحياة السياسية والدستورية مع هذه الحكومة هي محاولة ستبؤ بالفشل، ولن تصل الى أية نتيجة، لأن قاعدة التعامل من قبل الحكومة، هناك قاعدتان:
1- الأكثرية المسروقة من أصواتكم ومن رأيكم ومن اتجاهكم السياسي.
2- انها تضم ممثلين سياسيين لحزب فيه ومنه أفراد مُتهمين باغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وبالتالي كيف يمكن أن تكون العلاقة طبيعية؟ وهذا افتراض رغبته بالإستقرار هل تعرفون لماذا؟ لأننا تعوّدنا على الإستقرار الظالم كما إسمّيه أنا، بمعنى اننا نقبل بالظلم طالما يُحقق لنا الإستقرار، ونقبل بالقهر طالما يُحقق لنا الإستقرار، ونقبل بالأذى طالما يُحقق لنا الإستقرار، ونقبل بالإعتداء طالما يُحقق لنا الإستقرار، كلا لا نقبل ولا نقبل ولن نقبل، نحن نريد استقراراً عادلاًُ عاقلاًً يقوم على ثوابت وطنية، ليس فيها اتهامات ولا اغتيالات ولا أكثرية مسروقة وادعاء صفة تمثيل.
ربما هذا الرأي قد يظهر أنه مستعجل أو مُتحمّس، ولكن أمامنا الوقت، أسابيع قليلة وسيظهر ان هذه الحكومة لا تستطيع أن تُحقق الإستقرار لكل اللبنانيين، لأنها جاءت لثلاثة أسباب، شروط تشكيلها أو دفتر شروط تشكيلها قائم على ثلاثة أسباب:
– الشرط الأول هو حماية السلاح خارج الدولة، وهذا ما لا يقبله الغالبية العظمى من اللبنانيين.
– الشرط الثاني الوقوف بصيغ وأفكار مختلفة لم تعتمد شكلها بعد بوجه المحكمة الدولية التي هي الضمانة الوحيدة، لكي نبقى أحياء بدون مؤاخذة، المحكمة الدولية لن تُعيد الشهيد رفيق الحريري ولا أي من الشهداء الذين استشهدوا رحمهم الله. ولكن هذه المحكمة هي التي تتيح لنا الإجتماع في قاعة كهذه، وأن نقول رأينا دون الخوف من أن ينتظرنا أحد على الطريق لاغتيالنا، أو للتعرض لنا بسبب حرية رأينا.
– الشرط الثالث حماية ظلم النظام السوري لشعبه.
وبالتالي إذا كانت هذه الشروط الثلاثة التي قامت عليها هذه الحكومة، فكيف يمكن أن تُحقق الإستقرار؟ وهذا ليس وصفا ولا اعتداء، ما أقوله حدث في الأمم المتحدة، وحدث في الجامعة العربية وفي كل التصرّفات السياسية من هذه الحكومة تجاه الثورة الشعبية في سوريا.
رئيس الحكومة وبعض وزرائه يدعوننا لكي لا نسمع صوت الشعب السوري، ولكي نضع سداً أمام أي رد فعل لبناني من قبل الشعب اللبناني تجاه الثورة السورية، فكيف يصح هذا الكلام؟ فكيف يمكن أن نسمع بما هو حاصل في مصر وتونس واليمن ونفرح للثورة وللديموقراطية وللحرية ونُصفّق للأحرار، وعندما يصبح الوضع في سوريا كما هوعليه الآن، مطلوب مني أن لا أسمع ان هناك ثلاثة آلاف قتيل على الأقل مُعلنين في سوريا، ومطلوب مني بأن لا أسمع بأن هناك عشرة آلاف مفقود في سوريا، ومطلوب مني أن لا أسمع صوت الناس التي تُطالب بالحرية، ومطلوب مني أن لا أسمع رغبات الناس بأن تشبهني وتشبه اللبناني بحريته وباعتداله وبتسامحه وبعقلنته، لا أفهم كل هذا فإذا كنتم أنتم تقبلون ذلك فأنا لا أقبله.
الآن نحن ندور وندور ونعود الى نفس الموضوع، هناك بعض الناس، وهنا أعود وأؤكد على هذا الكلام، يعتقدون انهم على حق ويقولون بأنه يجب أن نبقى على الحياد، فأي حياد هذا وحياد من ماذا؟ فكيف يمكن أن نكون على الحياة من الحرية، وعلى الحياد من أمر يتعلق بكرامة الشعب السوري، بالعدالة المطلوبة للشعب السوري، وبالحرية المطلوبة للشعب السوري؟. أنا لا أستطيع أن أفعل شيء، وهذه الأوهام والأكاذيب حول السلاح لا لزوم لكي نُكرّر نفيها، ولكن أريد أن أقول ان هناك سبب أيضاً غير الشائع، والذي أعتقد أنه يشبهكم جميعكم ويتعلق بالحرية والكرامة والعزة وبالكبرياء وبالعدالة، التي لا يجوز أن لا نطالب بها لإخواننا السوريين.
هناك شيء أهم من ذلك، نحن كلبنانيين لنا مصلحة مباشرة في التغيير السياسي في سوريا، ودعونا نراجع التاريخ قليلاً، فمنذ عشر سنوات إذا أردت أن لا أعود الى الأربعين سنة الماضية، أقول منذ عشر سنوات أو منذ 11 سنة حتى اليوم فشلنا كلبنانيين في كل الحكومات التي مرّت، أياً كان تمثيلها السياسي، سواء كنا فيها نحن أم غيرنا، فشلنا تماماً بإقامة علاقات طبيعية بين لبنان وسوريا، لأنه لا يمكن إقامة علاقات طبيعية بين نظام ديموقراطي ونظام أمني، وبين عقل عسكري وعقل مدني، بين منطق سلمي وبين إلزام بالأجهزة وبالقتل وبالإعتقال والحجز والظلم وبالإكراه، هذه لا يمكن أن تجتمع مع بعضها مهما حاولنا ومهما ادعينا ومهما اعتقدنا أننا أقمنا علاقات أو حاولنا إقامة علاقات، كل التجارب تؤكد استحالة إقامة علاقات لبنانية- سورية سليمة في ظل وجود نظام أمني يعتمد على الظلم والإكراه والتعسف، وأعتقد أنكم أهل البقاع عندكم تجربة أكثر من الآخرين بسبب الجغرافيا، لكن هذا لا يعني أبدأ بأننا ممكن للحظة أن نتخلى لا عن صلتنا بسوريا، ولا عن عروبتنا، ولا عن علاقاتنا، ولا عن تاريخنا، ولا عن جغرافيتنا، ولكن ألا يمكن أن يكون مع كل هذه قليلاً من الحرية، وحق التعبير ووقف الظلم وإنهاء هذا التعسّف أو إنهاء هذا القهر الكبير الذي يعاني منه الشعب السوري؟ أنا أعتقد انه يمكن ذلك، ومن يقول ان هذه العلاقات لا تعيش إلا بين ظالم ومظلوم، وكاره ومكروه، وقاتل وضحية، وجاني ومجني عليه، أبداُ العلاقات لا تقوم على هذا النحو، ولا تعيش ولا تستمر على هذا النحو، فالشيء الوحيد الذي يستمر ويعيش هو ما يحدث الآن، وما سيحدث أكثر وأكثر في كل مكان من العالم العربي الذي يدعو للحرية وللديموقراطية، ولكل الأمور التي عشنا معها وعشنا فيها، أحيانا في حدّها الأقصى وأحيانا في حدّها الأدنى، ولكن دائماً كان لدينا إحساس، حتى في ظل وجود الجيش السوري، وفي ظل وجود الجيش السوري في البقاع وليس فقط في أي مكان آخر، كانت الناس عندها دائماً رغبة بالتحرر، ورغبة بأن تقول رأيها، ورغبة برفض الظلم، وهناك كثيرين عبّروا عن ذلك وظلموا، ولكن أقول ان هذه عابرة وكل ما يقومون به عابر، لن يؤسس لشيء، لن يؤسس حتى للفوضى، لأنه ثبت ان الشعب اللبناني عندما يأتي للمبدأ يقف عند مبدأه، ويستطيع تجاوز حتى الفوضى والعودة الى أصوله وجذوره، ولحقوقه التي لا يستطيع أحد أن يطالبه بالتخلي عنها.

أنا لا أريد أن أُحمّل الأخرين مسؤولية كلامي، لذلك أتمنى أن يُحسب الكلام عليً أنا أكثر مما يُحسب على سواي، نحن الآن في نهاية النفق والضوء أمامنا وليس وراءنا، والضوء سنراه، ربما بعد شهر أو شهرين أو أربعة أو خمسة، ولكن سنراه، ولن يصيبنا أكثر مما أصابنا، ولن نُظلم أكثر مما ظُلمنا، ولن يُعتدى علينا أحد أكثر مما اعتدوا، وكل هذا لن يدفع أحدكم لتغيير موقفه. جميعكم في العام 2005 وفي العام 2009 عبّرتم بطريقة ديموقراطية عن إخلاصكم لمبادئكم ولتفكيركم ولحقكم ولتوجهكم السياسي، والأهم من كل ذلك انه رغم كل ما حصل، ورغم كل الوضع وكل الظّلم وكل القهر، ولا لحظة واحد منكم تخلّى عن حقه السلمي بالتعبير، وأنا متأكد من ذلك، ولذلك هناك من يعتقد انكم غبتم، ولكن هذا ليس صحيحاً. أنا متأكد لو كنتم اليوم أمام صندوق الإقتراع ستعودوا وتنتخبوا كما فعلتم في الـ2005 والـ2009 وفق قناعاتكم ورأيكم، ومهما أخطأنا نحن معكم “بالإذن من أيوب” مهما أخطأنا معكم، يُقال جُلّ من لا يخطىء، ولكن في كل الأحوال لا يجوز لأمور صغيرة أن تُضيّع لنا البوصلة وتُغيّر رأينا.